هل اقترب موعد نهاية معاناة ضباط الاسلاك العسكرية من رتبة عقيد الذين حرموا ترقيتهم الى رتبة عميد منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات بسبب امتناع وزراء المالية الذين تعاقبوا، اي علي حسن خليل وغازي وزني ويوسف خليل عن توقيع مراسيم ترقية هؤلاء الضباط نتيجة الخلاف الذي نشأ بين رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي طلب من وزراء المال تجميد هذه المراسيم الى حين توقيع رئيس الجمهورية لمراسيم تعيين حراس الاحراج والفائزين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية؟
هذا السؤال فرضه تطور مهم في هذه القضية التي اطاحت بحقوق العقداء في الجيش والامن الداخلي والامن العام وامن الدولة في الترقية الي رتبة عميد، تمثل باصدار مجلس شورى الدولة بالاجماع حكما نهائيا في المراجعات التي تقدم بها عقداء في قوى الامن الداخلي قضى بترقيتهم الى رتبة عميد، متبنيا من دون اي تعديل التقرير الاولي الذي وضعه القاضي المقرر في دعاوى الضباط امام مجلس شورى الدولة، القاضي كارل عيراني. وتألفت الهيئة التي اصدرت الحكم من رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس والقاضية رانيا بو زين والقاضي عيراني، الذين قرروا ابطال قرار الرفض الضمني للترقية، واعلان حق الضباط المدعين بالترقية من رتبة عقيد الى رتبة عميد اعتبارا من 1/1/2020 مع كامل الحقوق الناتجة عن ذلك، واحالة القرار للتنفيذ الى الادارة المختصة، اي قوى الامن الداخلي، وتسوية وضع الضباط على اساس ما جاء في الحكم. وكان الضباط الذين رفعوا الاستدعاء الى مجلس الشورى، وعددهم 60 ضابطا من قوى الامن الداخلي ينتمون الى دورات 2020 و2021 و2022، واتى القرار لينقل ملف الترقيات المستحقة لهؤلاء الضباط منذ ثلاث سنوات، من البعد القانوني الى الواقع السياسي الذي ادى الى وقف الترقيات على مدى ثلاث سنوات بسبب موقف الرئيس بري وخلافه مع الرئيس عون. والقرار الصادر يفترض ان ينصف ليس فقط الضباط الذين تقدموا بمراجعات امام مجلس شورى الدولة، بل كل رفاقهم في الوضع نفسه في كل الاسلاك العسكرية، والذين ينتظرون سنة بعد سنة من ينصفهم ويرفع عنهم هذا الظلم الذي لحق بهم، لاسيما وان ثمة ضباط منهم اصبحوا متقاعدين وحرموا من تعويضاتهم على اساس رتبة العميد والتي تختلف عن تعويضات الضباط من رتبة عقيد حين تقاعدهم.
قرارات قضائية في واجهة السلطة السياسية
يبقى ان تنفذ الدولة قرار مجلس الشورى الذي تنص المادة 93 من نظامه بان احكام الشورى "ملزمة للادارة وعلى السلطات الادارية ان تتقيد بالحالات القانونية" كما وصفتها هذه الاحكام. وفي هذا السياق، يقول مرجع قضائي معني ان على الادارة ان تنفذ الاحكام في مهمة معقولة لان احكام مجلس شورى الدولة مبرمة وإذا تأخّرت عن التنفيذ من دون سبب، يمكن بناءً على طلب المتضرّر الحكم بإلزام الدولة بدفع غرامة إكراهية يقدّرها مجلس شورى الدولة وتبقى سارية لغاية تنفيذ الحكم. وكلّ موظّف يستعمل سلطته أو نفوذه مباشرة أو غير مباشرة ليعيق أو يؤخّر تنفيذ القرار القضائي المذكور يُغرّم أمام ديوان المحاسبة بما لا يقلّ عن راتب ثلاثة أشهر ولا يزيد عن راتب ستّة أشهر".
وجاء في حيثيّات القرار أنّ الصلاحية الاستنسابية المُعطاة للإدارة للترقية، كما ورد في قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي، تنتهي عند صدور مرسوم الوَضع على جداول الترقية، بحيث تصبح بعدها مقيّدة، ويُعتَبر عدم صدور الترقيات مخالفاً للقانون وإجراءً تعسّفيّاً، ويَدخل في إطار إقحام الخلافات السياسية ضمن السلطات الدستورية وغير قابل للتعويض على الجهات المُستدعية. وجــــاء في حكم الشورى النهائـــي الذي تبنّى قرار القاضي عيراني: " أنّ السلطة الاستنسابية الممنوحة للإدارة بموجب قانون الدفاع وقانون قوى الأمن الداخلي في قضايا الترقية يجب أن تُمارس ضمن حدود الترقية ولا يجوز تحت أيّ ذريعة أن تتحوّل هذه السلطة من استنسابية إلى كيفيّة تُمارَس من دون أسباب واقعية أو قانونية أو ماليّة تبرّرها".
