بقلم وردية بطرس
الطبيب اللبناني الأميركي سامر شربل: يمكن الوقاية من سرطان القولون من خلال التشخيص المبكر وهناك علاجات متقدمة تساعد على الشفاء منه
لا شك أن اللبناني يتفوق في مختلف المجالات في دول العالم ، وهناك أسماء لامعة تركت بصمة في اختصاصات متنوعة ومنها الطب الذي شهد تفوقاً كبيراً ساهم فيه الطبيب اللبناني بشكل مميز. فالابداع اللبناني لا يقتصر على الأطباء فقط، واللبناني مبدع أينما وُجد في العالم. وطبعاً في لبنان لن يكون أقل شأناً في حال ارتاح باله وشعر بالطمأنينة والاستقرار حيال مستقبله. وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات الكبيرة في لبنان فالأطباء الذين برعوا في الخارج لم ينسوا وطنهم بل تظل فكرة العودة تراودهم دائماً حتى لو حققوا نجاحات كبيرة في دول الاغتراب ومنهم الدكتور سامر شربل وهو احد الأطباء اللبنانيين الذين برعوا في مجال تخصصه في أمراض الجهاز الهضمي في أميركا حيث يتولى اليوم رئاسة قسم أمراض الجهاز الهضمي في مركز
MedStar Montgomery Medical Center""
حيث لم يفكر في البداية بالهجرة الى أميركا والاستقرار فيها بل استهوته الفكرة لكي يتمرّن في مستشفى "كليفلاند كلينك" بعدما تم قبوله وطبعاً هي فرصة جيدة لكل طبيب أن يتمرّن في مستشفى عريق مثل "كليفلاند كلينك" الذي يعد واحد من أفضل المؤسسات الطبية في الولايات المتحدة الأميركية.
الدكتور سامر شربل والهجرة الى أميركا
"الأفكار" أجرت مقابلة مع الاختصاصي في أمراض الجهاز الهضمي الدكتور سامر شربل، كما لديه تخصص فرعي في
Advanced endoscopy""
أو التنظير المتقدم لمعالجة الكبد والبنكرياس بدون اجراء عملية جراحية للمريض، وهو أيضاً بروفيسور مساعد في جامعة "جورج تاون" لنتحدث أكثر عن رحلة النجاح في أميركا وعن مجال تخصصه في الجهاز الهضمي ونبدأ حوارنا:
هجرة الأطباء الى الخارج ليست وليدة اليوم، ولكن في السنوات الأخيرة شهد لبنان هجرة كبيرة للأطباء، بداية لماذ قررت الهجرة الى أميركا؟
لقد درست الطب في جامعة القديس يوسف في بيروت، حيث تخرجت من الجامعة في العام 2002 وبدأت تخصصي في مستشفى "أوتيل ديو". وكما تعلمين ان غالبية خريجي الجامعة القديس يوسف يبدأون التدريب في مستشفى "أوتيل ديو" حيث تدرّبت لمدة سنة واحدة. وبالنسبة لسفري الى أميركا فقلد استهوتني الفكرة لكي أتمرّن في مستشفيات أميركا. طبعاً في ذلك الوقت لم تكن الظروف صعبة كما هي اليوم وبالتالي ما استهواني السفر الى أميركا في ذلك الوقت ليس لسبب مادي وما شابه بل بل نوعية التخصص في أميركا، حيث تختلف كثيراً عما هي في لبنان خصوصاً عندما يتم القبول في مستشفى كليفلاند كلينك في "أوهايو" التي هي من أشهر المستشفيات والجامعات العالمية.وعندما انهيت التخصص وتم قبولي في "كليفلاند كلينك" لم يكن مستشفى "اوتيل ديو" يحبّذ أن يترك طلابه المناصب التي يتولونها في المستشفى والانتقال الى أميركا. وأذكر ان البروفيسور الذي كان يشرف علينا في "اوتيل ديو" بعدما تم قبولي في "كليفلاند كلينك" قال لي: ليس أمامي سوى أن أتمنى لك كل التوفيق والخير لأن هذا لا يحصل دائماً، والحقيقة تفاجأ الأطباء من ردة فعله.
