في صفوف " التيار الوطني الحر" ضجة سببها رفض رئيسه النائب جبران بايسل ترشيح اي نائب من " التيار" الى الموقع الرئاسي الاول، وهو رفض تكرر مرارا وفي مناسبات مختلفة، الا انه تنامى بعدما تبين ان اسم امين سر " تكتل لبنان القوي" ورئيس لجنة المال النيابية النائب ابراهيم كنعان وارد في اللائحة التي اعدها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بعد جولة ممثله راعي ابرشية انطلياس المارونية المطران انطوان بو نجم على الفعاليات السياسية المسيحية بتكليف من البطريرك سعيا وراء توافق على اسم ماروني او اكثر ليصار الى اختياره رئيسا للجمهورية طالما ان الفريق المسلم رمى بكرة الرئاسة في ملعب المسيحيين. والواقع ان اسم كنعان لم يفاجىء الوسط السياسي اللبناني المسيحي والمسلم على حد سواء لان الرجل له حضوره المميز في مجلس النواب وعلاقاته المتمددة لدى كل المكونات السياسية، الموالية والمعارضة، اضافة الى علاقاته الخارجية لاسيما مع الهيئات النقدية العالمية سواء صندوق النقد الدولي او البنك الدولي الذي يحرص المسؤولون فيهما الى الاجتماع بكنعان كلما زاروا بيروت. ولم يترك ورود اسم النائب كنعان في اللائحة البطريركية اي استغراب لدى الاوساط السياسية لانه كان تردد في اكثر من مناسبة انه سيكون وزيرا في اي حكومة في عهد الرئيس العماد ميشال عون، الا ان ذلك لم يتحقق في كل مرة بسبب ممانعة النائب باسيل على توزير نواب في التكتل وتفضيله اسماء من خارج الاطار النيابي تحت عنوان " فصل النيابة عن الوزارة". وكما عارض باسيل توزير النائب كنعان، كذلك اعترض على ترشيحه للرئاسة الاولى وايراد اسمه من دون استشارته واستطرادا موافقته على هذا الطرح على رغم ان رفاق كثر من النائب كنعان في التكتل يؤيدون مثل هذا الترشيح طالما ان باسيل ليس في وارد الترشيح حاليا، فضلا عن الظروف التي تجعل هذا الترشيح صعبا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، العقوبات الاميركية المفروضة على رئيس " التيار" ما يعني ان ترشيحه سيقابل برفض اميركي فوري ما يعقد امكانية وصوله الى قصر بعبدا، ناهيك عن معارضة الاحزاب المسيحية الاخرى والنواب الدروز وغالبية النواب السنة " التغييريين".
وفي هذا السياق، تقول مصادر متابعة ان النائب كنعان ليس وحده " المؤهل" للترشح الى المنصب الاول، فهناك النواب الان عون وسيمون ابي رميا وفريد البستاني، الا ان موقف باسيل من الثلاثة الاخيرين لا يختلف عن موقفه من ترشيح كنعان الذي حظي بدعم قوي من البطريرك الراعي الذي جاهر بهذا الدعم امام كثيرين من زواره ومنهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي بادر بعد مغادرته الصرح البطريركي في بكركي الى الاتصال بالنائب كنعان وهنأه على " الثقة البطريركية" متمنيا له التوفيق. والعارفون ببواطن الامور يؤكدون ان " تهنئة" ميقاتي لكنعان زادت من حدة غضب باسيل على عرض رئيس الحكومة لانه اعتبر ان هذه الخطوة تهدف الى " دك اسفين" في صفوف "التيار" لاحداث شرخ يستفيد منه خصوم باسيل داخل التيار وخارجه. من هنا جاء موقف باسيل من انه لا يزال يفكر في ترشيح نفسه، ثم تراجع عن هذا القول، ليحل محله قول آخر للنائب الاقرب اليه غسان عطا الله الذي قال في احدى المقابلات الصحافية " ان التيار عندما يريد ان يرشح احدا، فان من الطبيعي ان يكون باسيل نفسه". وهذه الرسالة المشفرة وجهها عطا الله الى رفاقه في " تكتل لبنان القوي" عموما والى كنعان خصوصا قاطعا بذلك الطريق امام اي عضو من هذا الفريق اذ سحب منه " تأشيرة الترشيح" وقال لحليفه حزب الله ان مسألة ترشيح اي من النواب " التياريين" ليس واردا في حسابات باسيل الذي لا يختلف في موقفه هذا عن غيره من رؤساء الاحزاب الذين يعطون الاولوية دائما لانفسهم في التوزير، الا في حالات نادرة عملا بمبدأ " انا او لا احد" وقد مارس باسيل هذا الاسلوب عندما تولى تباعا وزارات الاتصالات والطاقة والمياه والخارجية رافضا توزير اي نائب في التكتل الذي يرأسه، بل بالعكس اتى باشخاص " مغمورين" سياسيا ونصبهم وزراء في وزارات خدماتية لتبقى له الكلمة الاخيرة في هذه الوزارات، سواء كان عضوا في الحكومة ( كما حصل في حكومات الرئيس سعد الحريري) او خارجها ( كما حصل في حكومتي الرئيسين حسان دياب ونجيب ميقاتي).
