تبدي اوساط سياسية واقتصادية قلقها من ان يؤدي الشغور الرئاسي الذي بدأ في الاول من الشهر الجاري، الى توقف الالية التي انطلقت بعد الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية برعاية اميركية ومساعدة فرنسية ومواكبة من الامم المتحدة. ذلك ان الزخم الذي قاد به الرئيس ميشال عون ملف ترسيم الحدود سيفقد قوته مع انتهاء الولاية الرئاسية لاسيما وانه كان المحرك الاساسي لهذا الملف وهو سهر على متابعته على مدار الساعة وذلل الكثير من العقبات التي واجهته حتى اصبح الترسيم حقيقة قائمة. وتشير هذه الاوساط ان ترسيم الحدود البحرية الجنوبية حقق انجازين، واحد للبنان الذي ادخله في نادي الدول المنتجة للنفط من خلال بدء شركة " توتال" عمليات الحفر والتتنقيب في البلوك رقم 9 وفيه حقل قانا الواعد. والانجاز الثاني لاسرائيل التي ستتمكن من المباشرة بعملية سحب الغاز وانتاجه من حقل " كاريش" وتصديره الى الدول الاوروبية علما ان الانجاز الاشمل والاوسع مدى يبقى تأمين الغاز والنفط الى القارة الاوروبية خصوصا ان هذا الهدف تركزت عليه الجهود الاولية حيث وضعت واشنطن كل ثقلها في سبيل تحقيقه لتعويض اوروبا الغاز الروسي الذي حرمتها منه الحرب الاوكرانية- الروسية، وردة الفعل الدولية ضد روسيا. ولعل هذا الدافع هو الذي يقف وراء انتظار شركة " انرجين" التي رست سفينتها منذ حزيران ( يونيو ) الماضي بانتظار التوصل الى اتفاق مع لبنان وقد اجرت عدة تجارب اسفرت عن نتائج ايجابية.
لا تأثير للشغور الرئاسي
على الصعيد اللبناني تقول مصادر معنية ان الشغور الرئاسي لن يؤثر سلبا على استكمال مراحل تنفيذ اتفاق الترسيم، وان كانت بعض النقاط تحتاج الى بلورة، لاسيما وان شركة " توتال" الفرنسية قد أعلنت قبل أيّام من توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، بعد زيارة وفد رفيع المستوى من الشركة لبنان ولقائه المسؤولين اللبنانيين، بأنها ستجلب منصّة الحفر الى المياه اللبنانية ابتداء من العام 2023 لبدء الإستكشاف والتنقيب، وفق نصوص الإتفاق الموقّع مع هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، من دون أن تُحدّد موعداً معيّناً لكي لا يتمّ اتهامها لاحقاً بالتأجيل والمماطلة في حال حصول أمر ما اضطرّها الى تأخيره. والمعروف عن “توتال” أنّها شركة عالمية يهمّها تسيير أمور عملها وجني الأرباح، وقد حقّقت خلال العام الماضي أرباحاً بقيمة 8 مليارات دولار، لهذا فإنّ الشغور الرئاسي في لبنان لن يؤثّر على خططها بشكلٍ أو بآخر، سيما وأنّها في صدد إنجاز المعاملات والإجراءات الإدارية اللازمة لتكون جاهزة الى المجيء الى لبنان في العام المقبل. كما وأنّها تُنسّق عملها مع هيئة قطاع البترول التي تتلقّى تباعاً المعطيات المتوافرة خلال عمليات التنقيب، حتى الآن لا مشكلة في ذلك، على ما أضافت المصادر، لأنّ المعاملات تتطلّب وقتاً، ويُمكن أن يقوم المجلس النيابي بانتخاب رئيس الجمهورية الجديد أثناء هذه المدّة. وبطبيعة الحال، فإنّ شركة “توتال” ستأتي لبدء التنقيب في “البلوك 9” لتعويض الوقت الذي انقضى بفعل المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية، خصوصاً وأنّها ألمحت أنّها لن تعود لتستثمر أموالها في منطقة متنازع عليها وغير آمنة. أمّا اليوم، بعد توقيع الإتفاقية، فقد انتفت هذه الذريعة، إذ من المتوقّع أن تشهد المنطقة الجنوبية الحدودية سنوات من الهدوء والإستقرار في حال التزم الطرفان ببنود الإتفاقية ولم يقم أحدهما بخرقها. وينتظر لبنان بالتالي نتائج الإنتخابات التشريعية الإسرائيلية الرسمية، على ما أوضحت الأوساط نفسها، لمعرفة ما الذي سيُقرّره "بنيامين نتنياهو" بعد فوزه مجدّداً برئاسة الحكومة، سيما وأنّه سبق وأن توعّد بنسف اتفاقية الترسيم التي وقّعت عليها حكومة "يائير لابيد"، علماً بأنّ ثمّة بندا في الإتفاقية يحميها من أي "طعن" إذا صحّ التعبير، ينصّ على أنّه لا يُمكن تقديم إحداثيات جديدة مستقبلاً بشأن خط