مع نهاية العام 2022، يكون مضى على الشغور الرئاسي 62 يوما وهو بدأ في الاول من تشرين الثاني 2022(نوفمبر) مع انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون في 31 تشرين الاول( اكتوبر) الماضي، في وقت يتحدث الكثيرون ان لبنان مقبل على شغور قد يطول في غياب اتفاق بين القيادات السياسية على تسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية من خلال تأمين نصاب الثلثين في الدورة الثانية من الجلسات الانتخابية التي بلغ عددها عشر جلسات حتى نهاية العام الماضي. وترى مصادر معنية بالاستحقاق الرئاسي انه من غير المتوقع ان ينجز الاستحقاق في الاشهر القليلة المقبلة اذا ما استمرت الخلافات الداخلية وتزايدت التجاذبات بين الافرقاء المعنيين بانتخاب الرئيس . ولم يتضح بعد ما اذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري ينوي دعوة المجلس الى جلسة حادية عشرة لانتخاب الرئيس ام انه سيتريث قليلا للافساح في المجال امام الاتصالات الجارية علها تسفر عن اتفاق على الرئيس العتيد وان كانت المعطيات المتوافرة حتى بداية هذه السنة لا توحي بذلك بسبب التشنجات التي ترافق النقاش الرئاسي الذي لم يتضح معالمه بعد. كل ذلك والازمة المالية والاقتصادية تتعمق يوما بعد يوم وتتعقد كل المبادرات التي تبرز لايجاد حلول لها لتبقى هذه الازمة احدى اسوأ ثلاث ازمات عرفها العالم منذ القرن التاسع عشر على حد ما ورد توصيف للبنك الدولي تحت عنوان " لبنان يغرق نحو اسوأ ثلاث ازمات عالمية".
واذا كان لبنان اعتاد على الشغور الرئاسي خلال الاعوام الماضية بنسب مختلفة، الا ان الشغور الحالي يعتبر الاصعب والاقسى في ظل غياب اي قدرة للحكومة في معالجة الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية نتيجة كونها في مرحلة تصريف الاعمال، فضلا عن عدم توافر المال اللازم الذي يمكن مصرف لبنان من التدخل للجم انهيار الليرة اللبنانية امام الدولار الاميركي حتى بلغ سقوفا عالية لن يكون من السهل الحد من ارتفاع سعر الدولار في المدى المنظور. وقد اتضح ان ادارة شؤون البلاد من دون رئيس للجمهورية ليست مهمة سهلى بدليل التخبط الذي تشهده الوزارات والادارات الرسمية وصولا الى السرايا الكبير حيث يتمظهر هذا التخبط في وجوه مختلفة من الفوضى وعدم الادارة السليمة وصولا الى حد الضياع. ويرى مطلعون ان هذه الحالات قد تستمر حتى اشعار آخر وفق ما اجمعت عليه مصادر متابعة، لاسيما بعد توقف كل تواصل مع صندوق النقد الدولي الذي ينتظر اقرار الاصلاحات المطلوبة واعادة هيكلة المصارف واقرار مجلس النواب لقانون " الكابيتال كونترول" وغيرها من القوانين التي لا تزال موضع اخذ ورد ولم تبصر النور بعد نتيجة المماحكات السياسية التي تزداد يوما بعد يوم بين القيادات السياسية.
1442 يوما من الشغور نهاية 2022!
وهكذا تبقى البلاد في حالة شغور رئاسي ليس الاول من نوعه في الحياة السياسية الراهنة، وفي هذا الاطار يقول المؤرخ السياسي احمد زين الدين انه لو تم احصاء الايام التي قضيت بين الفراغ في مركز رئاسة الجمهورية وفي مساحات الوقت الطويلة في حكومات تصريف الاعمال وتشكيل الحكومات، لوجدنا سنوات من الهدر الذي ضرب الحياة السياسية اللبنانية. وبلغة الارقام يتضح ان الشغور الرئاسي بدأ عمليا في نهاية عهد الرئيس امين الجميل في 23 ايلول ( سبتمبر) 1988 واستمر 409 ايام. وبعد اقرار اتفاق الطائف شهدت البلاد اول شغور رئاسي بعد نهاية عهد الرئيس العماد اميل لحود واستمر 183 يوما. اما الشغور الاكبر حتى الان على الافل فهو الذي حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 ايار ( مايو) 2014، واستمر 818 يوما. واذا ما اضفنا الايام الــــ 62 من الشغور الرئاسي الحالي، على ما سبق، يكون عدد ايام الشغور التي عرفها لبنان حتى نهاية العام الماضي 1542 يوما.... والحبل على الجرار! و" الضياع" الذي حل بالبلاد نتيجة الشغور الرئاسي يقابله " ضياع" سنوات في تشكيل الحكومات، وبالتالي فترات تصريف الاعمال. ففي عهد الرئيس الياس هراوي ( 1989- 1998) استغرق تشكيل 5 حكومات 48 يوما فقط. وفي عهد الرئيس العماد اميل لحود ( 2008- 2014) فاستغرق تشكيل ست حكومات نحو 41 يوما فقط.