ولفت القرار إلى أنّ "صدور مرسوم وضع الجِهة المُستدعية على جدول الترقية قد أكسَبها حقّاً بالترقية، بمعنى أنّ سلطة الإدارة الاستنسابية بالترقية أصبحت مقيّدة باعتماد جداول الترقية والترتيب الوارد فيها" واتضح ان سبعة عقداء في قوى الأمن الداخلي مُستحقّون للترقية أحيلوا على التقاعد قبل أن يعلّقوا رتبة عميد وقبضوا تعويضاتهم، الهزيلة أصلاً، على أساس رتبة عقيد، على الرغم من أنّهم وُضعوا على جداول الترقية. وهذا يعتبر من أقسى درجات الظلم التي يتعرّض لها ضابط.
وما ان صدر قرار مجلس الشورى حتى سارعت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي الى ابلاغ مجلس الشورى، بواسطة وزارة الداخلية، انها قامت بواجبها عندما وضع الضباط على جدول الترقية واعدت المراسيم الخاصة بذلك وبالتالي لا تتحمل مسؤولية عدم صدور المراسيم لاسباب سياسية وان من عرقل الصدور هي وزارة المال التي امتنع الوزراء الثلاثة الذين تعاقبوا عليها من توقيع المراسيم لتضمنها ترقية عقداء دورة العام 1994 المعروفة بــ " دورة العماد عون"، والمراسيم موجودة لدى وزير المالية سنة بعد سنة. وبعد صدور قرار مجلس الشورى تسارعت الامور وتفاعلت في الاوساط العسكرية والامنية، وتحرك الضباط المحرومين من الترقية لمواجهة " القوى السياسية" التي حالت دون ترقيتهم ونكلت بحقوقهم المنصوص عنها في القوانين المرعية الاجراء. وتركز التحرك على معرفة الالية القانونية التي تسمح بالاستفادة من احكام الشورى وما اذا كانت تشمل الضباط الـــ 60 الذين تقدموا بمراجعات امام المجلس، ام ينسحب هذا الاجراء على جميع العقداء المرشحين الى رتبة عميد في سائر الاسلاك العسكرية، بما في ذلك الضباط الذين لم يتقدموا بمراجعات امام مجلس الشورى. وفي هذا الاطار، تؤكد مصادر قانونية ان قرار مجلس الشورى يطبق على جميع العقداء الذين استحقوا الترقية، ويكفي ان يراجع ضابط او اكثر للحصول على نسخة عن القرار حتى تصبح مفاعيله شمولية من دون التوقف عند الجهة التي تقدمت بالمراجعات. كذلك يمكن للدولة، من خلال وزارات الدفاع والداخلية والمالية، ان تبادر، استنادا الى مبدأ المساواة، الى تنفيذ القرار لان ترقية بعض الضباط من دون غيرهم يحدث خللا فاضحا في التراتبية العسكرية ويكرس اللامساواة، خصوصا ان بين العقداء المنتظرين ترقيتهم ما زالوا في الخدمة الفعلية. وتشير المصادر القانونية الى انه يمكن لاي ضابط من هؤلاء المستحقين ان يراجع قيادته مطالبا بتطبيق قرار الشورى عليه اسوة برفاقه لان حق هؤلاء الضباط هو حق مكتسب ولا يمكن للسلطة السياسية ان تحجبه عنهم والا اعتبر اعتباطيا. وتؤكد المصادر نفسها ان قرار مجلس الشورى ابطل عمليا دور السلطة الاستنسابية وباتت الادارة استنادا الى الحكم ملزمة باصدار قرار الترقية تلقائيا او اصدار المراسيم العالقة ، لافتة الى ان الموضوع لا يحتمل اي تأخير او مواربة من قبل الادارة العامة،وبالتالي لا مكان للسياسة هنا والتوافق السياسي. هناك حكم قضائي ملزم من اعلى سلطة قضائية، وعدم التنفيذ ستترتب عليه نتائج سلبية جدا تنعكس على المرفق العسكري بكل اجهزته لانه يخلق خللا في التراتبية، كما ان هؤلاء الضباط من كل الاسلاك مستحقون لرتبة ومواقع يفترض ان يشغلوها. واذا ذهبنا بعيدا يمكن وضع سيناريو عصيان على الامر الواقع في حال عدم التنفيذ بوجود قرار قضائي واضح وملزم هؤلاء بيد هؤلاء الضباط اليوم.