لو انعقدت جلسة مجلس النواب يوم الخميس 12 كانون الثاني ( يناير) والتي تأجلت بسبب وفاة الرئيس حسين الحسيني لكان السيناريو نفسه تكرر في سلسلة جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون ان يصبح للجمهورية اللبنانية رئيسا، والدعوة المقبلة لجلسة نيابية انتخابية او اكثر، ستلقى المصير نفسه لان كل المعطيات تشير الى ان الطبقة الرئاسية لم تنضج بعد، في الداخل، ولا في الخارج، ما يعني ان البلاد امام انتظار ليس من السهل تحديد تاريخ انتهائه اذا ما ظلت المعطيات نفسها واذا لم يستجد اي عامل جديد يمكن ان يغيير الواقع المأزوم راهنا. في غضون ذلك " تسلى " الافرقاء السياسيون مع " منظري" التحليلات من اعلاميين وخبراء، طوال الاسبوع الذي تلا عطلة الاعياد، في الحديث عن مؤتمر يتردد انه سيعقد في باريس خلال الاسبوعين المقبلين، ويصفه البعض بــ " الاجتماع" وليس بــ " المؤتمر"، يشارك فيه ممثلون عن القيادات اللبنانية لوضع خارطة طريق يفترض ان تسهل انتخاب الرئيس العتيد من ضمن " سلة" يتردد انها تشمل ايضا، رئاسة الحكومة الاولى في العهد الجديد، وشكلها وعدد الوزراء فيها، اضافة الى الخطوة العريضة لبرنامج عملها الذي يطرح عادة في البيان الوزاري.
وفيما لم تتوافر معلومات دقيقة عن طبيعة اجتماع باريس ولا الجهات المدعوة اليه ومستوى التمثيل فيه، تنطلق اصوات لمتابعين تؤكد ان الاجتماع الباريسي مؤجل في الوقت الراهن وان دولة عربية معنية بالوضع اللبناني حاليا كانت وراء التأجيل بعدما رصدت دخولا من دولة عربية اخرى، جارة لها، على خط ما سمي بــ" التسوية" التي يجري العمل على انجازها وتذليل العقبات امامها بحيث تصبح حقيقة قائمة قبيل حلول شهر الربيع المقبل.
الا ان مصادر ديبلوماسية معنية تؤكد ان الاجتماع سيتم وان كان تأجل لفترة زمنية لم تحدد بعد وان المشاركة فيه ستكون فرنسية واميركية وسعودية في مرحلة اولى ولا وجود لبنانيا فيه من دون ان تحسم هذه المصادر المشاركة القطرية التي قيل انها استجدت في السياق لتحضير للاجتماع لكنها لم تحسم بعد في انتظار بلورة " التنسيق" الذي يفترض ان يتم مع المملكة العربية السعودية التي كانت ابلغت الفرنسيين انها تفضل ان يقتصر الحضور في مرحلة اولى على الدول الثلاث واذا ما حقق الاجتماع تقدما يمكن اذ ذاك البحث في ضم قطر اليه. لكن هذه المصادر اعتبرت ان دخول قطر الى الاجتماع، اذا ما تحقق، فسيكون نتيجة الدور الذي تلعبه قطر حاليا في ما خص مساعدة لبنان عينيا وماديا اضافة الى دورها في المفاوضات التي تمت خلال البحث في ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وكون شركة " قطر غاز" ستكون شريكة في عملية التنقيب عن الغاز واستخراجه في البلوك رقم 9 من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية. والى ان تبت مسألة مشاركة قطر في اجتماع باريس، فان الاجواء حول هذا الاجتماع لا توحي بانه سيكون حاسما لجهة تسمية الرئيس العتيد، او الايحاء باسمه، بل سيكرر المجتمعون "المعزوفة" نفسها لجهة المطالبة بالاسراع في انهاء الشغور الرئاسي ووضع مواصفات للرئيس المقبل فقط من دون الدخول في " فخ" اسماء المرشحين، لاسيما وان واشنطن وباريس والرياض، اكدت تباعا ان انتخاب الرئيس هو ممسؤولية اللبنانيين وليس من الوارد انزلاق اي من الدول الثلاث الى اقتراع الاسماء او محاولة فرض احد المرشحين غير المعلنيين رسميا وان كان يتردد اسمه على انه " مرشح المجتمع الدولي". ووفقا للمصادر نفسها فان المواصفات التي سيضعها الحاضرون في الاجتماع الباريسي للرئيس الذي يتمنونه قد ترسم " ملامح" الرئيس المفضل لهذه الدول، لكن سيعود الى الاطراف اللبنانيين ان يأخذوا بها او يرفضوها، وبذلك تكون الدول المشاركة قد قامت بما عليها في هذا الشأن ولا يمكنها القيام اكثر تاركة للقوى المحلية مسؤولية صياغة الترجمة العملية لاي تفاهم خارجي يهدف الى تقحيق مسؤولية صياغة الترجمة العملية لاي تفاهم خارجي يهدف الى تحقيق انتظار عمل المؤسسات الدستورية وتكوين السلطة من اجل التعامل معها لانقاذ الوضع الاقتصادي المتهاوي.
