تفاصيل الخبر

هل يسحب رفض " القوات"و " التيار دعوة بري للحوار على محاولة البطريرك الراعي جمع القيادات المارونية؟

21/12/2022
هل يسحب رفض " القوات"و " التيار دعوة بري للحوار  على محاولة البطريرك الراعي جمع القيادات المارونية؟

الرئيس نبيه  بري

 

عندما وجه رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة الى الكتل النيابية للتحاور حصرا في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية العتيد، كان يدرك ضمنا ان دعوته الثانية ستلقى مصير دعوته الاولى، اي الرفض او الطلب بالتريث من الفريقين المسيحيين، " القوات اللبنانية" و " التيار الوطني الحر" وربما من افرقاء اخرين، لكنه مع ذلك اصرّ على توجيهها ليس فقط للمحافظة على زمام المبادرة فحسب، بل كذلك لوضع الجميع امام مسؤولياتهم علما انه كـــــان يعرف ان " القوات اللبنانية" سوف ترفض الجلوس مع " التيار الوطني الحر" على طاولة واحدة، وهي التي سبق ان رفضت استقبال وفد " تكتل لبنان القوي" الذي كان يقوم بجولات على الكتل النيابية ومعه المبادىء التي حددها لمقاربة ملف الاستحقاق الرئاسي بعد شغور الموقع الاول في الدولة، ما دل انذاك على ان  " القوات" لا تريد ان تتحاور مع " التيار البرتقالي" بعد الخلاف الذي قام بين الحزبين وتعمق اكثر واكثر في الانتخابات النيابية في ايار ( مايو) 2020. كان الرئيس بري يدرك ايضا ان الحملة الشرسة التي يتعرض لها في كل جلسة من جلسات انتخاب الرئيس، تعززها مواقف نواب" القوات" الذين بالغوا بتحميله مسؤولية مباشرة حيال المراوحة السياسية في الاستحقاق وارتداداتها. وحزب " القوات " لم يكن وحده في الحملة اذ شارك فيها، وان على تقطع، حزب الكتائب ورئيسه النائب سامي الجميل.

 

دعوة بري الى الحوار ستتكرر

وتقول مصادر قريبة من الرئيس بري انه وجه الدعوة الثانية الى الحوار مع علمه المسبق بردود الفعل حيالها لاعتبارات عدة اولها الحيلولة دون تحوّل جلسات الانتخاب الى مشهد روتيني مملّ ودون أن يتحوّل المجلس الى مجرد منبر إعلامي يرفع من مستوى الاحتقان الداخلي وينقله الى مراحل أصعب وثانيها المبادرة الى إشغال الآتين الى جلسات المجلس بنيّة الهجوم وإثارة الضوضاء والضجيج ووضعهم في موضع الدفاع، إذ إن توجيه الدعوة الى طاولة حوار وطني حيال ملفّ بهذه الحساسية وفي ظل هذه الظروف الصعبة أمر لا يمكن أي قوة معنيّة تجاهله وإغفاله بل هي محكومة بالتفاعل والردّ سلباً أو إيجاباً وعلى كلا الأمرين ثمة ما يتبع. ومعلوم انه عندما وجّه الرئيس بري دعوته الأولى الى تلك الطاولة وعمر الشغور لم يتعدّ الأيام، أتاه سريعاً ومباشرة الرد السلبي من جانب التيار البرتقالي ومن جانب حزب "القوات" الى آخرين. ولكن هذه المرة اضطر حزب "القوات" الى الظهور بمظهر المتأني للنظر في عرض رئيس المجلس فاستنفد ما لايقل عن 36 ساعة قبل أن يجاهر برفضه مقروناً بدعوة بري الى سحب دعوته من حيّز التداول وكأنها لم تكن.وفي المقابل بدا التيار البرتقالي أكثر تريثاً في التفاعل مع الدعوة، إذ بدا رئيسه جبران باسيل أكثر مرونة وأقل حدّة عندما قال في أثناء مقابلته المتلفزة أخيراً إن دعوة بري جديرة بالدرس تاركاً لحزب "القوات" أمر المبادرة الى رفضها مباشرة ليعلن هو لاحقاً اعتراضه وإن بشكل أكثر سلاسة.وفي كلتا الحالين بدا بري في موقع الفعل الإيجابي لكون الدعوة هي الى حوار وطني يُفترض أن يفضي الى إنهاء أزمة تلقي بظلالها الثقيلة على الوضع الحالي والمستقبلي في البلاد وهي أزمة الشغور الرئاسي، فيما انزلق الآخرون الى موقع "المعرقل" و"المعقد" وواضع العصيّ في الدواليب بل وموصد الباب أمام فرصة ولو ضئيلة الخروج من نفق الأزمة. ولا ريب في أن بري الذي تتقاطع عنده كل الوقائع والمعطيات هو على بيّنة من معطيات سرت أخيراً وفحواها: أن الشغور الرئاسي "أطول ممّا تتوقعون" وأن الذين استمروا في لعبة الترويج الإعلامي لسيناريوات مفادها أن الشهرين الأولين من السنة المقبلة هما موعد ثابت بغية الكشف عن الطبخة الرئاسية التي يصار الى إنضاجها أخيراً على نار هادئة بمباركة فرنسية – سعودية وقطرية أيضاً وأن بطلها الرئيسي الموعود معروف باسمه وبمواصفاته هو أقرب ما يكون الى "عملية بيع للأوهام". فالرئيس بري يعلم علم اليقين أن مسألة انتخابات الرئاسة الأولى عادت الى مربّع المرحلة الطويلة التي سبقت عملية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً في عام 2016 وما تخللها حينذاك من تعقيدات وصفقات وهي المرحلة التي استهلكت نحو 47 جلسة انتخاب في ساحة النجمة في وسط بيروت. ولا شك في أن هذه القناعة تمهّد لمعادلة فحواها أن لا الداخل قادر الآن على إنتاج صيغة تسوية يتم التوافق فيها على اسم رئيس معيّن ولا الخارج مستعجل ليلقي "بركته" المنتظرة على مثل هذه الصيغة المنتظرة ويبادر الى إعطاء الضوء الأخضر لانتخاب رئيس جديد ينهي الشغور الرئاسي الذي بدأ عمليا منذ نهاية الشهر الماضي.

