تفاصيل الخبر

عاملان يحددان مصير الاستحقاق الرئاسي: حوار باريس- الرياض و"خرق" مسيحي لمصلحة فرنجية

26/04/2023
عاملان يحددان مصير الاستحقاق الرئاسي: حوار باريس- الرياض  و"خرق" مسيحي لمصلحة فرنجية

السفيرة" ان غريو" خلال لقاء مع الرئيس نبيه بري

 

مع نهاية شهر نيسان ( ابريل) الحالي، وبداية شهر ايار( مايو) المقبل، يكون انقضى نصف سنة على الشغور الرئاسي منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عـــون في 31 تشرين الاول( اكتوبر) الماضي. ومع بداية الشهر السابع على الشغور، يبدو المشهد الرئاسي اللبناني على حاله مع خوف متزايد من ان تتعقد الامور سياسيا اكثر مما هي معقدة حاليا، وتبقى البلاد شهورا اضافية من دون رئيس للجمهورية. واذا كان الرئيس نبيه بري ينوي توجيه الدعوة لرؤساء الكتل النيابية ومجموعة النواب"التغييريين"
 والمستقلين، لجلسات حوار مفتوحة على امل الوصول الى اتفاق حول الاستحقاق الرئاسي، الا انه دون هذه الدعوة محاذير عدة لا يزال رئيس المجلس يدرس كل المعطيات الراهنة خوفا من " دعسة ناقصة" تزيد الاوضاع تشنجا مع وجود مؤشرات غير مشجعة. وبين موقف من هنا، ومبادرة لم تكتمل فصولها من هناك، يبقى الموقف الفرنسي الابرز على صعيد الملف الرئاسي لاسيما وان السفيرة الفرنسية "آن غريو" تجهد للوصول به الى خواتيم سعيدة، قبل ان تقر الحكومة الفرنسية التشكيلات والمناقلات الديبلوماسية، التي ستعيد غرييو الى الادارة المركزية للخارجية الفرنسية كمديرة لما يعرف بــ " مركز  الازمات"، على ان يحل محلها في بيروت، وفق المعلومات المتوافرة، السفير الفرنسي الحالي في انقره "هيرفيه غرو "الذي قد يكون عليه ان  يكمل ما بدأته السفيرة" غريو "التي كانت " رسولة امينة" لارادة الرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون"، لاسيما لجهة الاعلان صراحة عن سعي فرنسا لدعم ترشيح رئيس " تيار المردة" سليمان فرنجية للمركز الرئاسي الاول في البلاد.

وتقول مصادر ديبلوماسية متابعة انه سواء حصل التغيير في السفارة الفرنسية في بيروت، او لم يحصل، فان الحراك الفرنسي لملء الفراغ في السدة الرئاسية اللبنانية سيتواصل وكذلك الموقف من ترشيح فرنجية. وفي هذا السياق ابدت المصادر استغرابها للتفسيرات التي اعطيت لكلام الناطقة باسم  الخارجية الفرنسية "آن كلير لوجاندر" الاسبوع الماضي عندما اكدت ان " ليس لفرنسا مرشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية"، لافتة الى انه من المستغرب ان يصدر عن" لوجاندر" عكس ما قالته، لانه سيعد اذ ذاك " تدخلا في الشؤون الداخلية اللبنانية" او حتى " انتدابا" جديدا على لبنان على حد ما روجت جهات سياسية لبنانية ازعجها الموقف الفرنسي المؤيد لفرنجية يأتي في مقدمتها رئيس " القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي ذهب الى حد الحديث عن وجود " صفقة مصالح" بين فرنسا وحزب الله وحلفائه خلف الدعم غير المسبوق لفرنجية. كلام جعجع الذي ترك صدى سلبيا لدى باريس لاسيما لجهة اشارته الى " صفقة مصالح"، ما كان ليصدر، حسب المصادر نفسها، وبهذه الحدة لولا ان رئيس " القوات اللبنانية" شعر بان الدعم الفرنسي لفرنجية مستمر، وباريس ماضية في اقتراحها للوصول الى تسوية تحمل فرنجية الى قصر بعبدا، في مقابل وصول اما الرئيس تمام سلام او السفير نواف سلام الى السراي  الكبير، مع برنامج اصلاحي وضمانات يبدو ان الفرنسيين حصلوا عليها من فرنجية نفسه لدى زيارته باريس قبل اسابيع واجتماعه بالمستشار الرئاسي" باتريك دوريل "الممسك بالملف الرئاسي اللبناني بتكليف من الرئيس "ماكرون". وتشير المعلومات الواردة من العاصمة الفرنسية ان " الاعتراضات" التي وصلت الى باريس على الخيار المذكور، سواء من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، او من غيره من اركان المعارضة ومن نواب مستقلين، لم تنجح بعد في تغيير التوجه الفرنسي لاسيما وان الاسماء البديلة التي اقترحها بعض السياسيين اللبنانيين لم تلق تأييدا من اطراف آخرين منهم حزب الله، ما دفع بالجانب الفرنسي الى تأكيد دعم فرنجية الذي ايده " الثنائي الشيعي" لانه في نظر الفرنسيين قادر على مقاربة الازمة اللبنانية الراهنة في مختلف وجوهها وللخروج من الفراغ ووقف التدهور المتعدد الوجوه. وتقول المصادر نفسها ان باريس ستتعامل مع الملف الرئاسي بــ " واقعية" لان اي مرشح لا يقبل به حزب الله سيكون وصوله الى قصر بعبدا مستحيلا لان الحزب قادر مع حلفائه ولاسيما الرئيس نبيه بري ونواب حركة " امل" على تعطيل اي جلسة انتخابية يمكن ان تصب نتائجها لمصلحة غير فرنجية، اضافة الى ان هذا الموقف لا يستند فقط على عدد النواب الشيعة مع حلفائهم، بل على تعذر توافر الميثاقية الوطنية فيما لو قاطع نواب " الثنائي الشيعي" الجلسات الانتخابية.

