ليس بالامر الجديد ان تفرض الادارة الاميركية عقوبات على شخصيات سياسية او اقتصادية لبنانية تحت شعار اما الفساد او التعامل مع حزب الله، الا ان العقوبات التي اتخذت ضد الاخوين ريمون و تيدي رحمة الرائدين في قطاع النفط في لبنان وعدد من الدول طرحت علامات استفهام كبيرة حول التوقيت والغاية منها خصوصا ان الاخوين رحمة على علاقة متينة بالمرشح الرئاسي الابرز زعيم تيار " المردة" سليمان فرنجية، فهل كانت هذه العقوبات رسالة الى الزعيم الزغرتاوي للتأثير سلبا على حظوظه الرئاسية في وقت يبدو فيه فرنجية ابرز المتقدمين في السباق الرئاسي المؤجل عمليا حتى اشعار آخر. وكانت الشرارة انطلقت منذ اسابيع عندما روجت مصادر قريبة من " القوات اللبنانية" ان ثمة عقوبات ستفرض على مسوقين لرفع اسهم مرشحين معنيين الى الرئاسة الاولى، ثم قيل ان ثمة من سعى لدى الادارة الاميركية لوقف هذه العقوبات او تأخيرها على الاقل، لكن اتضح لاحقا ان لا تجاوبا اميركيا مع " مساعي" تأخير اصدار العقوبات ولو اتت في لحظة سياسية بالغة الدقة في لبنان، وفي وقت كانت فيه باريس تعمل من اجل تعبيد الطريق امام فرنجية من خلال تواصلها مع السعودية لهذه الغاية، بدليل ان الخزانة الاميركية اصدرت القرار على الاخوين رحمة مالكا شركة" ZR ENERGY "الشهيرة ومتفرعاتها في الامارات العربية المتحدة وسويسرا، وبني هذا القرار على مناقصة فاز بها الاخوان رحمة لاستيراد الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان نيابة عن وزارة الطاقة والمياه وهو ما عرف لاحقا بقضية الفيول المغشوش. والخزانة الاميركية لم تكتف بوضع الرجلين على لائحة العقوبات، بل وضعت ايضا شركة" ZR ENERGY DMCC "المسجلة في الامارات العربية المتحدة وسويسرا وشركة" ZR GROUP HOLDING " المسجلة في بيروت وشركة "ZR LOGISTICS "المسجلة في بيروت.
القرار اعتبر ان الاخوين رحمة " استخدما ثروتهما ونفوذهما وقوتهما للمشاركة في اعمال فساد والمساهمة في اضعاف حكم القانون في لبنان وبالتالي اضعاف العملية الديمقراطية على حساب الشعب اللبناني". وقال بيان الخزانة الاميركية ان تيدي وريمون رحمة استعملا امبراطوريتهما التجارية وعلاقاتهما السياسية " لاثراء نفسيهما" وللفوز بالعديد من العقود الحكومية من خلال عمليات مناقصة شديدة الغموض، ومنها استيراد وقود ملوث الحق اضرارا كبيرة بمحطات توليد الطاقة الكهربائية في لبنان وذلك من خلال مزج هذا الوقود بمواد اخرى غير مطابقة للمواصفات ما اثر على انتاج الطاقة الكهربائية الى حد خروج عدد من معامل الانتاج عن الخدمة. وتزامن تفسير الادارة الاميركية لهذا القرار مع تذكير بدعاوى مقامة ضد الاخوين رحمة خارج لبنان لاسيما في العراق حيث قيل ان ريمون رحمة متورط بقضايا فساد من خلال عقود مع وزارة الدفاع العراقية، ووزارة الكهرباء وعدد من مؤسسات الدولة العراقية بعد العام 2003.
