تفاصيل الخبر

بين حزب الله و" التيار" اكثر من خلاف لكن لن يصل الى حد اسقاط " تفاهم مار مخايل"

21/12/2022
بين حزب الله و" التيار" اكثر من خلاف لكن لن يصل الى حد اسقاط " تفاهم مار مخايل"

الرئيس ميشال  عون والسيد حسن نصر الله في تفاهم مار مخايل

 

بين " التيار الوطني الحر" و"حزب الله "اكثر من خلاف تظهر في الاعلام بعدما كان لاشهر خلت " تحت الطاولة" رغم اشارات عدة برزت من الطرفين بعدم جواز الاستمرار في حالة متبادلة لانعدام الثقة صارت علنية لاول مرة منذ اعلان " تفاهم مار مخايل" العام 2006، ويلتقي الطرفان، كل من جهته، على وصف ما حصل بينهما بانه ليس مجرد حادث عابر او انه " غيمة صيف" ومرت، كما كان يحصل سابقا، بل ان المسألة لها عمقها الناتج عن عدم التقاء وجهات النظر في الكثير من المواضيع، اضافة الى ما كان يصدر من رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل من مواقف لم تكن منسقة مع الحزب من جهة، او هي تتناقض كليا مع خيارات الحزب من جهة ثانية. ولعل ما يزيد الامور تعقيدا ان " الحزب" و" التيار" يتبادلان روايات حول ما حصل في العلاقة بينهما تظهر كل فريق من الاثنين وكأنه على حق، فيما الواقع ان اي قراءة متأنية لمسار الخلاف بين الطرفين الحليفين تظهر ان الاخطاء متبادلة وان " سوء التفاهم" الذي كانت تتصف به العلاقة بين الطرفين، سرعان مع كان يتحاول الى ما هو اكبر حجما وتأثيرا. الا ان القاسم المشترك يبقى ان لا رغبة معلنة من " الحزب" او " التيار" بانهاء العلاقة بينهما، او فك الارتباط الذي جمعهما منذ " تفاهم مار مخايل" حتى اليوم، علما ان هذا " التفاهم" ساهم الى حد بعيد بايصال العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. من هنا ستتواصل المساعي للوصول الى ثغرة او اكثر، يمكن من خلالها اعادة رسم " خارطة طريق" للعلاقة بين الطرفين تستفيد من عبر الماضي والاخطاء المشتركة والعمل على عدم تكرارها.

 لقد كان باسيل واضحا في اطلالاته الاعلامية المتتالية خلال الايام القليلة الماضية في سرد جملة مسائل تباينت فيها وجهات النظر مع " الحليف" صاحب " الوعد الصادق" وان كانت العبارات التي استعملها احدثت انزعاجا كبيرا لدى قيادة الحزب التي سارعت الدائرة الاعلامية فيها الى الرد على باسيل مباشرة وبالاسم للمرة الاولى في تاريخ العلاقة بين الطرفين، الى درجة ان الكثير من السياسيين والمحللين اعتبروا ان " تفاهم مار مخايل" بات على المحك وهو آيل للسقوط سريعا بعدما اهتزت اساساته بعدما كان لسنوات خلفت في نظر الطرفين " تفاهما نموذجيا". اما اليوم فكلا الطرفين في قطيعة. كل منهما ينتظر تقدم الاخر اليه خطوة كي يبادر بدوره، الا ان الايام القليلة الماضية لم تحمل اي اشارة ايجابية في هذه الاتجاه ذلك ان كثرة الاخطاء المتبادلة والمرتكبة من الطرفين  تحمل كليهما على التريث، علما انهما ليسا منفردين على الساحة السياسية اللبنانية، بل هم محاطون بخصوم سياسيين من مختلف الطوائف من دون ان ننسى نصف " الثنائي الشيعي" اي حركة " امل" تحديدا على خلاف عميق ويتبادلان المواقف الصلبة والمتشنجة وحملات التجريح غير المسبوقة.

