تفاصيل الخبر

مَنْ يسبق مَنْ: انتخاب رئيس الجمهورية او تعيين حاكم مصرف لبنان..... ام الفراغ؟

03/05/2023
مَنْ يسبق مَنْ: انتخاب رئيس الجمهورية  او تعيين حاكم مصرف لبنان..... ام الفراغ؟

حاكم مصرف لبنان  رياض سلامة

  

مع بداية شهر تموز ( يوليو) المقبل، سيكون لبنان امام استحقاق دقيق قد يوازي باهميته الاستحقاقات الدستورية التي واجهها خلال الاشهر الماضية من دون ان يحقق اي نتيجة عملية فيها، انه استحقاق انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يتعرض لضغط قضائي داخلي وخارجي تحت عناوين مختلفة اضرت بلبنان وبالقطاع المصرفي فيه بصرف النظر عن مدى صحة ما وجه الى الحاكم من اتهامات لان الكلمة الفصل فيها هي للقضاء الذي عليه ان يدقق في كل ما نسب الى سلامــــة لان في بعض الحملات التي استهدفتـــه " رائحة" سياسية و" تصفية حسابات" وجد من وراءها الفرصة سانحة للانتقام فنظموا الحملات ودبجوا المقالات وسربوا معلومات اتضح ان بعضها كان مغلوطا والبعض الاخر غير دقيق. في اي حال التحقيق مستمر في الملفات التي تطاول الحاكم الذي بدا مطمئنا الى انه قادر على ان يثبت انه بريء وان الحملة ضده معروفة الاهداف. لكن مهما كانت الاحكام التي ستصدر، فان الحاكم سلامة لا ينوي الاستمرار في منصبه  بعد نهاية ولايته وهو ما يضع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي امام مأزق حرج اذا لم يكن قد انتخب الرئيس المقبل للجمهورية وتم تشكيل حكومة ونالت الثقة كي تتمكن من تعيين خلف لسلامة. اما اسباب الحرج فتعود الى ان انتهاء ولاية سلامة تفرض حسب قانون النقد والتسليف، في حال تعذر تعيين حاكم جديد، ينص على ان يتولى نائب الحاكم الاول وسيم منصوري ( شيعي) وفي حال تعذر ذلك، يتولـــى النائب الثاني للحاكم بشير يقظان ( درزي). الا ان الرئيس نبيه بري غير راغب في ان يتولى منصوري هذا المهمة وقد نصحه بالاستقالة، وجاراه في الموقف نفسه الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي " مان" على نائب الحاكم الدرزي بان يعتذر عن تولي هذه المهمة في هذه الظروف الصعبة وطنيا واقتصاديا وماليا...

ولان هذا المنصب حساس ودقيق، خصوصا في هذه الازمة المالية غير المسبوقة التي يشهدها لبنان، فقد برزت لدى بعض الاوساط ضرورة تعيين حاكم جديد من قبل حكومة تصريف الاعمال اذا استمرت البلاد من دون رئيس، لاسيما وان هذه المسألة لم تعد تخص لبنان بعدما دخلت دول عدة ابرزها فرنسا، في ملف الحاكم سلامة انطلاقا من الدعاوى التي رفعت ضده في فرنسا والمانيا وسويسرا واللوكسمبورغ وغيرها من الدول الاوروبية- وبدا ان كلمة السر وردت الى بيروت وخلاصتها  " عينوا  حاكما جديدا بعد انتهاء ولاية سلامة خوفا  من ان تقع البلاد في فوضى في سوق النقد، وستتفاقم ازمة المودعين لعدم وجود من يتولى ادارة المصرف المركزي وفق قانون النقد والتسليف لان رفض منصوري تسلم المسؤولية واستقالته الواردة بقوة تعني تعذر انعقاد المجلس المركزي الذي لن يتوافر له نصاب حتى ولو تولى النائب الثاني للحاكم هذه المسؤولية لانه سيكون هناك 4 اعضاء غائبون: الحاكم، ونائبه الاول والمدير العام لوزارة المالية( لان المدير العام بالانابة جورج معراوي لا يمكنه المشاركة في جلسات المجلس المركزي) ومفوض الحكومة في مصرف لبنان بعد استقالة المفوض الاصيل كريستيل واكيم وتكليف موني خوري المهام بالنيابة. وحيال هذا الواقع بدا ان الرئيس ميقاتي راغب في تعيين حاكم اصيل لتفادي ان تصبح المخاوف حقيقة، مع ادراكه ان هذه الخطوة قد تثير اعتراض الكتل النيابية المسيحية التي تعتبر هذه الحكومة غير شرعية وغير دستورية، وان اعرب رئيس " القوات اللبنانية" سمير جعجع عن موافقته بان تتولى حكومة تصريف الاعمال تعيين حاكم جديد لان الضرورات تبرر المحظورات، في وقت اعرب فيه المرشح الرئاسي الابرز رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية عن معارضته الشديدة لمثل هذا التعيين في غياب رئيس الجمهورية الذي يفرض ان يكون له الرأي الحاسم في هذا التعيين. ويلتقي مع رأي ميقاتي، كل من الرئيس نبيه  بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وغيرهم، وهؤلاء جميعا يفضلون الا ينتقل المنصب الى غير ماروني، علما ان منصب المدير العام للامن العام انتقل بالانابة الى الطائفة المارونية لتعذر تعيين مدير عام اصيل شيعي.

