تفاصيل الخبر

"الصندوق السيادي".. شروط لا تتناسب مع السياسيين!

02/11/2022
"الصندوق السيادي".. شروط لا تتناسب مع السياسيين!

حقل قاتا.. ثروة لبنان المنتظرة

 

بقلم علي الحسيني

 

أّمّا وقد أصبح حلم لبنان حقيقة من خلال إنضمامه إلىنادي الدول النفطية بُمجرّد توقيعه إتفاقية الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل ضمن مفاوضات قادها الوسيط الأميركي" آمو هوكشتاين"، أصبح من الضروري جداً، البحث في مسألة تنظيم آلية لاستخراج النفط من المياه اللبنانية ومراسيمه التطبيقية، إضافة إلى وضع قانون خاص بالبترول خصوصاً أنه كان جرى في السابق الإتفاق أو التوصّل إلى إنشاء "الصندوق السيادي" بهدف عدم إنتقال الفوضى إلى هذا الملف كما هو الحال في بعض مؤسسات الدولة ومن أجل تنظيم إنفاق العائدات المتدفقة من الموارد البترولية وتنظيم استثمارها في المكان الصحيح بهدف العودة بالفائدة على اللبنانيين وذلك ضمن مشاريع واستثمارات لا تدخل فيها الحسابات الشخصية والسياسية.

دور الصندوق في تسديد العجز المالي

في وقت ينتظر فيه اللبناني اعلان دولته البدء بعمليات التنقيب عن النفط في المياه اللبنانية، تكثر التصريحات السياسية حول ضرورة استخدام المداخيل أو العائدات من النفط، في خدمة سد الدين العام، وهذا أمر يشكل خطورة بالغة على مستقبل الثروة النفطية الذي يُمكن أن ينجم عن جعل الصندوق السيادي كمصدر رئيسي لسد العجز المالي الناجم عن الممارسات الاقتصادية الخاطئة للحكومات المتعاقبة. ومن هنا تعتبر مصادر رفيعة أنه إذا كان الوضع المالي الصعب يُسيطر على مالية الدولة إلا أن النظرية الإقتصادية تُعطي الصندوق السيادي دوراً إقتصادياً كبيراً عبر دعم الإقتصاد وليس دورا ماليً لسدّ عجز الدولة ودينها العام.

وتُضيف المصادر: من المغالطات التي يُمكن أن ترتكبها السياسة المتبعة في لبنان، جعل الصندوق السيادي مصدر لسد عجز الخزينة. وفي ظل الفساد المستشري في البلد من قبل الطبقة الحاكمة وفي ظل غياب الرقابة الصريحة حول إرتكاباتهم، يُطالب خبراء الاقتصاد في لبنان، بتحديد دور هذا الصندوق الذي يجب أن يقتصر على دوره الاقتصادي فقط وذلك بحسب إدارة الصناديق السيادية في العالم التي قامت على مبدأ ضمان حقوق الأجيال المستقبلية من خلال استثمار عائدات النفط في مشاريع تعود بالفائدة على الشعوب وليس على تسديد عجز خزينة الدولة التي تتسبب بها الطبقات السياسية الحاكمة. وقد أثبت التاريخ صوابية هذه النظرية من ناحية أن البلدان التي أنشأت صناديق سيادية وعددها يفوق الـ 50 من بينها الكويت وقطر والنروج، وهي بلدان أمّنت حياة رفاهية لأجيالها المُستقبلية بعيداً عن السياسات المتبعة فيها.

دور المجلس النيابي حول العائدات

منذ فترة وجيرزة، أوضح رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط أنه حتى اللحظة لم يطرح احد الصندوق السيادي لحفظ مردود النفط من دون هدر أمواله ولذلك لا بد من رئيس لديه خبرة في الإقتصاد خصوصا بظل المشاورات مع صندوق النقد. بعدها طرح جنبلاط سؤالاً أساسياً مُتعلق بملف الترسيم المُرتبط بشكل مُباشر بملف الصندوق السيادي إذ قال: لماذا تغييب الجيش من ابرام الاتفاق حول الترسيم الذي يثبت الهدنة ويؤكدها. واين هي الشركة الوطنية للنفط واين هو الصندوق السيادي، مُضيفاً: إن تحركات المسؤولين في هذا الشأن تثير الريبة وكأن الموضوع هندسة مالية اضافية مصيرها الضياع والهدر على حساب المواطنين.

