لم يعد سرا ان طرح اسم قائد الجيش العماد جوزف عون كمرشح لرئاسة الجمهورية، هو طرح جدي وليس من باب المناورة او " التكتكة" السياسية لاسيما وان هذا الاسم يحظى بترحيب عربي ودولي، فيما تتفاوت مواقف الكتل السياسية اللبنانية بين مؤيد غير معلن ومتحفظ ورافض في المطلق. ولعل ما يزيد " تشرذم" مواقف هذه الكتل، عدم صدور اي موقف رسمي عن العماد عون في قبول ترشحه او عدمه، في وقت يعمل فريق من المقربين منه على تذليل العقبات التي تعترض انتقال قائد الجيش من اليرزة الى بعبدا ليكون الرئيس الخامس الاتي من صفوف الجيش بعد الرؤساء فؤاد شهاب واميل لحود وميشال سليمان وميشال عون، وان اختلفت ظروف انتخاب كل واحد من الاربعة، علما ان ثلاثة منهم ( شهاب، لحود، سليمان) انتقلوا مباشرة من قيادة الجيش الى رئاسة الجمهورية، في حين الرابع ( الرئيس عون) مرّ في مراحل سياسية عدة قبل وصوله الى قصر بعبدا، نائبا ورئيس كتلة نيابية ورئيس حكومة الى ان استقر في بعبدا ست سنوات انتهت قبل ثلاثة اشهر. واذا كان اسم العماد جوزف عون يتردد منذ فترة بعيدة لمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، الا ان ادراج رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط اسمه من بين ثلاثة اسماء حملها الى اكثر من مرجع سياسي وروحي كان آخرهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والرئيس نبيه بري، جعل هذا الاسم يبلغ حيزا عاليا لاسيما وان جميع المراقبين السياسيين يلتقون على اعتبار جنبلاط صاحب " انتينات" تجعله يستشرف المستقبل ويقرأ في الاتي من الايام بدليل ان جنبلاط لم يكن اول من طرح اسم العماد عون، بل ان رئيس " القوات اللبنانية" سمير جعجع من ذكره قبل اشهر، لكن ذلك لم يتفاعل سياسيا واعلاميا كما تفاعلت تسمية جنبلاط لقائد الجيش في المحافل السياسية والاوساط الاعلامية لاسيما وان طرح الاسم ورد مع اسمين آخرين يعرف جنبلاط ان حظوظ صاحبيهما محدودة. فالوزير السابق جهاد ازعور اعترضت عليه " القوات اللبنانية" بقوة وكذلك حزب الله، واسم النائب السابق صلاح حنين لم يجد صدى واسعا في الاوساط السياسية المقررة. صحيح ان ليس وراء ترشيح العماد عون كتلة نيابية واسعة لانه بحكم موقعه العسكري لا يتعاطى السياسة ولا يمكنه الترويج لنفسه علانية لان الجيش هو " الصامت الاكبر"، لكن الصحيح ايضا ان ثمة من يتحمس لوصول " القائد" الى بعبدا ويعمل مع الادارة الاميركية والسلطات الفرنسية لتبني هذا الترشيح، فضلا عن " انفتاح" على دول الخليج وفي مقدمها المملكة العربية السعودية التي اعتبرت زيارة سفيرها في بيروت وليد البخاري الى اليرزة الاسبوع الماضي " اشارة" لا يمكن تجاهلها لا في التوقيت ولا في الظروف التي تمت فيها، خصوصا انها تمت عشية اجتماع باريس الخماسي ( السعودية، مصر، قطر، فرنسا، الولايات المتحدة الاميركية). ويربط بعض المراقبين بين زيارة البخاري وزيارة تمت قبل يومين من زيارة السفير السعودي لوفد من " نواب الاعتدال الوطني" وليد البعريني ومحمد سليمان واحمد الخير وعبد العزيز الصمد اكد فيها هؤلاء- حسب ما قال احدهم- الدعم المطلق للمؤسسة العسكرية والرهان الدائم عليها"، في وقت كانت كل المؤشرات تدل الى ان اصواتهم ستصب لمصلحة رئيس تيار" المردة" سليمان فرنجية في حال ذهب حلفاء فرنجية الى جلسة لانتخابه باكثرية 65 صوتا.
