تفاصيل الخبر

حسم الفراغ الرئاسي ولا ساكن جديدا في قصر بعبدا فيما حكومة تصريف الاعمال " صامدة " .... الا اذا!

27/10/2022
حسم الفراغ الرئاسي ولا ساكن جديدا في قصر بعبدا فيما حكومة تصريف الاعمال " صامدة " .... الا اذا!

اللقاء الأخير يوم الثلاثاء الماضي بين الرئيسين ميشال عون  ونجيب ميقاتي

 

التفاؤل الذي انتهى به الاسبوع الماضي في مسألتي انجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وتشكيل حكومة جديدة، تبدد جزئيا في الايام الماضية،  ففي حين واصل ترسيم الحدود طريقه المقرر وانتهى عمليا يوم الخميس 27 تشرين الاول ( اكتوبر) برعاية الوسيط الأميركي" آموس هوكشتاين"، فان ملف تشكيل الحكومة تعثر مرة جديدة ما يخشى ان تنتهي ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم الاثنين 31 تشرين الاول( ا كتوبر)الجاري  ولا تكون الحكومة الجديدة- القديمة قد ولدت، ما يدخل البلاد في فراغين : الاول حكومة كاملة المواصفات تتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، والثاني فراغ رئاسي نتج عن عجز النواب عن انتخاب رئيس جديد يلتقط كرة النار من ايدي الرئيس عون فيحملها  في رحلة لن يكون من السهل معرفة كيف ستنتهي. يجري كل ذلك، بين واقعين مؤلمين، تشرذم في الداخل وعدم اهتمام من الخارج الفارق في تداعيات الحرب الروسية- الاوكرانية التي انعكست سلبا على الاوضاع الحياتية والاقتصادية والماليه في عدد من الدول، فضلا عن الانزعاج الذي تتصاعد حدته مع اقتراب فصل الشتاء الذي يطل باردا جدا مع تراجع قدرة الدول على تأمين المحروقات اللازمة للتدفئة والتنقل وغيرها من سبل الراحة، ولعل ما حصل في فرنسا بداية هذا الاسبوع من اضطرابات امنية ابلغ دليل على ما ينتظر القارة العجوز في الاتي من الايام.

اذن فراغان يدقان باب الحياة السياسية اللبنانية، الاول حكومة تصريف الاعمال ومن غير الواضح انها ستكون قادرة على مواجهة المرحلة المقبلة حيث ستتعرض لسلسلة من الهجمات السياسية غير المرتدة التي بشر بها رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل- وثمة من يقول انه يحضر لها. والفراغ الثاني في قصر بعبدا الذي يشهد من 1988 فراغا للمرة الرابعة منذ الاستقلال  بدأ في نهاية عهد الرئيس امين الجميل العام 1988، وتكرر مع نهاية عهد الرئيس اميل لحود، وحصل للمرة الثالثة بعد نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان. واذا كانت اسباب الفراغ الرئاسي معروفة ومرشحة ان تظل قائمة حتى اشعار آخر، فان الفـــراغ الحكومي كان يمكن معالجتـــه لو صفت النوايا من جهــــة، وتوقفت المزايدات و" تقويم" الكلام، والعناء غير المبرر. كل هذه الاسباب كانت كافية لتبقى البلاد من دون حكومة كاملة الاوصاف قبل ثلاثة ايام من انتهاء ولاية الرئيس عون. فما الذي حصل حتى تبدد التفاؤل الذي كان شاع الاسبوع الماضي عن نهاية قريبة للازمة الحكومية المستفحلة؟

 