وتعتبر المصادر ان باريس يمكنها ان تغير بين ليلة وضحاها السياسة التي انتهجتها منذ شهور خصوصا بعدما حصلت من فرنجية " على ضمانات" وصلت بتفاصيلها الى السعودية والدول الاعضاء في التحرك الخماسي، اي فرنسا والولايات المتحدة ومصر والسعودية وقطر.

 

كلام سعودي يريح" دوريل"... جزئيا

وتؤكد المصادر نفسها ان ما يجعل الموقف الفرنسي مستمر على حاله في دعم فرنجية، هو ان المستشار الرئاسي" دوريل" سمع خلال وجوده في الخليج قبل اسبوعين، ان السياسة التي يمكن ان تتبع ازاء فرنجية مستقبلا، مرتبطة بالسياسات التي سيعتمدها فرنجية في مواضيع السيادة والاصلاحات ودور رئاسة الحكومة والعلاقة مع حزب الله وسوريا. وفسّر دوريل – وفق المصادر نفسها- هذا الكلام بانه لا يعتبر لا رفض مبدئيا او مطلقا لفرنجية، وان الامور مرهونة باوقاتها وخصوصا بطريقة اداء فرنجية ومدى ايفائه بالالتزامات التي قدمها. لكــــن " استنتاج" "دوريل" ليس على ما يبدو نهائيا، بدليل استمرار بعض ردود الفعل التي توحي بان " التحفظات" الخليجية على انتخاب فرنجية لا تزال على حالها خوفا من ان يكون عهد فرنجية نسخة منقحة لعهد الرئيس عون لاسيما لجهة العلاقة مع حزب الله وسوريا. وينطلق المتحدثون عن ان المعارضة السعودية لوصول فرنجية لا تزال قائمة، من انه لو حصل" دوريل" فعلا على جواب سعودي حاسم يصب في مصلحة فرنجية، لما واصل دعواته الى قيادات لبنانية لـــ " اقناعهم" بالسير في الخيار الفرنسي، ولا كان وجه رسائل في اتجاهات عدة لابلاغ " المعترضين" ان الامر انتهى وعليهم دعم ترشيح فرنجية. ولن يكون في مقدور باريس ان تقبل " هزيمة" سياسية، ذلك ان فرنسا واحدة من الدول الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن الدولي ولن تقبل بالتالي ان تعرض مصداقيتها داخل المجتمع الدولي الى الاهتزاز على خلفية عدم قدرتها على تأمين فوز مرشحها في بلد مثل لبنان على علاقات تاريخية ومميزة مع سائر مكوناته، وبالتالي ستواصل العمل على مختلف المستويات للوصول الى هدفها. وقد تبلغ الجانب الفرنسي كما اكدت المصادر الديبلوماسية نفسها، عدم " قلق" الفريق الذي يدعم فرنجية مما صدر عن الناطقة باسم الخارجية الفرنسية لان هذا الفريق اعتبره موقفا " طبيعيا" وموجها في قسم منه للاستهلاك المحلي لجهة ترميم العلاقة مع القوى السياسية المسيحية والاسلامية التي اعترضت على دعم فرنسا لفرنجية، ولتأمين استمرار الحوار مع هذه القوى.

وثمة من رأى في كلام  الناطقة باسم الخارجية الفرنسية محاولة لخفض منسوب الخلاف بين باريس وباقي الدول الاعضاء في اللجنة الخماسية التي لم تعلن تأييدها للخيار الفرنسي بعد، وان كانت لم تعارضه علنا او تقدم بديلا عنه، ولا تخفي الجهات الفرنسي المؤثرة في الايليزيه ان " التسوية" التي تقترحها وان لم تكن مثالية الا انها تبقى افضل من استمرار الفراغ، وبالتالي فان خيار فرنجية واحــــد " السلامين" تمــــام او نواف( والارجحية لتمام اكثر) هو " الحل الممكن شرط قيام حكومة فاعلة تحقق الاصلاحات وتباشر تدريجا بالحلول المرجوة.