 

تعيين حاكم بين مؤيد ورافض

وفي هذا السياق، برزت مشكلة جديدة تتمثّل في أن أي حاكم جديد لا يباشر مهامه قبل أن يقسم اليمين أمام رئيس الجمهورية. ورغم اقتراح البعض التمثل بسابقة تعيين الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود وأعضائها خلال ولاية حكومة الرئيس تمام سلام في ظل الفراغ الرئاسي يومها، وإرجاء قسمهم اليمين إلى ما بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، وبدء اللجنة أعمالها وفق قرار لمجلس الوزراء، إلا أن المعارضين لهذا التوجه يشيرون إلى أن حكومة سلام لم تكن مستقيلة كما هي حال حكومة ميقاتي اليوم، كما ان التوافق السياسي يومها جعلها سلطة جماعية تصدر قراراتها بتوقيع كل وزرائها و نصحت قوى سياسية ممثلة في الحكومة، على رأسها حزب الله، بعدم جواز التمادي في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية والذهاب الى إقرار تعيينات جديدة في غيابه. لاسيما وان تعيين الحكومة بديلاً للحاكم يسقط مبررات عدم ملء شواغر ادارية أخرى يشغلها مسيحيون ذات صلة أيضاً بالوضع المالي والنقدي، كمدير عام وزارة المالية، وهو عضو حكمي في المجلس المركزي لمصرف لبنان وهيئة الاسواق المالية والهيئة المصرفية العليا، ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان الذي يشغله ارثوذكسي وهو منصب حساس في عمل المصرف المركزي، اضافة الى شغور المنصب الماروني في لجنة الرقابة على عمل المصارف، وهو ايضا متعلق بعمل مصرف لبنان. وبالتالي، فان تعيين ميقاتي بديلاً عن الحاكم يوجب اجراء هذه التعيينات، وعندها ستكون هناك مطالبة بتعيين الامين العام للمجلس الاعلى للخصخصة وهو ماروني ايضاً، اضافة الى رغبة ثنائي "أمل" وحزب الله بتعيين مدير اصيل للامن العام، ما يضع البلاد امام مواجهة جديدة في ظل انقسام كبير على خلفية الملف الرئاسي.

وفي الوقت الذي تواصل فيه الرئيس ميقاتي مع عدد من الخبراء والمحامين الدستوريين لمعرفة ما اذا كان ثمة اجتهاد دستوري يجيز لحكومته تعيين حاكم جديد اذا ما استمر الشغور الرئاسي، بدا ان حزب الله لم يظهر اي حماسة لمثل هذه الخطوة لوجود خطوط حمر لا يجوز لحكومة ميقاتي تجاوزها في هذا الظرف لان تعيين حاكم سيجّر الى تعيينات اخرى اساسية اكثريتها في مواقع مسيحية فماذا يتبقى اذ ذاك للرئيس العتيد اذا اجرت هذه الحكومة التعيينات ووضعت الرئيس المنتخب امام " امر واقع" تجعل " عدة الشغل" الرئيسية مكونة من اشخاص لم يساهم هو باختيارهم! فضلا عن انه لو للحكومة الراهنة صلاحية تعيين لماذا لم تعين مديرا عاما جديدا للامن العام بعد انتهاء ولاية اللواء عباس ابراهيم حيث عين العميد الياس البيسري خلفا له بالانابة.