هل من استهداف لسليمان فرنجية؟
وفي محاولة لابعاد الصبغة السياسية عن التدبير الاميركي اكد وكيل وزارة الخزانة الاميركية "براين نلسون" ان ليس هناك رسالة سياسية وراء قرار الاخوين رحمة مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي اللبناني، مشيرا الى ان فرضها مسألة تاخذ وقتا ضمن اجراءات معينة ومتى توافرت الاداة القاطعة حول الاخوين رحمة تم الاعلان عنها ، وشدد على ان هذه ليست المرة الاولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات متعلقة بالفساد في لبنان، مؤكدا انها لن تكون الاخيرة في حال استمرت الممارسات الفاسدة. وتطرق "نيلسون "بشكل اساسي الى ملف الفيول المغشوش، متحدثا عن الرشاوى التي كانت تدفع وانواعها، لافتا الى انفاق عشرات المليارات من الدولارات في ملف الكهرباء، في حين يترك اللبنانيون عرضة لمافيا المولدات الخاصة، مشيرا الى ان رسالة الولايات المتحدة الى الشعب اللبناني هي انها تسمع مطالبهم بالشفافية والمساءلة ومستمرة في تتبع المتورطين في الفساد.
الا ان نفي وكيل وزارة الخزانة الاميركية لاي ابعاد سياسية للقرار، لم " يهضمه" الوسط السياسي اللبناني، ولا الجهات العاملة في الملف الرئاسي، ذلك ان المرشح فرنجية تربطه بالشقيقين رحمة علاقة وطيدة جدا لا يخفيها فرنجية الذي كان اعلن في مؤتمر صحافي عقده على خلفية توقيفات طاولت مؤيدين له في ملف الفيول المغشوش العام 2020، ان " آل رحمة اصدقائي من 40 سنة، وريمون رحمة صديقي واخي ونسافر معا ولا اخجل من ذلك وضميري مرتاح، مضيفا ان رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل حاول استمالة آل رحمة، لكن سبحان الله ما بحبوه، واذا كانوا يريدون اليوم محاسبتنا فلهم ان يروا ان كنا في وزارة الاشغال ( التي كان يتسلمها في حينه الوزير ميشال نجار الذي سماه فرنجية في حكومة الرئيس حسان دياب) او اي وزارة اخرى استلمناها قد اعطيتهم شيئا وغير ذلك لا علاقة لهم بصداقاتنا". والعالمون في امور النفط والطاقة تحدثوا عن تقارب حصل في وقت من الاوقات بين باسيل والاخوين رحمة لكن هذا التواصل لم يستمر، كذلك تربط الاخوان رحمة علاقات متينة مع قائد " القوات اللبنانية" سمير جعجع لاسيما وانهما من منطقة بشري ومولا في وقت سابق مهرجانات الارز التي تنظمها سنويا النائب ستريدا جعجع، علما ان جعجع كان ذكر في لقاء اعلامي ان الاخوين رحمة من اقربائه ومن بلدته بشري " لكني لم اتدخل يوما مع رئيس الحكومة سعد الحريري او مع وزارة الطاقة التي تعاملا معها تجاريا". في حين ان باسيل عندما انقطع التواصل بينه وبين الاخوين رحمة، خاض معركة ملف الفيول المغشوش في الاعلام والقضاء ما سبب مواجهة بينه وبين فرنجية، علما ان شركة الاخوين رحمة فازت في العام 2019 بمناقصة لاستيراد البنزين عبر وزارة الطاقة المحسوبة على " التيار" وذلك في ايام الوزيرة ندى البستاني، وقد تم اقفال مسار قضائي بين الفريقين بشكل مفاجىء لم تتضح ظروفه.
