تفاصيل الخبر

الجدل  حول نصاب جلسة انتخاب الرئيس ... مستمر على رغم ان بري حسم: 86 نائبا وليس 65

19/10/2022
الجدل  حول نصاب جلسة انتخاب الرئيس ... مستمر  على رغم ان بري حسم: 86 نائبا وليس 65

احدى جلسات مجلس النواب

 

في كل مرة يدق الاستحقاق الرئاسي ابواب الحياة السياسية اللبنانية، تبرز اشكالية نصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية حيث تتعدد الاجتهادات والتفسيرات المتباينة حول النصاب المطلوب لانتخاب الرئيس العتيد، بين قائل ان النصاب في كل دورات الانتخاب هو 86 نائبا، اي غالبية اعضاء مجلس النواب بصرف النظر عما اذا حصل شغور بالوفاة او بالاستقالة، وقائل ان نصاب الـــ 86 نائبا محصور فقط في الدورة الاولى للانتخاب فيما يصبح 65 نائبا في الدورة الثانية والدورات التي تلي. ومع هذا الجدل الذي لن ينتهي اصبحت هذه اشكالية النصاب من " حواضر" كل جلسة انتخابية على رغم ان رئيس مجلس النواب نبيه بري حسم في الجلسة الانتخابية الاولى ردا على استفسارات النواب بان النصاب هو دائما 86 نائبا من اصل 128 نائبا. ومع ذلك لم يتوقف القاء النظريات وترداد الدراسات، علما ان الرئيس بري ارتكب مخالفة دستورية في احدى الجلسات الاخيرة للمجلس النيابي حيث احتسب الاكثرية المطلقة في التصويت بـــ 59 صوتا، في حين ان هذه الاكثرية هي نصف اعضاء مجلس النواب ( 64 نائبا) زائدا واحد اي 65 صوتا.

والعودة الى الدستور بهدف وقف الجدل تظهر ان الدستور واضح في مواده الـ 49، 73,74،75 وهي المواد التي تختص بانتخاب رئيس للجمهورية، أي بسير العملية الانتخابية ككل. في حين ان المادة 49 تتعلق بالنصاب المطلوب تأمينه للانتخاب. وتنص المادة 49 حرفيا: "يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين (أي 86 نائبا من اصل 128) من مجلس النواب، في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي".عند هذا النص يتوقف رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، ليشرح قائلا: "تميز هذه المادة بين امرين. الأول غالبية التصويت، والثاني نصاب الجلسة. الامر الأول حُسم بعدما وافقت معظم الآراء على ان رئيس الجمهورية يجب انتخابه بغالبية مجموع أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، وبالغالبية المطلقة في الدورات التالية. أما في الامر الثاني، أي النصاب، فوقعت الإشكالية وانقسمت الآراء بين اثنين".ثمة رأي يقول، وفق مرقص، بأن "النصاب المطلوب ليس ثلثي أعضاء المجلس، لان كلمة الغالبية الواردة في المادة 49 لا تتعلق بالنصاب فقط بل بعدد الذين يقترعون فعلا في الجلسة، اذ يكفي ليكون الاجتماع قانونيا ان يضم نصاب الجلسات العادية وفق المادة 34 من الدستور أي الغالبية المطلقة من مجموع أعضاء النواب. في المقابل، هناك رأي آخر يصر على ان نصاب الثلثين هو المطلوب. وقد تماشى هذا الرأي مع موقف العلّامة الدكتور ادمون رباط".ويتدارك مرقص: "يجب احترام الغاية التي يستهدفها التشريع، أي المادة 49 من الدستور، وهي الانتخاب وليس عدم الانتخاب. حتى ان بعض الحقوقيين انبرى الى اعتبار النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية غير موجود لانتفاء النص عليه في الدستور اللبناني وفي دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية. لذلك، يبرز تضارب الآراء والمواقف في ما يختص بالنصاب ولم ينحصر فقط برجال الفقه في لبنان، بل تعدّاه الى الفقه الفرنسي، اذ ثمة رأي يؤكد وجوب تأمين نصاب 86 نائبا في الدورة الأولى، بينما رأي أخر يشدد على ضرورة ان يكون النصاب هو نصاب الـ65 نائبا في الدورة الأولى ايضا".

