تفاصيل الخبر

هل من خطة لايقاظ " الفتنة النائمة" واستعادة اجواء " الحرب" طلائعها تمديد التوقيت الشتوي ومواجهة الجميل- خليل؟

30/03/2023
هل من خطة لايقاظ " الفتنة النائمة" واستعادة اجواء " الحرب" طلائعها تمديد التوقيت الشتوي ومواجهة الجميل- خليل؟

مجلس الوزراء عاد عن قرار تأجيل اعتماد التوقيت الصيفي

 

ما حصل في الايام العشرة الماضية في لبنان لم يكن مجرد تمديد التوقيت الشتوي لمدة شهر بسبب رمضان المبارك ثم العودة عنه بعد ردود فعل طائفية ومذهبية، ولم يكن ايضا مجرد مشادة بين نائبين في مجلس النواب قيل فيها كلام كبير تجاوز المألوف وانتهى باعتذار احدهما من الاخر... ما حصل كان باختصار " بروفا" لم تكتمل فصولها لفتنة طائفية كانت نائمة وجاء من يوقظها ليشعل من جديد ما يمكن ان يكون حربا اهلية مستعادة تغذيها الخلافات القائمة والتي قسمت اللبنانيين الى معسكرين، واحد يسمى " الممانعة" والثاني " السيادة"، فيما الحقيقة المؤلمة ان ما حصل اظهر انقساما حادا بين المسيحيين والمسلمين تعزز بما رافق الخلاف حول التوقيت الصيفي وداخل اللجان النيابية المشتركة، من حملات اعلامية ومواقف وشعارات وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي دلت- ويا للاسف- ان الكلام الجميل والمنمق الذي يردده اهل السياسة في لبنان حول " العيش المشترك"، و" التعايش الاهلي" و" الوحدة الوطنية" وغيرها من العبارات الجميلة، لا يأتلف مع الواقع القائم فعليا، حيث المذهبية والطائفية لا تزال معشعشة في النفوس والعقول " ويا غيرة الدين" هو الشعار الاصدق الذي يظهر فجأة عند اول حادث مهما كان بسيطا. وأبعد من الانعكاسات السلبية التي احدثها الخلاف على اعتماد توقيت جديد، او المواجهة التي دارت في اللجان النيابية، فهو ان امكانية التوافق لايجاد حل للاستحقاق الرئاسي الموعود لا تزال بعيدة المنال لاسباب داخلية وخارجية في آن.

 

ابرز ما حصل كانت ازمة التوقيت الصيفي التي بدأت حين قرر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تأخير اعتماد التوقيت الصيفي شهرا كاملا مراعاة لاوضاع الصائمين في شهر رمضان المبارك،  لكن هذا القرار التي اتخذه ميقاتي بعيدا عن مجلس الوزراء، قوبل برفض واسع من المكون المسسيحي في البلاد عبر عنه بقوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والاحزاب المسيحية الكبرى: " التيار الوطني الحر" و" القوات اللبنانية" و" الكتائب"، اضافة الى نواب متفرقين بين مستقلين و " تغييريين". وبدا من سياق الاصوات ان ميقاتي اتخذ قراره بناء على رغبة من الرئيس نبيه بري تجاوزت اطار " التمني" وصولا الى حد الاصرار على رغم محاولة ميقاتي  تجنب هذا الامر. وانطلقت الاصوات المعترضة مع حملات واسعة ضد ميقاتي وبري ورافقها بيان صدر عن بكركي بعدم الاقرار بتمديد التوقيت الشتوي واعتماد التوقيت الصيفي. وهكذا صار في لبنان من يتحدث عن توقيتين: توقيت البطريرك وتوقيت الثنائي بري- ميقاتي، واختلط الحابل بالنابل واشتدت الحملة ضد الرئيس ميقاتي الذي اصدر بيانا، بعد بيان بكركي، لم يتراجع فيه عن قرار تمديد التوقيت الشتوي رافضا الحملات التي استهدفته والغى جلسة لمجلس الوزراء كان دعا اليها، الامر الذي فسّر وكأن رئيس الحكومة قرر الخطو في اتجاه الاعتكاف، وليتحمل كل طرف مسؤولية ما ستكون عليه حال البلاد التي تتجه اصلا وبخطى سريعة نحو الانهيار. وتردد في هذا السياق ان ميقاتي هدد بالسفر وعدم العودة للتدليل على انزعاجه مما قيل عنه في المحافل السياسية والروحية المسيحية والذي حمل ابعادا طائفية متورمة عكست ما يختلج في باطن النفوس وما تخفيه من نيات مضمرة اظهرت ان التعايش الذي يتغنى به اللبنانيون ليس سوى " قشرة رقيقة" تغلّف بلدا مشطورا الى شطرين يعكس انقساما حادا ينكره الجميع، في ما هو حقيقة قائمة.....

