على مدى اسبوع كامل انشغلت الاوساط الرسمية والسياسية والقضائية في بيروت في متابعة عمل الوفود القضائية الاوروبية التي انجزت الجولة الاولى من التحقيقات التي تجريها في الملفات المالية التي تحوم حولها شبهات الفساد وتبييض الاموال، وعادت الى بلدانها فرنسا والمانيا ولوكسمبورغ لتقييم نتائج التحقيقات التي اجرتها على مدى خمسة ايام واستمعت خلالها الى ثلاثة من نواب حاكم مصرف لبنان السابقين وموظفين كبار في البنك المركزي واصحاب مصارف تجارية لبنانية. ومن المقرر ان تعود الوفود القضائية الاوروبية الى لبنان في النصف الاول من شهر شباط (فبراير) المقبل للاستماع الى 18 شخصا ممن وردت اسماؤهم ضمن الاستنابة التي تسلمها القضاء اللبناني مطلع كانون الثاني ( يناير) والتي اثارت التباسا بين الجانبين قبل ادخال تعديلات على مسار الاجراءات القضائية بتوافق الطرفين، استندت الى القواعد والاصول المحددة في القوانين اللبنانية والمعاهدات والاتفاقات الدولية. وقبل ان يغادر الوفد القضائي بيروت التقوا المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات وتداولوا معه في المهمة التي قاموا بها في بيروت وابلغوه بعودتهم الى بيروت مجددا من دون ان يحددوا موعدا نهائيا لهذه العودة. وكشف عويدات ان ملف التحقيق الذي قام به الوفد في الخارج بات جاهزا، والمتعلق بملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واخرين الجاري في لبنان، لافتا الى ان الحاكم سلامة سيكون من بين الذين سيجري التحقيق معهم في الجولة المقبلة. وكانت مصادر قضائية اشارت الى ان طلب الاستماع الاجنبي الى الذين سيصار الادعاء عليهم في هذا الملف يمكن ان يجري في اي مرحلة من المراحل التي وصل اليها التحقيق الاستنطاقي امام قاضي التحقيق اللبناني. وفي وقت تساءلت اوساط مراقبة عن داعي عودة الوفد من جديد الى لبنان ما دام ملف التحقيق بات جاهزا في الخارج، استبعدت المصادر نفسها ان يكون كل مبلغ الــــ 330 مليون دولار موضوع ملف التحقيق ناتج من عمولات اكتتاب بسندات " اليورو بوند" لان هذا الاكتتاب لم يصل الى 90 مليار دولار عبر شركة "فوري" في الفترة الزمنية موضوع الشبهة في هذه القضية، مشيرة الى ان الحاكم سلامة كان متمكنا ماديا قبل تسلمه مركزه في مصرف لبنان وخلال توليه مهامه وعائدات راتبه هي الاعلى في لبنان.
اموال" فوري" عمولات مصرفية وليست من مصرف لبنان
ووفق مصادر متابعة فان الاسئلة التي طرحها اعضاء الوفد القضائي الاوروبي والتي تولى نقلها الى الشهود، قضاة لبنانيون وفقا للاصول، تمحورت في معظمها حول العمولة التي حصلت عليها شركة "فوري" التي يملكها شقيق حاكم مصرف لبنان السيد رجا سلامة نتيجة اكتتاب المصارف في سندات " اليوروبوند" واتت الافادات لتشير الى ان هذه العمولات كانت تحول من المصارف المكتتبة الى حساب الشركة في الخارج عبر "حساب ترانزيت" فتح في مصرف لبنان الذي كان عليه ان يدقق في نسبة العمولات التي تدفع الى شركة "فوري"، وبالتالي لم يتم تحويل الى " فوري" اي مبالغ مالية من حسابات مصرف لبنان، بل نتيجة عمولات تدفعها المصارف المكتتبة وفقا لقواعد العمولات في العمليات المصرفية المعتمدة. كما تناولت الاسئلة علاقة مصرف لبنان مع المصارف التي تم الاستماع الى مدراء مسؤولين فيها، اضافة الى موظف في شركة تدقيق مالية ومسؤول عن مديرية القطع في مصرف لبنان والتي تتولى تحويل المبالغ الى الخارج. وجرى تأجيل استجواب شاهدين اثنين بعدما تعذر مثولهما امام اللجنة القضائية وستتولى القاضية اللبنانية ميرنا كلاس مهمة استجوابهما وتزويد القضاة الاوروبيين بافادتيهما، كما تعذر استجواب شخص آخر ورد اسمه في المذكرة الاوروبية بعدما غادر الى لندن، لكنه تعهد بالانتقال الى لوكسمبورغ للادلاء بافادته هناك. ونقلت مصادر قضائية ان مهمة الفريق الاوروبي حققت اهدافها خلال خمسة ايام متواصلة من الاستجوابات اذ استحصلوا على ما يكفي من مستندات ووثائق وافادات لتعزيز ملفاتهم، التي باتت جاهزة ومستكملة لكل المعطيات التي تتيح لاعضاء الفريق توجيه الاتهام لاشخاص لبنانيين ومسؤولين ماليين تحوم حولهم شبهات تبييض الاموال والفساد والاختلاس". وشددت على ان القضاة الاجانب سيستمعون حتما في الجولة اللاحقة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومقربين منه، بينهم شقيقه رجا حول التحويلات المالية من لبنان الى اوروبا، والتي بلغت قيمتها 330 مليون دولار ومعرفة مصدرها"، وان تجربة التحقيق المشترك كانت مشجعة للقضاة الاوروبيين الذين عبروا للنائب العام التمييزي ( القاضي غسان عويدات) عن ارتياحهم للتعاون الذي ابداه معهم، والتي سار فيها التحقيق بشكل هادىء ومنتظم". ويفترض ان تؤسس تجربة الايام الخمسة مزيدا من التعاون، لاسيما وان النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات قال ان تقييمه لجولة التحقيق الاولى كان ايجابيا ويمكن البناء عليه لتعاون مستقبلي يخدم الملف اللبناني" وشدد على ان مجريات التحقيق احترمت المعاهدة الدولية الخاصة بمكافحة الفساد، كما احترمنا القانون اللبناني من خلال التعاون مع الاوروبيين والمشاركة في التحقيقات وادارة الجلسات بحضور قضاة لبنانيين وبكل ما يحفظ السيادة اللبنانية. ويذكر ان الوفد القضائي الاوروبي المشترك، ضم قاضيي التحقيق الفرنسيين " AUDI BURESI"و" SERGE TOURNAIRE" والمدعي العام المالي" QUENTIN DANDAY "وقاضية التحقيق في لوكسمبورغ" MARTINE KRANS" وعددا من المحققين، ومن الجانب اللبناني شارك، اضافة الى القاضي عويدات، القاضي عماد قبلان والقاضية ميرنا كلاس وهما من المحامين العامين في محكمة التمييز.