في اي حال، يقول المتابعون ان الرئيس بري لن " ييأس" وهو يعتقد ان الذين يرفضون دعوته اليوم، سيجدون انفسهم مضطرين الى قبولها في وقت لاحق، لاسيما وان كل الاتصالات واللقاءات في الداخل والخارج، لن تنتج الاتفاق على رئيس جديد اذا لم ينطلق الاتفاق من الداخل، والتجارب على ذلك كثيرة منذ ان اسقط " الداخل" مبادرة الرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون" في الاول من ايلول _سبتمبر) 2020 في ما عرف بــ " ورقة الطريق" التي قدمها الى القادة اللبنانيين خلال لقائه بهم في قصر الصنوبر والتي " بلها القادة وشربوا زومها" كما يقول المثل العامي، وها قد مرت الايام ودخلت " ورقة ماكرون في غياهب النسيان"... الا ان  الانعكاس الاخر لرفض " القوات" و" التيار" وخلفهما حزب الكتائب لدعوة بري تكمن في ما سيكون عليه موقف الاحزاب المسيحية في ما لو وجه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الدعوة الى القيادات المسيحية للالتقاء في بكركي لاسيما وان الحديث تجدد عن امكانية قيام البطريرك بالتحضير لمثل هذه المحاولة الشهر المقبل اذا تمكن من تجاوز سلسلة من الالغام و"الفيتوات" المتبادلة. وما وفرته الكنيسة المارونية سابقاً من تأييد لقانون الانتخاب الساري الى تطبيق اللامركزية الادارية وغيرها من المشاريع، الا انها تبدو عاجزة عن جمع أكبر رأسين سياسيين في الطائفة. ويُعتقد ان جعجع لا يريد ان يحرق اصابعه بجلسات حوارية من غير المضمون ان تؤدي الى التفاهم على اسم ما دام كل فريق قد كشف أوراقه. ولذلك تدعو "القوات" التي رفضت دعوة الحوار الجميع للنزول الى المجلس وعدم المقاطعة او فرط نصاب جلسة الانتخاب وعدم السير في تعطيل واضح لموجب دستوري.

وفي انتظار حصول تطور ايجابي في الملف الرئاسي في السنة المقبلة، لا بد من التوقف عند الخصومة المفتوحة بين جعجع وباسيل وضرورة تفكيكها، او على الاقل وضعها جانبا بمساع من بكركي اولاً، إذ يقدر كل منهما من موقعه على تعطيل الاستحقاق.