ويتابع:
عندما يغادر الشخص لبنان لا يقرر أنه سيبقى في الخارج حيث لا يكون مشروع هجرة بل يفكر بالتخصص من ثم العودة الى لبنان، فالسبب الأساسي هو مستوى التعليم العالي في المستشفيات الكبيرة في أميركا مثل "كليفلاند كلينك"، لأن النظام مبني على أساس أن هناك تركيز كبير على التدريب، بالتالي هناك مجموعة فرص غير متاحة في لبنان أولاً فرصة المشاركة في الأبحاث واعداد المنشورات. كما انه من ناحية التدريب فانClinical exposure "
" الموجود في المستشفيات الكبيرة في أميركا مميزة من ناحية الطبيب المتمرّن حيث تُتاح له الفرصة ليتعلّم الكثير عن الأمراض والمحتوى الطبي خصوصاً ضمن اختصاص أمراض الجهاز الهضمي، فالتكنولوجيا المتوفرة مميزة ليس فقط من ناحية الأساتذة الكبار بل أيضاً تُتاح الفرصة للمتدرب أن يستخدم التكنولوجيا لكي يشعر بعدما ينتهي من التدريب بالثقة بنفسه. ولا شك أن الطبيب يحصل على فرصة ومجال لكي يستخدمها وفي الوقت نفسه يُراقب لكنه يحصل على الفرصة لكي يعمل بيديه ويتخذ القرارات ويتعلم من أخطائه وأخطاء غيره، أي أن النظام قد وضع بهذا الشكل لكي يركز الطالب على التدريب جيداً. ثانياً المستشفيات الكبيرة هي واحدة من الأسباب التي استهوتني السفر الى أميركا والعمل فيها مثل "كليفلاند كلينك". كما أن الطبيب يحصل على "البورد" الأميركي حيث يخوّله ذلك العمل في مستشفيات أوروبا والشرق الأوسط وأميركا الشمالية، فالبورد الأميركي يساعد على توسيع آفاقه حيث يكون لديه فرص عمل وتسهيلات ليختار العمل أينما يريد وبأي بلد.... وطبعاً بعدما انهيت تخصصي وبدأت العمل فكرت جدياً بالعودة الى لبنان مع عائلتي لأسباب اجتماعية وطبعاً لبنان دائماً بقلوبنا اينما كنا فهنا يعيش أهلنا وأقاربنا، ولهذا في البداية لم أكن قد قررت أنني سأبقى في أميركا بشكل دائم، مع العلم انه منذ بضع سنوات تحديداً في العام 2018 كنت قد عزمت على العودة الى لبنان ولكن بعدما ساء الوضع كثيراً في العام 2019 ولا يزال للأسف عدلت عن الفكرة.
مواجهة التحديات لتحقيق الأهداف
* لا شك أن هناك صعوبات وتحديات كبيرة، ولكن الطبيب اللبناني استطاع أن ينجح ويبرع في الخارج فكم كان صعباً عليك كطبيب لبناني أن تنجح وتبرع؟ وهل يتطلب الأمر قدرات عالية للوصول الى المكانة التي وصلت اليها في مجال تخصصك؟
في الحقيقة أن النظام في المستشفيات الأميركية يمنح الأولوية للطالب الأميركي ليتمرّن ، وبالتالي لديه فرصة أكثر من غيره من ناحية التمرين، ولكي يتمكن الطالب اللبناني أو الطالب الأجنبي الذي يتقدم بالطلب أن يحصل على القبول وأن يأخذ مكان الطالب الأميركي يجب أن تكون لديه المقومات والمؤهلات أكثر من الطالب الأميركي، كما أن علاماته في فحص البورد تكون أعلى من الأميركي ، فمثلاً في ببرنامج معين اذا كان هناك طالب لبناني وآخر أميركي والطلب هو نفسه فطبعاً سيمنحون الأولوية للطالب الأميركي ولكن اذا وجدوا أن الفرق كبير بين العلامات الى جانب الأبحاث التي يجريها عندها يأخذون الطالب اللبناني أو الأجنبي لأنه يستحق ذلك.
