تعددت الروايات حول اسباب اطلاق منظمات فلسطينية " صواريخ في اتجاه الاراضي المحتلة مصدرها سهل القليلة في قضاء صور، والذي استتبع بقصف اسرائيلي محدود طاول بساتين واماكن غير مأهولة، اضافة الى سيل من التهديدات بالرد و" الانتقام" وغيرها من التعابير التي تجيد القيادة الاسرائيلية استعمالها في حالات كهذه، الا ان تعدد الروايات لا يلغي حقيقة مفادها ان اطلاق الصواريخ هزّ الاستقرار الهش الذي يعيشه الجنوب بموجب قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701 الذي ولد بفعل اتفاق ضمني على فك الاشتباك بين حزب الله واسرائيل رعاه الاميركيون في العام 2006 وتابع ولادته الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وبموجب هذا الاتفاق يتوقف الطرفان عن اطلاق النار ويفسحان في المجال امام القوات الدولية التي تم تعزيزها بموجب القرار 1701، للسهر على تطبيق مندرجات القرار بالتعاون مع الجيش اللبناني، علما انه لم يطبق سوى البند الاول منه وهو وقف الاعمال العسكرية من دون الوصول الى درجة وقف اطلاق النار بعد. ولان حزب الله لم يكن طرفا في اطلاق الصواريخ ولم يرد بالتالي على القصف المعادي الذي اقتصرت نتائجه على الماديات، لم يعتبر ما حصل خرقا للقرار 1701 بل محاولة لتوتير الاجواء الجنوبية بالتزامن مع الوضع المتفجر الذي كان يشهده قطاع غزة والتعديات على المسجد الاقصى. وكان لافتا التركيز في ردود الفعل على امرين، الاول اعادة الحديث عن جدوى استباحة السلاح الفلسطيني للوضع الامني المستقر جنوبا، والثاني محاولة جعل البوابة الجنوبية اداة لتشكيل جبهة رفض فلسطينية جديدة على غرار الجبهة التي شكلت في الماضي واستمرت الى ما بعد الغزو الاسرائيلي للبنان في حزيران ( يونيو) العام 1982 تحت اسم " قوى التحالف الفلسطيني" التي اتخذت يومها من دمشق مقرا لها.
ولعل السؤال الذي شغل بال المراقبين كان عن الجهة اللبنانية التي سهلت اطلاق الصواريخ من سهل القليلة بنية تحويل الجنوب الى جبهة مواجهة مفتوحة مع اسرائيل بدلا من الابقاء على لبنان في عداد الدول المساندة للقضية الفلسطينية، علما ان حزب الله التقى مع حركة " امل" على عدم التعليق على عملية اطلاق الصواريخ، وان كانت صدرت اشارات في وسائل الاعلام عكست عدم ارتياح للعب بأمن الجنوب واستقراره وبالتالي رفع الغطاء السياسي عن هذا التصرف وما يماثله، لان " الثنائي الشيعي"، يدرك ان توتير الوضع الامني في الجنوب لا يأتلف مع المزاج الشعبي الذي لم يعد يحبذ تحميل لبنان رد فعل اسرائيل على اطلاق عشرات الصواريخ من اي جهة فلسطينية. وذهبت اوساط في " الثنائي" الى حد اعتبار ان التوقيت الخاطىء لاطلاق الصواريخ لا يعود فقط بالفائدة على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يعيش مع حكومته مأزقا على المستويين القضائي والداخلي، فضلا عن تماديه في الاعتداءات التي تستهدف المصلين في المسجد الاقصى، بل كذلك لا يناسب هذا التوقيت الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان والتي لا تحتمل قيام اسرائيل برد فعل يمكن ان يخرج عن السيطرة، على رغم ان ثمة من يعتقد ان اسرائيل محكومة بعدم تغيير قواعد الاشتباك المعمول بها في الجنوب منذ صدور القرار 1701. وفي هذا السياق، نقلت مصادر فلسطينية مطلقة انه لم يكن المقصود من الصواريخ لا استهداف لبنان، ولا استباحة ارضه ولا انتهاك سيادته ولا تعريض امنه للخطر او الانزلاق الى مغامرة عبثية وبالتأكيد لن تكون هناك عودة الى ما قبل 1984، كما انه ليس في الوارد ايجاد " حماس لاند" او ما شابه على غرار " فتح لاند" التي كانت قائمة سابقا، بل ان كل الامر يتعلق بتوجيه انذار الى العدو حتى لا يمعن في انتهاك حرمة المسجد الاقصى. وتضيف المصادر ان ما جرى خلال الايام الاخيرة اثبت جدوى " ترابط الساحات" واهمية التنسيق بين الاطراف في " المحور الممانع" من اجل وضع حد للتصرفات الاسرائيلية. واعتبرت ان التدخل العسكري من قطاع غزة حصرا لنصرة الاقصى لا يكفي وان تحريك الجبهات في لبنان وسوريا هو ما يقلق اسرائيل لانها غير جاهزة لخوض الحرب عليها مجتمعة، وهذا ما يفسر الرد الاسرائيلي المحدود والمبادرة الطوعية لاسرائيل بــ " تبرئة " حزب الله من القصف الصاروخي.
