كان من المستغرب جدا ان يقع الخلاف بين وزير الدفاع الوطني موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون، فالرجلان من ابناء مؤسسة واحدة هي الجيش، ويدركان خصوصيتها ويتفهمان ظروفها، وليسا كما الوزيرين المدنيين يعقوب الصراف والياس بو صعب اللذين اختلفا مع العماد عون في اكثر من محطة، ولا مثل الوزيرة زينة عكر التي انشغلت عن تفاصيل الوزارة بالمسؤوليات التي تحملتها كنائب لرئيس الحكومة، ثم وزيرة للخارجية بالوكالة نظرا للمهام التي تولتها لاسيما بعد انفجار مرفأ بيروت والتنسيق مع الهيئات الدولية التي سارعت الى مساعدة لبنان. وعلى رغم ان الوزير سليم هو عميد متقاعد في الجيش تقلب في مناصب عدة قبل تقاعده منها رئاسة الطبابة العسكرية، الا ان العلاقة مع قائد الجيش لم تكن بردا وسلاما منذ الاشهر الاولى لتوليد المسؤولية الوزارية، الا ان الوزير سليم كان يتكتم في خلافه، حتى من اقرب المقربين منه، لئلا يؤثر ذلك على الوضع داخل المؤسسة العسكرية التي له فيها رفاق سلاح كثر ومنهم في مواقع المسؤولية المباشرة. لكن الخلافات استمرت واخذت اشكالا مختلفة يتحدث عنها ضباط في المؤسسة بكثير من الاستغراب متسائلين عن الاسباب الحقيقية التي اوصلت العلاقة بين الرجلين الى هذا المستوى الذي تفجر في الاعلام وخرج الى العلن على خلفية ما حصل في المفتشية العامة في الوزارة التي تتبع، من حيث الصلاحيات، وزير الدفاع مباشرة لانها مؤسسة من مؤسسات وزارة الدفاع: الجيش، المفتشية العامة، المديرية العامة للادارة، ومن مهام المفتشية، التفتيش عن المخالفات في كل مؤسسات الوزارة. فالذي حصل ان المفتش العام اللواء ميلاد اسحاق احيل الى التقاعد في 25 كانون الاول( ديسمبر) الماضي بعدما رفض وزير الدفاع توقيع قرار بارجاء تسريحه ورئيس الاركان العامة اللواء امين العرم، وكي لا يشغر الموقع قرر الوزير سليم تكليف الضابط الارثوذكسي ( ان هذا المنصب عرفا يعود للطائفة الارثوذكسية) الاعلى رتبة في ملاك المفتشية العميد الطبيب سليم حداد تسيير اعمال المفتشية ريثما يتم تعيين مفتش اصيل في مجلس الوزراء.
الا ان هذا القرار لم يرق لقائد الجيش الذي اصدر امر فصل لمدير الافراد في الجيش العميد جرجس ملحم الى المفتشية العامة من دون اعلام الوزير وكلفه تسيير اعمال المفتشية التي اصبح لها تبعا لذلك " مسيران" الاول بقرار من السلطة المختصة اي وزير الدفاع، والثاني بقرار من قائد الجيش لان فصل العميد ملحم وهو ارثوذكسي، يجعله الاعلى رتبة من العميد حداد المعين من قبل الوزير.
الوزير تمسك بصلاحياته.. والقائد بقيادته للجيش
ويروي ضباط على اطلاع على تفاصيل ما حصل، ان العماد عون اتخذ اجراءات تأديبية بحق العميد حداد ومنعه من تسلم منصبه ووضعه بتصرف قائد الجيش وحرمه من التقديمات التي تعطى للعمداء مثل المحروقات والسيارة والسائق، حتى قيل انه منعه من دخول الثكنات العسكرية والمؤسسات الصحية العسكرية على انواعها. وقد اثارت هذه الاجراءات التي اتخذها قائد الجيش بحق العميد حداد استياء لدى وزير الدفاع الذي اصرّ على التدبير الذي اتخذه وطلب الى العماد عون العودة عن الاجراءات التي اتخذها والتسليم بتولي العميد حداد تسيير المفتشية العامة وتطبيق القوانين المرعية الاجراء ولاسيما في ما يخص صلاحيات وزير الدفاع بموجب قانون الدفاع الذي يجعل من المفتشية العامة مؤسسة من بين مؤسسات وزارة الدفاع وتمتلك صلاحية التفتيش في الجيش لمصلحة وزارة الدفاع ولها صلاحياتها المستقلة في مراقبة العديد والادارات وتقدم تقاريرها الى وزير الدفاع وقائد الجيش، وبالتالي فان الوزير هو الرئيس المباشر للمفتش العام ويعين عادة في مجلس الوزراء باقتراح من وزير الدفاع. ولان المفتشية مفصولة في صلاحياتها وعديدها وحتى في امرتها عن الجيش، تمسك الوزير بحقه في التعيين وتوخى الدقة والتزام القانون عندما اختار احد الضباط المفصولين الى المفتشية ( العميد حداد) وليس من الجيش باعتبار ان التكليف من خارج المفتشية يحتاج الى مذكرة فصل من القائد من مؤسسة الجيش الى مؤسسة المفتشية العامة بناء على طلب وزير الدفاع الذي اختار اعلى ضابط من طائفة الروم الارثوذكس من داخل المفتشية وكلفه تسيير الاعمال خلفا للواء اسحق.