الشروط والمطالب.... مكانك راوح

تقول المعلومات المتوافرة في هذا الشأن، ان الوساطة التي تولاها حزب الله على خطى الرئيس ميقاتي  والنائب باسيل، والتي شارك في جانب منها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، كانت وصلت الى مرحلة متقدمة استقر الرأي فيها على ان يتم تبديل ثلاثة وزراء مسيحيين وثلاثة مسلمين من دون احداث اي خلل في التوزيعة الاساسية للحكومة، سياسيا وتمثيليا على ان يوافق باسيل على اعطاء اسماء الوزراء الثلاثة المسيحيين الجدد للرئيس ميقاتي ليبدي رأيه فيها، ثم تم تعديل هذا المخرج  بحيث لا تكون الاسماء " استفزازية" او حزبية، علما ان اسماء الوزراء المسلمين كانت شبه محسومة وهي للنائب السابق ياسين جابر الذي سيحل مكان وزير المال يوسف خليل، وشخصية عكارية تحل مكان الوزير امين سلام في وزارة الاقتصاد، ووزير درزي لا يستفز رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ولا يكون محسوبا كليا على النائب السابق طلال أرسلان،  وتم بالفعل التداول باسماء عدة، منها اسم رجل الاعمال وليد عساف. الا ان هذا الاقتراح اصطدم باصرار باسيل على عدم اعطاء الثقة للحكومة على رغم انه هو من سيسمي الوزراء  الثلاثة المسيحيين، الامر الذي رفضه الرئيس ميقاتي جملة وتفصيلا لانه اعتبر انه من غير المقبول سياسيا ان يسمي طرفا وزراء في حكومة ما ثم يحجب عنها الثقة!.

لم ييأس سعاة الخير، لاسيما الثنائي في حزب الله حسين خليل ووفيق صفا، وواصلا الضغط على اتجاهين، على الرئيس ميقاتي وعلى باسيل في آن على امل الوصول الى حل. لكن شروط باسيل زادت شرطا اضافيا سبق للرئيس عون ان طرحه على ميقاتي ويتعلق باقرار مراسيم مجمدة في رئاسة الحكومة، واخرى معلقة لدى وزير المال بطلب من الرئيس نبيه بري، الامر الذي اعتبره ميقاتي " تعجيزا" لانه غير قادر- او ربما غير راغب- في الطلب الى بري رفع الحظر عن هذه المراسيم، لانه يعرف ربما ان رئيس مجلس النواب لن يتجاوب مع طلبه. وبعد اخذ ورد قرر ميقاتي مفاتحة الرئيس عون في ملاحظاته، فزار قصر بعبدا يوم الثلاثاء الماضي وفي جعبته بعض الحلول التي يمكن- في رأيه- ان تؤدي الى " حلحلة" يمكن ان تخرج الحكومة العتيدة من النفق. وفي الجلسة مع الرئيس عون لاحظ رئيس الحكومة المكلف ان موقف رئيس الجمهورية لا يزال اياه وهو المتمسك بتسمية الوزراء الثلاثة المسيحيين من دون اي اعتراض من رئيس الحكومة ورفض تبديل وزير الطاقة والمياه وليد فياض. اما في موضوع ثقة نواب " التيار الوطني الحر" فبدا من كلام رئيس الجمهورية مع ميقاتي بانه لا يرغب في الضغط على باسيل لاعطاء الثقة، الامر الذي اعتبره ميقاتي دورانا في الحلقة المفرغة، فلم يتطرق الى مسألة المراسيم المجمدة في السراي او في وزارة المال لان الاساس بالنسبة اليه هو الثقة التي لن يتنازل عنها، اما الباقي فيمكن البحث فيه. وهكذا خرج ميقاتي من بعبدا من دون نتيجة تحرك الملف الحكومي، ليفاجىء باستمرار حملة باسيل عليه ووصفه بـــ " المغتصب" للسلطة وغيرها من العبارات التي اطلقها رئيس " التيار" متسلحا بكلام قاله الرئيس عون في دردشة مع الصحافيين عقب مغادرة ميقاتي تمحورت حول حق " التيار الوطني الحر" ان يسمي ممثليه في الحكومة من دون مناقشة من احد، وخصوصا رئيس الحكومة المكلف، طالما ان الافرقاء الاخرين يسمون ممثليهم من دون اخذ رأي ميقاتي ولا حتى " الوقوف على خاطره" في الاسماء المرشحة لدخول الحكومة، ذلك ان لا وليد جنبلاط يتشارو مع ميقاتي في الوزراء الدروز، ولا الرئيس بري يستمزج رأي الرئيس المكلف بالوزراء الشيعة الذين يسميهم بالاتفاق مع حزب الله. وعليه بدا ان المساعي التي بذلت لتشكيل الحكومة ذهبت كلها سدى ولم يعد من امل في ولادة حكومة جديدة قبل انتهاء ولاية الرئيس عون الا اذا وضع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كل ثقله لدى باسيل وميقاتي لتأمين تنازلات متبادلة  تفضي الى تشكيل الحكومة قبل 31 تشرين الاول ( اكتوبر) الجاري، علما ان الرئيس ميقاتي سوف يغادر بيروت في ذلك النهار الى الجزائر لترؤس وفد لبنان الى القمة العربية نظرا لتزامنها مع انتهاء ولاية الرئيس عون وشغور الموقع الرئاسي.

