تفاصيل الخبر

الشغور في وظائف الفئة الاولى يشمل المسيحيين والمسلمين ولا مجال لتعيينات قبل انتخاب الرئيس

01/02/2023
الشغور في وظائف الفئة الاولى يشمل المسيحيين والمسلمين ولا مجال لتعيينات قبل انتخاب الرئيس

البطريرك بشارة الراعي  يلقي عظة

 

عندما اثار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مخاوفه من وجود مخطط لاحداث فراغ في المناصب المارونية خصوصا والمسيحيين  عموما من خلال تمديد الشغور الرئاسي والامتناع عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لم يقصد جهة محددة وراء هذا المخطط، بل نبه الى وجوده. لكن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سارع الى الرد على البطريرك في معرض طمأنته، فنفى اي نية لافراغ المواقع المسيحية ، محذرا مطلقي الانذار من اللعب على الوتر الطائفي المسيحي- المسلم عن قصد او غير قصد،  الا ان كلام السيد نصر الله لم يقنع على ما يبدو البطريرك الذي اعاد التأكيد على موقفه من خلال البيان الذي صدر عن الاجتماع الشهري للمطارنة في 18 كانون الثاني( يناير) الماضي عندما كرر الحديث عن " وجود مخطط مرفوض لاحداث فراغ في المناصب المارونية خصوصا والمسيحية عموما في الدولة"، معتبرا ان ذلك" ان دل على شيء فعلى نية خفية ترمي الى تغيير هوية لبنان كذلك ترمي الى تلاشي الدولة اللبنانية وصولا الى وضع اليد على اشلائها وهو ما سيتصدى له اللبنانيون واللبنانيات بكل قواهم". واذا كان كلام البطريرك ثم بيان المطارنة، اثارا جدلا على الصعيد السياسي، الا انهما سلطا الضوء على حقيقة قائمة منذ سنوات تتمثل بان الشغور في المناصب في الفئة الاولى من الوظائف العامة لا يقتصر على المواقع المسيحية، بل يشمل ايضا مواقع مخصصة عرفا للمسلمين ايضا بعدما تعذر على مدى سنوات ملء هذه الشواغر نتيجة خلافات نشأت بين اركان الدولة منذ عهد الرئيس ميشال سليمان واستمرت خلال  عهد الرئيس ميشال عون. لكن خوف البطريرك يتمركز تحديدا على مواقع حساسة مثل حاكمية مصرف لبنان وقيادة الدرك ولاحقا قيادة الجيش، اضافة الى الخوف على الشغور الاكبر في رئاسة الجمهورية.

وعلى رغم ان التحذيرات البطريركية وغير البطريركية لا يمكن ان تقدم او تؤخر راهنا في ظل حكومة تصريف الاعمال التي كلما دعا رئيسها نجيب ميقاتي الى جلسة لمجلس الوزراء قامت القيامة واقتصرت بنود البحث فيها على " الضروري والملح" علما ان باب الاجتهاد في هذين التوصيفين مفتوحا على تفسيرات عدة فكيف اذا ما ارادت ملء الشواغر  الوظيفية باقرار تعيينات في مواقع الفئة الاولى في غياب رئيس الجمهورية وكذلك عدم وجود اتفاق على توزيع الحصص في هذه التعيينات، خصوصا ان ثمة من يقول انه خلال عهد الرئيس عون " استأثر" رئيس "التيار الوطني الحر" النائب  جبران باسيل بتسمية موظفي الفئة الاولى للمسيحيين لاسيما خلال ترؤس الرئيس سعد الحريري من 2016 الى 2019، الامر الذي ادى الى خلاف مع " القوات اللبنانية" التي كانت تريد "تقاسم" هذه المواقع مع " التيار" حسب تفاهم معراب بين الطرفين، لكن الملفت ان التعيينات بعد مرحلة " ثورة 17 تشرين" اتت محدودة سواء في حكومة الرئيس حسان دياب، او في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لعدم التوصل الى اتفاق واضح واستمرار التجاذبات، ثم استقالة حكومة دياب بعد انفجار مرفأ بيروت، واعتبار حكومة ميقاتي مستقيلة بعد الانتخابات النيابية.