الترسيم الذي جرى الإتفاق عليه بين الطرفين، غير أنّ لبنان يبقى حذراً، سيما وأنّ ما وُعد به، بأنّ تبدأ عمليات الإستكشاف والإستخراج في بلوكاته البحرية، لا سيما في حقل "قانا" يحتاج الى أشهر لكي يتحقّق. مع الإشارة الى أنّه على "توتال"دفع جزاء للبنان عن تأخّرها في بدء عملها في البلوك 9، قيمته 250 مليون دولار، وبإمكانها دفع هذا المبلغ وعدم العودة اليه، في حال حصول موقف سياسي أو طارىء ما من العدو الإسرائيلي نجح في عرقلة عملها. وبرأي الاوساط، أنّه بعد توقيع اتفاقية الترسيم البحري، على لبنان تهيئة الأرضية المناسبة لما بعد هذا التوقيع، مثل فتح باب التراخيص الثانية لتلزيم بلوكاته النفطية، والمطالبة بأن تأتي شركات صينية وماليزية وروسية وغيرها وتنضمّ الى المناقصة، لا سيما بعد خروج "نوفاتيك" الروسية من "كونسورتيوم"الشركات الذي فاز بدورة التراخيص الأولى، والذي ترأسه "توتال" ويضمّ الى جانبها "إيني" الإيطالية، و "نوفاتيك" الروسية التي انسحبت من التحالف قبل توقيع الإتفاقية. كذلك لا يتمّ التعاون من قبل الحكومة مع شركة "روز نفط" الروسية العاملة في طرابلس، كونها تؤيّد خطّة مشرقية لإقامة أعمال إقتصادية وتجارية مع الأردن.، غير أنّه لا يُمكن للبنان تجاهل مثل هذه الشركات العالمية التي يُمكنه التعاون معها، سيما وأنّ المصلحة الوطنية تقضي بتنويع لبنان لمصادره في الخارج. وذكرت الأوساط عينها بأنّ مساحة المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان تبلغ 22 كلم2 وقد جرى مسحها بثنائي وثلاثي أبعاد لتلمّس الحقول النفطية الموجودة في البحر، وهي مساحة كبيرة وواعدة بحقول نفطية غزيرة الإنتاج مثل البلوكين 5 و8 فضلاً عن البلوك 9 وسواه. ولهذا على لبنان البدء منذ الآن، السعي مع دول المنطقة لمعرفة في أي خطّ أنبوب سيدخل عندما تبدأ "توتال" بعملها في حقل "قانا"، والإستفادة من حاجة الدول الأوروبية للغاز والنفط، قبل أن تتمكّن دول المنطقة، لاسيما اسرائيل من سدّ هذه الحاجة من خلال الإتفاقيات التي يعقدها مع دول الجوار.
استقرار على الحدود
ولعل من النتائج غير المعلنة للترسيم البحري الجنوبي هو تثبيت الاستقرار على طول الحدود، ذلك ان الاتفاق الذي يشمل البحر لا يعني انه منفصل بنتائجه عن البر ليس من حيث الترسيم الذي لم يحدد لبنان موعدا له، بل من حيث اضفاء جو من الهدوء على المنطقة الحدوديــــة ككل حيث لم يسجل منذ الاعلان عن الاتفاق على الترسيم اي حادث خرق على الحدود من الجهتين، لا بل ان اسرائيل الغت حالة التأهب القصوى التي كانت اعلنتها قبل ستة اشهر على الحدود مع لبنان. وربطت مصادر اعلامية اسرائيلية هذه الخطوة بـــ " نجاح المفاوضات والتوقيع الرسمي على اتفاق بين البلدين حول تقسيم الحدود البحرية والاقتصادية ونقلت وسائل اعلام اسرائيلية عن مصدر عسكري اسرائيلي قوله ان انهاء حالة التأهب وعودة القوات سيجريان بالتدريج وليس دفعة واحدة حتى لا يستغل حزب الله الانسحاب لاستفزاز عسكري". واضاف : " نحن لا نترك الحدود تماما، واذا حاول ( حزب الله) او غيره المساس بقواتنا، فسيضع رأسه في خطر، وتوجد قوات كافية لتدميره، لكن الاهم ان التوتر الذي ساد قبل الاتفاق البحري مع لبنان، انخفضت حدته بعد توقيع الاتفاق". وكان هذا التأهب قد اعلن في اعقاب تهديدات حزب الله بالرد على عمليات الاغتيال الاسرائيلية في سوريا، والتي طالت ضباطا ايرانيين وسوريين وكذلك طالت مقاتلين من حزب الله. وزاد التوتر عندما ارسل " الحزب" 3 طائرات مسيرة للتصوير فوق حقل الغاز " كاريش" فاسقطتها منظومات الدفاع الاسرائيلية وقد هدد وزير الدفاع الإسرائيلي" بيني غانتس"، حينذاك، بان" رد اسرائيل على لبنان سيكون قويا وحاسما اذا ما هاجم حزب الله تل ابيب، او اذا ارتكب خطأ وهاجم اسرائيل بطريقة ما...فسندمر لبنان"، مؤكدا ان" الجيش الاسرائيلي مستعد لاي تصعيد"، وقد جرى ارسال قوات كبيرة برية وجوية وبحرية، وضعت على اهبة الاستعداد القصوى بشكل علني.