في السياق، تكشف مصادر مُقربة من جنبلاط إلى أنه من المهم جداً أن تذهب عائدات النفط الذي سوف يُستخرج في لبنان، إلى هذا الصندوق السيادي مباشرة بعد تأسيسه من خلال قانون ينال أغلبية الأصوات داخل مجلس النواب ،إذ لا يُسمح لأي مؤسسة رسمية أخرى، التصرف بهذه العائدات ولا حتى التدخل في كيفية إنفاقها على المشاريع والاستثمارات الهادفة إلى تأمين وظائف في جميع المناطق وخلق شبكة أمان تحمي مستقبل الأجيال القادمة على قاعدة إنماء المتوازن يستفيد منه الجميع تبعاً لهويتهم اللبنانية لا إنتمائهم المذهبي ولا السير على قاعدة ستة وستة مكرر.

ما هو الصندوق السيادي؟

المعروف أن الصندوق السيادي هو صندوق عام، خاضع لسلطة المصرف المركزي، ينظر إليه كمحفظة تتقسم إلى فئات عدّة، منها: سيادية، استثمارية، للتثبيت، للتنمية، ادخارية للأجيال القادمة، للمعاشات الاحتياطية، ولدعم الاقتصاد، كالاستثمار في منظومة اقتصادية جديدة تحفّز النمو وتؤمن فرص عمل على المدى الطويل وبرأي العديد من الخبراء الاقتصاديين، الا أن الخطر الأكبر يبقى في أن تستخدم الدولة أموال هذا الصندوق لتغطية خدمة الدين. والأكثر سوءاً أن يكون هناك دور مؤثر للقطاع المصرفي في رسم سياسة الصندوق، فيلجأ، بالتعاون مع المصرف المركزي وضمن هندسة مالية جديدة، إلى شراء دين القطاع الخاص وتحويله إلى دين عام، وبالتالي تتبخر الآمال والأموال.

لكن كثرة الجدل السياسي والإنقسام حول ملف النفط ومشتقاته، قد يُفسد مستقبل هذا الملف بعدما ظهرت الإنقسامات إلى العلن خصوصاً وأن حجم الثروة النفطية اللبنانية يتراوح ما بين 370 مليار دولار أميركي، وأساس هذه الثروة هو الغاز الطبيعي. وبهدف الحفاظ على الواردات أو العائدات من الثروة النفطية، فقد نصّت المادة 9 على أن يعيّن وزير المال مدققاً خارجياً مستقلا معترفاً به دولياً لمراقبة حسابات الصندوق على أن يرفع المدقق تقريره الى مجلس الإدارة الذي يرفعه المجلس بدوره، بعد الموافقة عليه مرفقا بتقريره السنوي الداخلي الذي يتضمن طريقة تنفيذ تفويض الاستثمار، الى وزير المال. وبدوره يحضّر وزير المال بالتعاون مع مديرية الأصول البترولية، تقريراً سنوياً يعرض فيه عمل الصندوق وتنفيذه لتفويض الاستثمار والرؤية المستقبلية مرفقا بالحسابات، ويرفعه الى مجلس الوزراء ومجلس النواب للموافقة.

تركيبة إدارة الصندوق وحق المواطن بحياة كريمة

من باب التذكير والتأكيد على ضرورة ان تنأى الدولة بالصندوق السياسي عن سياستها المالية المعتمدة، فقد ذكرت مصادر إقتصادية بارزة أن هذا الصندوق يجب أن يكون تحت وصاية الدولة اللبنانية كمالك لهذا الصندوق، ولكن إدارته تعود إلى مجّلس إدارة مُكوّن من عشرة أشخاص، 5 منهم من القطاع العام و5 أشخاص من القطاع الخاص. ووجود وزير المال ووزير الإقتصاد وحاكم مصرف لبنان في مجلس الإدارة يُعتبر من الأساسيات، في حين يُعطى للسلطة السياسية تسمية العضوين الأخرين من القطاع العام. أما القطاع الخاص فيتمثل بأشخاص يُمثلون المصارف وعددهم إثنين ومُمثل عن الهيئات الإقتصادية ومُمثل عن النقابات العُمّالية وخبير إستثماري مشهود له بالكفاءة.

في الخلاصة، يبقى القول أن الصندوق السيادي هو صندوق مستقبلي يُعنى بتأمين حياة كريمة للأجيال القادمة ويقوم على مبدأ أن لكل مواطن الحق في ان يعيش حياة لا يضطر فيها إلى التسكع على الطرقات ولا أن يموت على أبواب المستشفيات وأن يكون له الحق في حياة أقله تُشبه في جوانبها، تلك الحياة التي يعيشها أبناء السياسيين في لبنان.