" نجت" المؤسسات الامنية والعسكرية الاسبوع الماضي من " قطوع" كان يتهدد مسار هيكليتها الهرمية من خلال عدم اقرار مجلس النواب لاقتراح القانون المعجل المكرر القاضي بالتمديد سنتين لكبار الضباط الذين صدرت قرارات تعيينهم بمراسيم، والذين اقترب موعد احالتهم الى التقاعد والذي فصله الحزب التقدمي الاشتراكي على مقاس رئيس الاركان العامة في الجيش اللواء امين العرم حتى يبقى في منصبه سنتين اخريين، تجنبا من ان يكون خليفته احد الضباط الدروز غير المشمولين برضى رئيس الحزب وليد جنبلاط، علما ان من كان سيستفيد من هذا الاقتراح، اكثر من شخصية امنية في الجيش وقوى الامن والامن العام. فاقتراح القانون لم يصل اصلا الى الهيئة العامة للمجلس النيابي بعدما نزعت عنه صفة المعجل المكرر واحيل بالتالي الى اللجان لدرسه.... والكل يعرف ان المعايير الموضوعة في اقتراح القانون تصب في خانة ضباط معينين من دون غيرهم. كما ان الكل يدرك بان مثل هذا القانون يحتاج الى تعديل لانه من غير الجائز ان يقف الزمن في الكلية الحربية مثلا ولا يتم رفدها بعناصر جديدة، او ان يحصل تمييز بين ضابط وآخر ولا يتجدد دم الجيش خصوصا من قبل اشخاص عملوا كثيرا على استفراد المؤسسات الامنية وعدم الاكتراث الى حاجاتها.
قصة اقتراح القانون
وفي الوقت الذي انشغلت فيه الاوساط السياسية والعسكرية في آن معا، في رصد ردود الفعل التي لم تكن كلها متجاوبة، بدا واضحا من مسار هذه المسألة انها آيلة للسقوط لاعتبارات عدة. اما تاريخ هذا الاقتراح فيعود الى القسم الاول من تشرين الاول حين تقدّم نائبا "اللقاء الديموقراطي" بلال عبدالله وهادي أبو الحسن باقتراح قانون معجّل مكرّر بمادة وحيدة تنصّ على الآتي: "خلافاً لأيّ نصّ آخر، وبصورة استثنائية ولمرّة واحدة فقط يُؤخَّر تسريح الضبّاط العاملين في الجيش الذين تمّ تعيينهم بموجب مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء وفي باقي القوى الأمنية للمعيّنين بموجب مراسيم بالأصالة أو الوكالة في المراكز التي يشغلونها، وذلك لمدّة سنتين من تاريخ صدور هذا القانون، مع حفظ جميع حقوقهم المالية والمعنوية". يشكل اقتراح القانون الذي يشمل عسكريين ومدنيين "مزجاً" لاقتراحَيْ قانون كان تقدّم بهما نواب من "اللقاء الديموقراطي" في حزيران ( يونيو) الماضي: الأول اقتراح قانون معجّل مكرّر لتعديل المادّتين 56 و57 من المرسوم الاشتراعي رقم 102 (قانون الدفاع الوطني) المتعلّقتين بالتسريح الحكميّ للعسكريين بحيث يُمدِّد لهم سنتين في كلّ مواقعهم ويُسرّحون حكماً بعد انتهاء المدّة، على أن تكون مدّة تطبيق القانون ثلاث سنوات فقط. والثاني اقتراح قانون معجّل مكرّر لتعديل المادة 68 من المرسوم الاشتراعي 112 (نظام الموظفين) لتمديد سنّ التقاعد أو الصرف من الخدمة لكلّ الموظفين إلى الثامنة والستين من العمر، أي بزيادة أربع سنوات. لكنّ القانونين أُحيلا إلى اللجان النيابية ليخرجا لاحقاً بصيغة موحّدة.وتتحدث مصادر نيابية عما تصفه بــ " اهمية" اقتراح القانون في شقيه العسكري والمدني فتقول انه في الشق العسكري يتصدّى اقتراح القانون لحالة الشغور التي ستتمدّد إلى العديد من المواقع الأمنيّة والعسكرية لتطال ضبّاطاً كباراً منهم: رئيس أركان الجيش اللواء أمين العرم الذي يُحال إلى التقاعد في 24 كانون الأول ( ديسمبر) المقبل، عضوا المجلس العسكري اللواء ميلاد إسحق الذي يُحال إلى التقاعد في الشهر نفسه، واللواء مالك شمص الذي يُحال إلى التقاعد في شباط ( فبراير) 2023، رئيس الغرفة العسكرية في وزارة الدفاع العميد منصور نبهان، نائب المدير العام لأمن الدولة العميد حسن شقير، نائب المدير العام للأمن العام العميد الياس البيسري، قائد الشرطة القضائية العميد ماهر الحلبي الذي يُحال إلى التقاعد في 19 تشرين الثاني ( نوفمبر)، قائد الدرك العميد مروان سليلاتي الذي يُحال إلى التقاعد في أيلول( سبتمبر) 2023، إضافة إلى من يرغب من الضبّاط الكبار في كلّ الأسلاك، وتحديداً أولئك الذين هم من مواليد الاعوام 1963و1964و1965. اما في الشقّ "المَدني" فيسمح القانون بالتمديد سنتين للمدير العام للامن العام اللّواء عباس إبراهيم الذي يُحال إلى التقاعد في آذار( مارس) المقبل. فبعد قبول استقالة إبراهيم من وظيفته وإحالته إلى التقاعد في 14 آذار(مارس) 2017 وتعيينه بصفة مدنية وفقاً لنظام الموظفين (64 عاماً) يسمح إقرار القانون بالتمديد له حتى آذار(مارس) 2024.المؤكّد أنّ قائد الجيش العماد جوزف عون كان من المستفيدين من تأجيل التسريح لو أُقرّ التمديد لأنّه يُحال إلى التقاعد في كانون الثاني 2024، أي ضمن مهلة السنتين.
