مع دخول لبنان مرحلة الشغور الرئاسي، وهو الثالث من نوعه بعد اتفاق الطائف، ومع تزايد الحديث عن ان تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية سوف يطول في ظل استمرار التجاذبات السياسية التي تترجم كل يوم خميس في " لا رئيس" جديدا للبلاد، بل اصوات نيابية تتوزع بين اوراق بيضاء والمرشح الرئاسي المعلن ميشال معوض، وشعار " لبنان الجديد" واسم الدكتور عصام خليفة او الوزير السابق زياد بارود... وسط كل هذه الاجواء التي تبعد الرئيس العتيد للجمهورية عن قصر بعبدا مسافات طويلة، تبقى الانظار متجهة الى بكركي التي يلقي عليها البعض مسؤولية عدم التحرك الجدي لانضاج الاستحقاق الرئاسي والاكتفاء بالقاء العظات كل يوم احد وتحميل الاخرين المسؤولية وتوزيع الانتقادات يمنة ويسرة. لكن الواقع ان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لا يكل عن عقد الاجتماعات واللقاءات بعيدا عن الاضواء من اجل الوصول الى تفاهم ما يؤدي الى تسهيل عملية انتخاب الرئيس الجديد، من دون ان يخفي مخاوفه بان مهمته لن تكون سهلة في ضوء ما يسمعه من زواره، سواء كانوا من اللبنانيين او العرب او الاجانب. لذلك استبعد البطريرك فكرة عقد اجتماع يضم الاقطاب الموارنة الاساسيين لقناعته ان مثل هذا الاجتماع لن يؤدي الى نتيجة في ظل المواقف المعلنة من كل قطب على حدة، من جهة، ولان تجارب الماضي لم تكن مشجعة من جهة اخرى. من هنا يكتفي البطريرك بالتشاور مع زواره رافضا التجاوب مع رغبات بعضهم في ان يسمي اربعة او خمسة اسماء لمرشحين موارنة مؤهلين لشغل هذا المنصب لئلا يؤخذ عليه انه " ميز" ابناء الطائفة او كان طرفا مع هذه الشخصية او تلك.
لكن ارادة البطريرك الراعي في عدم تسمية مرشحين بشكل رسمي، كما فعل ذات مرة البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير وندم على ما فعل، لا تلغي ان اروقة بكركي تردد صدى اسماء شخصيات مارونية يسأل عنها البطريرك او يسأل عنها من زوار عرب واجانب، فيطرح هو بدوره الاسماء على زواره بهدف معرفة ما اذا كانوا سمعوا من احد ان هؤلاء من الاسماء " الجديين" ام انهم مجرد اسماء تطرح للحرق حينا او للتداول فقط احيانا. ومن بين الاسماء التي يتردد صداها في بكركي من يوصفون بــ " الصف الثاني" لان الاربعة الاساسيين في الصف الاول من المستبعد- اذا ما ظلت المواقف على حالها- ان يصل احدهم الى قصر بعبدا، وهم: الوزير السابق سليمان فرنجية، النائب جبران باسيل، قائد الجيش العماد جوزف عون... وميشال معوض. لقد تم تصنيف هؤلاء، من دون رغبتهم ولا علمهم، بانهم من الصف الاول، حيث لكل واحد منهم " عقبات" تحول دون انتخابه رئيسا للجمهورية، وفق المعطيات المتوافرة راهنا، والتي يمكن ان تتبدل اذا ما تبدلت التحالفات او الظروف الاقليمية وغيرها من الاسباب... من هنا فان " الخطة ب" التي يتحدث عنها الكثيرون في حال تعذر وصول احد هؤلاء الاربعة الى بعبدا، فهي تقضي بالتوافق على شخصية يقبل بها الجميع ولا تشكل استفزازا لاحد. من هنا تطلق الاسماء في فضاء بكركي وتتكرر واحيانا تحصل زيادة على اللائحة حسب ما ينقل الزوار عن البطريرك الراعي، او حسب ما ترّوج مصادر ريبة منه" اخذت راحتها" في الآونة الاخيرة لجهة " المونة " على البطريرك او الحديث باسمه وهو ما يزعج سيد بكركي من دون ان يتصرف عمليا لوقف " المونة" والحد من تدخل القائمين بها او على الاقل عدم التحدث باسم البطريرك، علما ان اكثر من مرة اضطر الصرح الماروني الى اصدار بيانات تنفي كلاما منسوبا الى البطريرك، او موقفا من مسألة ما....
اسماء " طامحين"....
