تفاصيل الخبر

الاستحقاق الرئاسي " ضائع" بين فريقين:" سيادي" غير موحد و" ممانع" لا يتفق على مرشح

09/11/2022
الاستحقاق الرئاسي " ضائع" بين فريقين:" سيادي" غير موحد و" ممانع" لا يتفق على مرشح

السيد  حسن نصر الله والنائب جبران باسيل خلال اللقاء الأخير

 

على بعد ثلاثة ايام من بدء الاسبوع الثالث للشغور الرئاسي، يزداد ملف انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية  غموضا، وتعقيدا، ذلك ان " الرئيس التحدي" لن ينتخب، و" الرئيس التوافقي" غير متوافر بعد، وجميع الاطراف السياسيين يدورون حول انفسهم في انتظار " كلمة السر" التي قد تأتي من مكان ما او لا تأتي في وقت قريب على الاقل، ما يبقي الملف الرئاسي في نفق مجهول مع تكرار السيناريو نفسه في كل جلسة انتخابية يدعو اليها الرئيس نبيه بري ، وكان آخرها الخميس الماضي الذي لم يحمل اي مواقف جديدة يمكن التأسيس عليها للقول ان مجيء الرئيس العتيد بات قريبا! ولعل ما يزيد الصورة غموضا " ثبات" الاطراف الاساسيين عند مواقفهم المعلنة وعدم نجاح المساعي التي تبذل في الخفاء والعلن على حد سواء، في تحقيق اي تطور . ذلك ان فريق " 8 آذار"  سابقا لا يزال على موقفه في التصويت لــ " الورقة البيضاء"، فيما مزيج فريق " 14 آذار" وبعض المستقلين يقترع للنائب ميشال معوض، وتتناثر اصوات " التغييريين" والمستقلين من دون اي تأثير فاعل في حصيلة الاقتراع. وتعتقد اوساط  متابعة للملف الرئاسي ان استمرار " الفريق السيادي" في التصويت للنائب معوض لن يحقق اي تبدل في المشهد الرئاسي، فيما تمسك " الفريق الممانع" بالمرشح غير المعلن  لن يعطي هو الاخر اي قيمة مضافة للاستحقاق الرئاسي، وان كان بعض الفريق، لاسيما " الثنائي الشيعي" يميل من دون اعلان رسمي بعد، الى زعيم تيار " المردة" النائب والوزير السابق سليمان فرنجية الذي يعارض حليف " الثنائي" رئيس " تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل علناً انتخابه لاسباب عدة لم يعلنها صراحة اذ " يتلطى" وراء ورقة المبادىء الرئاسية التي طرحها للنقاش من دون ان يجد من يقبل حتى الان مناقشته بها!.
 