في المقابل، يقول المطلعون على قرار قائد الجيش، انه استند في تكليفه العميد ملحم تسيير اعمال المفتشية بعد نقله من مديرية الافراد، على كونه اقدم ضابط في الجيش من طائفة الروم الارثوذكس، وتقوم هذه النظرية على اعتبار المؤسسة العسكرية هي المؤسسة العامة التي ترفد المؤسسات الاخرى بالعديد والامور اللوجستية والمادية ولو كان البعض منها يتبع لوزير الدفاع كما هو الحال بالنسبة الى المفتشية العامة، وهو ما ينطبق – حسب هؤلاء المطلعين على جهاز امن المطار التابع اداريا لوزير الداخلية فيما يعين قائد الجيش رئيسه. وانطلاقا من هذا الامر، فصل العماد عون العميد ملحم من مديرية الافراد الى المفتشية العامة ليصبح اعلى ضابط ارثوذكسي في المفتشية بحيث يتولى هو تسييرها.
وثمة من يقول ان العماد عون طلب من الوزير سليم تعيين العميد ملحم، الا ان الوزير اعتبر ان فصل العميد ملحم الى المفتشية ثم من دون علمه او موافقته بهدف وضعه امام " الامر الواقع". وهو ما رفضه وكلف الضابط الاقدم في ملاك المفتشية العامة بمهام تسيييرها وليس الضابط الذي فصل اليها على رغم ان مديرية الافراد في الجيش تعتبر من اهم المديريات واكثرها دقة لكونها تعنى بجميع افراد الجيش وبمناقلاتهم وتشكيلهم وترفيعهم الخ... ونتيجة ما حصل انقطع التواصل بين الوزير والقائد وحصلت قطيعة يعمل " سعاة الخير" على تذليلها، وبرزت في هذا الاطار " شروط" من كلا الطرفين دون الوصول الى نتيجة مرضية.
خلافات قديمة طغت على السطح
ويرى متابعون لهذه القضية ان ما حصل في المفتشية العامة ان عمليا النقطة التي فاض بها الكأس، لان العلاقة بين الوزير والقائد لم تكن جيدة وظهرت في حالات مختلفة كان آخرها، قبل ازمة المفتشية، امتناع الوزير عن تلبية طلب القائد بتأجيل تسريح رئيس الاركان اللواء امين العرم والمفتش العام اللواء ميلاد اسحق على رغم الضغوط التي تعرض لها الوزير من داخل وخارج، لكنه تمسك بالقانون وامتنع عن التمديد حفاظا على التراتبية العسكرية من جهة وعلى المعاملة بالمثل بين جميع الضباط، اضافة الى حق الضباط بالتناوب على تسلم مسؤوليات قيادية. كما حصلت خلافات حول تعيين رئيس المحكمة العسكرية وممثل الحكومة لدى القوات الدولية، ومسائل اخرى لها علاقة بالعمل اليومي والتلزيمات وشؤون مالية حيث تباينت وجهات النظر بين الوزير والقائد، علما ان الوزير شكا لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ان العماد عون " لا يرد عليه" في قضايا عدة منها على سبيل المثال، المسائل المتعلقة بالهبات التي تصل الى الجيش ويتولى القائد صرفها ( اذا كانت مالية) او توزيعها ( اذا كانت عينية) من دون الاستحصال على موافقة مجلس الوزراء على هذه الهبات وفقا للاصول القانونية المعتمدة. كما شكا من ان قائد الجيش يقوم بزيارات رسمية الى الخارج من دون ابلاغ الوزير او الحصول على موافقته ويعود من هذه الزيارات من دون اطلاعه على نتائجه الى درجة انه كان يعرف بهذه السفرات عبر الاعلام.... علما انه يمثل السلطة السياسية التي يفترض ان تكون مسؤولة عن اعمال المؤسسة العسكرية كما سائر مؤسسات وزارة الدفاع الاخرى، لان الوزير في النتيجة هو من يحاسب، وعليه ان يكون قادرا على المحاسبة، او على الاقل ان يكون مطلعا على ما يجري في المؤسسات التي يعتبر مسؤولا عنها تجاه السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو امر غير مؤمن حاليا!.