تفاصيل الخبر

التواصل الفرنسي مع حزب الله هدفه فتح الباب امام تسهيل الاتفاق على الرئيس العتيد

12/10/2022
التواصل الفرنسي مع حزب الله هدفه فتح الباب امام تسهيل الاتفاق على الرئيس العتيد

السفيرة الفرنسية" آن غرييو

 

                                     

 

الحرص الذي تبديه فرنسا على  استمرار التواصل مع حزب الله له ما يبرره في نظر الفرنسيين المقتنعين بضرورة المحافظة على علاقة ما مع المكون الشيعي الابرز في التركيبة اللبنانية، بصرف النظر عن الاتهامات التي توجهها دول اوروبية صنفت حزب الله بانه " ارهابي" بشقيه العسكري والسياسي. وتبعا لذلك تستمر اللقاءات البعيدة عن الاضواء بين مسؤولين في حزب لله وديبلوماسيين فرنسيين في بيروت، علما ان احد المقربين جدا من الحزب زار باريس قبل ايام والتقى مسؤولين فرنسيين والموضوع الابرز الذي تناوله البحث كان تشكيل الحكومة الجديدة ، والملف الرئاسي. وتشير المعلومات  المتوافرة عن هذه الزيارة بان الفرنسيين اصغوا بـــ " اهتمام " الى العرض الذي قدمه المقرب من الحزب والخيارات التي امام حزب الله في المرحلة المقبلة، مع تمن  فرنسي واضح بالمحافظة على الاستقرار في الجنوب وترك عملية الترسيم البحري للحدود الجنوبية تأخذ مداها من دون عراقيل خصوصا ان شركة " توتال" الفرنسية هي التي ستتولى التنقيب عن النفط والغاز في حقل " قانا" وامتداداته. كذلك ابدى الجانب الفرنسي اهتماما بمدى قدرة حزب الله على التأثير الايجابي في الملف الرئاسي من خلال القبول بان يكون المرشح الابرز بعيدا عن الاصطفافات وقادرا على ان يسهم في تحقيق تقارب بين الاطراف اللبنانيين الذين شرذمتهم الخلافات والانقسامات خلال الاعوام الماضية.

 

واذا كان الرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون " دشن " التواصل مع حزب الله في مستواه الرفيع، الا ان " ظهور" السفيرة الفرنسية في بيروت" آن غرييو" قبل ايام في مقر " كتلة الوفاء للمقاومة" والاجتماع الذي عقدته مع رئيس الكتلة النائب محمد رعد، شكل " تطورا سياسيا بارزا منذ ان كان لقاء رعد مع ماكرون في قصر الصنوبر في الاول من ايلول ( سبتمبر) 2020 في اطار اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي مع رؤساء الكتل النيابية الفاعلة حين سلمهم  " ورقة الطريق" للحلول التي كانت تعمل باريس لتحقيقها قبل ان يصاب الرئيس الفرنسي بخيبة امل نتيجة " تنكر" رؤساء الكتل على وعدهم لـ"ماكرون" بالتجاوب مع مسعاه ما جعله ينكفىء وقطع زياراته لبيروت وهو الذي كان  قال في اكثر من مناسبة انه يرغب في زيارة العاصمة اللبنانية دوريا! واذا كانت السفارة الفرنسية في بيروت لم تشر الى هذه الزيارة، الا ان الحزب كان اكثر حرصا على تظهيرها اعلاميا لانها- كما بررت مصادره- (.....) نوعي ذو صدى يعي جيدا قيمته المادية والمعنوية ويدرك كيفية توظيفه و" تسييله" سياسيا في الحاضر وفي الاتي من الايام، بعيدا عن " العتب الخجول" الذي اظهره احد الاحزاب على الزيارة ممزوجا بــ " استغراب" لتوقيت الزيارة والتفسيرات التي اعطيت لها. وبصرف النظر عن دقة مضمون هذا الكلام،  عن القبب الحزبي الخجول فالثابت ان الحزب يتصرف على اساس ان هذه الزيارة في توقيتها ومضمون الحديث فيها تشكل قيمة سياسية مضافة له وإن كان يبدي اطمئنانا الى موقعه وتأثيره المحوري سواء تمت الزيارة ام لم تتم، اذ انه يعي تماما موقعه الثابت في المعادلة الداخلية والاقليمية على حد سواء.