واذا كان " الفريق السيادي" يحاول ان يظهر في موقف موحد حيال دعم النائب معوض، فان احد اركانه، الحزب التقدمي الاشتراكي ، اوحى  بلسان رئيسه وليد  جنبلاط ان امكانية البحث " في المستقبل" في اسم مرشح آخر، مطروحة جديا عندما تأتي الساعة المناسبة، وهو- اي جنبلاط - قال هذا الكلام بعيد زيارة للرئيس نبيه بري، صديق " بيك المختارة" والقادر وحده ان " يمون" عليه عندما تصبح " المونة ممكنة"، وهذه لم يحن اوانها بعد. ويكتسب كلام جنبلاط اهمية عند الدخول في حساب الارقام، ذلك ان مجموع نواب " فريق الممانعة " والحلفاء لم يتجاوز الـــ 55 نائبا ( هم اصحاب الورقة البيضاء)، وان من شأن اضافة نواب " اللقاء الديموقراطي" الثمانية، ان يرفع العدد الى 63 نائبا ما يجعل هذا الفريق يقترب من الاكثرية المطلقة اي 65 نائبا يمكن ان يختاروا الرئيس العتيد اذا لم يُسقط " الفريق السيادي" النصاب القانوني للجلسات الانتخابية وهو 86 نائبا. من هنا تبرز اهمية موقف جنبلاط الذي يؤشر الى تبدل في المشهد الانتخابي اذا ما تحالف مع " الفريق الممانع"، علما ان جنبلاط اعلن صراحة انه لن ينتخب فرنجية لاسباب اوردها في معرض شرحه لموقفه من دون ان يغلق الباب امام اي تسوية يمكن ان يكون فرنجية الركن البارز فيها. في غضون ذلك ينظر حزب الله بارتياح الى فشل محاولات تجميع تحالف ما بقي من فريق "14 آذار"، من أحزاب وتيارات وقوى "تغيير"، حول مرشّح مواجهة،  لكن ذلِك لا يلغي أن جانباً أساسياً من الأزمة يكمن في "العداء" المُتصاعِد بين حلفاء الحزب وأصدقائه. صحيح أن "الودّ المفقود" بينَ هؤلاء أزمة عانى منها حزب الله، لكنها لم تكُن تهدّد التوازنات الحاكمة كما هو الآن في معضلة صناعة الرئيس، وعليه فإن المشكلة هذه المرة تستدعي "مجهوداً" كبيراً رغمَ صعوبتها المتمثلة في تصرّف "التيار الوطني الحر" ورئيسه النائب باسيل كما لو أنه "خليفة" الرئيس السابق ميشال عون في بعبدا وأن لا جدال في ذلك، من منطلق أنه صاحب الكتلة المسيحية التي لا يُضاهيها وزناً سوى القوات اللبنانية، أي الجهة التي هي على يمين خصوم حزب الله، وبالتالي فإن حاجة الحزب "الوطنية" إلى باسيل تفرض عليه ترشيحه.و يدرك باسيل أن حظوظه صعبة وهو يحاول فقط تكريس نفسه كناخب أول وأساسي، إنما المشكلة هي في إلزام باسيل نفسه بموقف لا يُمكن التراجع عنه. فهو لم يُبلغ، حصراً، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله رفضه القاطع المُضيّ برئيس "المردة" سليمان فرنجية، بل يُصرّ على إعلان ذلك بصراحة وحزم في كل إطلالة. وهذا يجعل إمكانية التسوية في ما بعد شبه معدومة وتكلفتها أكبر.و يحاوِل حزب الله" دوزنة" موقفه بين الحلفاء. فهو لم يقُل أبداً إن فرنجية مرشحه لكنه لم يسحبه من المعادلة، باعتبار أن "المرشحيْن الوحيديْن اللذين يثق بهما الحزب في المرحلة المقبلة هما باسيل وفرنجية ولا ثالث لهما". فالحزب لن يقبلَ بمرشح "لا تجربة سابقة معه في الملفات الاستراتيجية، ولن يكرر خطأ رئيس كميشال سليمان ينقلب على المقاومة وعلى الثوابت الوطنية"، غيرَ أن باسيل رفض أن يكون حزب الله هو الضمانة لإبرام تفاهم مع فرنجية وبرعايته. وعليه، لن يجاري حزب الله باسيل في ما يحاول أن يفعله من طرح أسماء لمرشحين "تكنوقراط" في السياسة. وهناك اتفاق شبه محسوم بين حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه برّي على أن يكون مرشحهما في الرئاسة واحداً، على عكس ما حصل العام 2016، ويحرص الطرفان أكثر من أي وقت مضى على رسم "خط أحمر" يحمي حلفهما تجنباً لأي صراع شيعي، لذا فإن عهد الرئيس ميشال عون مع الثنائي لن يتكرر، وبالتالي فإن إمكانية الاتفاق مع باسيل غير متوافرة.
 
وفيما تبدو المهمة  الاصعب لحزب الله تأمين تأييد  باسيل لفرنجية، فان الواضح ان الحزب ليس في وارد تخطي باسيل في أي  " تسوية" مقبلة يتحدث عنها ضمنا الرئيس بري، لان الحزب يرى ان أي رئيس مسيحي لا بد ان يحظى بغطاء من تيار مسيحي قوي، أي تيار باسيل او " القوات اللبنانية"، علما ان الحزب يعتبر ان حليفه القوي، أي باسيل وتياره، اثبت في محطات عدة " متانة" هذا الحلف على رغم الاختلاف في وجهات  النظر حول العديد من الملفات الداخلية  والخارجية في آن، وهو ما يجعل باسيل يتمسك بموقفه عملا بالقول المعروف " عرف الحبيب مكانته فتدلل"، لكن هذا " الدلال" جعل " فريق الممانعة" امام ازمة تمنعه من ايصال رئيس للجمهورية من صلبه!.
 
