لا يختلف اثنان على ان الاستحقاق الرئاسي في لبنان مقبل الى مزيد من التأجيل ولن يحمل اي جديد قبل عيد الفطر المبارك لانه في فترة الصيام تتراجع الحركة السياسية ولا تحضر الا الاولويات، وليس في الافق ما يشير الى ان انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية هو فعليا من الاولويات، وان كان من حيث الشكل يبقى هاجس الجميع، لكن في التنفيذ تتضارب المصالح وتقوى التجاذبات ويصبح مرة بعد مرة موضوعا على الرف في انتظار بروز تطورات تنزله من فوق الى حيث يجب ان يكون. كان من المفترض ان يحمل اللقاء الذي عقد في باريس الاسبوع الماضي بين ممثلين عن السعودية وفرنسا تطورا جديدا، او هكذا ظن اهل السياسة في لبنان الذين يراهنون دائما على الخارج. لكن عمليا لم يحصل اي شيء ايجابي يمكن التأسيس عليه، لا بل حملت اجواء العاصمة الفرنسية معلومات افادت بان التفاهم الذي كان سائدا بين الفرنسيين والسعوديين قد تراجع وظهر الخلاف بينهما في مقاربة الملف الرئاسي اللبناني، الى العلن، على رغم ان التطورات الاقليمية والدولية التي حصلت خلال الاسبوع الماضي اعطت انطباعا بانه ستكون لها انعكاسات ايجابية على الملف الرئاسي اللبناني وان كان في هذا الانطباع بعض المبالغة ان لم يكن الكثير منها. وهكذا بدا ان اجتماع باريس، الثنائي هذه المرة، وليس الخماسي، لم يحقق اي تقدم على رغم انه اتى بعد زيارة وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان لنظيرته الفرنسية "كاترين كولونا "والمستشار الرئاسي المسؤول عن ملفات الشرق الاوسط "باتريك دوريل" لاعلامهما عن الاتفاق السعودي- الايراني. لكن ما يعزز القناعة بان لقاء باريس الثنائي لم يحقق اي تقدم، عدم دعوة الاطراف الثلاثة الاخرين، اركان اللقاء الخماسي، لاطلاعهم على مستجدات الملف اللبناني.
وتقول مصادر متابعة ان المواضيع التي تطرق اليها اللقاء الثنائي هي الفراغ الرئاسي في لبنان وكيفية التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون مقبولا من الجميع ومنفتحا على كافة الاطراف ولا يشكل انتخابه تحديا لاي فريق في الداخل والخارج، كما تناول البحث الوضع الاقتصادي والمالي اللبناني وكيفية تأمين مساعدة انسانية للشعب اللبناني ليتمكن من تخطي الازمة المعيشية والقيام بالاصلاحات الضرورية لعودة انتظام عمل المؤسسات اللبنانية. واللافت في هذا السياق، هو حرص مصادر الخارجية الفرنسية على القول انه في ما يعود الى الملف الرئاسي، على الاطراف اللبنانيين تحمل مسؤولياتهم من اجل اخراج البلد من الازمة التي يعانيها الشعب، وان على النواب انتخاب رئيس الجمهورية في اسرع وقت ممكن وتشكيل حكومة فاعلة والقيام بالاصلاحات البنوية المرجوة، وهذا معناه في التشريح السياسي ان المواقف الداخلية ما زالت متشنجة. وعليه عاود الفرنسيون التلويح بالعقوبات وكانت هذه المرة مهمة الناطقة باسم الخارجية الفرنسية "آن كلير لو جاندر" ان توحي بمثل هذا الامر اذ قالت ردا على سؤال حول عدم التحرك بعد 18 شهرا من الاعلان عن امكان فرض عقوبات على الطبقة السياسية من خلال نظام عقوبات اوروبي، انه " في ما يتعلق بلبنان في اطار الاجتماع بين وزيري الخارجية الفرنسي والسعودي، دعونا السلطة اللبنانية والقادة اللبنانيين وجميع المسؤولين السياسيين للخروج من المأزق الدستوري الذي يعاني منه لبنان وشددنا على ان اولئك الذين سيعرقلون الانتخاب او يتواطأون في انهيار الاقتصاد سيتعرضون لعواقب وهي موضع تشاور مع جميع شركائنا". واضافت:" تعلمون انه حصلت اجتماعات على جميع المستويات خلال الاشهر الماضية، ونحن نقيّم الوضع لنرى الى اي مدى يجب ان نعمل على هذه العقوبات، علما ان نظام العقوبات موجود على المستوى الاوروبي".