 

لا سابقة اظهرت في نصاب النصف زائدا واحدا

وحيال هذا الجدل بين 86 نائبا و 65 نائبا لتأمين النصاب، تظهر العودة الى تاريخ الانتخابات الرئاسية انه في مجمل الاستحقاقات الرئاسية السابقة كانت تُعقد جلسة واحدة للانتخاب، إذ انتُخب بعض الرؤساء من الدورة الأولى مثل الرئيسين اميل لحود وميشال سليمان، فيما انتُخب رؤساء آخرون في دورات الاقتراع التالية كالرئيسين سليمان فرنجية والياس الهراوي. وقد انسحب نصاب الحضور في الدورة الأولى على الدورات اللاحقة، وانتُخب بعض رؤساء الجمهورية بتصويت الغالبية المطلقة في الدورة الثانية، ما جعل مسألة نصاب الحضور تُطرح فقط عند افتتاح الدورة الأولى في الجلسة. وهكذا، لم تكن في الماضي تُطرح أي إشكاليات حول النصاب، بل العكس تماما إذ أثبتت التجربة أن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لا تنعقد إلا بحضور ثلثي مجموع النواب الذين يتألف منهم المجلس قانونا، أي 86 نائبا، ولا تُطرح مسألة النصاب الا عند الافتتاح، لا في الدورات التي تلي. ويقول مرقص انه "ثبت من خلال التجربة الأخيرة لانتخاب الرئيس، ان عددا من النواب يستفيدون من غياب النص الصريح في المادة 49 من الدستور، والمتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية، حيث اكتفى المشرّع بذكر "الغالبية" افتراضا منه ان لا حاجة الى فرض النصاب، على اعتبار ان الانتخابات سلطة واجبة الممارسة من قِبل النواب، وبالتالي لم يتوقع أي امكان للتعطيل من جانب النواب انفسهم".

ولا يتوانى مرقص عن الدعوة الى محاسبة من يتنصل من هذه الواجبات، فيقول: "يمكن وضع جزاء عدم ممارسة النواب سلطة الانتخاب، أسوةً بدساتير الدول المتقدمة كفرنسا مثلا، والتي اقتبس دستور الجمهورية اللبنانية أحكامه من نظامها، اذ ينص على اقتطاعٍ من مستحقات النواب الفرنسيين المتخلّفين عن حضور جلسات الجمعية الوطنية الفرنسية في استحقاقات أقلّ شأناً من الانتخابات الرئاسية، فكيف الحال اذاً بالاستحقاق الأول والاهم وهو انتخاب رئيس للجمهورية".

الا ان الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك يرى انه  من اجل ان يعلن رئيس للجمهورية  ينبغي ان يحصل على غالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى، وعلى 65 نائبا في الدورات التالية، وعليه فان النصاب، وفق مالك هو 65 نائبا لجلسات انتخاب الرئيس، طالما ان المادة لم تتكلم عن قانونية اجتماع المجلس، على غرار المادة 34. الا ان مجلس النوابا وبناء على اجتهادات ودراسات حصلت قبيل الانتخابات الرئاسية الماضية، تقرر بحسب مجلس النواب، ان يكون النصاب دائما هو غالبية الثلثين اي انه في الدورة الثانية يبقى النصاب 86 نائبا، ولكن على من سيصبح رئيسا للجمهورية ان ينال 65 صوتا.

وترى مصادر نيابية واخرى حقوقية ان المشترع قصد من خلال المادة 49 من الدستور التأكيد على ان رئيس الجمهورية يجب ان ينتخب في نصاب حضور هو غالبية الثلثين ( 86 نائبا) بصرف النظر عن الاكثرية في الدورة الثانية وما بعدها، وذلك بهدف الحفاظ على الميثاقية طالما ان تركيبة مجلس النواب هي مناصفة بين المسيحيين والمسلمين وكي يكون الرئيس، عندما ينتخب، يحظى بهذه الميثاقية في الحضور الاسلامي والمسيحي المشترك والا فان هذه الميثاقية تسقط فيما لو قرر النواب المسيحيون فقط، او المسلمون فقط الحضور وعدد كل من المكونين المسيحي والاسلامي هو 64 مع امكانية تأمين حضور نائب او اثنين من طائفة اخرى، فهل من الجائز ان ينتخب مكونا واحدا مسيحيا كان او مسلما، رئيس الدولة، في بلد مثل لبنان له تركيبته الطائفية الفريدة. من اجل ذلك قصد المشترع ضمنا فرض حضور الثلثين على الاقل كي يتوافر حضور النواب من مسيحيين ومسلمين، اي بزيادة 22 نائبا من طائفة اخرى لان هذه النسبة تؤمن الى حد ما مزيجا بين النواب المسلمين والمسيحيين اذا تعذر حضور العدد الكامل اي 128 نائبا لاي سبب كان. ويقول نواب ان الفرقاء السياسيين بدلا من ان يجمعوا على حضور جلسات انتخاب الرئيس، عمد بعضهم الى استعمال اشكالية نصاب الثلثين الى تعطيل الجلسات كما حصل في دورات انتخابية سابقة لعل ابرزها الجلسات التي سبقت انتخاب الرئيس ميشال عون اذ تعطلت الجلسات اكثر من 48 مرة قبل ان تتم " التسوية" وانتخب عون رئيسا للجمهورية. وحيث ان الرئيس بري حسم نصاب الحضور بـــ 86 نائبا، فانه اسقط بذلك اي امكانية معاكسة اذ فسر الدستور على هذا النحو. ومع ذلك سوف يستمر الجدل ولو عملا بالمثل الشعبي القائل " عنزة لو طارت"!.