... اخيرا نجح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في " مصالحة" وزير الدفاع الوطني موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون بعدما وصل الخلاف بين الرجلين الى حد غير مسبوق في تاريخ التعاطي بين وزراء الدفاع وقادة الجيش منذ الاستقلال الى اليوم. نجح ميقاتي في جمع الرجلين في مكتبه حيث فشل آخرون سعوا الى جمعهما، لكن الشروط والشروط المضادة كانت تحول دون هذا اللقاء لــ " غسل القلوب"، اولا، ثم تصبح الاخطاء التي نتجت عن هذا الخلاف الذي يحمل كل من الوزير والقائد المسؤولية عنه الى الاخر. " حبكت" مع " شيخ الصلح" الرئيس ميقاتي بعدما اعتمد شعاره المشهور " النأي بالنفس" وترك الخلاف يتصاعد حتى وصل الى حد تجمدت فيه معاملات الجيش بسبب اجراءات اتخذها العماد عون اعتبرها وزير الدفاع تعد على صلاحياته، مثل فصل ضابط آخر الى المديرية العامة للادارة بالاسلوب نفسه، علما ان كل من المفتشية والمديرية العامة للادارة تتبعان بموجب قانون الدفاع الوطني الى سلطة الوزير مباشرة ولا سلطة لقائد الجيش عليهما. لكن الامور وصلت الى حد بالغ الخطورة عندما اتخذ قائد الجيش قرارا تجاوز فيه حق وزير الدفاع باعطاء رخص السلاح، واعتبر بطاقات " تسهيل المرور" التي تمنحها مديرية المخابرات في الجيش بمثابة رخض حمل سلاح، وهو امر يخالف القانون بشكل واضح واستعمل الوزير حقه في اعتبار قرار القائد انتهاكا للقوانين ملوحا بالمحاسبة.
اعد الرئيس ميقاتي " سيناريو" لتحقيق المصالحة، فاستنبط اجتماعا للبحث في الاوضاع المالية للعسكريين، جمع قادة الاجهزة الامنية مع الوزراء المختصين، ولاحظ انه خلال الاجتماع كان الجو " محتقنا" بين الوزير والقائد والقطيعة كاملة، فبادر بعد انتهاء الاجتماع الى جمع الرجلين في مكتبه وكانت جلسة مصارحة لم تخل من الحدة حاول فيها الرئيس ميقاتي ان يظهر مظهر " الحكم" وان كانت مشاعره معروفة التوجه. قال الوزير ما عنده وكذلك القائد، ثم تعاتبا الى ان انتهى العتاب الى دعوة من ميقاتي ليتعانقا.... وهكذا حصل في مشهد لم يخف فيه رئيس الحكومة " تأثره" منه وكذلك " المتخاصمين". وحتى يكتمل المشهد اتصل الوزير سليم بالعماد عون في اليوم التالي ودعاه الى اجتماع في مكتبه كان بمثابة جلسة لاستكمال المصارحة ووضع " استراتيجية" جديدة لعلاقتهما كما اوصاهما الرئيس ميقاتي قبل ان يغادرا مكتبه. وكانت " ثمرة" سريعة لــ " المصالحة" رفع الاجراءات " الردعية" التي كان اتخذها قائد الجيش بحق زوار الوزير والضباط الذين يعملون معه في الغرفة العسكرية فسمح لهم بدخول حرم الوزارة بسياراتهم بدلا من الدخول سيرا، واعاد قسائم البنزين والمستحقات التي كان حجبها عن فريق عمل الوزير، وغير ذلك من الاجراءات " الشكلية" االتي لا تدخل في صلب الخلاف بين الوزير والقائد. لكن بقي الاهم وهو ماذا سيحل بالتعيينات في المفتشية العامة، وهل سيعود الضباط الذين فصلهم قائد الجيش من مكتب الوزير ومنهم من يحمل صفة قانونية اساسية لعمل الغرفة العسكرية حيث تصفى كل معاملات المؤسسات القائمة في وزارة الدفاع، وغيرها من المسائل الاساسية؟ ام ان الامور ستبقى على حالها ويكون اجتماع السرايا " كسر الجليد" فقط كما قالت مصادر حكومية؟
نجاح " المصالحة" بتصحيح الاخطاء
