تفاصيل الخبر

"المونديال" في كفّة السياسيين.. والعترة على المواطنين

23/11/2022
"المونديال" في كفّة السياسيين.. والعترة على المواطنين

امير قطر يفتتح المونديال

 

بقلم علي الحسيني

 

ينشغل لبنان كما بقيّة العالم في هذه المرحلة، بحدث كأس العالم لكرة القدم الذي تُقيمه دولة قطر على أرضها وسط تحضيرات جبّارة تمكّنت من خلالها، كسب الرهان في نزع هذا الإستحقاق العالمي على الرغم من الإنتقادات والتهكّمات التي تعرضت لها قطر، خلال العامين الماضيين. لكن كما في السياسة، كذلك في الفنّ حيث عجز أهل السياسة في لبنان عن تحقيق أدنى حقوق المواطن اللبناني بالتمتّع بمشاهدة المبارايات ضمن مستوى يرتقي إلى هموم الشعب، علّه يُنسيهم هموم أزماتهم المعيشية ويُخرجهم ولو لفترة محدودة، من الضائقة المالية التي تخنقهم.

مباريات على ضفاف السياسة

في الوقت الذي يكون فيه هذا العدد قيد الطباعة وهو يوم الأحد 20 تشرين الثاني (نوفمبر )2022 يكون المونديال العالمي لكرة القدم قد انطلق في أولى مبارياته التي جمعت بين قطر والإكوادور والتي انتهت بنتيجة 2/0  لصالح  الاكوادور. واللافت أنه مع إنطلاق هذا الحدث والذي انقسم فيه أيضاً أهل السياسة حول المنتخبات المُشاركة بهذا الإستحقاق بحيث أن كُل فريق سياسي أو حزبي يُشجّع فريقاً مُحدداً، لا تتوافق فيها خياراته مع الجهة الأخرى، غاب أدنى التفكير عن رفاهية اللبناني وسط غياب الوسائل الإعلامية على رأسها تلفزيون لبنان عن نقل المباريات من دون أن يتكلّف المواطن أعباء مادية تُضاف إلى أعباء حياته اليومية، على الرغم من معلومات كانت سُرّبت خلال اليومين الماضيين، تُشير إلى حلحلة هذا الموضوع على طريقة "الشحادة" والتي اعتادتها الحكومات المُتعاقبة.

في السياق السياسي أيضاً، المعروف أن اللبنانيين يتقنون فنّ الإنقسام حتّى في الرياضة ، لكنه يبقى انقساماً أقل ضرراً من الإنقسام السياسي،  إذ أن الجميع ضمن هذه المعمعة هم على علم مُسبق أن هناك فريقاً وحيداً سوف يُحرز بطولة العالم في نهاية المطاف،  اذ لا مجال للتعادل مهما كلّف الامر،  وهنا يُعبّر أحد النوّاب "التغييريين" عن اللحظات التي يعيشها عادة مع بعض زملائه النوّاب أو أقاربه وأصحابه خلال الموسم الكروي، ليؤكد أننا كلبنانيين على وجه الخصوص  نجد في كأس العالم فرصة لكي ننسى أو نتناسى هموم السياسة ومشاكلها لمُشاهدة ما نرغب فيه بدل التنظيرات التي تحتل الشاشات بقوّة المال والتسلّط السياسي، رغماً عنّا جميعاً.

هموم المواطن.. من يشعر بها؟

على عكس النائب "التغييري"، يقول أحدى أصحاب المقاهي: جميل جداً أن يكون اللبنانيون مشجعين ومهتمين بكرة القدم وبكأس العالم بالتحديد وبمبارياتها وفعالياتها،  لكن  الأجمل أن تبقى هذه الاهتمامات ضمن حدود المعقول وألا تصبح هي الشغل الشاغل لبلد بأكمله عن الهموم المعيشية والإجتماعية في بلد كلبنان متخم بالأزمات على مختلف الصعد. ويُتابع: جميل جداً أن نلجأ من فترة إلى أخرى إلى ما يُسلينا ويبعد عنّا شبح السياسة ولكن الأجمل ألا نترك التفكير بوطننا ومستقبلنا رهينة بأيدي الساسة ونتحوّل عن ذلك لنغرق في التفكير بأمور يصبّ مردودها في النهاية، في جيب السياسيين ومصالحهم.

أمّا العم مهدي الرجل الثمانيني إبن منطقة الشيّاح، فلا يرى بمشجعي اليوم سوى شباب متحمس للألوان فقط وليس للعب الجميل والنظيف "في زماننا كنا ننتظر اللاعب "بيليه" كمن ينتظر ثروة، فمجرد رؤيته يداعب الكرة بين رجليه وعلى رأسه كان كافياً لإثارة شعوب العالم كلها، كان لعباً نظيفاً غير خاضع لبازارات المافيا العالمية ولا الاتحاد الدولي أو الأخطاء الحكّام المتعمدة ولا حتّى للمراهنات السياسية، والأجمل أن معظمنا لم يكن أهالينا يملكون تلفازاً حبث نشاهد المباريات من خلال نوافذ الجيران أو ان يضع احدهم تلفازه في دار المبنى. كان لكأس العالم متعة خاصة لا تُشبهها تلك المباريات التي تُقام اليوم حيث معظم الجيل الجديد يذهب الى المقاهي "للبصبصة" والتشبيح فقط.

ماذا سيفعل أهل السياسة في المونديال؟

أزمات البلد السياسية والإقتصادية والإجتماعية الناجمة عن الفراغين الرئاسي والحكومي، ستتحوّل إلى مواضيع درجة ثانية من حيث الأهمية. عوضاً عن جملة قالها أحد السياسيين، بأن الأحاديث داخل مجلسيّ الوزراء والنوّاب، قد تتمحور حول هدف جميل أو خطأ تحكيمي أو لمحة فنية قدّمها أحد اللاعبين. ولا شكّ في أن السياسيين الذين يرغبون في إيصال صوتهم إلى الناس بدأوا يدرسون جدول مواعيد المباريات لكي لا يضيعوا في مجاهل ملاعب قطر.

وعلى سبيل التذكير لا الحصر، فالمعروف أن رئيس مجلس النوّاب نبيه بري هو من مُشجعّي المنتخب البرازيلي ومثله الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس حزب "القوّات اللبنانية" سمير جعجع، أمّا رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل، فهو من مُشجعي المنتخب الأرجنتيني، والنائب وائل أبو فاعور من مُشجعي المنتخب الإيطالي لأنهم كانوا أهدوا الكأس في العام 1982 الى منظمة التحرير الفلسطينية.

يوم جديد والعودة إلى الواقع

بعد إنتهاء "المونديال"، سينبلج فجر جديد وستتهاوى أعلام جميع الدول التي تنافست في كأس العالم على الأرض أو سيتم ركنها في زوايا النسيان لمدة أرع سنوات، باستثناء علم واحد ما زال مجهول الهويّة حتّى الأن. أمّا بالنسبة الى اللبنانيين انفسهم، فهم سيعودون للانشغال بحلحلة مشاكلهم الحياتية، وسينسوا كل شيء عن المونديال الذي شغفتهم مبارياته لفترة من الزمن وجعلتهم يسهرون الليالي على رؤية العروض، وسماع السيمفونيات والألحان التي خصصت لهذا النجم او لذاك المنتخب. سيعود اللبناني للتفكير بمشاكله ومآسيه، وسيعود  إلى واقع مرير لا يوجد فيه حكومة فعليّة ولا رئيس جمهورية.