عاد الى التداول في المرحلة الأخيرة مصطلح" العزل" ضد " الثنائي الشيعي" والعمل على مقاطعته داخلياً وخارجياً لاسيما بعد الانقسام السياسي الحاد حول استحقاق رئاسة الجمهورية واتخاذه طابعا طائفياً مع تقاطع معظم الأحزاب والقوى المسيحية حول اسم الوزير السابق جهاد ازعور بما في ذلك التيار" الوطني الحر" الذي نسج عام "2006 تفاهم مار مخايل " مع حزب الله مقابل تمسك الثنائي الشيعي "برئيس تيار" المردة" سليمان فرنجية وتغريده وحيداً مع بعض الحلفاء في هذا الخيار ، حتى ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط المتقاطع مع القوى المسيحية ، التقط ما يروج من مقولات العزل ضد تحالف امل وحزب الله وتاليا ضد الطائفة الشيعية وما تمثل ، وقال بكل صراحة انه ضد سياسة العزل ، داعياً الى الحوار لتجاوز الخلافات، فيما شنّ المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان هجوماً حاداً على خصوم "الثنائي " ، واتهمهم بمحاولة عزل المكون المقاوم الضامن لسيادة لبنان، ورأى أن ما يحصل استهداف مباشر للمكوّن الذي حرّر لبنان ودفع الغالي والنفيس في سبيل الشراكة الوطنية، معتبراً ان هذا العزل ليس بريئاً، وهو غير ممكن مطلقاً، واجتماع الخصومات الفاقعة ضمن فريق واحد في وجه الفريق المقاوم أمر مريب وعجيب وخطر، ولعبة العدد بازار مكشوف ونفخ فارغ، ولبنان ليس بضاعة للبيع.
وعلى أي حال فسياسة العزل لا تنفع وسبق ان جربت وتركت اثاراً مدمرة على البلاد ، وبات معلوماً ان لبنان لا يحكم الا بالشراكة وهو بلد التوازنات نظراً الى التعددية فيه ،ووحده الحوار يصل الى نتيجة بعدما جربت التحالفات الثنائية والثلاثية والرباعية وفشلت مما يثبت ان لبنان بلد الشراكة وان سياسة العزل والاستقواء لا تبني بلداً بل تمهد لتدميره وتششت أبنائه .
وفي هذا السياق تبرز تجربتان قاسيتان في تاريخ لبنان ، الأولى عندما دعت الحركة الوطنية اللبنانية الى عزل حزب الكتائب بإعتباره المسؤول عن نشوب الحرب الاهلية وسفك الدم اللبناني والفلسطيتي بعد مجزرة عبن الرمانة في 13 نيسان ( ابريل) 1975 ، لكن هذه التجربة اثبتت ان هذا القرار كان خطيئة ، حيث زاد منسوب التعصب الطائفي وزادت حدة الانقسام الخصومات ، واندفع قسم كبير من اللبنانيين للاستعانة بالخارج في وجه شريك الوطن ، ولم يتوان عن التحالف حتى مع الشيطان كما سبق وعبر رئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون ، ووصلت الأمور ببعض الاحزاب المسيحية الى التحالف مع الكيان الغاصب ، واستمرت الحرب متقطعة حتى العام 1989 بعدما انجز اتفاق الطائف ووضع البلاد على سكة الحل.
اما التجربة الثانية فكانت عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) من ذلك العام وانقسام اللبنانيين بعد شهر بين معسكري 8 و14 اذار، لكن الأمور اتخذت منحى تصاعدياً مع استقالة الوزراء الشيعة جميعا عام 2006 بسبب الخلاف في مجلس الوزراء حول المحكمة الخاصة بلبنان ، واستمرت الحكومة بدون الوزراء الشيعة رغم ان رئيس الجمهورية العماد اميل لحود اكد في كتاب رسمي ان الحكومة فاقدة للشرعية ، ورئيس المجلس نبيه بري قال انها بتراء ، ومع ذلك تولت صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية لحود عام 2007 بدون انتخاب خلف له ولم تكثرث للميثاقية او تهتم للرفض الشيعي ، ما زاد من منسوب التوتر وكاد البلد يضيع بعد احداث أيار( مايو) 2008 في بيروت والجبل حتى جاء اتفاق الدومة على غرار اتفاق الطائف وانقذ البلاد من الشر المستطير .
واليوم يبرز الانقسام مجدداً كما كان عام 2005 ، وتعود الاصطفافات السابقة على خلفية التياين الحاد حول ملف الرئاسة ما يتطلب فتح باب الحوار والتوافق على انتخاب رئيس لا يشكل تحدياً لأي فريق ويحافظ على التوازنات ويحقق الشراكة الوطنية والا فإن سياسة العزل والمقاطعة والتعطيل ترتد سلباً على البلد وتزيد الامور اشتعالاً وتكون اشد واخطر على وحدة لبنان واللبنانيين .