يقول المطلعون ان نجـــــاح " مصالحة" الوزير والقــــائد مرهون بعدم جعلها " هدنة مؤقتة"، وهذا الامر يتوقف على الرجلين معا اولا ثم على تصحيح ما سمي بــ " الخلل" الذي تعيشه مؤسسات وزارة الدفاع ولاسيما منها المفتشية العامة والغرفة العسكرية وغيرها. قد يكون من التفاصيل الصغيرة الاشارة الى ان الموقع الرسمي للجيش على " تويتر" لم ينشر خبر استقبال وزير الدفاع لقائد الجيش في مكتبه وان المكتب الاعلامي للوزير هو الذي تولى توزيع الخبر والصورة مع فيديو صامت، لكن المتابعين يرون ان " المصالحة" ستبقى تحت " الاختبار" حتى يظهر الخيط الابيض من الخيط الاسود وان " الحل العشائري" الذي اعتمده الرئيس ميقاتي لا يمكن ان يستمر طويلا اذا لم تتبعه خطوات عملية تعيد الامور الى نصابها من دون ان يظهر احد بانه " انكسر" امام الاخر علما ان الامر اسهل بين " جنرالين" الاول متقاعد ويعرف الجيش بكل خصوصياته، والثاني في موقع المسؤولية المباشرة. المهم، في رأي المتابعين، ان تعود الثقة بين الوزير والقائد خصوصا ان شخصية الوزير سليم وخلفيته المؤسساتية وتطرفه للجيش، كل ذلك، يختلف عن شخصيات الوزراء الذين سبقوه في اليرزة واختلفوا مع قائد الجيش، فضلا عن ان لا حسابات سياسية تحرك الوزير وان كان محسوبا على الرئيس ميشال عون الذي اختاره من بين ثلاثة اسماء لضباط كبار كان العماد عون واحدا منهم. لذلك ينقل عن الوزير سليم انه ابن المؤسسة ويعرف زواريبها و" حافظ" قانون الدفاع عن " ظهر قلب" وبالتالي يعرف حدود صلاحياته وتلك المعطاة لقائد الجيش، ويتمسك بــ " الكتاب" ولا يريد ان يخرج العماد عن نصوص هذا الكتاب، ولا ان يكون الوزير " ضيف شرف" في الوزارة او " آخر من يعلم" في امور الجيش. هذه المعطيات لا بد ان العماد عون يدركها وهذا ما يمكن ان يسهل انتقال المصارحة من مجرد " تبويس لحى" الى خطوات عملية تبعد شبح الخلاف نهائيا بين الوزير والقائد.
في المقابل يريد قائد الجيش الا تدخل السياسة المؤسسة العسكرية خصوصا في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد، وهو مع تمسكه بصلاحياته، لا يريد " الانقضاض" على صلاحيات الوزير، لكنه شعر في الاونة الاخيرة انه مستهدف سياسيا لان اسمه برز كمرشح اساسي لرئاسة الجمهورية يحظى بتأييد داخلي وخارجي، وبالتالي حصل " قواص" مباشر عليه، فكانت ردة فعله قوية وتجاوزت المعقول لاسيما عندما تحدث في خلال جولته البقاعية عن " موتورين ومسؤولين معنيين وغير معنيين" يختلقون الاشاعات ويفبركون الملفات لتشويه صورة المؤسسة " واتهامنا بالفساد وخرق القانون"، وهو ضمنيا كان يقصد النائب جبران باسيل ولامس في اتهاماته الوزير سليم من دون ان يسميه. واتى جواب العماد عون بانه مستعد ان يخرق القانون في قبول المساعدات وغيرها من اجل تأمين الدواء والتغذية والتنقلات للعسكريين والاستشفاء والمساعدات المدرسية لعائلاتهم والسماح للجيش بالاستمرار بتنفيذ مهماته، من دون ان ينسى اتهام خصومه بــ " الغباء وقلة الحياء والوفاء". لقد اخذ البعض على العماد عون قوله باستعداده لخرق القانون لاسيما وانه من ابرز المرشحين لرئاسة الجمهورية وهو اذا اصبح رئيسا يقسم يمينا على المحافظة على القوانين.... لكن الذي ادرك معاناة قائد الجيش فهم لماذا قال هذا الكلام وهو الذي يحمل هم العسكر ليل نهار.
في اي حال، تبقى عبرة انجاز " شيخ الصلح" الرئيس ميقاتي رهن تصحيح ما حصل واعادة الامور الى نصابها.