يبدو ان ملف العلاقات بين " التيار الوطني الحر" وحزب الله معلق الى ما بعد بداية السنة الجديدة مع اتجاه واضح في مواقف كل من الطرفين الى عدم الاسراع في انهاء هذا الخلاف الذي اخذ وجوها مختلفة حتى يتم " تنفيس" الاحتقان تلقائيا، علما انه بانت لدى بعض المعنيين في حزب الله قناعة بان " التيار" راغب عمليا في اعادة النظر بالتحالف القائم مع الحزب انطلاقا من معطيات تكونت لدى رئيس " التيار" النائب جبران باسيل لم يعد يخفيها، بل يجاهر بها في وسائل الاعلام وفي اللقاءات التي يعقدها مع القاعدة في " التيار"، التي تململت مؤخرا من عدم تطبيق الحزب لـــ " تفاهم مار مخايل" خلال ولاية الرئيس العماد ميشال عون ما جعل المسيرة الاصلاحية التي وعد الرئيس عون اللبنانيين بتحقيقها، تتعثر الى ان تعرقلت كليا قبل اشهر من نهاية الولاية الرئاسية. واذا كان الحديث عن ضرورة اعادة النظر في " تفاهم مار مخايل" يتزايد عن اوساط " التيار البرتقالي" فمرد ذلك الى ان هذا " التفاهم" مر بالعديد من الاختبارات والتحديات التي جعلته دوما على المحك، الا انه كان يخرج من هذه الاختبارات " معافى" . الا ان هذه المرة، وفق مصادر متابعة، يختلف الموقف لاسيما بعد الهجمات المتتالية التي اطلقها " التيار الوطني الحر" على الحزب وصولا الى اتهامه بــ " الغدر بالعهد والنكث بالوعد" على خلفية امتناع الحزب عن مقاطعة جلسة مجلس الوزراء التي دعا اليها الرئيس نجيب ميقاتي.
ويقول قريبون من الحزب انه حيال هذا الكلام لم يستطع الحزب ممارسة سياسة " ضبط النفس والاعصاب". لذا لجأ (الحزب) بعد أقل من 26 ساعة من الصمت الى الردّ ببيان شهير أتى بلهجة مهذبة ولكنه بدا وفق عارفين رسالة مختلفة هذه المرة من الحزب الى شريك تفاهم مار مخايل عنوانها العريض: لقد أفرطتم وبالغتم وتعدّيتم الحدود فنحن كما تعهدوننا أصحاب الوعد الصادق ولسنا من النوع الذي يخلع صاحبه، في إشارة الى حادثة التحكيم التاريخية بين الإمام علي ومعاوية في معركة صفين.وعلى رغم أن التيار سارع الى استدراك الأمر بعدما استوعب مضامين الرسالة، بكلام صدر عن باسيل نفسه إبان إطلالته المتلفزة الأخيرة وعدّ فيه السيد نصرالله فوق "الشبهات والاعتبارات" مجدّداً الثقة به، لم يُقرن هذا السلوك التهدوي من جانب التيار بخطوات وبراهين عملية تشي بأن الأمور بين الطرفين على وشك أن تعاود سيرتها الأولى.فبعض رموز التيار واصلوا كيل الاتهامات التي تنال من الحزب فمضوا قدماً في خطابهم الاتهامي له. ولقد بدّد الأسبوعان المنصرمان وعوداً أتت من هنا وهناك وتحدّثت عن عودة وشيكة للاتصالات واللقاءات الحوارية بين الطرفين خصوصاً أن الأمر اقترن بحديث عن احتمال عقد لقاء بين الرئيس العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله بهدف تبديد سحابة المرحلة الماضية وإعادة الاعتبار لمرتكزات التفاهم القديم بعد إدخال تعديلات عليه تحاكي ما طرأ واستجدّ منذ إعلانه.وظلت الأمور على حالها من الانتظار والترقب الى أن استجدّ عنصر حمل في طواياه أكثر من معنى ودلالة، وهو كلام منسوب للأمين العام للحزب السيد نصرالله قاله في لقاء ذي طابع حزبي أخيراً وانطوى على ثلاثة أبعاد اولها أن الحزب ما انفك حريصاً على إدامة تفاهم مار مخايل وأنه استتباعاً غير متبرّم به. كما كرّر القول إن الحزب لم يشأ إرسال رسالة ضغط وابتزاز وتصفية حساب الى التيار ساعة قرر أن يشارك وزيراه في جلسة حكومة تصريف الأعمال بدليل أنه عرض دوافعه الإنسانية التي أملت عليه اتخاذ قرار المشاركة، وذلك في لقاء بين جهات من الحزب وأخرى من التيار.