اكمل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الاثنين الماضي ما كان بدأه الرئيس نبيه بري يوم الخميس من الاسبوع الماضي، في الاعلان عن دعم " الثنائي الشيعي" لترشيح رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ما ادخل الاستحقاق الرئاسي في مرحلة جديدة قد لا تعني بالضرورة ان انجاز الاستحقاق بات قريبا، لكنها تقدم مقاربة لم تكن غير متوقعة، اصبحت اليوم علنية في الالتزام من جهة، وفي التداعيات من جهة اخرى. ولم يكن وقع اعلان السيد نصر الله بعد الرئيس بري بايام قليلة دعم فرنجية الوسط السياسي واحدا، بل تراوح بين تأكيد المؤكد والترحيب والاعتراض، علما ان هذا الاعلان فتح الباب امام تجدد النقاش وتكثيف التشاور. صحيح ان " السيد" عندما يحدد موقفا يلتزم به، وهو ما يعرفه عنه القاصي والداني، الا ان الملفت في كلامه تمسكه ايضا بامرين، الاول ان حزب الله "يدعم" فرنجية الذي لا يمكن اعتباره مرشح الحزب، والثاني تأكيده على ان نصاب جلسات الانتخاب يتأمن من خلال حضور 86 نائبا ما يعني ان السيد نصر الله، الذي يدرك صعوبة تأمين هذا النصاب في ظل الانقسام السائد داخل الكتل النيابية، اراد من خلال هذا الدعم لفرنجية فتح باب الحوار بين الكتل النيابية للوصول الى اتفاق، لانه اذا كان في امكان " الثنائي" مع الحلفاء تأمين 65 صوتا لفرنجية من الدورة الانتخابية الثانية، الا انه من الصعب، لا بل المستحيل، حضور 86 نائبا لتأمين النصاب خصوصا اذا ما بقي موقف" تكتل لبنان القوي" رافضا لترشيح فرنجية، مضافا الى موقف كتلة نواب " القوات اللبنانية".
الا ان التطور السياسي الذي يمكن استخلاصه بعد موقف " الثنائي الشيعي" فهو اكتمال شروط التئام الجلسة الدستورية والطبيعية والمنطقية لانتخاب رئيس الجمهورية بالوصول الى معادلة مرشح قبالة مرشح، ويفترض ان تغيب الاوراق البيض ومعها النعوت والاوصاف الغريبة التي كانت تجد من يلقيها في صندوقة الاقتراع. وعليه فان الخطوة التالية يفترض ان تكون الدعوة الى جلسة انتخابية، لكن هذه الخطوة مرتبطة بشكل واضح مع ضرورة توافق نواب المعارضة على مرشح واحد جديد قد يكون قائد الجيش العماد جوزف عون، او الاستمرار في انتخاب النائب ميشال معوض الذي تراجعت الاصوات التي نالها في الجلسة الاخيرة لمجلس النواب بعدما كانت شهدت في الجلسات السابقة ارتفاعا. ولاحظ المراقبون وجود فارق في توصيف تسمية فرنجية. فالرئيس بري قال " مرشحنا" فيما السيد نصر الله شدد على انه ليس مرشح حزب الله، بل ان الحزب " يدعم" ترشيحه، وهذا الفارق اظهر تمايزا محدودا بين الرجلين، لان النتيجة واحدة، لكن بري التزم تسمية " مرشحنا" لانه اعتمد هذا الموقف منذ العام 2015 عندما رشح فرنجية وكاد يصل الى الرئاسة، علما ان بري ونواب كتلته لم يقترعوا للرئيس ميشال عون على رغم التحالف القائم بين حركة " امل" وحزب الله. واذا كان الثنائي اعلن دعم فرنجية قبل ان يعلن زعيم "المردة" حتى ترشيحه رسميا، فان ذلك لا يلغي ان القرار اتى حصيلة سلسلة لقاءات واجتماعات ظلت بعيدة عن الاضواء تمت خلالهـــــا ادارة الملف من قبل " الثنائي" بشكل اختلف عن ادارة الاستحقاق الرئاسي بين الاعوام 2014 و2015 و2016. في تلك الحقبة سارع " الحزب" الى اعلانه عن تأييد العماد ميشال عون الذي اعتبر يومها " مرشح حزب الله"، واستمر هذا التوصيف حتى نهاية عهده. اما هذه المرة، فان " الثنائي" اعتمد من خلال ادارته للملف، على توزيع ادوار، فالرئيس بري اعلن فرنجية مرشحا لحركة "امل"، والسيد نصر الله اعلن دعمه لفرنجية مع اشارته بانه " انضم" الى الرئيس بري في تأييد فرنجية.
