تفاصيل الخبر

الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس الجديد افرزت كتلتين والعبرة  الاهم ان التوافق خيار لا بد منه.... والا الفراغ!

05/10/2022
الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس الجديد افرزت كتلتين  والعبرة  الاهم ان التوافق خيار لا بد منه.... والا الفراغ!

جلسة الانتخاب الأولى لرئيس الجمهورية

 

لم تحمل الجلسة الاولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية التي انعقدت يوم الخميس 29 ايلول ( سبتمبر)  الماضي، اي مفاجآت، لا من حيث الاصوات التي حصل عليها من صوّت لهم النواب، ولا من حيث فرز التحالفات السياسية داخل الندوة البرلمانية في طبعة 2022 التي اختلفت عمليا عن تلك التي كانت موجودة في دورة العام 2018. ذلك ان الانقسامات العامودية في الكتل النيابية لا يمكن، في حال استمرت، ان تنتج رئيسا جديدا للجمهورية، وهو ما اشار اليه رئيس المجلس نبيه بري بوضوح قبيل رفعه للجلسة بعدما طار النصاب وتعذر اجراء دورة اقتراع ثانية، لجهة دعوته الى التوافق" واذا لم نكن 128 صوتا لن نتمكن من انقاذ المجلس النيابي ولا لبنان، وعندما ارى ان هناك توافقا سوف ادعو فورا الى جلسة واذا لا فلكل حادث حديث". ولاقاه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل بالقول: " ما حدا بيقدر يربح المعركة وحده"! ولعل حصيلة الانتخاب تحمل في طياتها رئاسل واضحة الى كل الكتل النيابية التي افرز الاعضاء فيها 63 ورقة بيضاء و36 صوتا للنائب ميشال معوض و 11 صوتا باسم سليم اده ( نجل الوزير السابق الراحل ميشال اده)، و10 اصوات باسم " لبنان"، وصوت واحد باسم " نهج رشيد كرامي" وصوت واحد باسم مهسا اميني الناشطة الايرانية التي قضت مؤخرا في طهران وقامت على اثر مقلتها خلال التحقيق معها تظاهرات شعبية لا تزال مستمرة في عدد من المناطق الايرانية. 

طبعا لا يحتاج الامر الى كثير من الفطنة لمعرفة كيفية توزع الاصوات نيابيا. فالاوراق البيض توزعت على كتل " لبنان القوي" و" التنمية والتحرير" و" الوفاء للمقاومة" وتكتل فرنجية وبعض النواب المستقلين، بينما صوتت " القوات اللبنانية" واللقاء الديموقراطي وكتلة التجدد لميشال معوض، وسمى " التغييريون" سليم اده، بينما سجل نواب سنة اسم " لبنان"، اما اسم نهج رشيد كرامي فقد وضعه في الصندوق نائب طرابلس كريم كبارة. وقد اظهر التصويت حجم الانقسام في مجلس النواب، وصعوبة التوافق على مرشح واحد. وعليه يستحيل انتخاب رئيس للجمهورية خارج التوافق، وهو امر صعب المنال كما يبدو خلال الشهر الذي يفصلنا عن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، اذ ليس في البرلمان اللبناني اكثرية وازنة تستطيع ان تنتج رئيسا للجمهورية، مهما غالى المغالون ونظر المنظرون. سوف يسمع اللبنانيون خلال المرحلة المقبلة عبر الشاشات ويقرأون  عبر الصحف ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي الكثير من الكلام المباح الذي لا يثمر ولايسمن، لكن الوقائع تقول بان الفراغ الرئاسي هو سيد الموقف حتى الان. وبعد الفراغ، لكل حادث حديث.  والواقع ان وقائع الجلسة حسمت بعض الثوابت والاجتهادات الدستورية المختلف عليها، ومنها ان النصاب القانوني للجلسات اللاحقة هو 86 نائبا، وانه لن يتعطل التشريع وعقد الجلسات في مجلس النواب استنادا للمادة 75 من الدستور، سواء بالنسبة لجلسة الثقة في حال تشكيل الحكومة، ام بالنسبة لجلسة انتخاب اللجان في 18 تشرين الاول ( اكتوبر) الجاري، فضلا عن ان جلسة الخميس اسقطت الجلسة الحكمية للمجلس قبل عشرة ايام من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وان الجلسات اللاحقة مرهونة بدعوة رئيس البرلمان، لاسيما وان الرئيس بري لن يتساهل في الجلسات اللاحقة بالاوراق التي تحمل علامات فارقة. والحقيقة الساطعة ان تعطيل النصاب سهل المنال في حال عدم التوافق على الرئيس المقبل.