اسباب باسيل في المعارضة
المقربون من النائب باسيل يفسرون موقفه المعارض لترشيح كنعان او غيره من نواب " التكتل" بالقول انه لا يرى اي فرق في ترشيح نفسه او اي عضو في التكتل لانه سيبقى يتلقى سهام المعارضة نفسها من الذين انتظروا موعد خروج الرئيس عون من قصر بعبدا وانتهاء ولايته، فضلا عن انه اذا عمد باسيل الى تزكية اسم من تكتله لن يتمكن من ايصاله لسبب شخصي يملكه فضلا عن عدم قدرته على تسويقه في ظل الخريطة النيابية المنقسمة على ضفتين كبيرتين مع وجود عدد من النواب المستقلين. اضافة الى ان المعارضة لن تقبل بمرشح من " لبنان القوي" على اساس رفعها شعار عدم انتخاب اي مرشح مدعوم من حزب الله، فكيف اذا كان من الفريق العوني ومن بيئتهم. وعليه، يضيف المقربون من باسيل انه ليس في وارد ترشيح احد من تكتله حتى الان على الاقل، خصوصا النائب كنعان الذي يعتبر من النيابية البارزة في " التيار الوطني الحر" اضافة الى ان قيادة " التيار" لم توافق على ترشيح كنعان ولا اتت المبادرة منها، بل من البطريرك. ويتحدث المقربون من باسيل ان كل النواب الذين فازوا في انتخابات ايار ( مايو) 2022 انتخبوا على اساس انهم من نهج " التيار" ورئيسه، فكيف يكون رئيس " التيار" غير مقبول من خصومه، فيما نائب في " التيار" مقبول. ويذكر هؤلاء ان ثمة نواب كانوا في " التيار" ولما لم يعد يعجبهم اداء رئيس " التيار" غادروا الحزب. ويستدرك المقربون من باسيل بالقول انه عندما يكون الطرح جديا " وغير مفخخ" وقابلا للنقاش يتم التفكير بهذا الامر لاسيما وان داخل " التيار" حجما كبيرا من الديمقراطية ومن اكثر الجهات التي تناقش وتحاور ولا يحد الحزب من طموحات احد، علما ان الرئاسة الاولى ليست ممنوعة عن نواب " التيار".
في اي حال، موقف باسيل الاعتراضي على ترشيح كنعان، لا يلغي جدية هذا الترشيح، ولعل الزيارة التي بدأها كنعان في واشنطن في الاسبوع الماضي كفيلة بتوضيح اكثر لحظوظ نائب المتن في خلافة الرئيس عون الذي يعتبر كنعان من رفاق دربه الاوائل واستمر معه طوال السنوات العجاف التي مرّ مؤسس " التيار" الى حد يعتبر كنعان بانه من مؤسسي هذا " التيار" وداعميه ناهيك عن شعبيته الواسعة في دائرة المتن الشمالي.