بعض ما دار بين نصر الله وباسيل

وفي هذا السياق تقول مصادر مطلعة ان اللقاء الذي جمع السيد نصر الله بالنائب باسيل قبل اسبوع كان مناسبة  تحدث فيها " السيد" صراحة مع باسيل حول ترشيح فرنجية بعدما اقتصر الامر في وقت سابق على الاطار العام، وقد قال نصر الله بما معناه بانه ليس خائفا على المقاومة ولا "يطلب المساعدة من احد"، لكن ما يهمه هو وصول رئيس "لا يطعن المقاومة بالظهر"، وتابع السيد متوجها لباسيل بصراحته المعهودة : في السابق كان هناك جبلان فقط لم تُطعَن المقاومة منهما، وهما الرئيسان ميشال عون واميل لحود، اما اليوم وفي الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد، هناك ايضا اثنان نثق بهما "عالعميانة"، هما انتَ (اي باسيل) و سليمان فرنجية. واضاف " السيد" لباسيل: "انت تقول واسمع بانك لا تريد الترشح وبان الظرف غير مناسب، وبهذه الحالة يبقى امامنا سليمان فرنجية". وهنا رد باسيل بعدما كان مستمعا دقيقا لكل كلمة يقولها "السيد"، "انت على حق، فاذا كنت انا مكانك افكر بالطريقة ذاتها التي تفكر بها راهنا، وبوجوب الاتيان برئيس يحمي ظهر المقاومة ولا يطعنها، لكن اريد منك ان تتفهم ظرفي امام من امثلهم من جمهور التيار والمسيحيين، اذ لا استطيع ان اقدم لهم نموذجا رئاسيا كسليمان فرنجية، لاسيما ان رؤيتي ومقاربتي لمختلف الملفات المطروحة راهنا تختلف لا بل تناقض رؤية ومقاربة فرنجية، فهو اي فرنجية يعتبر جزءا من "ترويكا " تستطيع ان تعود وتتحكم به، اضف الى ذلك انه لا يملك برصيده الا نائب واحد". ولا يمكنني ان اسير بفرنجية، وسأخسر من رصيدي داخل جمهور التيار اذا سرتُ به، وهذا يضرني شخصيا". امام هذه المبررات التي ساقها باسيل، لم يقدم السيد نصر الله اي رد او تعليق حاسم، ويقول مصدر موثوق به ان "السيد" لبق وكان مستمعا حتى النهاية دون ان يفرض شيئا، ليؤكد بان السيد نصر الله لم يطلب اي شيء معين، ولم يطرح اسما ثالثا على مسمع باسيل. وانتهى اللقاء بحسب المعلومات بالاتفاق على استمرار التواصل و"ان شاء لله للبحث صلة". وفيما غاب اسم قائد الجيش العماد جوزف عون عن اجتماع السيد نصر الله - باسيل، جزمت اوساط موثوق بها بان الاسم لم يطرح خلال اللقاء، وقالت ممازحة ولكن برسالة واضحة : لعل النقطة الوحيدة التي يتفق عليها باسيل ونصر الله هي: لا تعديل دستوريا لتسهيل وصول اي شخصية بمن فيها قائد الجيش لسدة الرئاسة.
 