 

" الورقة البيضاء" رئيسة الجمهورية!

لقد شكلت " الورقة البيضاء" نجمة الجلسة الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية، وسط دلالات لافتة لتوزع الخارطة الانتخابية، مما فتح الباب امام الكثير من الاحتمالات يبقى ابرزها تقدم احتمال الفراغ الرئاسي حتى نضوج تسوية خارجية لا تبدو معالمها مكتملة حتى الان. وفي رأي اكثر من خبير في " البونتاج" الانتخابي ان ما شهدته قاعة مجلس النواب في ساحة النجمة له مدلولات سياسية كثيرة، ويمكن بالتالي التأسيس عليه في المرحلة المقبلة. ومن اهم هذه الدلائل او المؤشرات التفصيل الاتي عن موقف كل فريق من الافرقاء السياسيين:

-الفريق " الممانع" الذي يضم كتلة " الوفاء للمقاومة" ( 15 نائبا)، كتلة " التنمية والتحرير" ( 15 نائبا)، كتلة " لبنان القوي( 18 نائبا)، كتلة نواب" الطاشناق" ( 3 نواب)، و" تكتل الوطني المستقل" ( 5 نواب)، و 7 نواب مستقلين يدورون في فلك  المحور نفسه، اي ما مجموعه 63 ورقة بيضاء. وفي رأي هؤلاء الخبراء ان حزب الله استطاع ان يوحد كلمة فريقه السياسي كــ " بلوك" واحد، بحيث التزم  الجميع بــ " الورقة البيضاء"،  بمن فيهم نواب " التيار الوطني الحر"، وهذا من بين الاسباب الرئيسية، التي فرضت على " الحزب" عدم تسمية رئيس تيار " المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية، لعلمه المسبق بما يمكن ان يشكله من حساسية لدى النائب جبران باسيل.

- الفريق  الذي يسمي نفسه " سياديا"، والذي يضم : كتلــــة " الجمهوريــــة القوية" ( 19 نائبا)، غاب منهم النائبة ستريدا جعجع، وكتلة نواب " الكتائب" ( 4 نواب)، غاب النائب سليم الصايغ، وكتلة " اللقاء الديموقراطي( 8 نواب)، ونواب" التجدد الوطني" ( 4 نواب)، وثلاثة نواب مستقلين اي ما مجموعه 36 نائبا فقد صوتوا للنائب ميشال معوض. وثمة من يرى ان " القوات اللبنانية" استطاعت ان تضمن حلفا متماسكا مع حزب " الكتائب اللبنانية" وكتلة " اللقاء الديموقراطي" وكتلة " التجدد الوطني"، مع عدد من النواب " التغييريين" والنواب المستقلين، بما يؤمن لهذا الفريق توازنا سياسيا من غير الممكن تجاوزه في المراحل اللاحقة. اما الفريق الثالث، الذي توزعت اصوات نوابه بين سليم اده او " لبنان" او تسميات اخرى غير جدية، فبلغ مجموعه 23 نائبا من " التغييريين" والمستقلين.