واللافت في هذا السياق ان موضوع حاكم مصرف لبنان دخل في عناوين " التسوية" التي يجري البحث في تفاصيلها وسبق للمسؤولين الفرنسيين ان تطرقوا اليه مع زوارهم من المسترئسين ( وكان آخرهم رئيس تيار " المردة") وعدد من السياسيين بعدما قيل ان الفرنسيين يرغبون في تعيين رجل الاقتصاد والمصرفي سمير عساف المقيم في فرنسا، فيما دخل الاميركيون على الخط مطالبين بان تكون لهم كلمتهم في التعيين لاسيما وان وزارة الخزانة الاميركية قادرة اذا رغبت على منعه من العمل تحت عنوان انه " غير مناسب"! ولعل التدخل الخارجي في هذا الملف يعود الى ان النقاش حول اسم الحاكم مرتبط ايضا بمشروع  تعديلات كبيرة على دوره في المرحلة المقبلة اذ ان النقاش تطرق الى صلاحيات الحاكم المنصوص عليها في قانون النقد والتسليف والتي يطالب كثيرون بتعديلها ووضع الحاكم تحت مراقبة جهة ما وعدم تركه مطلق الصلاحيات ربطا بتجربة الحاكم سلامة، فضلا عن ان الحاكم الجديد سيكون له دور مركزي في اعادة هيكلة مصرف لبنان والقطاع المصرفي وغير ذلك من الخطوات النقدية في لبنان.

 

5..... 6..... مرشحين حتى الان

في اي حال، فتح الحديث عن امكانية تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، شهية عدد من الطامحين لتولي هذا المنصب المهم والحساس في آن، وبرزت في السباق خمسة اسماء تتفاوت حظوظ اصحابها، ويقف في المقدمة الوزيران السابقان كميل ابو سليمان وجهاد ازعور، ورئيس الخدمات المصرفية للشركات والمؤسسات في مجموعة HSBC   سمير عساف، وكريم سعيد شقيق النائب السابق الدكتور فارس سعيد وهو مسؤول كبير في الاستشاري " بوز الن" والرئيس التنفيذي لمجموعة " كاندريم لوكسمبورغ " في مركز دبي المالي العالمي نعيم ابو جودة، كما طرح في وقت لاحق اسم المحامي كارلوس ابو جودة وكيل كارلوس غصن. وفي المعلومات ان عساف ابلغ المعنيين انه ليس متحمسا للمنصب وهو يفضل في حال قرر تبوء موقع ما في لبنان ان يكون موقع رئاسة الجمهورية. لكن الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون "لا يزال يدفع باسمه للحاكمية لضمان موقع اساسي له في حال فشل رئاسة فرنجية. طموح عساف الرئاسي يشاركه فيه ازعور الذي يقول لسائليه عن الحاكمية انه حاليا مرشح رئاسي ولن ينتقل ليكون مرشحا للحاكمية طالما حظوظه الرئاسية قائمة وفي حال حسمت الرئاسة لصالح احد المرشحين غير ازعور قبل نهاية شهر تموز ( يوليو) المقبل، فعندها قد ينافس بقوة على المنصب باعتباره يحظى بدعم خارجي وداخلي".

ويجمع اكثر من مصدر على ان من يتصدر السباق لخلافة سلامة حاليا هو كميل ابو سليمان الذي يوشك على انجاز جولة على كل القوى السياسية مسوقا اسمه لهذا المنصب، على ان يلتقي النائب جبران باسيل قريبا لعلمه انه قد يشكل حجر عثرة امام خلافته لسلامة نظرا لاعتراضه على آلية اصدار القرارات في مجلس الوزراء واصراره على وجوب ان يذلل كل قرار بتوقيع الوزراء الـــ 24 فكيف اذا كان الحال تعيين موظف درجة اولى. وكان تردد ان ابو سليمان التقى مسؤولا  في حزب الله وبحث معه في مسألة الحاكمية، الا ان ابو سليمان نفى ذلك، علما ان " الحزب" كان اعلن اكثر من مرة، مباشرة او مداورة، انه ليس في وارد وضع " فيتو" على احد، خصوصا اذا كان اتفق عليه المسيحيون اما " القوات اللبنانية" التي مثلها ابو سليمان في احدى حكومات الرئيس سعد الحريري في عهد الرئيس ميشال عون، فلا ترغب في خوض معركة ابو سليمان لعلمها بان هذه المسألة قد تنعكس سلبا عليه.

وعليه، فان المشهد بالنسبة الى تعيين حاكم جديد او عدم تعيينه لا يزال ضبابيا كما هو الحال بالنسبة الى رئاسة الجمهورية، فهل تحل العقدة الرئاسية ليسهل حل عقدة تعيين خلف رياض سلامة؟ لا احد يملك الجواب وباب الاجتهادات والتحليلات والتكهنات مفتوح، كما هو باب زيارات التسويق لهذا الاسم او ذاك!.