يهوى الرئيس نجيب ميقاتي " تعييش" السياسيين والمعارضين والموالين على حد سواء، على اعصابهم ويملك لذلك اسلحة عدة لعل ابرزها التلويح بالدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء بحجة وجود مواضيع تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء ولا يمكن تسييرها، لا بمراسيم جوالة ( التي يرفض فكرتها) ولا بتواقيع 24 وزيرا، لذلك يريد ان يعقد جلسة لمجلس الوزراء اسوة بالتي عقدت في 5 كانون الاول( ديسمبر) الماضي ونتجت عنها تداعيات ونقاشات واعتراضات دستورية لا تزال مستمرة على اكثر من خط. وتتضارب المعطيات التي تصدر عن السرايا الكبير، بين وجود فعلا رغبة لدى الرئيس ميقاتي بالدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، ووجود رغبة اخرى بعدم تحريك المياه الراكدة التي اعترضت على الجلسة الاولى والوحيدة حتى الان ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الاول( اكتوبر) الماضي. بعض الذين تواصلوا مع ميقاتي قبيل عطلة الاعيــــاد فهموا منه ان الفكــــرة لا تزال " تختمر" في عقله ولم يحسم امره بعد. لكنهم شعروا ايضا ان رئيس حكومة تصريف الاعمال غير راغب ان يتحمل وحده وزر تدهور الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والحياتية في غياب اجراءات يمكن للحكومة ان تتخذها، لكنها تحتاج الى قرارات من مجلس الوزراء تترجمها لاحقا مراسيم تصدر عن الحكومة. صحيح ان ميقاتي- كما يقول- غير راغب في استفزاز احد اولا و لا اثارة ردود فعل توتر الاجواء اكثر مما هي موترة، لكن الصحيح ايضا انه يتحمل وحيدا ردود فعل سلبية تهاجمه وتحمله مسؤولية التدهور الحاصل، فيما الحقيقة ان التركيبة السياسية تتحمل كلها هذه المسؤولية نتيجة امرين، الاول عدم تسهيل تشكيل حكومة قبل انتهاء عهد الرئيس عون، والثانية عدم الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد مرور اكثر من شهرين على نهاية العهد، وبالتالي فان ميقاتي يسعى الى اجراء تصحيحات ولو بسيطة الى الواقع السياسي الراهن من خلال تسيير شؤون الناس وتوفير الحد الادنى من المعالجات للقضايا الطارئة والمزمنة على حد سواء.
في مقابل حرص ميقاتي على تسيير شؤون الدولة، ولو في الحد الادنى، تبرز معارضة رئيس " تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل على عقد جلسات لمجلس الوزراء، وهو دفع بوزراء الرئيس عون والقريبين منه الى مقاطعة الجلسة السابقة التي عقدت بعدما امن نصابها الدستوري وزير الصناعة جورج بوشيكيان. والموقف نفسه سيتخذه باسيل في ما لو دعا ميقاتي الى جلسة خلال الايام القليلة المقبلة. والواقع ان ميقاتي لا يواجه في الاعتراض باسيل وحده، بل ان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ركز في عظاته الاخيرة على ان الاولوية هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية منتقدا مواقف الوزراء الذين يعلنون شيئا ويتصرفون على نحو آخر. ويبدو ان البطريرك الماروني " غير متحمس" لعقد جلسات لمجلس الوزراء قبل انتخاب رئيس الجمهورية لانه يخشى ان يصبح انعقاد مجلس الوزراء القاعدة، وانتخاب الرئيس الشواذ! لكن ميقاتي الذي زار بكركي مرتين منذ بدء الشغور الرئاسي كان يسمع كلاما مشجعا من البطريرك، ثم يسمع كلاما آخر من زوار بكركي، وكلاما مختلفا في عظات الاحد. وخلال الزيارات المتتالية التي يقوم بها ميقاتي الى عين التينة، استطاع الحصول على دعم من الرئيس نبيه بري لعقد " جلسات الضرورة" لمجلس الوزراء خصوصا لمعالجة مسألة تأمين الاعتمادات المالية الضرورية لشراء الفيول لتشغيل معامل الكهرباء للحد من التقنين القاسي المعتمد. والبند الكهربائي " كهرب" الجو الاسبوع الماضي بين ميقاتي والنائب باسيل وفريقه النيابي والاعلامي حيث حصل تبادل اتهامات وانتقادات لاذعة قاربت المحظور... ولم تظهر بعد عناوين اخرى للجلسة المزمع الدعوة اليها بعدما ىسحب من النقاش بند التمديد للملاكات الموقتة والمتعاقدين والاجراء من خلال موافقة استثنائية صدرت عن ميقاتي في كتاب وجهه الى وزير المال يوسف الخليل بالاستمرار في دفع الرواتب والاجور والتعويضات الى هذه الفئات الوظيفية الى حين انعقاد مجلس الوزراء وتكريس القرار؟. لكن تبقى مسألة الترقيات في الاسلاك العسكرية التي كان من المفترض ان تصدر قبل الاول من كانون الثاني_ينماير) 2023، لكن المراسيم التي اعدت لم تقترن بالتوقيع وثمة من قال بوجوب عرضها على مجلس الوزراء، في مقابل رأي آخر يقول ان لا حاجة لهذا العرض لانها بمثابة مراسيم عادية تحمل في ظل الشغور، تواقيع رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والمالية. ويتوقع ان يحسم الرئيس ميقاتي هذا الجدل خلال الايام القليلة المقبلة.
