النزوح السوري الى لبنان ليس جديدا، لا في الزمان ولا في المكان، فهو بدأ في العام 2011 مع بداية الاحداث في سوريا وراح يزداد تباعا كلما اتسعت نار القتال في المدن والبلدات السورية، لكنه استمر حتى بعد عودة الاستقرار الى 90 في المئة من الاراضي السورية، لانه تحول من نزوح قهري بسبب القتال، الى نزوح طوعي لاسباب اقتصادية خصوصا بعدما صارت المساعدات الدولية تتدفق على النازحين السوريين ومعها تقديمات مالية استفاد منها النازحون لاسيما وانها تدفع بــ " الفريش دولار"، ناهيك على المساعدات التربوية والاجتماعية والصحية والاستشفائية الى درجة باتت فيها المستشفيات اللبنانية تفضل استقبال المرضى السوريين لانهم يدفعون بالدولار المعطى اليهم من المنظمات الدولية والجمعيات المعروفة بـــ NGO’S ، بدلا من المرضى اللبنانيين الذين يواجهون ازمة حقيقية لدفع كلفة استشفائهم بعد التراجع المريع الذي اصاب الليرة اللبنانية في مقابل الدولار الاميركي. اذن عمر النزوح السوري الى لبنان من عمر الازمة السورية فلماذا الاستفاقة اليوم على هذا الملف الحساس والمطالبة باعادة النازحين السوريين الى بلادهم على رغم سكوت الكثيرين عن هذه المسألة طوال سنوات، وهل من رابط بين هذا الملف الدقيق والخطير في آن، وبين الاستحقاقات الراهنة وابرزها الاستحقاق الرئاسي؟ وهل من فائدة من " الصراخ" الان طالما ان المجتمع الدولي يتجاهل الصرخات اللبنانية المتتالية، وطالما ان الدول القوية تصم اذانها وترفض التجاوب مع النداءات اللبنانية المتكررة، وطالما ان منظمات الامم المتحدة تقول بوقاحة غير مسبوقة انها مستمرة في تقديم الدعم المادي للنازحين في لبنان بدلا من تقديمها في بلادهم لتشجيع عودتهم اليها، وترفض بالتالي تسليم لبنان " داتا"
اسماء النازحين وتواريخ نزوحهم....
من نافل القول ان التصعيد في ملف النازحين غير المدروس لا يعطي اي نتيجة، لا بل يعزز الانقسام الداخلي الذي بات هذا الملف مادة اساسية تستغل على نحو لافت، بدلا من البحث الجدي عن حلول ناجعة جدية لا يمكن التوصل اليها الا من خلال اتفاق وطني شامل بين سائر المكونات اللبنانية التي يفترض ان يلتقي ممثلوها حيال ازمة وجودية مثل هذه لوضع خطة مشتركة تتضمن حلولا عملية تسقط الاصطفافات وتمنع الانقسامات التي ارتدت- ويا للاسف- لبوساً طائفيا ومذهبيا مثل سائر المسائل الخلافية في لبنان حيث تلعب الطائفية دورها فتتعقد الامور وتتعثر الحلول وتبقى الاوضاع على حالها وتتفاقم المشكلة تماما كما حصل في ملف النازحين الذي لو عولج منذ بداية الازمة وتمت مقاربته من منطلق وطني، لا فئوي ولا طائفي او مذهبي، لما كانت الازمة وصلت الى هذا الحد من التعقيد وتمكنت الدول والمرجعيات الدولية التي ترفض التجاوب مع لبنان لاعادة النازحين، من التشبث برأيها وعدم الرد على النداءات اللبنانية المتكررة والمبررة لان من ابرز تداعيات هذا النزوح الخوف على الهوية الوطنية وعلى الوطن بالذات لان تغيير الديموغرافيا لن يؤثر على طائفة معينة بل سيطاول مجمل التركيبة السكانية اللبنانية لان ازدياد اعداد الغرباء، سواء كانوا سوريين او فلسطينيين او من دول اسيوية، سيجعل من اللبنانيين ضيوفا في وطنهم وسيدفع باللبنانيين، لاسيما الشباب منهم، الى الهجرة بعدما باتوا يشعرون انهم غرباء في وطنهم ما يهدد المجتمع اللبناني بالكهولة وهكذا يندثر تباعا ويحل " الضيوف" مكان السكان الاصليين، خصوصا ان " الغرباء" لم يغزوا الارض فحسب بل كذلك مجالات العمل من خارج القانون اللبناني وحرمـــــوا بذلك فـــرص العمــــل عن اللبنانيين، خصوصـا ان التعويضات التي يتقـاضاهـــــا " الضيوف" في لبنان متدنية جدا اذا ما قيست الى الرواتب التي يطالب بها اللبنانيون فضلا عما يترتب على ارباب العمل من موجبات اجتماعية مثل تسجيل العمال اللبنانيين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، او توفير التقديمات الاجتماعية والاستشفائية على انواعها. ولا تسقط هنا مسؤولية ارباب العمل اللبنانيين الذين باتوا يفضلون العامل السوري خصوصا، والاجنبي عموما، نظرا لضآلة تعويضاتهم فيوفرون بذلك المال على موازناتهم....