الاستراتيجية الدفاعية لبنانية ام فلسطينية ايضا؟
غير ان ما حصل في الجنوب قبل اسبوعين اثار مسألة اضافية تتعلق بالدعوات المتكررة الى اعتماد استراتيجية دفاعية للبنان، علما ان الجهات المعنية بهذه الاستراتيجية يفترض ان تكون لبنانية وخصوصا حزب الله وسائر المكونات السياسية اللبنانية اضافة الى مؤسسات الدولة، فهل المطلوب ادخال المنظمات الفلسطينية طرفا في هذه الاستراتيجية اذ كيف يمكن ان يتحقق التوافق حول استراتيجية دفاعية للبنان في ظل تعدد السلاح غير الشرعي والامرة التي تطلق يد هذه الجهة او تلك في الامساك بقرار الحرب والسلم، وكيف اذا كانت جهة او جهات فلسطينية تنتمي الى محور الممانعة علما ان هذه الاستراتيجية تتصدر الشروط التي يجري نقاشها دوليا مع المرشحين لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الاطار اكدت مصادر متابعة أن تعدّد السلاح وعدم حصره بالدولة باتا يشكلان عقبة أمام التوصل إلى توافق لبناني بلا تدخّل خارجي على الاستراتيجية الدفاعية للبنان، خصوصاً أنه لم يعد من دور للسلاح الفلسطيني في التصدّي للاعتداءات الإسرائيلية أو في توفير الحماية لأمن المخيمات بعد أن أصبح أداةً تستخدم للاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني في أماكن وجود اللاجئين الفلسطينيين. ورأت بأن هناك ضرورة لإعادة طرح تجميع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه وتنظيمه بداخلها؛ إذ من دون حسمه يبقى من العبث توحيد الجهود لإخراج الاستراتيجية الدفاعية من الحصار المفروض عليها، رغم أن البعض في محور "الممانعة" يطلب سراً ترحيل البحث فيها إلى ما بعد زوال الأطماع الإسرائيلية بلبنان. وكشفت أن المشاركين في مؤتمر الحوار الأول الذي رعاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في العام 2006، أجمعوا على ضرورة تجميع السلاح الفلسطيني الموجود خارج المخيمات وضرورة ضبطه وتنظيمه بداخلها، وقالت إن الإجماع بقي حبراً على ورق؛ لأن النظام السوري سعى للالتفاف على تطبيقه بتنصيب قوى التحالف الفلسطيني كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين في لبنان. وأكدت أن دمشق كانت أوعزت في حينه بالتفاوض مع قوى التحالف الموالية لها بدلاً من منظمة التحرير بسبب خلافها آنذاك مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقالت إنها أوفدت أمين عام الجبهة الشعبية – القيادة العامة – (آنذاك) أحمد جبريل إلى بيروت للتفاوض مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وكانت النتيجة – كما تقول المصادر نفسها – ان المفاوضات التي تولاها جبريل انتهت من دون التوصل إلى اتفاق؛ لأن دمشق تريد الإمساك بالورقة الفلسطينية بموافقة إيرانية لتحسين شروطها في التفاوض مع إسرائيل في حال تقرر استئناف المفاوضات.
واللافت ان ثمة من سعى الى استثمار مسألة اطلاق الصواريخ في الاستحقاق الرئاسي من خلال الايحاء الى ان " الثنائي الشيعي" لم يعلق على ما حصل لئلا يؤثر ذلك على وضع مرشحه رئيس " تيار المردة" سليمان فرنجية خصوصا خلال المشاورات الجارية حاليا لدعمه لدى بعض الدول والتي تقودها باريس. ووصل الامر الى حد التساؤل عن اسباب عدم صدور اي تعليق عن فرنجية نفسه في ما خص اطلاق الصواريخ في محاولة للايحاء بانه يدعم مثل هذه الممارسات، فيما هو في الواقع ابلغ احد السفراء انه ضد استعمال الجبهة الجنوبية من دون تنسيق مع الدولة اللبنانية التي من حقها مع الشعب اللبناني الدفاع عن السيادة اللبنانية عندما تدعو الحاجة وليس من المنطقي استدراج لبنان الى حرب مع اسرائيل لاسباب لا تتصل بالمصلحة اللبنانية قبل اي شيء. وتقول مصادر متابعة ان استثمار الصواريخ رئاسيا لم يترك اي صدى او تأثير.