مشهد هجرة الأطباء الى الخارج مؤلم
لا شك أن هجرة الأطباء اللبنانيين ليست جديدة ولكن اليوم ازدادت أكثر من السابق، كطبيب لبناني أميركي كم يؤلمك المشهد في لبنان لا سيما بعدما تراجع المستوى الطبي في لبنان نتيجة الانهيار الاقتصادي؟
المشهد مؤلم جداً لأسباب عدة، أولاً أهلنا يقيمون في لبنان واليوم نشعر بالقلق بحال احتاجوا للدواء والعلاج، فالمستوى الطبي تراجع في البلد للأسف بشكل كبير وذلك بسبب هجرة الأطباء الى الخارج. وثانياً النقص في الأدوية والمعدات كلها تأثرت بالانهيار الاقتصادي الحاصل في البلد لأن النظام ليس متعلقاً باالطبيب وحده بل هو يحتاج للمواد الأولوية والتكنولوجيا لكي يستخدمها الى ما هنالك. وعندما حصل الانهيار الاقتصادي الكثير من أصدقائي الأطباء اضطروا أن يغادروا لبنان، مع العلم أن الكثير منهم لم يفكروا يوماً بمغادرة لبنان ولكنه للأسف هاجروا الى الخارج بعدما ساءت الظروف.
القطاع الصحي يمكن ان يستعيد ازدهاره
برأيك هل يمكن ان يستعيد القطاع الطبي مكانته وازدهاره قبل الانهيار الاقتصادي في البلد خصوصاً اذا عاد قسم من الأطباء الذين تركوا البلد في الفترة الأخيرة؟
تاريخياً لبنان يمر بمراحل مختلفة والقطاع الصحي أيضاً لأن الأمر يتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية. اليوم للأسف نمر بوضع صعب جداً، ولكن طبعاً بعد كل انهيار وسقوط هناك صعود، هناك دائماً مقومات حتى بمنتصف الأزمة والمشهد القاتم في البلد هناك دائماً ما يدعو للأمل. كما أن الطبيب اللبناني أو الطالب اللبناني جدي زطموح ولديه الكفاءة فبمجرد أن يكون هناك ضوء أمل فلن يتطلب الأمر وقتاً طويلاً لكي تعود الأمور كما كانت قبل الانهيار ، لأن الكثير من الأطباء الموجودين في الخارج وأنا منهم نحب العودة الى لبنان لمجموعة أسباب منها اجتماعية ومنها التعلق بالوطن. فاذا تحسنت الأمور فلا أرى أنه سيأخذ وقتاً ليستعيد القطاع الصحي مستواه وازدهاره.
عوامل الاصابة بسرطان القولون
نأتي الى مرض سرطان القولون فكما تبين الدراسات أن نسبة الاصابة به تزداد في العالم فهل هناك عوامل جديدة تؤدي للاصابة بهذا المرض أكثر من السابق؟
لسرطان القولون مجموعة من العوامل، فهناك عامل وراثي يتعلق بعائلة المريض اذا كان المرض متوارثاً. والعامل الثاني هو البيئة المحيطة بالانسان الذي يتعلق بنمط الحياة ،مثلاً ان البدانة هي واحدة من عوامل الخطر للاصابة بسرطان القولون، ومن ناحية النظام الغذائي فاذا كان استهلاك اللحوم الحمراء عالية والدهون تزيد من نسبة الاصابة بسرطان القولون ومن جهة أخرى ان تناول الفواكه والخضراوات الذي يتبعه حوض البحر المتوسط يحمي من الاصابة بالمرض بنسبة معينة. ففي المجتمعات الغربية نرى ان استهلاك الوجبات السريعة هي من العوامل التي أدت الى زيادة الاصابة بسرطان القولون. وطبعاً عندما يتحول نظام غذائي مبني على الفاكهة والخضراوات والألياف الى الوجبات السريعة والسكريات والدهون المشبعة واللحوم المصنّعة فستزداد نسبة الاصابة بالسرطانات ومنها سرطان القولون.
أعراض سرطان القولون
وهل تتشابه أعراض الاصابة بسرطان القولون لدى الناس أم يختلف الأمر بين شخص وآخر؟
هناك مجموعة من الأعراض فقد يرى المريض دم في الخروج أول نوع خروج لون أسود، كما أنه كان لديه انتظام بالخروج وفجأة يحصل معه ارتباك اي مرة امساك ومرة أخرى اسهال، وقد يعاني المريض من فقر الدم، ولكن سرطان القولون خصوصاً في المراحل المبكرة ففي كثير من الأحيان لا يكون لديه أية أعراض، ومن هنا أهمية التشخيص والوقاية بمعنى اليوم هناك توصيات أنه بعمر معين على المريض بعمر 45 أن يخضع لفحص التنظير للوقاية من سرطان القولون.
