يعتقد مسؤول امني كبير ان ما حصل الاسبوع الماضي من اعتداءات على عدد من المصارف، وعلى منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير، هو عينة لما يمكن ان يحصل في الاتي من الايام من اضطرابات مفتعلة بهدف توتير الاجواء في البلاد وتسهيل تسلل الفوضى اكثر واكثر الى المؤسسات الرسمية والادارات والمرافق العامة، وايضا الى مؤسسات اقتصادية وتجارية كبرى وسوبرماركت وغيرها، تحت عنوان العجز عن تأمين رغيف الخبز او الحصول على قسم من الودائع في المصارف وغيرها من الشعارات التي تتحضر باسم الفوضى التي يمكن ان تضغط على الواقع السياسي في البلاد وتصيب اكثر من عصفور بحجر واحد، والابرز رئاسة الجمهورية بحيث يتكرر مشهد العام 2008 من دون ان يكون مسرح ما يجري محصورا في ما كان يعرف بــ " بيروت الغربية"، او يتكرر مشهد مؤتمر الدوحة الذي انهى الوضع الذي نشأ بعد 7 ايار (مايو) 2008. والواقع انه منذ مدة والاجهزة الامنية تحذر من انعكاسات استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد وردود الفعل الشعبية على تراجع سعر صرف الليرة وغلاء الاسعار. لكن هذه التحذيرات اندرجت تحت باب " عُلم" من دون اي خطوة عملية تستبق ما يمكن ان يجري ميدانيا. وللمرة الاولــى فقد بدء الشغور الرئاسي في 31 تشرين الاول( اكتوبر) الماضي، دعا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجلس الامن المركزي الى الانعقاد في السراي بحضور وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي والقادة الامنيين الذين غاب منهم المدير العام للامن العام عباس ابراهيم الذي كان يحضر المؤتمر الامني في ميونيخ في المانيا وهو مؤتمر حمل عنوان" الامن والسلام".
قلق ميقاتي... والمعالجة سياسية وليست امنية
في اجتماع مجلس الامن المركزي، بدا الرئيس ميقاتي قلقا من احتمال حصول " خضة" في الشارع وتحركات قد يكون من الصعب ضبطها، متسائلا- وعن حق- عما اذا كان الذين احرقوا عددا من المصارف ومدخل منزل رئيس الجمعية هم فعلا من المودعين الذين حرموا من الحصول على ودائعهم من المصارف، لاسيما وان المعطيات التي تكونت لدى الامنيين اشارت الى ان مرتكبي اعمال الشغب ليسوا من المودعين بل هم مجموعة من الاشخاص سبق لهم ان قاموا باعمال مماثلة في الوسط التجاري ونقلوا بالامس" نشاطهم" الى منطقتي بدارو وسن الفيل. وفي هذا السياق قال وزير الداخلية انه تم تسجيل 59 تحركا منذ بداية الشهر الجاري كان آخرها التحرك في منطقة بدارو الذي قامت به مجموعة مؤلفة من 15 شخصا تنقلوا من فرع مصرفي الى آخر، علما ان التحرك المماثل الذي حصل في طرابلس ظل محصورا بمصرف واحد، وعندما سئل قادة الاجهزة الامنية عن مدى جهوزية القوى العسكرية والامنية لمواجهة اي تفلت يمكن ان يحصل ويؤدي الى اوضاع مضطربة، كان الجواب ان الاجهزة كلها مستنفرة على رغم الظروف الصعبة التي يعاني منها رجال الامن والجيش نتيجة تدهور الاوضاع الاقتصادية وارتفاع اسعار السلع والمحروقات والمواد الغذائية الاساسية. لكن ما اجمع عليه القادة الامنيون هو ان ما يحدث في الشارع لا يعالج امنيا فقط، بل هو يحتاج الى حل سياسي جذري لاسيما وان القوى الامنية التي تستطيع حفظ الامن نسبيا، لكنها ليست قادرة على ايجاد حلول سياسية مثل انتخاب رئيس الجمهورية وضبط السوق السوداء للدولار واعادة فتح المصارف وحل الازمة المالية وغيرها من الازمات، ذلك ان الاجهزة الامنية " تحمي" المناخ السياسي ولكن لا " تصنعه" بدليل ان توقيف كبار الصرافين غير الشرعيين واحالتهم الى القضاء لم يجعل سعر صرف الدولار يتراجع بل ازداد ارتفاعا.... وفي المعلومات ايضا ان قادة الاجهزة الامنية تـحدثوا عن طلب مخيف على الدولار بعـــد اقفــــال المصـــارف وحصر " صيرفة" بموظفي القطاع العام، والطلب هو لزوم الاستيراد بشكل اساس بعد وقف مصرف لبنان ضخ الدولارات في السوق. وجرى التطرق الى سوبرماركت كبيرة ومعروفة تحتاج يوميا الى اكثر من 700 الف دولار، فضلا عن التوجه الى دولرة الاقتصاد باستثناء الخبز والخضراوات. واكد بعض رؤساء الاجهزة ان التحركات المحدودة والعنيفة التي استهدفت بعض المصارف لم تكن منظمة، وسجلوا بعض الاختلافات عن المرات السابقة، اذ اصبحت بدارو للمرة الاولى من ضمن الامكنة المستهدفة بالتحركات.
وكان الاهم تأكيد امنيين ان الوضع سيتفاقم اكثر في حال بقاء المصارف مقفلة فيما ترتفع الدعوات من قبل جهات نقابية الى النزول للشارع. واقرّ امنيون بتأخر وصول القوى الامنية والعسكرية الى الاماكن التي شهدت حرق وتكسير مصارف، بما في ذلك واجهة منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير في سن الفيل، لان التحركات اتسمت بطابع المفاجأة من حيث حدوثها في منطقة مثل بدارو خارجة عن التوقعات الامنية ويقل احتمال تعرضها لحوادث مماثلة.
في اي حال، الصورة القاتمة التي رسمت في اجتماع مجلس الامن المركزي توحي بان الامور تتجه الى مزيد من التعقيد خصوصا اذا ما استعمل الوضع الامني في المسائل السياسية العالقة راهنا. صحيح ان الجهات التي تتولى الاهتمام بشؤون المودعين تتحدث عن " تحركات فردية" و" عفوية" و"مفاجئة"، الا ان ثمة من يخشى من ان تستغل جهات معنية قضية المودعين المحقة فتتولى استثمارها لتحقيق غايات اخرى خصوصا ان ما حصل في الاسبوع الماضي من تصرفات ضد المصارف، ارتد سلبا على المودعين انفسهم ولم يكونوا هم من احرق وحطم. لذلك تبدو المعالجة السياسية، كما قال قادة اجهزة الامن اساسية لدرء المخاطر المتوقعة اذا ما استمر الوضع على هذا المنوال.