منذ فترة تتعرض المديرية العامة للامن العام ورئيسها اللواء عباس ابراهيم لسلسلة حملات تطاول دور المديرية العامة ومسؤوليتها وتلقي ظلالا من الشك حول الكثير من الخطوات التي يقوم بها اللواء ابراهيم وذلك على نحو لفتت الكثيرين من المراجع السياسية والديبلوماسية لاسيما وان هذه الحملة المبرمجة، تشتد حينا وتتراجع احيانا لتعود من جديد. صحيح ان مثل هذه الحملات لا تؤثر على اداء اللواء ابراهيم ولا على دوره وحضوره ونجاحه في انجازات وطنية كبيرة ودقيقة، الا ان الصحيح ايضا ان من يقوم بهذه الحملات ليس غريبا عن الشؤون اللبنانية كما تقول مصادر مطلعة، كما هو قريب ايضا على عمل المؤسسات الامنية ويلم بالكثير من التفاصيل لذلك فهو يصوب على كل ما يمكن ان يثير ردود فعل لدى فئات معينة من اللبنانيين بقصد تصوير اداء الامن العام ومديره العام بانه يستهدف فئات معينة. في مواجهة هذه الحملات المتكررة لا تقف المديرية العامة للامن العام مكتوفة الايدي، بل هي ترد وتوضح وتكذب وتضع الكثير من النقاط على الحروف في محاولة لوضع حد لهذه الافتراءات التي سرعان ما تعود في " لبوس " جديد.
ولعل اكثر ما تتناوله هذه الحملات هو دور الامن العام في مسألة اعادة النازحين السوريين من خلال حملات العودة الطوعية التي يتم تنظيمها من حين الى آخر، والتي تحركت من جديد تطبيقا للخطة التي وضعت في هذا الصدد بالاتفاق مع المسؤولين السوريين، خصوصا بعدما اسندت الحكومة الى اللواء ابراهيم مهمة الاشراف على تنفيذ الخطة وهو المعروف بحرفيته وبتحمله المسؤولية كاملة ونجاحه في خطوات مماثلة حصلت في مناسبات عدة. وركزت هذه الحملات على ان السوريين العائدين الى بلادهم يتعرضون للاعتقال والتعذيب وممارسات تستهدفهم، وهي اخبار سبق لمسؤولين في منظمات دولية ان روجوها في صفوف النازحين لتفشيل عملية عودتهم الطوعية الى بلادهم من جهة، ولاحباط محاولات الدولة اللبنانية بالتخفيف من العبء الذي تتحمله نتيجة وجود نحو مليوني نازح سوري على الارض اللبنانية. ووصلت حملة بعض المسؤولين الاممين الى حد اقناع مجموعات من النازحين كانت تعد العدة للعودة الى بلادها بعد تسجيل اسماء النازحين الراغبين وموافقة السلطات السورية عليها، بعدم العودة والبقاء في لبنان من خلال اعتماد سياسة مزدوجة تقوم على الترغيب والترهيب في آن. في مواجهة هذه الحملات المبرمجة والمنسقة مع جهات داخلية، سارع الامن العام الى نفي كل ما قيل في هذا المجال من " ادعاءات واضحة الاهداف" واكدت للرأي العام انه " في كل مرة تباشر الدولة اللبنانية باجراء اتصالات ولقاءات مع مسؤولي منظمات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بهدف إيجاد حلّ لأزمة النزوح السوري، التي باتت تشكّل خطراً على لبنان من نواح عدة، عبر إعادتهم الى سوريا وتقديم المساعدات لهم في الداخل السوري، نُفاجأ ببعض المنظمات ومواقع التواصل الاجتماعي، بإطلاق حملة منظمة ومبرمجة، لا تستند الى أيّ حقائق ووقائع ومُعطيات، بهدف تفشيل الجهد الذي تقوم به الدولة اللبنانية وعرقلة تنفيذ قراراتها السياديّة لإيجاد حلّ لهذه القضية التي تشكل خطراً داهماً على اللبنانيين والسوريين على حدّ سواء. وتتحرّك هذه المنظمات بأسماء مختلفة، وفق أجندات تعمل على بثّ الخوف والشك في نفوس النازحين حول العودة الطوعيّة من خلال رسم سيناريوهات لا تمتّ الى الحقيقة والواقع بصلة، حتى وصل بهم الأمر الى القول "إن مصيرهم سيكون مجهولاً إذا قرروا العودة الى وطنهم". فماذا يريد هؤلاء؟ وما هي غايتهم من هذا الإعلام المُغرض؟ ولحساب من يعملون؟ وهل يريدون إبقاء السوريين خارج وطنهم نازحين؟" واعتبرت أن "هذا السلوك التهديمي الذي يرقى الى مستوى الحرب على لبنان وترهيب كل من يساهم في هذه العودة، وتعطيل كل قرار من شأنه تخفيف المُعاناة عن السوريين عبر إعادتهم الى وطنهم، وتخفيف الأعباء المتنوّعة عن لبنان الذي ينوء تحت ثقل أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة ومعيشيّة وماليّة وبيئيّة خانقة، لن يُثني الدولة اللبنانية عن المُضيّ في تفعيل وتزخيم خطة إعادة النازحين السوريين الطوعيّة الى سوريا". كما أكّدت المديرية العامة للامن العام أن "هذه المحاولات العدائيّة، الممنهجة والمُبرمجة، التي تهدف الى الإساءة الى دور الدولة اللبنانية وحق الشعب السوري في العودة الى أرضه، تستبطن أخباراً لا تمتّ الى الحقيقة بصلة، ولم تعد أهدافها خافية على أحد. وفي هذا الإطار، ستتابع المديريّة هذا الملف مع المسؤولين في الدولة لاتّخاذ القرارات المُناسبة". وشدّدت على أنّ "المديرية العامة للأمن العام، المُكلّفة رسمياً متابعة هذا الملف من أجل تأمين عودة آمنة وطوعيّة للنازحين السوريين الى ديارهم، ستعمل على منع كل الجهات المشبوهة من تحقيق أهدافها المؤذية، المبنيّة على هدم المجتمع اللبناني ووضعه في مواجهة إخوانه السوريين الذين تعرّضوا لأكبر عمليّة تهجير من أرضهم، وستواصل عملها مع المعنيين في المجتمع الدولي ومع الحكومة السورية، للوصول الى النتائج المرجوّة لحل هذه الأزمة".