اسباب تفرد بري باعلان تأييد فرنجية
وتوقفت الاوساط المتابعة عند الاسباب التي حصلت الرئيس بري ليعلن، قبل غيره من القيادات، ترشيح فرنجية من دون مقدمات، فرأت ان رئيس مجلس النواب اراد ان يضع حدا " للقيل والقال" حول موقف " الثنائي" من فرنجية بعدما " تمادى" النائب جبران باسيل في الاعلان عن رفضه لزعيم " المردة" وبالتالي مناهضته لخيار حزب الله الذي كان ابلغه اياه السيد نصرالله في جلسة مغلقة اثار كشف باسيل لتفاصيلها انزعاجا كبيرا لدى " السيد" افصح عنه في اطلالاته الاعلامية المتعاقبة. كذلك اراد بري "كشف" مواقف الفريق الاخر من مسألة دعم المرشح النائب ميشال معوض لعمله بان لا اجماع في صفوف " المعارضة" على شخصه. لكن استعمال بري لعبارة " تجربة انبوبية" عن ترشيح معوض كان يمكن تفاديه لانه ترك ردود فعل سلبية، وذلك من خلال اعتماد لغة اخرى علما ان بري " سيد الكلام" ويلاعب الكلمات للتعبير عما يريد على نحو غير متوافر لدى غالبية السياسيين اللبنانيين. اما السبب الثالث لكلام بري فهو اقفال الباب نهائيا امام ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون من خلال الجزم ان لا تكرار لتجربة الرئيس ميشال سليمان بانتخاب من دون تعديل الدستور، علما ان هذا التعديل متعذر حاليا خصوصا في ظل حكومة تصريف الاعمال. وثمة من يرى ان الرئيس بري يعبر في الموقف من ترشيح العماد عون عن رأي حزب الله ايضا لان الحزب يفضل الا يعلن موقفا سلبيا من ترشيح قائد الجيش لاعتبارات تتصل بطبيعة العلاقة بين الحزب والجيش. وينقل زوار عين التينة عن الرئيس بري قوله انه اقترن موقفه لجهة دعم فرنجية بدعوة " الاخرين" الى " اماطة اللثام" عن وجه مرشحهم الحقيقي والنهائي "ولننزل سوية الى القاعة العامة في مجلس النواب وندير صندوق الاقتراع في اطار الاحتكام الى ممارسة الحق الديمقراطي بكامل مواصفاته ومبروك والف مبروك لمن يفوز". وبذلك يكون بري، حسب زواره، قد طرح قد طرح بشكل حاسم قفاز التحدي في وجه كل الآخرين محاولا تنزيه نفسه عن شبهة التعطيل والعرقلة، وانطلق عمليا في رحلة رد الاعتبار واسقاط ذرائع الخصوم الذين خالوا انفسهم خلال الاشهر الثلاثة المنصرمة انهم نجحوا في وضعه خلف قضبان الاتهام من جهة، وضيّقوا عليه الى اقصى الحدود مساحة الحركة وإمكانات الرد الى حد تكبيل يديه من جهة أخرى. بطبيعة الحال، يرفض بري، بحسب هؤلاء الزوار، مقولة انه يثأر لنفسه من اولئك الذين تعاملوا معه منذ البداية على انه يمكن إحالته الى خارج الخدمة. فالمسألة عنده لم تكن في يوم بهذه المنزلة وبهذه الحدود الضيقة، لكنه وهو السياسي العليم بتفاصيل اللعبة السياسية وما تختزنه من خبايا، استشعر اخيرا أمرين خارجين عن مألوف قواعد اللعبة السياسية، وحاول جاهدا ان يتعامل معهما كأنهما من باب الحدس والظن الذي بعضه إثم، ولكن تشاء الاقدار ان تثبت له تجارب الاسابيع الأخيرة وأحداثها ان الآخرين انما ينظمون انقلاباً على كل المرحلة الماضية بعد شيطنتها في محاولة بيّنة لإيجاد مبررات ومسوغات لمقتضيات الانقلاب الرامي الى فرضهم أمراً واقعاً مختلفاً. وحاول رئيس المجلس بطريقته السلسة وعبر خطوط علاقاته المفتوحة مع الجميع بلا استثناء، اقناع هؤلاء بان "الفرضية" التي اشاعوها بعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة عن امتلاكهم اكثرية 68 نائبا غير دقيقة، وكذلك القول إنها اكثرية تتيح لهم ان يقنعوا معظم الداخل وبعض الخارج بأنه صار في مقدورهم تحقيق أمرين في آن واحد:الاول: التمهيد لطيّ صفحة ما بعد اتفاق الطائف وما حفلت به من توازنات قوى ومعادلات. والثاني: التأسيس لمرحلة تتحول فيها الشيعية السياسية وبما تمثل من واقع وامتدادات الى حالة هامشية وليست حالة وازنة وقابضة.