أصبح لبنان في السنوات الماضية يعتمد، بشكل أساسي، على "إقتصاد الكاش" أو Cash Economy، ومن يسمع بهذا الأمر قد يعتبره طبيعياً نظراً لكون لبنان مرّ بأزمة حقيقية، وبات التعامل عبر المصارف صعباً ما سهّل الإتجاه أكثر نحو إقتصاد "الكاش".
وحتى يخرج لبنان من دائرة الخطر، لناحية تخفيض تصنيفه من قبل مجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، عليه القيام بإجراءات معيّنة، إلا أن ما يحصل عملياً هو العكس. وهنا تتساءل مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، كيف يعقل مثلاً لدولة أن تسمح لشركة كهرباء لبنان أن تجبي بالدولار؟ وتضيف: "من يراقب هذا الاجراء يبدو له وكأن الدولة تشارك بتبييض الأموال لأنها فتحت باب "الكاش" وبالعملة الصعبة أيضاً، في حين أنه يمكنها الاستمرار بالجباية بالليرة".
عملياً أساس النموّ الإقتصادي هو التفاعل بين اللاعبين الإقتصاديين، واقتصاد "الكاش" مخيف لأنّ الفرد يعمل لوحده وليس بالتعاون مع مجموعة. لبنان كان اقتصاده في التسعينيات حوالي 3 مليار دولار، مطلع عام 2000 وصل إلى 6 مليار دولار تقريباً، وما بعد العام 2015 وصل إلى 55 مليار دولار. وهنا تشير المصادر إلى أن "هذه الأرقام وصل اليها لبنان جراء التعاون بين اللاعبين، ومفتاح التعاون هو القطاع المصرفي".
"اقتصاد الكاش ناجم عن فقدان الثقة بالقطاع المصرفي، ولأننا وضعنا أموالنا في المصارف ولسنا بأكيدين أننا سنستعيدها". ها ما يؤكده الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، الذي يلفت، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن "القطاع المصرفي أساسي لزيادة فعالية النشاط الاقتصادي، فقام الناس والتجّار بردة الفعل الا وهي العمل "بالكاش" بظلّ عدم وجود قطاع مصرفي، وبالتالي يستطيعون التهرّب من الضرائب"، شارحاً أنه "بوجود القطاع المصرفي كان لدى القضاء قدرة على الملاحقة ومعرفة إمكانيّة حجم أعمال الافراد بينما بـ"الكاش" يستحيل ذلك".
ويشير عجاقة إلى أن "إقتصاد الكاش يسهّل "تبييض الاموال"، خصوصاً في المهن الحرّة وغيرها، كما يحقّق التجار أرباحاً كبيرة لأنهم ببساطة لا يستوردون نفس الكمّية التي يعلنون عنها". ويؤكد عجاقة أن "اقتصاد الكاش محارب بالقانون 42 الذي يتحدث عن نقل أموال الكاش عبر الحدود، والقانون 43 الذي يتحدث عن تبادل المعلومات الضريبية، والقانون 44 الذي يتحدث عن مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب"، مشيراً إلى أن "تلك القوانين بحاجة إلى قضاء لتنفيذها".
إذاً، تتجه الأنظار إلى الأشهر المقبلة، التي سيصدر فيها تقرير مجموعة العمل المالي الدولية بخصوص لبنان، والمشكلة بحسب المصادر أن "الكاش" أصبح بالعملة الصعبة، وبالتالي السؤال هنا كيف ستتلقى المجموعة المذكورة الاجراءات المتخذه حديثاً، على سبيل المثال الدفع لشركة كهرباء لبنان بالدولار؟. وتشير المصادر الى أنه "وفي حال ساءت الأمور وكان التقرير غير جيّد، فيمكن أن يواجه لبنان مشاكل في الاستيراد مثلاً، عبر إيجاد صعوبة في فتح الإعتماد وبالتحاويل".
بالمختصر، بإنتظارنا سيناريو من ثلاثة، فإما نبقى على اللائحة البيضاء، أو نصنّف في اللائحة الرماديّة ويصبح هناك تشدّد في العمليّات، أو ننتقل إلى اللائحة السوداء، بما معناه أنهم باتوا يعتبرون أن هناك خطراً من البلد المصنّف على هذه اللائحة "نتيجة تبييض الأموال" ولا يتعاملون معه، وبالتالي نحتاج الى دولة ثالثة لنستطيع الاستيراد مثلاً...