الموقف السعودي لم يتغير
في اي حال، بدا من خلال مداولات الثنائي في باريس ان الموقف السعودي من الاستحقاق اللبناني لم يتغير وبالتالي فان الاتفاق مع ايران لم يترك بصمات على هذا الاستحقاق اذ تفيد المعلومات ان الجانب السعودي كرر موقفه الثابت الذي سبق ان اعلنه في الاجتماع الخماسي بان لا مرشح معلنا لرئاسة الجمهورية، لكن هناك مواصفات تتمسك بها الرياض لــ " بروفيل" الرئيس العتيد الذي يفترض ان يكون رئيسا من خارج المنظومة السياسية اللبنانية وان يقود مسارا اصلاحيا هو وحده السبيل الى عودة الانفتاح العربي والخليجي على لبنان، وعلى الا يكون مرشحا معلنا لحزب الله، لكن الجانب الفرنسي لم يجار الجانب السعودي في حسم مسألة ترشيح رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية الذي يحظى بدعم وتأييد " الثنائي الشيعي"، وفي قناعة الفرنسيين انه يمكن البحث والتعمق في هذه المسألة، وذلك بعدما وصلت الى باريس " مقترحات" كان عرضها " الثنائي الشيعي" على السفيرة الفرنسية في بيروت "آن غرييو" وطلب منها بحثها مع الجانب السعودي، لكن السعوديين ظلوا على موقفهم واستوضحوا الجانب الفرنسي عن صحة المعلومات التي ترددت عن لقاء جمع الرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون "بفرنجية بعد مساع قام بها رجل اعمال لبناني يعمل بين افريقيا واوروبا ويقود حملة فرنجية في الخارج، الا ان الجانب الفرنسي لم يعط جوابا واضحا مكتفيا بالقول ان فرنجية نفى هذه المعلومات. واللافت ان الجانب السعودي وضع الاميركيين في جو لقاء باريس، وقالت مصادر متابعة ان الموقف الاميركي لا يختلف كثيرا عن الموقف السعودي، لكن واشنطن ليست في وارد تظهير مواقفها وتكتفي حاليا بما تقوم به سفيرتها في بيروت" دوروثي شيا "بالتنسيق مع الادارة الاميركية والمشرفين على الملف اللبناني في الخارجية والبيت الابيض. وفي الاطار نفسه اكدت مصادر ديبلوماسية في باريس ان ما تردد من محاولة فرنسية تسويق مقايضة مع السعودية بين انتخاب فرنجية رئيسا وتكليف السفير نواف سلام رئاسة الحكومة، غير دقيق وذلك ان الاجتماع الخماسي في باريس لم يبحث في هذه المقايضة، كما ان السفيرة "غرييو" لم تسوقها في بيروت. وفي رأي المصادر ان ما هو مؤكد ان المجتمعين لم يبحثوا في الاسماء وانما في المواصفات المطلوبة التي يجب ان يتمتع بها الرئيس العتيد كي يتمكن من وضع البلاد على سكة الاصلاح، ويشددون على انه يعود الى اللبنانيين اختيار رئيسهم وهذه المقايضة لا تشكل معادلة حقيقية بين القوى السياسية والخارجية. ثم ان المقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة تحول الخروج من الفراغ من عقدة الى عقدتين: عقدة التوافق على رئيس للجمهورية، وعقدة التوافق على رئاسة الحكومة وكل ما يدور في فلكها من تشكيل حكومة والتوافق على خطة اصلاحية سياسية واقتصادية ومالية وقضائية وبنيوية، وذلك بالطبع قد يؤجل الانتخابات الى المدى البعيد نظرا الى ان تشكيل الحكومات في لبنان يستغرق العديد من الاشهر.