اسباب الاعتراض
وفيما اكدت مصادر متابعة ضرورة بقاء اللواء ابراهيم في الخدمة تفاديا لشغور منصبه كما سائر المناصب الامنية الاخرى، بالنظر الى اهمية الملفات التي يتسلمها اللواء ابراهيم وحساسيتها وفي مقدمها ملف النازحين اضافة الى علاقاته العربية والدولية المتينة، فان بعض معارض الاقتراح اوردوا اسبابا عدة لعل ابرزها التحجج باعتراض صندوق النقد الدولي على إجراء يتعارض مع المسار الإصلاحي ويكرّس واقع ضرب الهرميّة في الأسلاك الأمنية والعسكرية التي تحوّلت من شكل هرمي إلى مربّع بسبب تجاوز عدد العمداء، خصوصاً في الجيش، عدد الجنرالات في أهمّ جيوش العالم. اضافة الى تكريس حالة من التمييز بين ضبّاط يستفيدون من هذا القانون وضبّاط "بتفرق معهم" على يوم أو بضعة أشهر للاستفادة من التمديد. والشعور بالتمييز قد امتدّ أصلاً، وقبل إقرار القانون، إلى السلك الدبلوماسي وبعض المديرين العامّين في القطاع العامّ، حيث بدأت الاعتراضات على عدم شمولهم ضمن بنود القانون، وهذا ما يفسح المجال للطعن بالقانون أمام مجلس شورى الدولة. وفي رأي المعترضين ان قوانين من هذا النوع قد تبدأ بعدد ضباط قليل، لكن سرعان ما تتوسّع الرقعة وتكثر طلبات الاستفادة من الـ"offre"، إذ ستدخل كلّ القوى السياسية، مع الموظّفين المحسوبين عليها، في لعبة المزايدات، من دون نسيان الأكلاف المالية الباهظة لتوفير مستلزمات التمديد لضبّاط في مواقعهم في وقت تمرّ المؤسسات الأمنيّة والعسكرية في أصعب محنة منذ التسعينيّات. لكن هذه الموانع لا تحجب تأكيد مطلعين ان " فيتو" الرئيس بري هو سياسي بالدرجة الاولى، ومرتبط مباشرة بــ " حالة " اللواء عباس ابراهيم. مع وجود رغبة لدى البعض في عدم تمكين المدير العام للامن العام ان يستمر في موقعه بعد تاريخ تقاعده لاعتبارات منها شخصي ومنها سياسي تتصل بالدور الذي يمكن ان يلعبه في الحياة السياسية مستقبلا، وهو امر يربك الجهات المعارضة التي تتعاطى مع هذا الملف من خلال حسابات ضيقة. وقد بدا واضحا في هذا السياق اعتراض نواب حركة " امل" خلال مناقشة اقتراح القانون في لجنة الدفاع النيابية على مضمونه، ونفي هؤلاء النواب ان تكون الحركة على " علم مسبق" باتفاق حول الاقتراح " الذي يخلق عرفا" غير سوي في الاجهزة". وانضم الى المعترضين نواب " التيار الوطني الحر" الذين ينطلقون في موقفهم من مبدأ عدم القبول بالتمديد للعسكريين والمدنيين على حد سواء ومن ضرورة اعتماد التغيير الدائم في المواقع. ويضاف الى ذلك ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم يكن في وارد الموافقة على القانون حتى لو اقر، وهو ابلغ من يعنيهم الامر انه سيرد القانون الى مجلس النواب لاعادة النظر فيه.
في اي حال، اذا كان المستفيد الاول والاساسي من الاقتراح الذي تم تفصيله على مقاسه هو رئيس الاركان في الجيش اللواء العرم بطلب من جنبلاط، فثمة من يرى ان امام جنبلاط مخرج واحد هو السعي لاقناع وزير الدفاع الوطني موريس سليم باصدار قرار استثنائي بالتمديد للواء العرم كما كان يحصل في زمن تولي العماد جان قهوجي قيادة الجيش، ريثما يحضر جنبلاط ضابطا درزيا بديلا عن العرم، او الرضوخ لتعيين العقيد الركن حسان عوده قائد فوج التدخل الثالث وهو من دورة العام 1994 الذي يعتبره جنبلاط قريبا من الرئيس عون لانه وقف دائما الى جانبه. واذا لم تشكل حكومة جديدة او ينتخب رئيس جديد للجمهورية، فان تقاعد الالوية العرم واسحق وشمص سيؤدي عمليا الى تعليق عمل المجلس العسكري لعدم اكتمال النصاب فيه، فتتحول صلاحيات المجلس بحكم الامر الواقع الى قائد الجيش العماد جوزف عون.