عون على خط " الانزعاج"

والواقع ان النائب باسيل لم يعد وحده في المواجهة مع "حزب الله"، ذلك ان الرئيس عون حرص خلال الاسبوع الماضي على ابلاغ زواره " امتعاضه" من الطريقة التي يتعامل فيها " الحزب" مع " التيار"  ورئيسه، اضافة الى تعاطيه " البارد" معه- اي مع الرئيس عون- خلال وجوده في قصر بعبدا وغياب الدعم المؤثر والفاعل للخطوات التي قام بها ولاسيما مسألة مكافحة الفساد. و" انزعاج" الرئيس عون جعله يحجم عن القيام باي اتصال مباشر بالسيد نصر الله منذ زمن بعيد، وغاب نواب " كتلة الوفاء للمقاومة" عن زيارة بعبدا خلال الاشهر الثلاثة التي سبقت نهاية الولاية، اضافة الى مواقف اخرى كانت في احيان كثيرة مواقف " متفلتة ولا ضوابط لها". من هنا يشعر من يلتقي الرئيس عون هذه الايام بانه " مجروح" لاسيما وانه كان للحزب موقفا ايجابيا من وصوله الى قصر بعبدا، لكنه كان له في المقابل موقفا سلبيا في عدم دعم العهد على النحو الذي كان يتمناه الرئيس عون، بدليل ان البند الرابع من وثيقة التفاهم بين الطرفين المدرج تحت عنوان" بناء الدولة" ومقتضياته  المرتبطة بمكافحة الفساد واستغلال القضاء  ومعايير العدالة واحترام عمل المؤسسات الدستورية وإبعادها عن التجاذبات السياسية وتفعيل مؤسسات الرقابة وفتح التحقيقات القضائية واسترجاع المال العام المنهوب. لم يلمس عون أن الحزب ساعده على تطبيق البنود تلك المتفق عليها، وكانت في قلب التفاهم كما الوقوف إلى جانب المقاومة ودعمها. لم يكن إلى جانبه في حملته لمكافحة الفساد، وأشغل نفسه بالسياسة وحماية قوى ضالعة في الاستمرار في الفساد. ما يحرص على قوله إنه الوحيد الذي كان إلى جانب حزب الله والمقاومة في حرب تموز (يوليو) 2006، بينما الأفرقاء الآخرون ضده: "عندما ربح الحزب ربحت معه وكنت الداعم له وطنياً وإعلامياً. ولو خسر لكنت خسرت معه. في الحالين سأكون معه سواء ربح أو خسر. على المسيحيين أن يعيشوا معه سواء ربح أو خسر". ويفضّل عون، تبعاً للمطلعين على موقفه، إعطاء بعض الوقت حتى يبرد الخلاف قليلاً. يدافع عن وجهة نظر باسيل، ويعتقد أن التباين لم ينشأ أخيراً. في ما يقوله إن التحالف مع" حزب الله" وراء العقوبات الأميركية على باسيل. سمع ذلك مباشرة من وزير الخارجية الأميركي السابق " مايك بومبيو" عندما استقبله في قصر بعبدا في 22 آذار(مارس)  2019 يطلب منه تخلي باسيل عن التحالف مع" حزب الله " تفادياً لفرض عقوبات أميركية عليه. سرعان ما صار إلى فرضها بعد أشهر في 6 تشرين الثاني (نوفمبر)2020. يومذاك قال عون للوزير الأميركي: "ماذا يضرّك أن يجتمع نائب لبناني بنواب لبنانيين على أراض لبنانية؟ تريد معاقبته لأنه يتحدث معهم؟". جواب" يومبيو" أن على باسيل "قطع العلاقة".

في الأشهر الأخيرة، خصوصاً في مرحلة تأليف حكومة نهاية الولاية، بحسب عون، كان في وسع الحزب ممارسة ضغوط للوصول إلى حكومة جديدة ترضي الأفرقاء جميعاً. بيد أنه اكتفى بالطريقة التي تعامل بها معه آنذاك الرئيس المكلف.