 

ميقاتي: قدرتي باتت قيد النفاذ

حيال هذا الواقع الذي كاد ان يؤدي الى توقف ميقاتي عن تصريف الاعمال، تحركت الاتصالات في اكثر من اتجاه وابرزها اجتماع ضم الرئيس ميقاتي والرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام خلص الى ضرورة معالجة ما حصل والعودة عن القرار من خلال مخرج دستوري ظهر في جلسة استثنائية لمجلس الوزراء اكدت على قرار سابق لمجلس الوزراء اتخذ في شهر آب ( اغسطس) 1998 كان اكد على التزام روزنامة التوقيتين الشتوي والصيفي العالميين المحددين لموعد بداء سريان كل منهما ونهايته. وهكذا انتهت مشكلة التوقيت التي اوشكت ان تدخل البلاد في نزاع اهلي طائفي مستعاد من الماضي كاد ان يتطور الى " حرب" بابعاد دينية،   لكن الابعاد السياسية للمشكلة لم تننته وهي ستتفاعل حكما بعدما احدث الخلاف على التوقيت شرخا كبيرا في الجسم اللبناني المتصدع بكل مكوناته. اما البعد السياسي الابرز فهو التركيز على عدم صلاحية الرئيس ميقاتي باتخــــاذ قرارات بمعــــــزل عن مجلس الوزراء تحت مسمى " الموافقة الاستثنائية" لان هذه " البدعة" كانت معتمدة في ظل وجود رئيس الجمهورية، لكنها تنتفي في غيابه لان صلاحياته تنتقل وفقا للدستور الى مجلس الوزراء مجتمعا. وقد شكا معارضو ميقاتي مرارا من استنسابه في اصدار موافقات استثنائية مثل استنسابه في الدعوة الى جلسات مجلس الوزراء، الامر الذي يؤدي في كل مرة  الى شن حملة انتقاد واسعة ضد الرئيس ميقاتي الذي قرر بعد جلسة مجلس الوزراء الاثنين الماضي التي اعادت العمل بالتوقيت الصيفي والغت قرار تمديد التوقيت الشتوي ان " يبق البحصة" ، لافتا الى ان قرار تمديد التوقيت الشتوي اتخذه بعد التشاور مع الرئيس بري، وانه لم تكن له ابعاد مذهبية او طائفية " وما كان قرار كهذا يستوجب كل هذه الردود الطائفية البغيضة والتي دفعتني لأتساءل عن جدوى الاستمرار في تحمّل المسؤولية عمّن عجز عن تحمّلها بنفسه، واقصد هنا النخبة السياسة التي اتّفقت على كل رفض وسلبية لهذا المرشّح او ذاك لرئاسة الجمهورية، وعجزت حتّى عن وضع قائمة اسماء مرشحين للرئاسة للبدء بالعملية الانتخابية". ودعا الى " انتخاب رئيس جديد للبلاد وتأليف حكومة جديدة من دون ابطاء"، معتبرا انه تحمل " ما ناءت تحته الجبال من اتهامات واضاليل وافتراءات وصمدت وعانيت بصمت، غير اني اضع الجميع امام مسؤولياتهم"، محذرا " ان كرة النار اصبحت جمرة حارقة، فاما نتحملها جميعا واما نتوقف عن رمي التهم والالفاظ المشينة بحق بعضنا البعض". وقال ميقاتي: " اسهل ما يمكن أن اقوم به هو الاعتكاف عن جمع مجلس الوزراء، واصعب ما اقوم به هو الاستمرار في تحمّل المسؤولية.حقا انني أمثل جميع اللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم، ولكنني ايضا أمثّل مكوّنا وطنيا أساسيا في الحكم وأعتز بذلك. ونبه الى ان " لكل انسان قدرته على التحمل" اما قدرتي فهي قيد النفاد"، واعتبر ان " المسؤولية المشتركة ولا يمكن، ومن غير العدل ان تلقى على عاتق شخص او مؤسسة ويقف الاخرون متفرجين او مزايدين". وقال : " اللهم اشهد اني عملت ما في وسعي فلا تكلفني  ما لا طاقة لي به".