حضور لافت لفرنجية في منتدى الطائف
في غضون ذلك، شكل حضور فرنجية شخصياً  في " منتدى الطائف" الذي دعت اليه السفارة السعودية في بيروت السبت الماضي علامة فارقة على اكثر من صعيد، علما انه كان في امكانه ان يتمثل- كما فعل باسيل- بشخصية من " المردة"، لكنه فضل ان يلبي الدعوة شخصيا، ما فتح الباب امام الاجتهاد والتأويل في دلالات مشاركته . ولعلّ أحد اسباب الضجة التي واكبت حضور فرنجية مؤتمر الاونيسكو انما يعود إلى كونه حليفاً استراتيجياً لسوريا وحزب الله، اللذين يتموضعان في محور مضاد لذاك الذي تنخرط فيه الرياض وحلفاؤها. يضاف إلى ذلك، انّ هذا الحضور أتى بالترافق مع ازدياد التداول باسمه كمرشح متقدّم إلى رئاسة الجمهورية، الأمر الذي دفع البعض إلى ربط وجوده في المؤتمر بالحسابات الرئاسية. وبمعزل عمّا إذا كان فرنجية قد تعمّد الإطلالة من نافذة لقاء الاونيسكو لدواعي المعركة الرئاسية ام لا، الّا انّ الأكيد انّ تلك الإطلالة تنطوي على دلالات سياسية عدة لا يمكن إغفالها.وقد شكل قرار رئيس "المردة" بالمشاركة "ضربة معلم"، بالمعنى الإعلامي على الأقل، كون الرجل استطاع ان يصنع حدثاً على هامش الحدث الأصلي، وتمكن من تسليط "الأضواء الكاشفة" عليه، وسط كثافة المدعوين. اما في دلالات المشاركة، فيمكن تعداد  ابرزها، ومنها تأكيد فرنجية التزامه المبدئي باتفاق الطائف في لحظة يكثر فيها الأخذ والردّ حول هذا الاتفاق. وهناك من يلفت ضمن هذا السياق الى انّ الوثيقة الدستورية التي أطلقها الرئيس الراحل سليمان فرنجية عام 1976 هي أقرب إلى أن تكون مسودة أولية لاتفاق الطائف الذي كان النائب الراحل عبدالله الراسي، صهر فرنجية، أحد المشاركين في نقاشاته والموقّعين عليه، وبالتالي فإنّ سليمان الحفيد يعتبر نفسه شريكاً في ذاك الاتفاق وليس طارئاً عليه. كذلك قدّم رئيس "المردة" تطبيقاً عملياً للطرح النظري الذي يحمله حول إمكان الجمع بين المرونة السياسية والتمسك بالثوابت الاستراتيجية. وبهذا المعنى بدا وجوده في احتفالية الاونيسكو إشارة إلى انفتاحه على السعودية من غير أن يتنكّر لتحالفه مع دمشق والحزب، وكأنّه بذلك يكشف "عينة" عن السياسات التي سيعتمدها لو وصل إلى قصر بعبدا. لقد أظهر انّ لديه هامشاً واسعاً من الخصوصية ضمن فريقه السياسي، بحيث انّ انخراطه في الحلف الثابت الذي يضمّه إلى جانب المقاومة، لا يمنعه من إبقاء جسر التواصل ممدوداً مع أحد خصومها الاقليميين. كما انه أوحى انّ علاقته بـحزب الله ترتكز على ثقة عميقة لا تهزّها تلبيته للدعوة السعودية إلى مؤتمر تثبيت وثيقة الطائف، خصوصاً انّ الحزب ما فتئ يؤكّد تقيّده بها.
 
في ضوء ما تقدم يمضي استحقاق انتخاب الرئيس نحو تأزم إضافي في ظل غياب توافقات أغلبية نيابية على شخصية محددة، أو اختصار المرشحين بين اثنين أو ثلاثة، فيما تنقسم القوى النيابية داخل البرلمان إلى ثلاثة اليوم، أولها فريق "القوات اللبنانية" وحلفاؤها الذين يدفعون باتجاه ترشيح النائب ميشال معوض، و"حركة أمل" وحلفاؤها الذين يميلون إلى ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية من غير الإعلان عن ذلك، و"التيار الوطني الحر" الذي رفض طرح "حزب الله" للمضي باثنين، أولهما رئيس التيار جبران باسيل أو فرنجية، حيث قال باسيل إن الحزب حين فاتحه بالملف، دعا لتوافق مع الحزب وفرنجية على شخصية ثالثة.وترى مصادر مواكبة للحراك الانتخابي في أن إقفال الباب على التوافقات "سيؤدي إلى منازلة انتخابية في البرلمان، حيث يفوز الحاصل على أعلى تصويت في الدورة الثانية، إذا لم يُفقد نصاب الجلسة"، وبذلك يكون أول رئيس منذ الطائف لم يُنتخب وفق توافقات مسبقة ما يجعل الاستحقاق الرئاسي مؤجل حتى اشعار آخر.