أهمية التشخيص والوقاية من سرطان القولون
وبالسؤال عن التشخيص المبكر يقول:
ان سرطان القولون شائع جداً حيث أن 1 على 20 شخصاً معرّضاً للاصابة بسرطان القولون خلال حياته. كما أن نسبة الوفيات التي يسببها سرطان القولون عالية جداً، فمثلاً في أميركا 50 ألف شخص يفارقون الحياة بسبب سرطان القولون وبالتالي هو ثاني أكثر سرطان يسبب الوفيات بعد سرطان الرئة. فعلى الناس أن يدركوا أن سرطان القولون يمكن الوقاية منه لأن تكوينه يتطلب وقتاً طويلاً، يعني يبدأ أولاً لحميات في المصران ولكن تلك اللحميات تأخذ وقتاً طويلاً لكي يتحوّل الى السرطان. فاذا خضع المريض لفحص التنظير بالعمر الذي حددته التوصيات العالمية يقدر الطبيب أن يزيل اللحميات التي تظهر في المصران، بالتالي متابعة الطبيب للمريض عندها يتم ازالة اللحميات ويُعالج أي لا يسمح للمريض بأن يُصاب بالسرطان لأن اللحميات قبل أن تتحوّل الى سرطان يمكن الوقاية منه، لهذا نخضع المريض لفحص التنظير ويتم ازالة اللحميات قبل أن تتحوّل الى سرطان وبذلك نمنع أن يتحوّل الى سرطان. ان التشخيص المبكر يساعد على الشفاء من سرطان القولون أكثر بكثير من التشخيص المتأخر أي قبل أن ينتشر الى الكبد أو أعضاء أخرى، فاذا قمنا بازالته بشكل مبكر فالمريض يخضع لعملية جراحية لاستئصاله ونسبة الشفاء منه عالية جداً اذا تم كشفه في المراحل المبكرة.
سرطان القولون يصيب الانسان كلما تقدم في السن
هل يصيب سرطان القولون كل الفئات والأعمار؟
تزيد نسبة الاصابة بسرطان القولون كلما تقدم الانسان في العمر. ونادراً ما يصيب سرطان القولون الانسان بسن صغير ولهذا يُوصى باجراء فحص التنظير بعمر 45 حتى لو لم يكن المرض متوارثاً في العائلة. وبالنسبة للأشخاص الذي يكون سرطان القولون متوارثاً في العائلة فعليهم أن يخضعوا لفحص التنظير بسن الأربعين.
العلاجات
ما هي العلاجات المتوفرة لسرطان القولون؟
ان علاج سرطان القولون يعتمد على مراحل المرض أي بأي مرحلة يكون السرطان، حيث يتم تقسيمه الى أربعة مراحل ففي المرحلة الأولى يكون المرض في بدايته حيث يخضع المريض للعملية الجراحية ويشفى منه، فاذا كانت المرحلة متقدمة فبالاضافة الى العملية الجراحية على المريض أن يأخذ العلاج الكيميائي. ونسبة الشفاء بعد العلاج الكيميائي يعتمد على المرحلة التي وصل اليها السرطان فاذا كانت في المرحلة الثانية أو الثالثة تكون نسبة الشفاء مقبولة، ولكن في المرحلة الرابعة يقدر المريض وبفضل العلاجات الجديدة أن يعيش لسنوات عدة حتى لو كان بمرحلة متقدمة ،ولكن لا نقدر أن نقول أنه سيحصل على الشفاء التام مع المرحلة الرابعة، ولكن في الغرب تطورت العلاجات ،فهناك الكثير من العلاجات حيث يمكن استئصاله اذا وصل الى الكبد، فاذا انتشر في الكبد بنسبة معينة من الممكن أن يتم استئصال الورم في الكبد ولكنها عمليات كبيرة. من هنا أهمية التشخيص المبكر والوقاية من سرطان القولون التي هي أسهل من علاجه في المراحل المتقدمة. وطبعاً هناك فحوصات أخرى ممكن أن تُجرى اذا لم يرد المريض اجراء فحص التنظير وذلك باجراء فحص الخروج وهذه مقبولة للأشخاص الذين لا يودون أن يخضعوا لفحص التنظير.