لا يزال الاستحقاق الرئاسي اسير المراوحة والجمود وهو يدور في حلقة مفرغة رغم دخول الشغور الرئاسي شهره التاسع في أواخر الجاري وسط غياب أي مبادرة داخلية للحل او حتى أي تواصل بين الافرقاء المعنيين، حيث ان كل المعطيات تؤشر الى أنه لا يمكن كسر حلقة التعطيل بسبب تمسك الافرقاء بمواقفهم وعدم تنازلهم عن مرشحيهم ورفضهم دعوات الحوار الداخلية رغم ان رئيس المجلس نبيه بري الذي سبق ان دعا مراراً وتكراراً الى حوار وطني لحل الازمة الرئاسية ، استنكف هذه المرة عن الدعوة لعدم جدواها كما قالت مصادره ، وبسبب رفض كتل وازنة لدعواته السابقة ، فيما يترقب الوسط السياسي عودة الموفد الرئاسي الفرنسي" جان ايف لودريان "الى بيروت المتوقعة منتصف الشهر الحالي ولما سيحمله في جعبته من مقترحات أو دعوة الأطراف السياسية للحوار على ان يحدد المكان لاحقاً سواء في بيروت او الرياض او الدوحة او باريس ، وكذلك جدول اعماله، لكن الأكيد ان الحوار يتضمن الوصول الى التوافق على تسوية تضمن انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وملء الشغور في المؤسسات الأمنية والقضائية والنقدية لا سيما في حاكمية مصرف لبنان والمجلس العسكري.
وفي هذا السياق كشفت مصادر مواكبة ان " لودريان" سيتشاور مع عواصم " اللقاء الخماسي " المعني بلبنان وهي تضم إضافة الى فرنسا كلاً من الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر ، ويرجح ان تنضم ايران الى هذا اللقاء ليصبح"5+1".
ويتوقع مراقبون ان يتمادى الفراغ الرئاسي أكثر فأكثر ويمتد الى شهرايلول(سبتمبر) المقبل وحتى الى السنة المقبلة اذا لم يتم التوافق الوطني برافعة إقليمية ودولية وبالتالي يستمر التصعيد المتبادل بين القوى التنازعة وينذر بمزيد من تفاقم الأوضاع على كل الصعد ويفتح الساحة على كل الاحتمالات ويدخل البلد في المجهول . من هنا فكل الرهان اليوم على المبادرة الفرنسية المدعومة إقليميا ودولياً ومدى نجاح " لودريان" في احداث خرق في جدار الازمة وتقديم الحل البديل للتعطيل المستمر وسط تخوف من ان تصطدم هذه المبادرة بتصلب المواقف مجددا وعدم تنازل أي طرف عن شروطه.
وعلى أي حال فالفراغ الرئاسي ليس سابلقة في لبنان بل اعتاد اللبنانيون عليه بعدما اختبروه في اكثر من محطة ، إذ شهد لبنان في أيلول (سبتمبر) من عام 1988 فراغاً رئاسياً بعد بعد إنتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل دون إنتخاب بديل ما أدى الى تشكيل حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون في مقابل الحكومة الموازية التي كانت قائمة برئاسة الدكتور سليم الحص وقد حصل إنقسام كبير في البلد ، ولم ينته ذلك الفراغ الرئاسي إلا بإتفاق الطائف في تشرين الأول (أكتوبر ) من العام 1989 وقضى بانتخاب الرئيسين رينية معوض الذي اغتيل بعد أيام و بعده الياس الهراوي .
وتكرر الفراغ في أيلول(سبتمبر) من عام 2007 مع انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود دون أن ينتخب بديل له ،وقد ملأت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الفراغ الذي استمر الى شهر أيار(مايو) من عام 2008 حيث انتخب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بعد اتفاق الدوحة في 21 أيار(مايو) من العام نفسه ، ليضرب الفراغ للمرة الثالثة في أيار(مايو) من عام ٢٠١٤ بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان دون أن ينتخب بديل ما أوجد فراغا رئاسيا ملأته حكومة الرئيس تمام سلام التي استمرت في القيام بهذه المهمة حتى خريف ٢٠١٦ وقيام التسوية الرئاسية بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري وبالتالي إنتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2016 ليدخل منذ ذلك التاريخ الفراغ الرابع ويتمادى حتى اليوم وتتسلم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي صلاحيات الرئيس ،ما يطرح السؤال عما اذا كان اللبنانيون يحتاجون على الدوام الى رعاية او وصاية خارجية او الى" طائف جديد "او "دوحة جديد "او اقله الى توافق داخلي كبير ينهي التأزم الرئاسي القائم؟!