وتقول مصادر متابعة للملف ان علاقات الاخوين رحمة مع الاطراف السياسيين المسيحيين الثلاثة ( فرنجية، القوات، باسيل)، توحي بان هذه العقوبات لا يمكن ان تبقى محصورة بآل رحمة وان شظاياها سوف تصيب كثيرين على دفعات، وان كان الاكثر تضررا حاليا فرنجية المرشح الابرز للرئاسة الاولى، واذا ما صحت المعطيات عن وجــــود عقوبات اميركية اخرى " على الطريق" فان ذلك يعكس مسارا اميركيا واضحا في متابعة مختلف الملفات اللبنانية وهي تتزامن مع الاستحقاق الرئاسي ما يدفع الى الاعتقاد بان واشنطن ارادت ان تدخل على خط هذا الاستحقاق من بوابتها الخاصة، في وقت يلاحظ فيه المراقبون ان توقيت عقوبات آل رحمة اتى في وقت تبدو فيه باريس "طاحشة" بدعم فرنجية ما يجعل من المحتمل جدا ان تكون واشنطن تريد ابلاغ الفرنسيين بانهم ليسوا وحدهم في الساحة اللبنانية. ويستذكر المتابعون كيف فرضت واشنطن عقوبات على الوزيرين السابقين النائب علي حسن خليل ويوسف فنيانوس في العام 2020 في اعقاب المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون "من قصر الصنوبر وشكلت في حينه خارطة طريق لحل للازمة اللبنانية سرعان ما جمد البحث فيها ونامت نومة اهل الكهف ولا تزال!
لائحة " المعاقبين" طويلة.. والحبل على الجرار
في اي حال، ليست المرة الاولى التي تستهدف فيها واشنطن الطبقة السياسية اللبنانية والمحتمين بها وان كان استهداف الاخوين رحمة قد جاء في توقيت مريب، وفي هذا السياق تكشف مصادر مطلعة ان القرار الاميركي محسوم في سياق العقوبات لفكفكة منظومة الفساد المحلية وصولا الى الرؤوس الكبيرة التي لا تزال تتحصن بمواقفها وحصاناتها السياسية وذلك تحت عناوين اصلاحية. وتضيف هذه المصادر انه خلال الاجتماع الخماسي في باريس قبل نحو شهرين كانت واشنطن حاسمة في قرارها اعتماد المسار العقابي في وجه معرقلي المسار الديموقراطي واستعادة لبنان عافيته على رغم اعتراض عدد من الدول المشاركة في الاجتماع على قاعدة ان العقوبات لم تؤد النتائج المتوخاة منها كما حصل مع النائب باسيل. والاهم في كل هذه المسألة ما سمعه زوار السفارة الاميركية في عوكر من ان الاستهداف قد لا يقتصر على الاخوين رحمة بل كل الفاسدين ومن يحميهم على قاعدة " ما في حدا فوق راسو خيمة" ولن يكون من السهل وقف المد العقابي الاميركي خصوصا ان واشنطن تعرف جيدا اسرار الطبقة السياسية اللبنانية التي خبرت اركانها على مدى سنوات طويلة ولديها كل " الداتا" اللازمة لتتحرك عندما يكون التحرك مفيدا للتوجهات الاميركية التي ليست دائما اصلاحية، بل سياسية بامتياز!
وبالعودة الى مسلسل العقوبات الاميركية على شخصيات لبنانية سياسية واقتصادية تظهر الجردة انه بعد وضع واشنطن حزب الله على قائمة المنظمات الارهابية في العام 1997، كرت سبحة العقوبات تحت عناوين مختلفة تارة لاتهام " التعاون مع الحزب"، وتارة اخرى لشخصيات " ضالعة في الفساد". ففي العام 2007 تمت معاقبة النائب ( في حينه) اسعد حردان والوزير السابق وئام وهاب واتهما بالعمل مع المسؤولين السوريين " للتأثير على السياسة اللبنانية". وفي العام 2018 اعلن مكتب الاشراف على الممتلكات الاجنبية " اوفاك" تعيين السيد حسن نصر الله، الامين العام لحزب الله " كأحد ممولي الارهاب" بالاضافة الى كل من الشيخ نعيم قاسم والشيخ محمد يزبك وحسين الخليل وابراهيم الامين السيد. وقامت الدول الاعضاء في مركز استهداف تمويل الارهاب بتحديد الافراد والكيانات الرئيسية التالية التابعة لحزب