وظائف شاغرة لمسيحيين ومسلمين

ويتضح بعد مراجعة وضع الادارات والمؤسسات ومواعيد الاستحقاقات ان هناك وظائف عامة عدة ستشغر خلال هذا العام، ومن أبرز من سيُحالون الى التقاعد والذين يشغلون مناصب حسّاسة، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في الثاني من آذار(مارس) المقبل، ومدير الإدارة في الجيش اللبناني العميد مالك شمص، ثمّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مطلع تموز (يوليو) المقبل، وبعده قائد وحدة الدرك في قوى الأمن الداخلي العميد مروان سليلاتي في تشرين الأول(اكتوبر) المقبل. كذلك يُحال الى التقاعد عام 2024، كلّ من قائد الجيش العماد جوزاف عون والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات وعدد من المديرين العامين. على مستوى الوظائف في الدولة اللبنانية المُصنّفة فئة أولى، هناك 179 وظيفة، موزّعة بين 89 منصباً للمسيحيين و90 للمسلمين، من بينها عرفاً، 50 وظيفة للموارنة، 18 منها شاغرة أو ستشغر، و13 للروم الأرثوذكس، 8 منها شاغرة، و18 للروم الكاثوليك، 5 منها شاغرة، و5 للأرمن الأرثوذكس منصب منها شاغر، و3 مواقع للأقليات واحد منها شاغر، بحسب ما يوضح الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، وبالتالي هناك 33 منصباً مسيحياً في الفئة الأولى شاغراً من أصل الـ89 منصباً، أي أنّ 37 في المئة من هذه المناصب شاغرة أو ستشغر في الأشهر المقبلة، ومنها مناصب مهمة جداً مثل مدير عام الجمارك المعيّن بالوكالة، ومدير عام المالية الموقع الشاغر منذ أكثر من سنتين، وموقع حاكم مصرف لبنان الذي سيشغر في تموز(يوليو )  المقبل. وهذا الشغور يطرح مشكلة طريقة ملء هذه الوظائف، بحسب شمس الدين.والشغور يطاول أيضاً الوظائف المخصصة للمسلمين، بحيث هناك 40 منصباً شاغراً من أصل الـ90 وظيفة، فمن أصل 39 موقعاً للسنّة هناك 15 منصباً شاغراً، في المقابل هناك 18 موقعاً شاغراً من أصل 35 منصباً للشيعة، ومنصبان شاغران من أصل 14 موقعاً للدروز، فيما أنّ المنصبين المخصّصين للعلويين، أي محافظ بعلبك – الهرمل ومدير عام البريد غير شاغرين.

والواقع ان هذا الشغور لم يطاول الوظائف المُصنّفة فئة أولى، مع انتهاء عهد الرئيس ميشال عون وحلول الفراغ الرئاسي، بل هناك مواقع شاغرة منذ سنوات ومنذ عهد الرئيس ميشال سليمان، بسبب غياب التوافق على هذه التعيينات وعلى رغم أنّ الشغور يطاول الوظائف المُخصّصة للمسلمين كما المسيحيين على حدٍ سواء، إلّا أنّ "الصرخة" تعلو من المسيحيين، ومن المرجعية الدينية المارونية الأولى. وهذا مردّه، الى أنّ "المسيحيين يشعرون بأنّهم باتوا أقلية عددية ودورهم أن يحافظوا على وجودهم وأن يتمسّكوا بكلّ المناصب المخصّصة لهم في الدولة. وبالتالي يعتبرون أنّ أي شغور يتضرّرون منه كأقلية أكثر ممّا يتضرّر المسلمون منه". والكنيسة المارونية تقارب هذا الموضوع من منظارٍ وطني. وعلى رغم أنّ ثوابت بكركي لبنانية ولقد ساهمت مساهمة أساسية في صوغ وهندسة الكيان اللبناني و"اتفاق الطائف" وانتفاضة الاستقلال، إلّا أنّها معنية أيضاً مباشرةً بالمواقع المارونية، وترى أنّها مستهدفة، من رئاسة الجمهورية إلى حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش. وتلفت البطريركية المارونية النظر إلى خطورة الشغور في هذه المواقع الثلاثة، ليس لأنّ شاغليها موارنة فقط، بل لأنّها مواقع أساسية ومفصلية تؤثّر على الاستقرار العام، وليست شكلية وثانوية، فرئيس الجمهورية هو رئيس الدولة والرئاسة الأولى تحقّق استقراراً سياسياً، فيما تؤمّن قيادة الجيش الاستقرار العسكري والأمني وحاكمية مصرف لبنان الاستقرار المالي. وبالتالي من هذه الزاوية، تشدّد بكركي على أنّ هذه المواقع الثلاثة عندما تكون في خير يكون الاستقرار السياسي والأمني والمالي في خير.

وتقول مصادر ادارية ان لا امكانية لملء اي من هذه الشواغر في ظل حكومة تصريف الاعمال، وانه لا بد من انتظار انتخاب رئيس جديد للبلاد وانتظام المؤسسات الدستورية من خلال تشكيل حكومة جديدة تنال ثقة مجلس النواب حتى تتمكن من ممارسة عملها واجراء التعيينات وفقا للاصول. ولان ثمة مخاوف من ان يطول الشغور الرئاسي فان العمل جار على ايجاد مخارج لتفادي الشغور في مواقع حساسة مثل الامن العام حيث يتوقع ان يقر مجلس النواب اقتراح قانون معجل مكرر يرفع سن التقاعد بالنسبة الى شاغلي عدد من مواقع الفئة الاولى فضلا عن شاغلي المواقع الامنية والعسكرية، ما سيؤدي حكما الى تمديد سنوات خدمة اللواء  عباس ابراهيم وقائد الجيش العماد عون  وقائد الدرك  العميد سليلاتي وغيرهم ممن سيشملهم من العسكريين رفع سن التقاعد. وعلى رغم  ان ثمة مخاوف من حصول ضغط لعدم تمرير هذا الاقتراح، الا ان المصادر نفسها تتحدث عن وجود شبه اجماع بالنسبة الى المدير العام للامن العام مع اخذ ورد بالنسبة الى المواقع الاخرى لا يزال قائما لكن " الامل كبير" في تذليل العقبات مع علم اليقين ان ذلك سيفتح بابا لن يكون في الامكان اغلاقه في مدى منظور!.