مع نهاية هذا الاسبوع يفترض ان يكون مجلس شورى الدولة قد اتخذ قرارات في شأن الطعن الذي تقدم به الوزيران هكتور حجار وعصام شرف الدين بالمرسومين اللذين صدرا عن مجلس الوزراء في جلسته في 5 كانون الاول ( ديسمبر) الماضي، دون غيرهما من المراسيم الاخرى التي صدرت عن تلك الجلسة والتي انشأت حقوقا مكتسبة تناولت الناس بشكل مباشر، وبعضها انشأ حقوقا لافراد، ومنها المرسومات المطعون بهما. والواقع ان قرار الطعن الذي اتخذه رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل وطلب الى وزيرين من تكتل " لبنان القوي" ترجمته عمليا من خلال تقديم الطعن، تجنب تناول مراسيم تطاول اللبنانيين مثل المساعدات الاجتماعية للقوى العسكرية او دعم الاستشفاء وغيرهما، بل ذهب الى هدف آخر لا يمس حقوق الناس وحاجات المواطنين، من هنا تناول الطعن مرسومين يرتبطان بمطمر " كوستا برافا" حيث ينصّ المرسوم 10948 على دفع مبلغ 608,854,20 دولار أميركي إلى المتعهد (شركة الجهاد للتجارة والتعهدات)، من أموال الصندوق البلدي المستقل كمستحقات حددها مجلس الإنماء والإعمار على مسؤوليته الكاملة والعائدة لمشروع أعمال توسعة مطمر الغدير (الكوستابرافا)، بما فيها الضريبة على القيمة المضافة، على أن يتمّ هذا الدفع بموجب حوالة مصرفية تنظّم وتنفذ وفقاً لقرار هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان...».وينصّ المرسوم 10949 على دفع مبلغ 860,908,42 دولار أميركي إلى المتعهد (شركة الجهاد للتجارة والتعهدات)، من أموال الصندوق البلدي المستقل كمستحقات حددها مجلس الإنماء والإعمار على مسؤوليته الكاملة والعائدة لمشروع أعمال توسعة مطمر الغدير (الكوستابرافا)، والمتعلق بأعمال مدنية وأعمال طمر منفّذة خلال الفترة ما بين 1/5/2022 و31/5/2022، بما فيها الضريبة على القيمة المضافة، على أن يتمّ هذا الدفع بموجب حوالة مصرفية تنظّم وتنفذ وفقاً لقرار هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان .
وهذا يعني دفع أكثر من مليون دولار فريش لشركة "الجهاد" الواردة على لوائح العقوبات الأميركية، بحجة أنّه بند طارئ! والملاحظ ان حجار وشرف الدين لم يقتربا من مرسومين اخرين مماثلين الاول لمشروع اعمال فرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة لمناطق بيروت وجبل لبنان ( باستثناء جبيل)، ومشروع اعمال جمع ونقل النفايات الصلبة في قضاءي المتن وكسروان.
وبذلك صوّب وزيرا " التيار" على مطمر " كوستابرافا" لكون وقف الاعمال فيه لا يحمل تبعات سلبية على جمهور " التيار" ما اعتبره البعض انه رسالة سياسية من " التيار" الى حزب الله.
قرار مجلس الشورى له تأثير سياسي
ويعود لمجلس شورى الدولة اما ابطال المرسومين ضمن مهلة حددها القانون قد تمتد الى بضعة اشهر، واما عدم ابطالهما وبالتالي يصبح الطعن كأنه لم يكن وينفذ المرسومان وفقا للاصول. لكن ما هو ابعد من القرار هو ما سيترتب عليه من نتائج حول شرعية انعقاد مجلس الوزراء في حكومة تصريف الاعمال او عدم شرعيته، فاذا ابطل مجلس الشورى المرسومين يعني ذلك انهما صدرا بطريقة غير قانونية وبالتالي فان الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء واقر فيها هذين المرسومين ليست جلسة قانونية او دستورية، ما ينسحب على بقية القرارات والمراسيم التي صدرت عن تلك الجلسة والتي ناهز عددها الـــ 25 قرارا ومرسوما. اما في حال لم يبطل مجلس الشورى المرسومين، فهذا يعني ان الجلسة كانت دستورية وقانونية ما يحسم الجدل الذي قام بعد انعقاد الجلسة نتيجة مواقف " التيار الوطني الحر" ووزراء " تكتل لبنان القوي" والحملات الاعلامية التي تناولت عدم شرعية تلك الجلسة، اضافة الى التشكيك بدور الرئيس نجيب ميقاتي ومواقفه. وعليه سيكون في استطاعة ميقاتي ان يجاهر امام الرأي العام بانه لم يخالف الدستور والقوانين المرعية الاجراء، وانه بامكان حكومته ان تجتمع لدرس مواضيع ملحة في ظروف غير عادية تمر بها البلاد. وبصرف النظر ما اذا كان المرسومات المطعون بهما من القضايا الملحة ام لا، الا ان اللجوء الى مجلس شورى الدولة سيكرس واقعا جديدا وحاسما، سلبا كان ام ايجابا بالنسبة الى وضع الحكومة، يفترض ان يضع حدا للتجاذبات التي تشتد وتيرتها كلما لاحت في الافق امكانية الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء.