ماذا قالت السفيرة "غرييو"؟

ونقل متصلون بجهات نيابية في الحزب تفاصيل عن هذا اللقاء المحصور بين السفيرة ووفد مرافق وبين رعد، والذي استمر ما يزيد على ساعتين. وبحسب المصادرعينها فان السفيرة" غرييّو" لم تحمل معها أي عرض محدد اسوة بلقاءاتها مع مختلف القوى الأخرى. وما كانت تحمله هو عبارة عن نصائح ورؤى مَن يريد المساعدة في اعادة انهاض لبنان المنكوب، وهي وفق ما اوحت تنطلق من ادراكها لحراجة الوضع اللبناني ودقته. وقد كان فاتحة الحديث التركيز على ضرورة التعاطي بأعلى قدر من الايجابية والمرونة مع عروض الترسيم البحري التي نقلها الجانب الاميركي الى المسؤولين في بيروت اخيرا باعتبارها فرصة نادرة لمستقبل الاستقرار في لبنان يتعين على اللبنانيين الحيلولة دون تضييعها وتفويت فرصتها بل يجب التمسك بها والحرص عليها باعتبارها باباً من ابواب "النجاة" للاقتصاد اللبناني الذي يدرك الجميع انه يعاني أمرَّ المعاناة.وقد كان لافتا ان السفيرة اعطت حيّزا كبيرا في مداخلتها لبند تسيير ولادة الحكومة المنتظرة مع ما يقتضي ذلك من ضرورات ازالة كل العراقيل من امام ابصارها النور في اسرع وقت ممكن.وحيال ذلك التركيز الاستثنائي ترسخ استنتاج عند السامعين فحواه ان السفيرة الفرنسية في لبنان، كما سواها، تقيم على قلق ضمني مسبق من ان استحقاق اتمام اجراء الانتخابات الرئاسية في موعده الدستوري هو في حُكم المؤجل بفعل غياب العوامل التي تسمح بانتاج رئيس جديد للبلاد. والثابت في هذا السياق ان "غرييو "لم تذكر لا مباشرة ولا مداورة اسم أي مرشح رئاسي يمكن ان يفهم من كلامها ان بلادها تدعمه بل ظلت في العموميات والمواصفات والمهمات المطلوبة من الرئيس العتيد.

 

واللافت ايضا ووفق المصادر عينها ان النائب رعد كان اكثر حرصا على التطرق الى موضوع الاستحقاق الرئاسي، معيدا التذكير بالموقف المعلن الذي بات لازمة في كل خطاب سياسي للحزب وهو ضرورة ايجاد تفاهم وطني على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا يشكل استفزازا لأي مكون من المكونات السياسية للبلد وان الحزب ضد رئيس التحدي.

وفي موضوع استيلاد الحكومة المنتظرة ذكّر النائب رعد السفيرة "غرييّو "بجهود الوساطة التي يبذلها المعنيون في الحزب مع طرفَي التأليف بغية تدوير زوايا الخلاف والتباين من جهة، والتعجيل في ولادة الحكومة المكتملة المواصفات والصلاحيات التي ينتظرها الجميع من جهة اخرى.

وأضاف، كما نقلت عنه المصادر: "انتم بلا شك على بيّنة من جهودنا المكثفة المبذولة في هذا الاطار، وهي تنطلق من رغبتنا الاكيدة في رؤية مراسيم حكومة جديدة تبصر النور بالأمس قبل اليوم واليوم قبل الغد وتنال ثقة مجلس النواب الجديد انطلاقا من اعتبارين: الاول تحاشي سجال دستوري حول صلاحية حكومة تصريف الاعمال اذا شغر منصب الرئاسة الاولى، والثاني الحاجة الملحّة الى حكومة مكتملة الصلاحيات والمواصفات لتدير شؤون البلاد والعباد". وابلغ رعد ضيفته بان الحزب ماض في جهوده ودوره، علما انه كان من اوائل المحذرين من بلوغ وضع الشغور الرئاسي مع حكومة تصريف اعمال.