في اي حال كل هذه المعطيات لا تلغي وجود اسماء من " الصف الثاني" تتردد في بكركي لعل ابرزها السادة: روجيه ديب ( " القواتي" السابق)، ناجي البستاني ( الاكثر جدية حتى الان)، الوزير السابق زياد بارود ( الزاهد في مقاربة الاستحقاق الرئاسي)، السفير السابق العميد جورج خوري ( الذي له مكانة كبيرة في بكركي والفاتيكان في آن)، رئيس المجلس الدستوري السابق عصام سليمان ( الذي يتردد اسمه كثيرا في المحافل الديبلوماسية الفاعلة المؤثرة)، واضيف مؤخرا اسم رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم الذي يتمتع بحضور داخلي ودولي وفاتيكاني واسع حيث يشكل نقطة التقاء قد تفرز واقعا رئاسيا جديدا اذا ما استمر الخيار يتجه الى الرئيس التوافقي الذي يرضى به الجميع، او على الاقل غالبية الجهات المؤثرة. ويلاحظ زوار بكركي ان البطريرك لا يوحي باي ميل نحو اي من الاسماء المطروحة امامه، لكنه يرددها لمعرفة ردة فعل المستمع اليه او ربما لايصال رسائل محددة الى المعنيين اولا، والى العاملين على خط الاستحقاق الرئاسي ثانيا، وثمة من يروي بان البطريرك عندما يلتقي احد هؤلاء " المرشحين" غير المعنيين، يحرص على ان يشيد امامهم بــ " كفاءاتهم" و" ووطنيتهم" و" اخلاصهم" وغيرها من الصفات التي تجعل كل واحد من هؤلاء يعيش للحظة وكأنه اصبح " الرئيس العتيد"، او على الاقل بان بكركي تدعمه وانه " مرشح البطرك"! واللافت ان مثل هذا الامر تكرر مرارا مع " مرشحين" مفترضين تحمسوا وابلغوا مراجع رسمية او دبلوماسية انهم يحظون بــ " دعم" البطريرك، ليتبين لاحقا، وبعد استيضاح البطريرك، ان هذا الانطباع غير دقيق وربما احيانا غير صحيح!.
.... تقابلها مواصفات البطريرك!
هذا الواقع، الذي قد يتحمل البطريرك جزءا من مسؤوليته لانه راغب ان " يشجع"كل من يرى نفسه اهلا للرئاسة الاولى ولا يريد بالتالي صده، حسمه البطريرك الراعي الاسبوع الماضي حين ابلغ مراجع رسمية وديبلوماسية، انه ليس في وارد تسمية اي مرشح او تزكية آخر، وان كل ما ينقل عن لسانه ليس دقيقا، لا بل انه قلق مما وصل اليه ملف التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي مع تزايد الغموض حول مصيره، وهو ما دفعه الى المناداة بالمؤتمر الدولي لتأمين مظلة دولية من الانزلاق اكثر نحو الاسوأ. اما بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي، فهو حدد مواصفات للرئيس العتيد كي يكف المعنيون والمهتمون عن سؤاله عن " المرشح التي تريده بكركي" ذلك ان البلاد تحتاج الى رئيس منقذ، يقول البطريرك، يعلن التزامه بما يلي:
- تأليف حكومة انقاذ قادرة على القيام بالمسؤوليات الكبيرة المناطة بها في بداية العهد الجديد.
- احياء العمل بالدستور اللبناني والالتزام به اطارا للسلم اللبناني، ومرجعية لاي قرار وطني، واعتبار اتفاق الطائف منطلقا لاي تطور حقوقي من شأنه ان يرسخ العدالة بين اللبنانيين. كما لا بد للمسؤولين في اي موقع كانوا من احترام الميثاق الوطني والاعراف لتقوية الوحدة الوطنية ولضمان حسن العلاقة بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء.
- اعادة الشراكة الوطنية وتعزيزها بين مختلف مكونات الامة اللبنانية ليستعيد لبنان ميزاته ورسالته.
- الشروع بتطبيق اللامركزية الموسعة على صعيد مناطقي في اطار الكيان اللبناني بحيث تتجلى التعددية بابعادها الحضارية والادارية والانمائية والعامة، فتتكامل المناطق على اساس عادل.
- البدء الفوري بتنفيذ البرامج الاصلاحية السياسية والادارية والقضائية والاقتصادية.
- دعوة الدول الشقيقة والصديقة الى تنظيم مؤتمر لمساعدة لبنان او احياء المؤتمرات السابقة وترجمتها سريعا على ارض الواقع، وتطبيق قرارات مجلس الامن المختصة ببسط السلطة اللبنانية الشرعية على كامل اراضي البلاد، مع تثبيت حدوده مع كل من اسرائيل وسوريا.
- ايجاد حل انساني ونهائي لموضوعي اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والنازحين السوريين، لانهم اصبحوا على لبنان عبئا ثقيلا اقتصاديا واجتماعيا وامنيا وديموغرافيا.
- اخراج لبنان من المحاور التي اضرت به وغيرت نظامه وهويته، ومن العزلة التي بات يعيش فيها والعمل على اعلان حياده.
- اخذ مبادرة رئاسية الى دعوة الامم المتحدة بالحاح الى رعاية مؤتمر خاص بلبنان، والقيام بالاتصالات العربية والدولية لتأمين انعقاد هذا المؤتمر.