 

الفراغ الرئاسي.... محسوم

اما في الفراغ الثاني، اي رئاسة الجمهورية، فقد بدا واضحا من خلال مسار الجلسة الثالثة التي عقدها مجلس النواب ان لا امل في القريب المنظور بالتوصل الى انتخاب رئيس جديد للبلاد اذ ظلت " الورقة بيضاء" نجمة الجلسة في دورتها الاولى، ثم طار تكرر مشهد تطيير النصاب ما حال دون انعقاد جولة انتخابية ثانية. ولوحظ ان ممارسة النواب لم تكن على مستوى يتناغم مع انتخاب رئيس جديد للبلاد حيث ان مرجعا سياسيا اعتبر ان الجلسات الانتخابية ابرزت قلة نضج سياسي عند عدد من النواب الذين تباروا في اللهو بما لا يتناسب ووقار المناسبة الانتخابية، وتحولت محرقة للاسماء. اذ انها، على سبيل المثال، ثبتت الحد الاقصى الذي قد يصل اليه ترشيح النائب ميشال معوض مما يعني ان السيناريو نفسه سيتكرر في اي جلسات مقبلة، خصوصا مع رفض نواب التغيير، بكتلتيهما المنقسمتين حديثا، التصويت لمعوض ( علم في هذا السياق ان كتلة النواب التغييريين تبنت ترشيح كل من الوزيرين السابقين زياد بارود وناصيف حتي والنائب السابق صلاح حنين ثم الدكتور عصام خليفة). واشار المرجع الى ان هذا الانسداد الذي اظهرته جلسات الانتخاب كان متوقعا ان يحدث منذ ما قبل الاستحقاق النيابي في ايار ( مايو) الفائت، نتيجة التشظي في التركيبات النيابية لاسيما مع انفراط عقد كتل وازنة، في مقدمها كتلة تيار " المستقبل". واكد ان هذا الواقع يحتم مقاربة مختلفة للانتخابات الرئاسية، مع وضع نصب العينين البحث عن مرشح قادر على ان يوفر على الاقل ثلثي اصوات النواب، بما يتيح له ان يعبر بسلاسة وثقة الجلسة الانتخابية الاولى التي تحتاج نصاب الـــ 86 نائبا للانعقاد. بذلك يكون انتخاب الرئيس قد حظي بغالبية توافقية وازنة تجنب الانقسامات وما بات معروفا بالرئيس- التحدي. لكن المرجع لفت في الوقت عينه الى ان اولوية انتخاب رئيس للجمهورية لا تحجب مطلقا ضرورة معالجة الوضع الحكومي، انطلاقا من ان الفراغ الرئاسي الزاحف لا تمكن مقاربته بحكومة ميتة دستوريا لا تستطيع مجرد عقد اجتماع، فكيف لها، والحال هذه، ان تشغل صلاحيات رئيس الجمهورية وموقع الرئاسة التمثيلي والمعنوي.

وعليه، فان تقدم الفراغين الرئاسي والحكومي بات شبه اكيد بحيث سيصبح قصر بعبدا حتما بلا رئيس ابتداء من الاول من الشهر المقبل، فيما تبقى حكومة تصريف الاعمال موضع استهداف سياسي ودستوري وقانوني في ظل وضع اقتصادي واجتماعي غير قابل للمعالجة في المدى المنظور، وبالتالي فان كل الاحتمالات تصبح واردة!.