 

نهج جديد مختلف عن انتخابات 2016

واذا كانت السفيرة" غرييو "لم تفصح عن هوية " المرشح" الذي تفضله بلادها ليشغل قصر بعبدا بعد الرئيس ميشال عون، فان الحزب ايضا لا يزال يعتصم بالصمت وهو يعتمد نهجا آخر ومقاربة مختلفة في هذا الموضوع البالغ الحساسية بالنسبة اليه، وهذا النهج،- على ما قال احد نواب الحزب- يعتمد  على الحكمة والرويّة والموضوعية مقرونة برفع شعار مرن هو الرئيس التوافقي نقيضاً للرئيس الاستفزازي، وهو شعار حمّال أوجه، اضافة الى تأمين حرية الانتخاب للنواب بعيدا من تأثيرات السفارات (يسمي الحزب سفارتين غربية وخليجية). وثمة عنوان آخر عريض يرفعه هو ضرورة ان يكون الرئيس المقبل "محصّناً" اكثر من اي وقت مضى، وهذه الصفة هي كناية عن رفض مطلق ومسبق لتكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان بالذات، علما ان هذه العناوين والمواصفات وردت قبل اسابيع عدة على لسان السيد حسن نصرالله، وتولى قياديون آخرون من الحزب تفسيرها وتوضيحها وستكون مادة اساسية دائمة في اطلالات الحزب الاعلامية . ويركز الحزب في تعاطيه المعلن مع الملف الضاغط على المواصفات التي يرى ضرورة توافرها في الرئيس الذي سيشغل قصر بعبدا بعد حين أكثر من أي أمر. من هذه المنطلقات عينها تدير قيادة الحزب المولجة هذا الاستحقاق. فثمة اصرار الى الآن على عدم البوح باسم المرشح النهائي الذي ستصوّت له كتلة الحزب النيابية ومَن والاها يوم يدور صندوق الاقتراع في المجلس. الا ان هذا لا يعني اطلاقا ان الحزب في وارد ادارة الظهر في هذه المعركة وترك حبل الامور على غاربه للمصادفات على ما يشيعه البعض من ان الحزب لم يعد قادرا على تحمّل تبعات الرئيس المقبل بعدما "كوته" تجربة رئاسة العماد عون. فتلك اسقاطات لرغبات ليس إلا، لكن الحزب في الوقت عينه لا يرغب في الانخراط في لعبة تقود الى حرق اسماء المرشحين والمتصدين، ولا هو ايضا في وارد الدخول في بازار المساومات والمقايضات، فلا هو لاعب طرفي وأخلاقياته السياسية لا تسمح له بذلك. وعليه استطرادا لن يسمي الحزب مرشحه للرئاسة الاولى إلا بعد ان يضمن له الفوز المبين. وعليه ايضا، يقر الحزب بانه اعتمد آلية مركّبة ومعقدة لادارة الموقف، خصوصا انه ينطلق من فرضية ان ثمة وقتا متاحا وان ثمة مياها كثيرة من الآن الى اليوم الموعود ستنساب تحت جسور هذا الاستحقاق الذي بات مدار صراع اكثر من اي وقت مضى، لاسيما ان ثمة من يخوضه تحت عنوان عريض هو الحيلولة دون وصول اي مرشح يزكّيه الحزب لسدة الرئاسة الاولى مهما بلغت الاثمان.

هل هذا يعني ان الحزب ليس لديه الى الآن مرشح او اكثر يرتاح اليه اذا ما ولج عتبة قصر بعبدا مقيماً لست سنوات؟ الذين يجيدون قراءة العقل الباطني للحزب يخرجون باستنتاج فحواه انه ليس من النوع الذي يترك مجالا للمصادفات والمفاجآت في مسألة بقدر اهمية الانتخابات الرئاسية. لذلك ثمة من يقدّر بان على طاولة اتخاذ القرار في الحزب خريطة واضحة لمسار الامور ومصيرها تأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات.

ولاريب في ان هذه الخريطة قد تبدّت اكثر بعد النتائج التي اظهرتها دورة الانتخاب الاولى التي شهدتها القاعة العامة لمجلس النواب قبل بضعة ايام.

وعليه يرى الحزب بلسان النائب اياه ان هذه الجلسة كانت اكثر من جلسة كشف النيات وفق البعض، فهي اعطت صورة استشرافية لا تخطئها العين عن واقعتين هما: حقيقة الأحجام، وجوهر الانتظام.