صعوبة تعديل الدستور... تبرر تجربة سليمان؟
وفيما يتفاعل اقتراح جنبلاط في الداخل كما في الخارج حيال اسم العماد عون، لم تعلن الكتل موقفا واضحا من ترشيحه باستثناء " كتلة لبنان القوي" التي يعارض رئيسها بقوة انتخاب قائد الجيش وكذلك كتلة فرنجية و" التغييريين" وعدد من المستقلين. اما " الثنائي الشيعي" فلم يصدر عنه موقف واضح وان كان ترشيح فرنجية يبقى الخيار المعلن ضمنا وان كان " الثنائي" لم يقفل الباب على نقاشات اخرى تطرح مسيحيا لاسيما وان ترشيح فرنجية يواجه معارضة قوى اقليمية ودولية تصفه بانه "مرشح حزب الله". غير ان مصادر مطلعة تؤكد ان ترشيح فرنجية لا يزال هو الاساس بالنسبة الى " الثنائي الشيعي" ولا مجال للاجتهاد، مع ابداء التقدير للعماد عون على دوره الداخلي وحكمته واعتداله في عمل المؤسسة العسكرية. وفي محاولة غير مباشرة لعدم تأييد العماد عون في الاستحقاق الرئاسي المقبل، يعمد بعض النواب والمرجعيات السياسية الى اثارة ضرورة تعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش رافضين ان يتكرر في 2023 ما حصل في 2008 حين انتخب مجلس النواب قائد الجيش وهو لا يزال في منصبه خلافا للمادة 49 من الدستور التي تنص في فقرتها الاخيرة(....) كما انه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الاولى وما يعادلها في جميع الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنيين في القانون العام مدة قيامهم بوظائفهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليا عن وظيفتهم او تاريخ احالتهم الى التقاعد". وحيال هذا الواقع يأتي اقتراح تعديل الدستور كمخرج قانوني يمكن مجلس النواب من انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية وهو لا يزال في منصبه، فهل من الممكن تعديل الدستور في المرحلة الراهنة؟
للاجابة على هذا السؤال ينبغي العودة الى ما نص عليه الدستور في المادتين 76و77، اذ تنص الاولى على انه " يمكن اعادة النظر في الدستور بناء على اقتراح رئيس الجمهورية فتقدم الحكومة مشروع القانون الى مجلس النواب". فيما تنص المادة 77 على امكانية اخرى للتعديل من خلال مجلس النواب وفق آلية معقدة بعض الشيء توجب ان يقدم اقتراح التعديل من عشرة نواب على الاقل على ان تبدي اكثرية الثلثين من مجموع الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانونا، رأيها باعادة النظر في الدستور على ان المواد والمسائل التي يتناولها الاقتراح يجب تحديدها وذكرها بصورة واضحة، فيبلغ رئيس المجلس ذلك الاقتراح في الحكومة طالبا اليها ان تضع مشروع قانون في شأنه، فاذا وافقت الحكومة المجلس على اقتراحه باكثرية الثلثين وجب عليها ان تضع مشروع التعديل وتطرحه على المجلس خلال اربعة اشهر، واذا لم توافق فعليها ان تعيد القرار الى المجلس ليدرسه ثانية، فاذا اصر المجلس عليه باكثرية ثلاثة ارباع مجموع الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانونا، فلرئيس الجمهورية حينئذ اما اجابة المجلس الى رغبته او الطلب من مجلس الوزراء حله واجراء انتخابات جديدة في خلال ثلاثة اشهر، فاذا اصر المجلس الجديد على وجوب التعديل وجب على الحكومة الانصياع وطرح مشروع التعديل في مدة اربعة اشهر.
ويرى قانونيون باستحالة تطبيق المادتين الدستوريتين 76و77 لتعديل الدستور وذلك ان لا رئيس للجمهورية ليطلب ذلك ولا حكومة قادرة على ان تؤمن موافقة ثلثي اعضائها لتقديم مشروع قانون التعديل لاعتبارات عدة منها ما هو سياسي لوجود وزراء ضد التعديل، ومنها ما هو دستوري لاستحالة تأمين الاكثرية المطلوبة لذلك وهي بالكاد تستطيع تأمين حضور الوزراء الى جلسة " الضرورة". كذلك فان ثمة استحالة في ان يتمكن مجلس النواب من تقديم اقتراح التعديل لان المجلس ليس في عقد عادي كما ينص الدستور، بل في عقد استثنائي طالما ان الحكومة مستقيلة، اضافة الى تعذر تأمين غالبية الثلثين للطلب الى الحكومة اعداد مشروع القانون التعديل لانها تحتاج الى اكثرية الثلثين لتقديمه، وهذه الاكثرية كما ورد سابقا، غير مؤمنة وهي بذلك غير قادرة على ممارسة صلاحية الرئيس لاحالة المشروع الى مجلس النواب.
الا ان ثمة من يتحدث عن امكانية تجاوز مجلس النواب للفقرة الاخيرة من المادة 49 كما حصل في العام 2008 لانتخاب الرئيس ميشال سليمان حين اعتمد الرئيس بري في 25/5/2008 رأي استند الى دراسة اعدها وزير العدل السابق بهيج طبارة ارتكز فيها الى رأي خبير الدستور الدكتور ادمون رباط، اعتبر فيها ان شرط الاستقالة المسبقة( لا تنص عليه الفقرة الاخيرة من المادة 49) يسقط في حال شغور منصب الرئاسة بعدم انتخاب الرئيس قبل انتهاء ولاية السلف. وعليه وجه بري الدعوة الى مجلس النواب وفق المادة 74 من الدستور المتعلقة بخلو سدة الرئاسة بعد انقضاء المهلة المنصوص عليها في المادة 73 من الدستور، وتم انتخاب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.
وعليه، يرى المراقبون ان الامر متروك لمجلس النواب فهل يتمسك بتطبيق الدستور ويمنع بالتالي تعديل المادة 49 منه بفقرتها الاخيرة، ام يتجاهل الامر ويستند مرة اخرى الى اجتهاد الوزير السابق بهيج طبارة، وهل اكثرية الثلثين مؤمنة لجلسة يتم فيها تجاهل الدستور والانتخاب؟.