السيد يوضح موقف الحزب

المشكلة الراهنة التي طفحت بها الكأس كانت ترشيح "حزب الله "سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية وهو ما يرفضه الرئيس السابق ورئيس "التيار الوطني الحر"، واجتماعات الحكومة المستقيلة التي يرفضانها كذلك. الا ان مواقف باسيل المعلنة من موضوع اجتماع الحكومة وما دار بينه وبين الحزب حولها تعتبرها مصادر في "حزب الله " غير دقيقة الى درجة ان الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله روى في لقاء طويل مع فريق العمل الحكومي في الحزب ما حصل من ملابسات رافقت انعقاد مجلس الوزراء، مستبقا تلك الرواية بالتأكيد على ان" حزب الله "لن يخرج من التفاهم مع " التيار الوطني الحر" الا اذا اراد التيار ذلك. قال السيد نصر الله عن الجلسة الحكومية ان لا صحة  لكل ما شاع عن أن الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء كانت رسالة سياسية أو صفعة أو غيرها مما وصفت به. "موقفي أقوله أمام الله. وُضعنا من أقرب المقرّبين إلينا في القطاع الاستشفائي بخطورة ما تواجهه المستشفيات عموماً ومرضى السرطان خصوصاً، كما قطاع الاتصالات عموماً وهيئة أوجيرو وخدمة الإنترنت خصوصاً، في حال لم تنعقد الجلسة. أجرينا اتصالات مع النائب جبران باسيل الذي كان حاسماً برفض انعقاد الجلسة بناءً على موقفه باعتبار الحكومة مستقيلة. فيما رئيس الحكومة في المقابل كان مصرّاً على أن تيسير هذه الأمور لا يتحقق إلا بعقد جلسة. عملنا على تصغير جدول الأعمال، وبين رفض الوزير باسيل وإصرار الرئيس نجيب ميقاتي، اخترنا أن نقوم بما يسهّل تلبية حاجات الناس، مع تفهم عدم المشاركة العونية، من دون أن تكون لذلك أي أهداف سياسية أو رسائل أو غيرها، وخصوصاً أن التواصل كان قائماً بهذا الشأن مع باسيل". وتابع السيد: "فجر يوم الجلسة، كانت المعلومات تشير إلى نجاح باسيل في تعطيل الجلسة عبر مقاطعة ثلث الوزراء، ومن جهتنا لم نستنفر أو نجر أيّ اتصالات لعقد الجلسة. ورغم الوضع الطارئ، كنا نعتقد بأن إلغاء الجلسة يمكن أن يفتح الباب أمام خيارات أخرى، لكننا فوجئنا لاحقاً بحضور عضو تكتل لبنان القوي وزير الصناعة (جورج بوشكيان) الذي أمّن النصاب. غير ان ما لم يقله السيد نصر الله امام فريق العمل الحكومي في الحزب، قالته مصادر مقربة منه حول ما وصفته بــ " ا سباب انزعاج الحزب من باسيل"، ومنها استمرار " التيار" ورئيسه في تحميل الرئيس نبيه بري، حليف "حزب الله "ضمن " الثنائي الشيعي"، اسباب فشل عهد الرئيس عون، على نحو بات يوحي وكأن الحزب هو من ساهم في افشال العهد وحتى الفساد وليس الحصار الذي يتعرض له لبنان اقتصاديا وماليا اضافة الى " معارضات" في الداخل لاداء الحكم ولاسيما تدخلات النائب باسيل في ادارة شؤون البلاد، فضلا عم قاله باسيل في باريس بحق رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية على رغم معرفته بان الحزب يدعم ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية. ولا تنسى المصادر المقربة الاشارة الى الحملات العنيفة التي تعرض لها الحزب في الرأي العام العوني الى درجة ان مواقع التواصل الاجتماعي اصبحت " تعج" بالتعليقات والانتقادات والعبارات القاسية  بحق " الحزب" وكبار المسؤولين فيه وصولا الى السيد نصر الله نفسه. وإذا كانت هذه النقاط شكلية إلى حد ما، فإن النقطة الأساس في المضمون تتعلق بالاختلاف الأول من نوعه في التقييم السياسي للمرحلة الحالية وخريطة الطريق الخاصة بالمرحلة المقبلة. فقد بات واضحاً أن للحزب تصوراً وللتيار تصوراً آخر. والتحدي الرئيسي هو ضبط هذا الاختلاف وإبقاؤه عند حدود معينة وعدم المسارعة إلى قطع خطوط التواصل والاتصال وفتح جبهات افتراضية لا يمكن أن تفيد الطرفين. مع الأخذ في الحسبان أن ثمة مشكلة جدية وكبيرة بين الطرفين في ما يخصّ نظرة كل منهما إلى الآخر، وفي ما يخصّ التطمينات والضمانات والأولويات. ولا شك في أن الإيجابية الرئيسية تكمن في قول الحزب إنه لن يخرج من التفاهم إلا إذا أراد التيار ذلك، تماماً كما يقول التيار إنه لن يخرج من التفاهم إلا إذا أراد الحزب ذلك. إذ لا يريد أيّ منهما تحمّل مسؤولية كونه السبّاق في الخروج، وهو ما يمنحهما الوقت سواء لإعادة صياغة تفاهم جديد قبل ذكرى التفاهم القديم في 6 شباط(فبراير)  أو لتأمين خروج هادئ بالتكافل والتضامن من التفاهم.