 ويرى مراقبون ان النتيجة الابرز هي ان نواب الثنائي " الشيعي"  ومن يرافقهم في الخط السياسي، لا يزالون ممرا الزاميا لانتخاب الرئيس، وحتى لو تكتلت كل القوى المعارضة ومن يتحالف معها، فلن تستطيع  ايصال اي مرشح تدعمه، فيما يمكن لهذه القوى بجهد بسيط وبخرق صغير، ايصال من تريد الى قصر بعبدا. ووفق الارقام، كان يمكن لو بقي النصاب قائما، ان ينال المرشح المدعوم من هذه القوى ( الممثل بـــ " الورقة البيضاء") 65 صوتا بعد ان نال 63 صوتا في الدورة الاولى، فيصبح عندها الرئيس المقبل للجمهورية. في المقابل، اكتفى المنافسون السياسيون للقوى المذكورة ( اي الموالاة وحلفائها)، في جمع 59 صوتا اذا ما احتسبنا كل الاصوات التي صبت خارج الورقة البيضاء ( ميشال معوض، سليم اده، لبنان، مهسا امينة، نهج رشيد كرامي) وبات لزاما الحصول على اصوات النواب الـــ 6 الذين لم يحضروا ليصبح العدد 65 نائبا. هذه الحسابات تصلح فقط في حال لم يحصل خرق من هنا او من هناك، ووفق المنطق فان الخرق مرجح حصوله اكثر في خانة المعارضة ومن معها، لان احداث خرق في الموالاة وحلفائها صعب، خصوصا في مسألة بالغة الحساسية كانتخابات الرئاسة.  ولا بد من ذكر امر في غاية الاهمية، وهو ان الموالين خاضوا تجربتهم الانتخابية باسم " الورقة البيضاء" فيما كان المعارضون يخوضون معركتهم باسماء واضحة ( ما عدا تسمية " لبنان")، وهذا ان دل على شيء، فعلى رهان الموالاة على خرق منافسيهم عند طرح اسماء واقعية، فتتغير المعادلات عندها. في كل الاحوال، انقسام الاصوات مناصفة، اثبت وفق انتخابات رئيس مجلس النواب، انه يصب في مصلحة الموالاة ومن يشاركها رؤيتها السياسية، وان اقصى ما تطمح اليه المعارضة هو ضمان نفوذ لها في التشكيلة الحكومية الاولى في العهد الجديد.

 

خلاصات ووقائع

واذا كان النائب ميشال معوض " نجم" الجلسة الانتخابية الاولى وهو الذي انطلق من نواة كتلة " تجدد" لكنه خسر صوت زميله النائب فؤاد مخزومي لوجوده خارج لبنان، فان ثمة من يقول بانه جرى العمل على " حرق" اسمه وازاحته من هذه المعركة على عكس حال النائب نعمة افرام الذي لا يزال يحافظ على بطاقة ترشحه، فضلا عن اسماء مارونية اخرى تدور في فلك غير " العونيين". اما الرئيس بري الذي كان " معلم" الجلسة فقد بدا في وضع افضل مما كان عليه في جلسة مناقشة مشروع قانون الموازنة اذ امسك باللعبة الانتخابية كما يشتهي.ولم يعد في امكان اي جهة محلية او خارجية ان تقول له : لماذ لا تدعو الى جلسة انتخاب، بعد ان قام بالواجب الدستوري المطلوب منه. ويمكن الخروج بجملة من الخلاصات في جلسة الطبعة الاولى من انتخابات الرئاسة. وسيقدم كل طرف على اجراء حساباته تحضيرا للمواجهة الثانية التي ستكون لها حسابات اخرى. ومن هذه الخلاصات:

1- كانت الغلبة بالنقاط لـ "حزب الورقة البيضاء" وهو يتمثل في 64 وليس 63 بحسب النتيجة الرسمية بسبب اقتراع نائب بورقة حملت عبارة " نهج الرئيس رشيد كرامي". وكانت الرسالة من الاصوات البيضاء على الذين يطالبون الاتيان بمرشح من قماشة "الرئيس التحدي" ليقف بالمرصاد في وجه مشروع "حزب الله" وكل من يتحالف معه.