 

كلام ميقاتي اوحى بان مسألة الاعتكاف لا تزال تراوده لاسيما وان وزراء في حكومته لم يقفوا الى جانبه في ما تعرض له من حملات حتى ان بعضهم كان اعلن انه سيغيب عن جلسة مجلس الوزراء قبل ان يلغيها ميقاتي في " لحظة غضب" كما قيل. كذلك كان موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لافتا في هذا المجال وبرز من خلال بيان اصدره ممثله في الحكومة وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي بالتزام المؤسسات التربوية الدوام الصيفي ( عكس مذكرة رئيس الحكومة)، ثم عاد وسحبه بعدما تقرر العودة عن اجراء تمديد التوقيت الشتوي من خلال مجلس الوزراء لان قرار اعتماد الدوامين الصيفي والشتوي صادر عن مجلس الوزراء ولا يمكن تعديله  الا في مجلس الوزراء. واعتبرت مصادر متابعة انه في حساب الربح والخسارة فان الرئيس بري الذي كان وراء قرار تمديد التوقيت الشتوي من خلال الحاجة على اعتماده، اصيب بنكسة في قدرته على ادارة البلاد كما يريد وتركيب " دينة الجرة" حيث ومتى يريد، لان استعادة مجلس الوزراء زمام القرار وتصويبه اعاد وضع الامور في نصابها وابرز توازن القوى في اختبار قوى لم يكن له ما يبرره، اما الشارع المسيحي فخرج قويا اذ بدا، من خلال تضامنه، قادرا على فرض الصواب وتعطيل قرارات يصفها بــ " العشوائية" ولا تقيم للنتائج الاقتصادية وزنا. اما الرئيس ميقاتي الذي بدا بعد جلسة مجلس الوزراء  منزعجا الى حد الاستياء، فقد خرج من هذه " المواجهة" مثقلا اذ حمله الاطراف مسؤولية ما حصل، علما انه لم يكن هو المبادر الى اتخاذ هذه الخطوة بل الرئيس بري. من هنا كانت اشارته في البيان الذي تلاه ان قدرته باتت " قيد النفاد"، وان " المسؤولية مشتركة ولا يمكن ومن غير العدل ان تلقى على عاتق شخص او مؤسسة ويقف الاخرون متفرجين او مزايدين". ومن نتائج ما حصل " احباط" نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي " احتضن" ميقاتي ومهد للجلسة الوزارية. علما ان النادي غاب عنه الرئيس سعد الحريري الموجود خارج لبنان، والرئيس سليم الحص بداعي المرض، والرئيس حسان دياب الذي لم يعرف سبب غيابه.

اما الحدث الثاني الذي احيا النعرات الطائفية، فكانت المواجهة الكلامية التي دارت في اجتماع اللجان النيابية المشتركة بين رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والمعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل والتي تضمنت عبارات قاسية من قبل النائب خليل في حق حزب الكتائب والرئيس امين الجميل والنائب الجميل نفسه، وذلك في اثناء مناقشة اقتراح قانون قدمه النائب خليل بتخصيص اعتمادات لتغطية نفقات الانتخابات البلدية والاختيارية. هذه المواجهة سببت ردود فعل سياسية وطائفية ومذهبية، امكن الحد منها من خلال مبادرة الرئيس بري الى الاتصال بالنائب الجميل، وتلاه اتصال من النائب علي حسن خليل اعتذر فيه عما قاله في الجلسة بحق آل الجميل وحزب الكتائب، لكن ذلك لا يلغي ان ما حصل على صعيد تمديد التوقيت الشتوي والمواجهة في اللجان النيابية المشتركة ايقظ فتنة كانت نائمة وعكست وجود ازمة حقيقية بين مكونات  المجتمع اللبناني وان اي معالجة سطحية لهذه المشكلة ستزيدها عمقا واتساعا، وان المطلوب معالجة جدية وحقيقية لان ما شهده لبنان خلال الايام العشرة الماضية كاد يعيد عقارب  الساعة الى الوراء وحجب الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي المجمد حاليا باستثناء حركة السفراء والموفدين التي لا تزال تنتظر " ترياقا" قد يأتي وقد لا يأتي في وقت قريب وان كان بعض المتفائلين يتحدث عن ان " الفرج آت" بعد عطلة عيد الفطر المبارك اي اواخر شهر نيسان ( ابريل) المقبل! الا ان ملازمة الرئيس ميقاتي منزله بعد جلسة الوزراء اوحت وكأن خيار الاعتكاف لا يزال واردا لدى رئيس حكومة تصريف الاعمال.