" الثنائي الشيعي" لا يشاطر جنبلاط مواقفه
في المقابل توقفت الاوساط السياسية عند ما اعلنه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن اعتقاده بان فرنجية قد يكون مرشح تحدٍ كما ان النائب ميشال معوض مرشح تحد ايضا " وآن الاوان ان نخرج الى صيغة توافقية". وعندما سئل جنبلاط من يختار بين فرنجية والفراغ اجاب: " كنت واضحا عندما زارني وفد من حزب الله بناء على طلبي وطرحت عليهم ثلاثة اسماء غير نهائية، جهاد ازعور وصلاح حنين وجوزيف عون باستثناء ازعور، اعتقد اننا لا نزال تقليديين في طروحاتنا. لماذا لا نخرج من هذا التقليد؟ هناك نخب مارونية في هذا السياق طرحت شبلي الملاط ومي ريحاني بالنسبة الي هما الافضل، لكن القرار لا يعود اليّ". وعندما سئل هل لا يزال قائد الجيش مرشحا؟ اجاب :" كان قائد الجيش منذ اشهر مطروحا لدى الفرنسيين والسعوديين والقطريين. لا اعرف ان كان هناك من جديد بعد التطورات الاخيرة". غير ان اوساط " الثنائي الشيعي" لا تشاطر جنبلاط في موقفه بان فرنجية مرشح تحدٍ، كما لا تشارك الذين قالوا ان حظوظ فرنجية تراجعت فيما تقدمت حظوظ قائد الجيش العماد جوزف عون، وتقول هذه الاوساط انّ الأجواء التي تنقل عن المملكة بخصوص ترشيح سليمان فرنجية غير دقيقة، ولغاية اليوم لم تعلن موقفاً سلبياً أو إيجابياً، ولم تدل بدلوها النهائي بعد ما لا يقفل الباب على إمكانية الحوار معها بشأن ترشيحه. وتضيف: لا شكّ أنّ للإتفاق الإيراني- السعودي إنعكاساته على لبنان ولو تأخرت، لكنّ عوامل أخرى قد تسرّع إمكانية إنتخاب الرئيس في لبنان وهي تطوّرات الوضع الإسرائيلي والخروقات الإسرائيلية المتكرّرة على الحدود واحتمال أن يشنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتيناهو"عدواناً باتجاه لبنان وهو ما سيدفع الطرف الأميركي للضغط تحقيقاً للإستقرار في لبنان والتشديد على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة. وتسجل دخول الفاتيكان على خط الحوار مباشرة مع حزب الله ، وحديث مصادر موثوقة عن تبادل رسائل بين الطرفين وحركة موفدين للتباحث حول الملف الرئاسي مع مؤشرات تبشّر بالإيجابية.وتضيف مصادر" الثنائي" إنّ الجواب حول ضمانات وصول فرنجية ليس محسوماً ،لكن بالنظر إلى الظروف والمستجدّات المتعلقة بالإتفاق الإيراني - السعودي فقد بات أكثر تفاؤلاً من أن حظوظ حليفه الرئاسية باتت أفضل، لكن التفاؤل بالمستجدّات الإقليمية التي يمكن البناء عليها، لا يلغي أنّ الحوار الداخلي حول ترشيح فرنجية لا يزال يصطدم بعقبات كبيرة لناحية التصويت لانتخابه في مجلس النواب. ويختلف إحتساب الأصوات النيابية بين طرفي الثنائي الشيعي، فـحزب الله وفق حساباته لم يستطع أن يؤمن غالبية 64 صوتاً التي يقول بري إنه تعدّاها متكلاً على وعد قطعه عدد من النواب للتلاقي معه على الخيار الرئاسي ذاته، لكن مثل هذه الوعود لا يركن إليها حزب الله في ضوء المستجدّات المتسارعة وواقع إرتهان كل طرف لجهة سياسية معينة، كالنوّاب السنة مثلاً ممن سيكون قرار معظمهم رهن التوجه السعودي في حينه ولن يخرجوا من تحت مظلة المملكة.
وتلخص مصادر متابعة المشهد الرئاسي بالقول ان لا جديد في الوقت الحاضر ولبنان مقبل على شهر الصيام المبارك، وبعد الفطر لكل حادث حديث!.