معلومات اضافية عما سمعه غراندي في بيروت
وفي السياق نفسه، ربطت مصادر رسمية بين تزايد الحملات على الامن العام، وبين المحادثات غير الودية التي اجراها رئيس مفوضية شؤون اللاجئين" فيليبو غراندي" في بيروت قبل اسبوعين والتي ركزت على مسألة عودة النازحين السوريين الى بلادهم والطريقة الخاطئة التي يعتمدها المجتمع الدولي في مقاربة هذا الاستحقاق الذي يضر بلبنان ويزيد من معاناته، وسيكون لبنان بالتالي عاجزا عن احتوائها. وقد قيل لـ"غراندي" بصراحة، انّه "وإزاء رفض المجتمع الدولي تسهيل العودة، وقراره بخفض المساعدات المالية المخصّصة للنازحين، ومعارضته فتح الحدود طوعاً امام المهاجرين السوريين، فإنّه بذلك لم يترك في الخدمة سوى خيار وحيد، وهو تدفق السوريين من لبنان إلى أوروبا عبر ممرات الهجرة غير الشرعية التي ربما يعتمدها أيضاً سوريون في العالم العربي سيأتون الى المخيمات عندنا حتى يلتحقوا بطوابير الهجرة التي لن نكون قادرين على لجمها، بمعزل عن موقفنا المبدئي باحترام القانون الدولي". وقد اشتكل احد المسؤولين أمام "غراندي "من سلوك ممثل مفوضية اللاجئين في لبنان" أياكي إيتو"، خصوصاً لناحية ميله نحو منحى الدمج، خلافاً لموقف غراندي الذي تمّت مطالبته بتوحيد خطاب المفوضية، حتى لا تبقى هناك فوارق بين ادبيات المركز في الأمم المتحدة والفرع في بيروت.وتبلّغ" غراندي" الرفض الرسمي التام لأي شكل من أشكال دمج النازحين في المجتمع اللبناني، فيما أكّد له وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، الإصرار على تكريس مبدأ العودة كخيار استراتيجي حصري لا بديل عنه، "ومن لا يستطيع الرجوع إلى بلده، عليه ان يختار بلداً رديفاً". وأبلغ حجار إلى "غراندي"، انّه "ما دام انّ الاوروبيين لا يساعدوننا في تفعيل العودة الطوعية إلى سوريا، وما دام انّهم قرّروا خفض منسوب الدعم المادي للنازحين، فإنّ عليهم في المقابل توسيع هامش الاستقبال في الدول الرديفة. إذ لا يجوز قبول 1 في المئة فقط من الذين قدّموا طلبات انتقال إلى أوروبا، اي ما نسبته 7299 نازحاً، والمطلوب رفع النسبة الى 10 او 15 في المئة".ولفت حجار انتباه المسؤول الدولي، إلى أنّ نسبة الجريمة في لبنان ارتفعت بسبب الأوضاع الاقتصادية ووجود النازحين "ولا بدّ في مواجهة هذا الواقع من إيجاد خلية أزمة مشتركة ومرنة، تسمح لنا بالتحرك معاً وعلى نحو منسق، للتعامل مع أي حالة مستجدة ومعالجتها، بدل ان ينشط كل منا بمفرده".وتفادياً للتداعيات المرتقبة، إذا لم تتحمّل الجهات الدولية مسؤوليتها، اقترح حجار على غراندي مساندة لبنان في إنجاح استراتيجية العودة، تحرك مفوضية اللاجئين على المسارين الأوروبي والسوري للدفع في هذا الاتجاه، وتأمين هبات لدعم بعض القطاعات الحيوية في سوريا، مثل المياه والكهرباء، من أجل تحفيز النازحين على العودة إلى قراهم. وتفيد المعلومات، انّ "غراندي" كان متفهماً جدا للطرح اللبناني، و بأنّ لا حل لمعضلة النازحين الّا بالعودة وليس بالدمج. لكنه تمنّى على الجانب اللبناني اعتماد خطاب هادئ لتخفيف التشنج والاحتقان، فتمّ التجاوب معه، انما على قاعدة ان يكون هناك تفهم لدى مفوضية اللاجئين لوضع لبنان ومطالبه "وإن غيّرتم غيّرنا". وتقول مصادر رسمية انه لا يمكن الركون الى ردة فعل" غراندي " المتفهمة" اذا لم تقترن بخطوات عملية تضبط " اداء المسؤولين الامميين العاملين في لبنان من خلال التقيد بالتوجهات التي رسمت خلال المحادثات مع "غراندي"، لكنها توقفت عند تجدد الحملات على الامن العام ورئيسه بالتزامن مع الموقف اللبناني من مسألة النزوح السوري، معتبرة ان هذه الحملات تتناقض مع ما وعد به" غراندي" المسؤولين اللبنانيين خلال وجوده في بيروت.