الله : طلال حمية، علي يوسف شرارة، مجموعة الطفيدر، حسن ابراهيمي، ماهر للتجارة، هاشم صفي الدين، ادهم طباجة، مجموعة الانماء، وهندسة الانماء والمقاولات، وجميعهم تم تحديدهم من قبل الولايات المتحدة. وفي العام نفسه اتخذت وزارة الخزانة الاميركية اجراءات بحق 5 اشخاص ينتمون الى حزب الله ضمن شبكة للحرس الثوري الايراني. فيلق القدس، ابرظهم محمد جواد نصر الله نجل الامين العام لحزب الله، علما ان محمد جواد نصر الله ( من مواليد 24 ايار 1981)، يخضع لعقوبات ثانوية عملا بقانون العقوبات المالية ضد حزب الله. وفي العام 2019 وضعت الخزانة الاميركية 3 من قيادات " حزب الله" على قوائم العقوبات الاميركية، وهم رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، ورئيس " كتلة الوفاء للمقاومة"" محمد رعد، والنائب امين شري. واعتبرت الخزانة ان النائبين يستغلان موقعهما السياسي في الدولة لخدمة مصالح ايران، وفي العام 2018 ايضا ادرجت وزارة الخزانة الاميركية رجل الاعمال اللبناني، محمد عبد الله الامين، على لائحة الارهاب، وهو نجل النائب والوزير السابق عبد الله الامين. فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الوزيرين السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل بتهمة ضلوعهما في "الفساد" ودعمهما حزب الله . وفي العام نفسه فرضت وزارتا الخزانة والخارجية الأميركيتان، عقوبات على النائب جبران باسيل "بسبب دوره في انتشار الفساد في البلاد"، وقال البيان الاميركي إن باسيل وثّق قاعدته السياسية بتعيين أصدقاء له في مناصب، بجانب شرائه نفوذاً داخل الأوساط السياسية اللبنانية بأشكال مختلفة. وفي العام 2014، تورّط عندما كان وزيراً للطاقة والمياه، في عدة مشاريع، كان هدفها توجيه أموال الحكومة اللبنانية إلى أفراد مقرّبين منه، من خلال واجهة من الشركات.
وفي العام 2023 فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على حسن مقلد وشركة الصرافة التي يملكها بسبب علاقات مالية مزعومة مع حزب الله. وقالت وزارة الخزانة إن شركته "CITEX "، مرخّصة في لبنان من قبل مصرف لبنان المركزي.
وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية ادرج في العام 2021 النائب جميل السيد، ورجلي الاعمال جهاد العرب وداني خوري، على لائحة العقوبات، "لمساهمتهم في انهيار الحكم الرشيد وسيادة القانون في لبنان". وفرضت وزارة الخزانة الأميركيّة وبالتنسيق مع بريطانيا، عقوباتٍ على 4 أشخاصٍ سوريّين واثنَين لبنانيَّين، إضافةً إلى كيانَين لبنانيَّين على خلفيّة دعم الرّئيس السوريّ بشار الأسد والإتجار بالكبتاغون. والمعاقبون المقرّبون من عائلة الأسد، هم خالد قدور، سامر ووسيم الأسد وعماد أبو زريق، بالإضافة إلى اللّبنانيَّين حسن دقو ونوح زعيتر. وقال الاميركيون ان حسن محمد دقّو، ويشتهر أيضا باسم "ملك الكبتاغون" أو"امبراطور الكبتاغون"، وله روابط مع حزب الله. وهو له صلة بعدد من عمليات ضبط الكبتاغون في الشرق الأوسط وأوروبا وجنوب شرق آسيا. نوح زعيتر، شخصية بارزة من الضالعين بتهريب الكبتاغون والمخدرات وله روابط مع النظام السوري و حزب الله .
حسن محمد دقّو، ويشتهر أيضا باسم "ملك الكبتاغون" أو "امبراطور الكبتاغون"، وله روابط مع حزب الله . وهو له صلة بعدد من عمليات ضبط الكبتاغون في الشرق الأوسط وأوروبا وجنوب شرق آسيا. نوح زعيتر، شخصية بارزة من الضالعين بتهريب الكبتاغون والمخدرات وله روابط مع النظام السوري و حزب الله .