السلاح في ايدي النازحين السوريين
اما الشق الاكثر خطورة في ملف النازحين السوريين هو ما يتعلق بتنامي الحديث عن سلاح موجود في بعض المخيمات والتجمعات السورية وما يقال ايضا عن تسلل " داعشيين" واصوليين اليها وهو ما تعمل الاجهزة الامنية اللبنانية على ملاحقتهم فتوفق حينا وتفشل احيانا، ما يثبت ان المخاوف في هذا المجال، محقة ومبررة، كيف ولا ونسبة كبيرة من النازحين السوريين تلقوا تدريباتهم العسكرية في الجيش السوري النظامي قبل نزوحهم الى لبنان وهم يتقنون بالتالي استعمال السلاح الذي ما ان يصبح في متناولهم حتى يزداد خطرهم اكثر فاكثر ويسرع في اسباب المواجهة المسلحة مع مجموعات لبنانية بدأت تعيش " اجواء" الاستعداد لمقاتلة السوريين، تماما كما حصل مع الفلسطينيين الذين بدأوا لاجئين في لبنان، ثم اصبحوا مسلحين وكان ما كان منذ العام 1973 وصولا الى حرب العام 1975 التي وصفت زوراً بـــ" الحرب الاهلية"، ناهيك عن " الحروب الصغيرة" التي دمرت الاحياء اللبنانية وزادت موجة التهجير ومنها الحروب التي وصفت بــ " حروب الاخوة"، والتي لا تزال المخيمات الفلسطينية تشهد يوميا فصولا منها. وما يقال عن الامن يقال ايضا عن الوضع التربوي الذي ليس افضل حالا بعدما صارت المدارس الرسمية مدارس للنازحين وصار التلامذة اللبنانيين يهجرونها ويدرس فيها الطلاب السوريون. اما بالنسبة الى الوضع الامني، فالحديث يبدأ ولا ينتهي لاسيما وان التقارير الامنية حافلة بالجرائم التي يرتكبها النازحون المنتشرين في المناطق اللبنانية كافة حيث تضاعفت جرائم السلب والنشل والقتل والاغتصاب وغيرها ما جعل السجون اللبنانية تغص بالمتهمين السوريين الذين ناهز عددهم عن 1850 موقوفا ما زالوا من دون محاكمة، وسط غياب قرارات الترحيل.
من هنا فان الاستفاقة المتأخرة للحكومة اللبنانية على معالجة ملف النازحين وعودة البحث عن تنظيم رحلات العودة الامنة التي كان تولى تنسيقها والاشراف عليها المدير العام السابق للامن العام، تبقى افضل من استمرار الدولة اللبنانية في لعب دور النعامة التي تدفن رأسها في الرمل وتتجاهل هذا الخطر المتزايد. الا ان نجاح الاجراءات الحكومية التي تقررت اخيرا تتطلب جدية والتزاما في التنفيذ، ومتابعة مستقيمة من الاجهزة المختصة، ادارية كانت ام عسكرية ام امنية، لا انحياز فيها او مجاملة او " قبة باط" وكذلك تحتاج الى تنسيق جدي مع الحكومة السورية، وعدم استغلال هذه المسألة لاعتبارات سياسية لان النزوح السوري بات قنبلة موقوتة قد يؤدي اللعب فيها بشكل ملتبس الى انفجارها، والحديث عن انفجار امني لبناني- سوري بات مادة يومية تزيد من مخاوف اللبنانيين وقلقهم على مستقبلهم ومصير اولادهم وارزاقهم خصوصا اذا ما استمرت المنظمات الدولية في سياستها العدائية والاستعلائية التي تمارسها مع السلطة اللبنانية العاجزة عن فرض قدرتها على معالجة هذا الملف خوفا من حصول انقسام داخلي لن يكون من السهل معالجته في ظل الاوضاع الراهنة، ولا يكفي في هذا الاطار اطلاق المواقف والنداءات من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، بل المطلوب وقفة وطنية واحدة لانقاذ لبنان واللبنانيين من خطر حقيقي لم يعد من الجائز تجاهله مع وجود مليونين و 80 الف نازح سوري في لبنان حسب ما كان اعلن المدير العام السابق للامن العام اللواء عباس ابراهيم، يشكلون 30 في المئة من سكان لبنان حيث تصل كثافتهم السكانية الى 650 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، ويتوزع النازحون على الف بلدية من البلديات اللبنانية الـــ 1050، ومعظم النازحين في لبنان يتحدرون او هم نزحوا من الارياف السورية!.