وتقول مصادر معنية ان " مصير" جلسات حكومة الرئيس ميقاتي بات نتيجة الطعن في يد مجلس شورى الدولة الذي سيرسم في قراره مسار الحكومة الميقاتية التي تصرف الاعمال منذ اعتبارها مستقيلة بعد بدء ولاية مجلس النواب في نهاية ايار ( مايو) الماضي والتي لم تعقد ا ي جلسة خلال ولاية العماد ميشال عون وانتظر رئيسها حتى انتهت الولاية فدعا الى جلسة عقدت في 5 كانون الاول( ديسمبر) الماضي والتي يدور حاليا خلاف حول قانونيتها ام لا، ما يعني ان مجلس الشورى ستتجاوز عمليا دوره كونه صاحب الصلاحية في ممارسة الرقابة على القرارات الادارية، الى ما هو ابعد ايا اصدار قرار سيستثمر سياسيا.
صادر: بين الابطال ووقف التنفيذ
وفي هذا السياق يقول الرئيس السابق لمجلس الشورى القاضي شكري صادر انه يجب التفريق ما بين المراسيم التنظيمية والمراسيم الفردية. ويوضح ان " المراسيم التنظيمية لا يمكن وقف تنفيذها، كتلك المتعلقة بالسلامة العامة على سبيل المثال، ولكن في حال كان المرسوم فرديا يمكن وقف تنفيذه بحسب المادة 77 من قانون مجلس الشورى". اما عن المهلة التي يجب ان يصدر فيها المجلس قراره بشأن عدم التنفيذ، فيجيب صادر: " عندما تقدم مراجعة امام مجلس شورى الدولة وفي حال كانت المراسيم هي تلك التي يمكن وقف تنفيذها، عندها يجب درسها خلال مهلة 15 يوما، وفي حال رأى المجلس ضرورة وقف تنفيذها يجري ابلاغ الدولة ممثلة بهيئة القضايا للاستماع الى ردها، وعندما يقرر مصير المرسوم المطعون فيه". ويلفت صادر الى ان وقف التنفيذ في حال صدوره يعني ان المجلس وجد ان المراجعة جدية. اما عن دعوى الابطال فيشير الى ان ابطال المرسوم يعني كأنه لم يكن، وبالتالي لا حقوق مكتسبة تترتب عليه، والابطال يكون بمفعول رجعي اي من تاريخ صدوره ونشره.
المراجعة امام مجلس الشورى ستستند الى تفسير دستوري للمادة 62 بشأن انتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء، اي المجلس مجتمعا، وبالتالي سينظر المجلس في ما اذا كانت القرارات بحاجة لتوقيع جميع الوزراء بغض النظر عن اهمية الوزارة التي يتولاها. والاهم من ذلك تحديد ما اذا كانت الضرورة متوافرة لانعقاد الجلسة على اعتبار ان مبدأ تصريف الاعمال بالمعنى الضيق يخضع لرقابة القضاء الاداري. فمجلس الشورى سيجد نفسه امام تفسير نص دستوري ومواءمة التقيد به عند اصدار المراسيم، فيما ينظر المجلس الدستوري عادة بالقوانين ومدى تقيدها بالدستور. وبما ان المراسيم الصادرة هي قرارات ادارية وبالتالي تخرج عن نطاق عمل المجلس الدستوري، فعندما سينظر مجلس شورى الدولة في " دستورية" تلك المراسيم.
اما عن مدى الزامية قرارات مجلس شورى الدولة للادارة ( الدولة) فيلفت صادر الى ان المادة 93 من قانون المجلس تلزم السلطة التنفيذية تنفيذ احكام المجلس، ويضيف:" لكن عمليا هناك 40 في المئة من قرارات المجلس لا تنفذ وليس لدى الاخير وسائل ضغط لتنفيذها".