مراسيم بلا تواقيع 24 وزيرا
ولا تستبعد مصادر متابعة ان يعتمد ميقاتي في موضوع مراسيم ترقية الضباط في الاسلاك العسكرية كافة، ما حصل بالنسبة الى مرسوم اعطاء الاسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية والمتقاعدين، مساعدة اجتماعية اذ طلب ميقاتي في كتاب وجّهه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء "إجراء ما يلزم من تعديلات على مشروع المرسوم الموقع من قبل وزير الدفاع موريس سليم لإصداره بحسب الأصول الدستورية، أي بالصيغة المرسلة سابقاً إلى وزير الدفاع الوطني بعد استكمال تواقيعه أصولاً"، بحجة أنه تم الاتفاق عليه في اجتماع سابق في السراي الحكومي. ونص الكتاب على أن "وزير الدفاع، بعد انتظار أكثر من أسبوعين، أعاد بتاريخ 21-12-2022 مشروع المرسوم موقعاً من قبله، لكنه أدخل عليه بعض التعديلات في خانة البناءات، فأضاف خلافاً للحقيقة والواقع حيثية تتعلق بطلب مقدم من وزيري الدفاع الوطني والداخلية والبلديات، رغم عدم وجود هذا الطلب في الملف. كما شطب الحيثية المتعلقة بقرار مجلس الوزراء وموافقته، فضلاً عن تعديل في خانة التواقيع، حيث أدرج أسماء جميع أعضاء الحكومة خلافاً للأصول الدستورية التي توجب توقيع الوزراء المعنيين فقط، أي توقيع وزير الداخلية والبلديات ووزير الدفاع الوطني ووزير المالية، على أن يصار بعدها إلى إصداره أصولاً، أي بعد توقيعه من قبل رئيس مجلس الوزراء مرتين". ولاحقاً، صدر عن رئاسة مجلس الوزراء المرسوم رقم 10958، القاضي بإعطاء مساعدة اجتماعية اضافية للاسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية والمتقاعدين، ممهوراً بتوقيعين لميقاتي ولوزراء الداخلية والبلديات والدفاع الوطني والمالية. علماً أن التيار الوطني الحر يشكّك قانونية المراسيم التي يوقعها رئيس الحكومة مرتين، عنه وعن رئيس الجمهورية، ويطال باعتماد تواقيع الوزراء جميعاً على المراسيم، وهو ما سيسعّر من جديد نار الخلاف حول آلية العمل الحكومي وصيغة إصدار المراسيم لاسيما بعدما قدم وزيران من فريق عون- باسيل هما وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار ووزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين، مراجعة امام مجلس شورى الدولة للطعن بمرسومين صدرا بعد جلسة مجلس الوزراء يتعلقان بتسوية اوضاع مالية لمتعهد مطمر " كوستا برافا" شركة جهاد العرب للمقاولات.
في اي حال، " حماسة" الرئيس ميقاتي لعقد جلسة ثانية لمجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي وحالة تصريف الاعمال، تحتاج لتصبح حقيقة واقعة، الى موافقة حزب الله على مشاركة وزيرين في الجلسة، علما ان الرئيس نبيه بري كان اعلن ان لا شيء يمنع انعقاد مجلس الوزراء لتسيير امور المواطنين وحاجاتهم. وتقول مصادر متابعة ان حزب الله لن يحسم موقفه بالمشاركة او عدمها، الا بعد الاطلاع على جدول الاعمال وتبيان ما اذا كانت البنود الواردة فيه ملحة او غير ملحة او اذا كان في الامكان معالجتها. بطريقة اخرى غير انعقاد مجلس الوزراء. وعليه تبقى الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء معلقة بين " رغبة " ميقاتي وحماسته، وبين " تريث" حزب الله وموافقته المشروطة.