 

هل يحصل " خرق" للموقف المسيحي؟

وسط هذه الصورة الضبابية، جاء من يقنع الفرنسيين بعدم " الاستخفاف" بالمعارضة المسيحية التي عبرت عنها احزاب " القوات اللبنانية" و" التيار الوطني الحر" والكتائب، وان اختلفت اسباب كل حزب في موقفه، لان مثل هذه المعارضة قادرة على تعطيل نصاب جلسات مجلس النواب اذا استمرت في موقفها الموحد، من دون ان يعني ذلك اتفاقها على البديل لفرنجية وهنا بيت القصيد في غياب مرشح قادر على منافسة زعيم " المردة" او جمع اصوات توازي الاصوات المتوافرة له حتى اليوم والتي تبلغ نحو 55 صوتا. وسمع "دوريل "ومعاونوه كلاما مفاده ان المعارضة المسيحية ليست ضد سليمان فرنجية ولكنها ضد خياراته السياسية وتحالفه مع " الحزب وستعمل وتتوحد من اجل ان لا يحصل ذلك لان البلاد غير قادرة على الاستمرار بالسياسة التي يفرضها " الحزب" على لبنان الذي فقد سيادته واستقلاله، وتحول الى محور للتهريب وتبييض " الاموال"، كذلك سمع" دوريل" بانه " لا يمكن باريس ان تدعم استمرار مرحلة سطوة " الحزب" على القرار اللبناني وان تمديد هذه المرحلة خطير جدا لانه بمثابة انتحار للبلد. فالضرر الذي سيلحق به من التمديد ست سنوات لسياسة الحزب سيؤدي الى عدم القيام بالاصلاحات وسيعطل امكان التوافق بين اللاعبين في الملعب اللبناني. كما يجب الاخذ في الاعتبار ان هناك اكثرية ترفض العيش داخل  "جمهورية حزب الله". وقد ادى تسلط الحزب الى انتاج جمهوريتين: الجمهورية اللبنانية المعطلة وجمهورية " حزب الله" التي تفرض على الاطراف سياستها. والخلاصة التي ابلغتها المعارضة الى" دوريل" ان لا حل حاليا في ظل المعادلة التي تتبنى انتخاب فرنجية رئيسا ونواف سلام رئيسا لمجلس الوزراء  لان الرئيس ينتخب لمدة 6 سنوات فيما رئيس الحكومة ولو كان مقربا من " التغييريين" يمكن اقالته خلال اسابيع او اشهر وهذا ما حصل مع رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الذي ارغم على الاستقالة رغم كل الضمانات التي قدمت اليه لتأييده انتخاب الرئيس ميشال عون، وان هذه المقايضة غير عادلة لان فريق الممانعة يحصل على رئيس جمهورية ورئيس المجلس النيابي فيما الفريق المعارض يحصل على رئاسة حكومة متقلبة مصيرها متعلق بثلث يمكنه تعطيل عملها واقالتها. وبالتالي فان هذه المقايضة مرفوضة لان المعارضة ترفض وضع الحزب يده على مقاليد البلد وهو يرفض المشاركة في حوار لطرح مرشحين مستقلين. الا ان ثمة من يتخوف، داخل المعارضة المسيحية، من حصول " خرق" لمصلحة فرنجية وهذا ما عكسه كلام قاله رئيس حزب مسيحي:" انا لا اضمن الا نفسي في معارضة فرنجية لان ثمة نواب من الاحزاب المسيحية الاخرى قد يذهبون الى خيارات بمعزل عن توجهات احزابهم"!ٍ

في اي حال، وفي مقابل عدم وجود ضمانات في توحيد مواقف الاحزاب المسيحية، يبدو موقف" الثنائي الشيعي"  محسوما لجهة التمسك بترشيح فرنجية وعدم التنازل عن ذلك، ولاسيما حزب الله الذي بدا وكأنه اقفل الابواب او يكاد على اي تسوية يمكن ان تطيح بفرنجية، مهما طال الوقت وظهرت اشارات موجهة الى فرنجية بــ " مغادرة مربع الانتظار" والتحرك في اتجاه القيادات السياسية الاساسية بعد الاعلان عن ترشحه في اطلالته التلفزيونية يوم الاربعاء الماضي على ان يأخذ الحزب على عاتقه اعادة التواصل مع نواب " مترددين" لاقناعهم بالانضمام الى قافلة داعمي فرنجية، لان لدى " الحزب" قناعة بان الخط الذي يمثله بدأ يحقق ارباحا على الصعيد الاقليمي بعد التقارب السعودي- الايراني، وعودة الحرارة ولو تدريجا الى العلاقات السورية- العربية، وبالتالي لا مجال للقبول بالخسارة السياسية في الداخل اللبناني بعد الارباح التي تحققت اقليميا، خصوصا في ظل مناخ التسويات وغياب مرشح المعارضة، فان " الحزب" يرى ان حظوظ فرنجية لا تزال قوية، لكن لتفعيل كل هذه المعطيات كي تصب في مصلحة فرنجية، لا بد من الانتظار، ما يعني ان لا رئيس جديدا للبنان في المدى القريب الا اذا حصل تبدل نوعي ومعلن في الموقف السعودي يصّب في مصلحة تأمين النصاب في مجلس النواب.... كي يفوز سليمان فرنجية!