وإذا أراد التيار التخفف من موجبات هذا التفاهم والخروج منه فلن يمنعه أحد، فالخيار خياره وله ملء الحرية في اتخاذ القرار الذي يشاء. قد يكون مضمون هذا الكلام صار معلوماً إذ ورد بالمفرق على لسان عدد من رموز الحزب، ولكنّ للأمر أبعاداً حين يأتي على لسان سيد الحزب، إذ ثمة من وجد في هذا إفصاحاً عن رغبة مضمرة عند الحزب تنطوي على أمرين:الأول بات مستعداً لتقبّل أمر واقع جديد في تلك العلاقة .والثاني البث برسالة من أعلى رأس الهرم في الحزب فحواها أن تلك العلاقة في تقديرات الحزب باتت أمام مرحلة مفصلية وأن أوان الحسم والمضيّ الى طلاق إن وجد الطرف الآخر نفسه مغبوناً بها.وهذا لا يعني إطلاقاً، وفق مصادر مطلعة على أسرار الحزب، أن الحزب قابل بالتخلي عن التفاهم بأريحية فهو لا يزال يقيم على اعتقاد راسخ بأن التفاهم من أهم العقود السياسية التي ربطت بين قوّتين منذ إنشاء الكيان حتى الآن وله الكثير.
" ملاحظات" الحزب على اداء باسيل
ويقول معنيون بالملف ان الحزب بات يستشعر أن التيار قرّر بعد خروج مؤسسه العماد عون من قصر بعبدا في نهاية ولايته الرئاسية أن يختط لنفسه أداءً مختلفاً وأن تكون له مقاربة جديدة للأمور يعود عبرها بصورة التيار المشاكس والمتمرّد أي صورة التكوين الأولى انطلاقاً ربما من استنتاج فحواه أن التحالف مع الحزب ومن ثم تجربة الحكم وما اعتراها من عوامل إخفاق أفقدته الكثير من عناصر التأثير. والحزب لا ينكر أن ما رفع من منسوب الهواجس عنده أداء باسيل بعد لقائه بالسيد نصرالله وجنوحه نحو تظهير التعارضات بينهما والنسج عليها. وتقرّ المصادر نفسها بأن ذلك اللقاء لم يكن موفقاً إذ إن باسيل سارع الى الاعتراض على وجهة نظر السيد خصوصاً ما يرتبط بخيار فرنجية مرشحاً للرئاسة. ولكن رغم هذا التباين انتهى اللقاء الى نوع من "اتفاق الجنتلمان" على أن يأخذ كل طرف فرصته لمعاودة الحسابات ومن ثم يكون للبحث صلة في لقاء ثانٍ وربما أكثر.لكن ما شكّل عنصر انزعاج للحزب ولسيّده أن باسيل خرج من اللقاء ضارباً عرض الحائط بعرف متّبع وهو أن "المجالس بالأمانات" إذ شرع على الفور بفضح مضامين اللقاء والحوار الذي دار فيه بل وشرع بحملة مضادة وكأنه يريد قطع الطريق على أية قواسم مشتركة حيال هذا الملف الحساس. ولدى الحزب يقين أنه نجح خلال الأعوام العشرة الأخيرة في القبض على أوراق قوة جديدة مكنته من أن يصير قوة إقليمية يُحسب لها حساب. والحزب وفق المصادر عينها لا يطلق هذا الكلام من باب الشعور بفائض القوة الذي يغنيه عن سواه بل من باب التذكير بأمرين: أن ثمة مستجداً يعطي الطرف الآخر حرية إعادة النظر في موجبات تفاهم انعقد قبل 16 عاماً وأنه ثانياً يمدّ أمامه جسر العودة من الاتفاق إن شاء وأن التطورات لم تعد تناسبه على إدامته وإطالة عمره (التفاهم) ويقدّر تالياً أن زمن الرحيل الى حسابات أخرى قد حان. ليست دعوة للفراق أو الحض عليه بل باب لكي لا يجد التيار أيّ غضاضة أو إحراج خصوصاً أن أصواتاً عدة صدرت من داخل التيار وفي محيطه أطلقت نفير الدعوة الى إعادة النظر والبحث عن فضاءات أخرى أكثر أماناً وفائدة.