اما في عهد الرئيس ميشال سليمان ( 2008- 2014) فاستغرق تشكيل اربع حكومات نحو 720 يوما اي قرابة ثلث ولاية العهد. اما في عهد الرئيس العماد ميشال عون ( 2016- 2022) فاستغرق تشكيل الحكومات الاربع، اضافة الى اعتذارين عن التشكيل لكل من الرئيس سعد الحريري والسفير مصطفى اديب، 739 يوما يضاف اليها نحو شهر بعد استقالة حكومة الحريري الثانية في عهد عون، وانتهت تلك الفترة بتكليف الدكتور حسان دياب تشكيل الحكومة. ويقدر عدد الايام التي مضت في تشكيل الحكومات بعد الطائف باكثر من 1750 يوما، اي نحو اربع سنوات و 290 يوما!.
ظاهرة الحكومة الثلاثينية برزت بعد الطائف
ومن المعروف ان لبنان عرف منذ الاستقلال في العام 1943 حتى يومنا هذا، 77 حكومة تراوح عدد اعضائها بين 3 وزراء و 30 وزيرا. قبل الطائف كانت اكبر حكومة تلك التي رأسها الرئيس الراحل تقي الدين الصلح ( 8 تموز(يوليو) 1973- 31 تشرين الأول(اكتوبر) 1974) وتألفت من 22 وزيرا، وقبلها كانت كل حكومة من 18 وزيرا او 16 وزيرا تعتبر حكومة موسعة. واللافت ان الرئيس الشهيد رشيد كرامي هو الوحيد الذي ترأس حكومات في عهد خمسة هم: كميل شمعون، فؤاد شهاب، شارل حلو، سليمان فرنجية، امين الجميل، وبعد اغتياله في الاول من حزيران ( يونيو) 1987 تسلم الرئيس سليم الحص رئاسة الحكومة بالوكالة.
وبعد بدء مسيرة اتفاق الطائف عرف لبنان 20 حكومة كان أولها برئاسة الرئيس سليم الحص وتشكّلت من 14 وزيرا وصدرت مراسيم تشكيلها في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 ومراسيم قبول استقالتها في 24 كانون الأول(ديسمبر) 1990، لتخلفها حكومة برئاسة الرئيس عمر كرامي، مدشّنة عهد الحكومات الثلاثينية وصدرت مراسيم تأليفها بنفس المرسوم أما مرسوم استقالتها فصدر في 16 أيار (مايو) 1992 مترافقا مع مرسوم تشكيل حكومة برئاسة الرئيس رشيد الصلح من 24 وزيرا، فأشرفت على الانتخابات النيابية في خريف ذاك العام، وقد صدر مرسوم استقالة الصلح في 31 تشرين الأول (أكتوبر)1992 مترافقا مع مرسوم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس رفيق الحريري، الذي شكّل في عهد الطائف خمس حكومات منذ 1992 حتى 26 تشرين الأول(أكتوبر) 2004، كانت كلها ثلاثينية وتخللها حكومة واحدة برئاسة الرئيس سليم الحص صدرت مراسيم تشكيلها في 4 كانون الأول(ديسمبر) 1998 وتألفت من 16 وزيرا.
وبعد حكومات الرئيس رفيق الحريري كانت حكومة ثلاثينية ثانية برئاسة الرئيس عمر كرامي التي صدرت مراسم تشكيلها في 26 تشرين الأول (أكتوبر)2004 وفي 14 شباط(فبراير) 2005 كان زلزال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ليستقيل على إثرها الرئيس كرامي الذي صدرت مراسيم استقالة حكومته في 19 نيسان (ابريل) مترافقة مع مراسيم تشكيل حكومة جديدة من 24 وزيرا برئاسة فؤاد السنيورة التي صدرت مراسيم استقالتها، في 11 تموز(يولبو) 2008، بعد اتفاق الدوحة، مترافقة مع مراسيم تشكيل حكومة جديدة من ثلاثين وزيرا برئاسة السنيورة، استمرت الى ما بعد لانتخابات النيابية عام 2009 وبدء ولاية مجلس النواب الجديد، حيث صدرت مراسيم استقالتها في 9 تشرين الثاني (نوفمبر)2009 مترافقة مع مراسيم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري من ثلاثين وزيرا استقال منها ثلث وزرائها زائدا واحدا، فاعتبرت دستوريا مستقيلة وصدرت مراسيم هذه الاستقالة في 13 حزيران(يونيو) 2011 مترافقة مع مراسيم حكومة ميقاتية جديدة من 30 وزيرا وقد استمرت هذه الحكومة حتى صدور مراسيم استقالتها في 15 شباط(فبراير) 2014 مترافقة مع مراسيم تشكيل حكومة جديدة برئاسة تمام سلام من 24 جديدا علما ان هذه الحكومة قد ولدت بعد 315 يوما من تكليف سلام بتشكيل الحكومة.وأعقب هذه الحكومة ثلاثينيات برئاسة سعد الحريري استمرتا من 18 كانون الأول 2016(ديسمبر) حتى 21 كانون الثاني(يناير) 2020، ليعقبها حكومة برئاسة الدكتور حسان دياب مؤلفة من 20 وزيرا وقد صدرت مراسيم استقالة هذه الحكومة في 10 أيلول(سبتمبر) 2021 بعد ان أمضت نحو 13 شهرا بتصريف الأعمال مترافقة مع مراسيم تشكيل الحكومة الميقاتية المؤلفة من 24 وزيرا وتستمر الآن كحكومة تصريف أعمال بانتظار انتخاب رئيس جمهورية جديد.