2-أدى الحزب التقدمي الاشتراكي واجبه حيال النائب معوض والتقى نوابه مع "القوات" في هذه الجولة وليس من الضرورة ان يكونوا معها في المواجهة المقبلة. وكان جنبلاط الاب قد اتصل بأعضاء كتلته صباح يوم الانتخاب وابلغهم بكلمة السر والاقتراع لمعوض. ويقول نواب التقدمي أن نظريتهم حيال الانتخابات هي الاسلم واقترعوا لمعوض لانه ابن "شهيد الطائف" الرئيس رينه معوض وأيمانه وأبنه بهوية لبنان العربية. وان لا مفر من شراكة بين الكتل لانتخاب رئيس للبلاد. ويكررون بأن رؤيتهم هذه لا تنطبق على فرنجية وان اسم النائب السابق صلاح حنين يبقى من الوجوه التي يؤيدونها. ولا يلتقون في الوقت نفسه مع "المثالية" التي ينادي بها " التغييريون".

3-اظهر تصويت النواب التغييريين الـ 11 من اصل 13 واقتراعهم لسليم أدة بأنهم كتلة واحدة واذا لم يقترعوا لمعوض فلن يسيروا في الجولة المقبلة مع الاسم الذي يختاره السياديون. وظهر التباين الواضح بين الطرفين وبالخط العريض ومن دون شروحات. وأدت الجلسة الى تعطيل مبادرة "التغييريين" والكشف عنها مبكراً قبل ان يخرجوا بالاسم الذي يرشحونه.

4- حافظ النواب السنة الخارجون من بيئة "تيار المستقبل" على خصوصيتهم الذين اقترعوا باسم " لبنان" واظهروا تمايزهم حيث لم يمنحوا معوض اصواتهم ولم يرفعوا الورقة البيضاء.

5-بعد اعلان كل كتلة عن رؤيتها الانتخابية  ( في جلسة الخميس) لم تعد هناك من حاجة لاطلاق اي مبادرات واقله بين " التغييريين" و" القوات" بعد الردود المتبادلة بينهما مع توجه كل الانظار الى مجموعة الـ 63 التي يقودها الحزب الذي لن تتوقف ماكينته عن تقريب المسافات البعيدة و"الضوئية" بين  النائب باسيل و سليمان فرنجية وهي ليست مهمة سهلة فكيف اذا كان الخلاف مارونياً في حجم رئاسة الجمهورية. ولا يبدو ان الحزب سيبقى متفرجاً حيال ما يدور في صفوف هذا الفريق الذي نجح في اختبارات المجلس الجديد من انتخاب الرئيس ونائبه وهيئة مكتب المجلس وانتخاب رؤساء اللجان النيابية الى جلسة الخميس ليستعد لجولة الانتخاب الثانية .

ويرى متابعون ان من العلامات الفارقة لجلسة الخميس ان اسم سليمان فرنجية الذي كان من بين الخيارات الاكثر تداولا منذ بدء العد العكسي للاستحقاق الرئاسي، اختفى كليا عن " رادار" الجلسة ولم تحمله اي ورقة الى " الصندوق التجريبي"، الامر الذي اعتبره المتحمسون لترشيحه اشارة الى حرص مؤيديه على تأمين اقصى الحماية له وعدم احراقه في " موقدة " المناورات الانتخابية. ويتوقف داعمو رئيس " المردة" عند تفادي معظم النواب السنة التصويت لمعوض ما يوحي بان باب التفاهم معهم ليس مقفلا لاسيما وان الموقف السعودي تجاه  فرنجية ليس سلبيا ولا " فيتو" عليه كما يروج البعض، والا لكانت غالبية النواب الذين شاركوا في اجتماعي دار الفتوى ودارة السفير السعودي  وليد البخاري قد منحوا اصواتهم لمعوض الذي كان سيؤدي الى نيله اكثر من خمسين صوتا واضعاف فرصة فرنجية الى ابعد الحدود. ويلفت هؤلاء المتابعين الى ان توزع الاصوات في الجلسة اظهر ان الاتفاق بين فرنجية وباسيل قادر وحده على اختصار المسافة بين بنشعي وبعبدا اذا ما اضيف اليه " الضلع" السني الضروري.