باسيل لا يريد القطيعة
في المقابل، ينقل عن النائب باسيل " جزمه" بان لا قطيعة بينه وبين حزب الله، وان ليس
ثمة حوار في الوقت الحاضر. هو لا يريد القطيعة ومستمر في " تفاهم مار مخايل" الذي يعتبر انه لم يعد كافيا لان الزمن والظروف تجاوزاه ما يفرض الحاجة الى تجديده. وفي حسابات باسيل ايضا أن بنوداً في التفاهم أُهمِلت كلياً كأنها لم ترد فيه كبناء الدولة ومقتضياته، وبنوداً لم تنفذ ولا تزال صالحة إلا أنها تحتاج إلى تجديد التزامها ووضع آليات إجرائية لها، وبنوداً تحتاج إلى مقاربة مختلفة كالاستراتيجيا الدفاعية التي تتطلب إعادة قراءة ومراجعة "فلا تبقى عنواناً"، لكنه يجد في ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل "أفضل نموذج لوضع الاستراتيجيا الدفاعية موضع التنفيذ من خلال ما أفضى إليه الترسيم على صعيد إظهار دوريْ كل من الدولة والمقاومة، كما المقاومة والجيش، في التعامل مع هذا الملف وإنجاز الترسيم على نحو عرف كل منهم نطاق موقعه ووظيفته فيه. مَن يقرّر ومَن ينفذ". أما ما يقلق رئيس التيار، وأظهرت الممارسات الأخيرة العورة المستجدة في مسار التفاهم خلافاً لما نصّ عليه، فهو أن الشراكة بين الحليفين "في خطر الآن والشكوك تحوم من حولها"، في ضوء موقفي التيار والحزب من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وقد أضحت أخيراً، بعد جلسة مجلس الوزراء في 5 كانون الأول(ديسمبر) ، أقرب ما تكون إلى شرخ بينهما، ناهيك بالموقف من انتخابات رئاسة الجمهورية. إلا أن باسيل يحرص على القول إنه يحذّر. ويرى باسيل في رسالة الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء وفهمه المقصود منها، وهو أن رئيس حكومة تصريف الأعمال يريد أن يحكم بالاستغناء عن وزراء التيار، وفسّر التئام حكومته بأن المتفق عليه سابقاً هو الإجماع على القرارات لا على الانعقاد. يدحض باسيل وجهة النظر هذه، ويقول إن الإجماع المتفق عليه هو على الاجتماع والقرارات معاً. لا جدوى من الإجماع على جلسة لا يقترن التئامها بالاتفاق سلفاً على القرارات.
ويعتبر باسيل ان الجلسة ما كانت لتعقد لولا حضور وزيري حزب الله وفي ذلك – حسب اعتقاده- اخلال من الحزب على ما سبق ان تم الاتفاق عليه في حديث سابق بين باسيل والحزب استبق فيه اي تطورات محتملة وطرح السؤال حول كيفية ادارة الحكومة للشغور الرئاسي وتم الاتفاق على توحيد الموقف، لكن عمليا هذا الامر لم يتم. اما بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي فيرى باسيل ان موقفه كان واضحا لجهة معارضة ترشيح زعيم " المردة" سليمان فرنجية خلافا لرأي الحزب، ما احدث فتورا ثم تطور الى انزعاج عندما جاهر باسيل بحملته ضد فرنجية في وسائل الاعلام، خصوصا ان الحزب يفضل ابقاء مثل هذه الخلافات طي الكتمان ليتمكن من معالجتها بعيدا عن المزايدات " والكلام الكبير" الذي يستعمل عادة للاستهلاك.
يتضح مما تقدم ان لا " التيار الوطني الحر" راغب في تفعيل علاقته راهنا بحزب الله، ولا الحزب ينوي " الركض" وراء " التيار"..... والامور متروكة معلقة الى اشعار آخر!.