وعلى الاثر سعى بري بما أوتي من قدرة ان يقنع هؤلاء بخطأ المضيّ في اعتماد هذا الاعتقاد والبناء على هذه الحسابات كونها حسابات من النوع "السرابي الواهم"، واكثر من ذلك بادر الى تحذير هؤلاء من مغبة "تصديقهم" لهذه الفرضية والتعامل معها على انها حقيقة.وبشكل أو بآخر، يقول زوار بري انه سعى الى افهام من يعنيهم الامر ان الثنائي الشيعي ومَن والاه سياسيا لديه كتلة نيابية تعدادها ما بين 50 الى 55 نائبا، وهي كتلة متماسكة غير قابلة للانفراط او التقلص مهما اشتدت عليها وتيرة الضغوط، فيما كل الباقين هم خمس كتل كحد ادنى تتفرق أيدي سبأ ووفق حسابات شتى لا تتيح لها الاتفاق على قلب رجل واحد ترشحه للرئاسة الاولى.وثمة من يذكر ان هذه "القناعة الحسابية" قد تبناها ايضا رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، وانه بناء عليه سعى الى اقناع من يتعين اقناعه بصوابية هذا الحساب ودقته، محذراً الآخرين من مغبة الاندفاع في الحسابات المتهورة وغير الصلبة. وبنى ميقاتي على هذه الرؤية ما سمح له بالمضيّ في اعتماد نظرية ان الفرصة الأمتن هي لفرنجية لبلوغ قصر بعبدا.
المعركة حول النصاب
واذا كانت اوساط فرنجية لاقت بارتياح موقف بري ونصر الله ووصفتهما بــ " الحليفين الوفيين"، فان مصادر متابعة تؤكد ان موقف " الثنائي" مهم وله مفاعيله، لكن الاهم هو في تسهيل ظروف التئام مجلس النواب بثلثيه على الاقل اي 86 نائبا لاسيما وانه يجب الاخذ في الحسبان رد فعل نواب المعارضة خصوصا اذا انتقلوا الى مسار جديد صادم في مقاطعة الجلسات اذ تيقنوا انها ستؤدي الى انتخاب فرنجية، وسيسعى المعارضون الى تأمين 44 نائبا في المجلس لتعطيل نصاب الثلثين للتمكن من الانتقال الى الدورة الثانية للاقتراع، اي ان فريق المعارض الذي " دان" في السابق مقاطعة الجلسات وتعطيلها من قبل " الثنائي" وحلفائه، سوف يعتمد الوسيلة نفسها لمنع انعقاد جلسة الانتخاب، وتقول مصادر " الثنائي" ان معركته بفرنجية رابحة إذا اقتصرت المواجهة على الكتلتين المسيحيتين الكبريين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية فرادى أو معاً، إلا أنها خاسرة إذا وقفت السعودية جهاراً في طريق فوز فرنجية لأن تأثيرها المباشر على نصف النواب السنّة على الأقل وعلى جنبلاط كفيل بإعطاب نصابيْ الثلثين والغالبية المرجحة. ما يصل إلى الثنائي عن مواقف المملكة متناقض. بعض يقول إنها لن تسمي وغير معنية، وبعض ثان يقول إن موقفها بعد انتخاب الرئيس لا قبله، فيما يصل إليه ما يشيعه النائب وائل بو فاعورأن السعودية جازمة في رفض انتخاب فرنجية. لم يسمع برّي مرة من جنبلاط أن السعودية ترفض فرنجية. المحسوب أيضاً عند الثنائي حضور النواب التغييريين ما دام اثنان_ملحم خلف ونجاة صليبا) منهم لا يزالان معتصمين في المجلس منذ 19 كانون الثاني ( الماضي).