العبرة في اتفاق الداخل وليس توافق الخارج فقط
وفي احدى المناسبات التي حضرها عدد من السفراء الاجانب في لبنان، قالت سفيرة دولة لها تأثيرها على الساحة اللبنانية، ان اي اجتماع في الخارج يتم فيه وضع خريطة طريق للاستحقاق الرئاسي وما يليه، يبقى من دون نتيجة عملية اذا ما رفضت قوى فاعلة في الداخل اللبناني مندرجات هذه الخريطة، وبالتالي لا بد من قراءة متأنية لما يصدر عن مواقف بعض السياسيين اللبنانيين لاسيما منهم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي اشار الى " مبالغات" في الكلام عن دور فرنسي او قطري او غيرهما. وكذلك في كلام رئيس " تكتل لبنان القوي"، النائب جبران باسيل الذي كرر مرارا عبارة " لبننة الاستحقاق الرئاسي" ما يعني عمليا عدم تأييده لاي تدخل خارجي في الازمة الرئاسية اللبنانية. واشارت السفيرة المعنية في حديثها الى ان الحجم النيابي لــ " الثنائي الشيعي" وتكتل لبنان القوي، اضافة الى كتل صغيرة اخرى وشخصيات مستقلة قريبة من حزب الله، كفيل باسقاط اي " تسوية" لا يتم التفاهم عليها مع القوتين الكبيرتين، اي " الحزب " و" التيار" نظرا لقدرتهما، مع حلفائهما، في تعطيل انعقاد اي جلسة انتخابية او في احسن الاحوال، الاستمرار في الاقتراع لـــ" الورقة البيضاء" كما حصل في الدورات الانتخابية المتتالية. الا ان هذا الواقع يصطدم راهنا بالفتور الذي اصاب العلاقة بين " الحزب" و" التيار" والذي لا يزال من دون معالجة مثمرة على رغم دخول اكثر من طرف على خط " اعادة جمع شمل" الحليفين القويين برلمانيا وشعبيا على حد سواء. والواضح ان اقصى ما تحقق على طريق " تبريد" الاجواء الحامية بين الطرفين، هو وقف الحملات الاعلامية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تمهيدا لجلسة او اكثر سوف تسبق اي لقاء متوقع بين السيد نصر الله والنائب باسيل الذي من دونه سيكون من المتعذر الوصول الى تفاهم بين " رفاق الامس"!.
ويتضح من مسار الاتصالات الجارية، ان لا تقدم في الوقت الراهن، لكن السيد نصر الله اعطى توجيهاته باستئناف التواصل مع " التيار الوطني الحر" رئيسا ونوابا ومسؤولين حزبيين، على امل ان يفضي هذا التواصل عن نتائج ايجابية لان قيادة "الحزب" وصلت الى قناعة بضرورة التفاهم على مسار الاستحقاق الرئاسي لئلا يتحمل حزب الله وحده مسؤولية التعطيل، اضافة الى ان الظروف الراهنة لا تجعل مروحة البدائل كبيرة، علما ان الوضع الاقتصادي الصعب لا يسمح بــ " ترف" مقاربة الموضوع الانتخابي على انه استحقاق عادي ويمكن المناورة فيه حتى اشعار آخر. وتتحدث المصادر المطلعة ان حزب الله سيعطي اوسع مجال للاتصالات و" المفاوضات" سواء مع " الحليف" النائب باسيل، او مع غيره من العاملين على خط الانتخابات الرئاسية مع قناعة ضمنية بان الاولوية هي لرئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية الذي تتوافر فيه المواصفات التي حددها السيد نصر الله في اكثر من مناسبة. وفي حال تأمنت لفرنجية ظروف الفوز بالرئاسة، لاسيما لجهة تأمين 65 صوتا نيابيا على الاقل، فان باسيل يجب ان يتجاوب مع هذه الارادة التي يفترض الا تكون قد توافرت لغير فرنجية، وسيعطى حرية القرار، اما السير بفرنجية- اذا ما ضمن الحزب فوزه- وهذا امر مرغوب فيه لدى " الحزب"، واما يسلك باسيل طريق المعارضة التي يقول بعض المطلعين على موقف رئيس " التيار"، انه بات يراوده بقوة سواء حظي فرنجية بالاصوات المطلوبة، او حصلت " التسوية" لصالح قائد الجيش العماد جوزف عون، ومثل هذا السلوك المعارض يعيد لباسيل وتياره بعض ما خسراه خلال سنوات حكم المؤسس الرئيس عون، وبذلك يخوض " التيار" الانتخابات البلدية، ثم الانتخابات النيابية في دورة 2026 من موقع قوة شعبية واسعة فيأتي بكتلة نيابية كبيرة تتحكم بمصير الاستحقاق الرئاسي بعد انقضاء ولاية الرئيس العتيد.... اذا انتخب.
في اي حال، بين اجتماع باريس" الموعود" والامال الكبيرة المعلقة عليه، وبين الواقع السياسي الراهن في لبنان، لا يبدو ان المسافة قصيرة، لا بل انها متباعدة بدليل ان كل طريف يعني على ليلاه في ما خص هذا الاجتماع غير الواضح المعالم بعد، فثمة من يراهن عليه، وثمة من يرى انه لن يقدم ولن يؤخر، ما يعني ان الاستحقاق الرئاسي باق في دوامة الانتظار ما لم تحصل " معجزة" الاتفاق الداخلي.... لكن زمن المعجزات قد ولى خصوصا في الحياة السياسية اللبنانية، ولعل توصيف الرئيس بري بان لبنان " تائه من دون رئيس" يبقى الاكثر دقة بين التوصيفات التي يتبارى السياسيون في اطلاقها عن الوضع في البلد متجاهلين انهم من اوصلوا الوطن الى هذا المنحدر الخطير!.