وفد فرنسي مهتم بالتحقيقات في انفجار المرفأ
وفي موازاة تحرك الوفد القضائي الاوروبي المشترك، تولى فريق قضائي فرنسي برئاسة القاضي "نيكولا اوبرتان" جمع معلومات عما وصل اليه التحقيق العدلي اللبناني في ملف تفجير مرفأ بيروت، فكانت للوفد لقاءات مع المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان والمحقق العدلي القاضي طارق البيطار الذي غاص معه اعضاء الوفد في نقاش حول المراحل التي قطعها التحقيق وما تبقى منه، والعراقيل التي تواجهه. وكشفت مصادر قضائية ان القاضي البيطار رفض اطلاع الوفد على مضمون التحقيق او تزويده باي مستند باعتبار ان يده مرفوعة عن الملف نتيجة دعاوى الرد المقامة ضده، لكنه تحدث الى الوفد ضمن الحدود التي يتيحها له القانون واعدا بتقديم المساعدة بعد عودته واستئناف التحقيق. وفي المعلومات ان القاضي البيطار ابلغ الوفد في لقائين معه، الاول في مكتبه في قصر العدل والثاني في منزله، انه ليس في وارد التنحي عن هذا الملف او الاستسلام لارادة المعطلين الذين يحاولون دفعه الى الاستقالة من هذه المهمة، مؤكدا ان التحقيق سيستمر ولن ينتهي، متمنيا ان يصل القضاء الى ايجاد مخارج قانونية تعيد اطلاق مسار التحقيق بشكل عادي ومنتظم وان يكون حلا جذريا وليس موقتا، الا ان تطورا مهما استجد على ملف التحقيق في جريمة مرفأ بيروت تمثل بعودة القاضي البيطار الى التحقيق في الملف بعد توقف استمر 13 شهرا، وذلك بناء لاجتهاد قانوني تبناه مع دراسة قانونية معللة ومبررة بمواد قانونية. وتبعا لهذه " العودة" المفاجئة- رغم انه كان يقول بانه متوقف لان يده ردت عن الملف بدعاوى عدة- قرر البيطار اخلاء سبيل بعض الموقوفين، ومنهم المدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي، وادعى على كل من الرئيس حسان دياب والنائب غازي زعيتر والوزير السابق نهاد المشنوق والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم والمدير العام لامن الدولة اللواء طوني صليبا ورئيس المجلس الاعلى للجمارك العميد اسعد طفيلي وعضو المجلس الاعلى للجمارك غراسيا القزي والقضاة غسان عويدات وغسان خوري وكارلا شواح وجاد معلوف. لكن النيابة العامة التمييزية رفضت قرارات البيطار واعتبرتها غير قانونية وعممت على الاجهزة الامنية عدم تنفيذ التبليغات واخلاءات السبيل الصادرة عن القاضي البيطار. ونشأت على الاثر مشكلة قانونية لان ثمة من اعتبر ان من حق البيطار اصدار القرارات لانها قرارات مبرمة ومن الواجب تنفيذها فورا، فيما اعتبر آخرون ان البيطار خالف القوانين المرعية الاجراء....
في اي حال، القضاء الاوروبي قام بدوره وبالموجبات المطلوبة منه، فماذا عن القضاء اللبناني؟ تقول مصادر قضائية مطعلة ان ملف حاكم مصرف لبنان وآخرين ينتظر إقامة الإدعاء العام على الأشخاص الذين طلب القاضي عويدات ملاحقتهم قبل شهرين من النيابة العامة الإستئنافية في بيروت وبينهم الحاكم سلامة وشقيقه رجا. وسبق للنائب العام التمييزي ان ذكر أن القيام بهذه الخطوة محتمة ليأخذ الملف مجراه امام قضاء التحقيق الإستنطاقي.
وتنتظر النيابة العامة الإستئنافية في بيروت ورود قرار من الرئيس الاول لمحكمة الإستئناف القاضي حبيب رزق الله الذي ينتظر ورود الملف اليه، بحسب مصادر قضائية، ليتخذ قراره بتكليف القاضي الذي سيتولى الإدعاء العام بورقة طلب. ورشح تكليف القاضي رجا حاموش بهذه المهمة وذلك تبعا لموافقة رئيس محكمة الإستئناف في بيروت القاضي نسيب إيليا على طلب تنحية النائب العام الإستئنافي في بيروت القاضي زياد ابو حيدر المقدم من الشقيقين سلامة لإبداء القاضي أبو حيدر رأيا مسبقا بالمفهوم القانوني امام وكلاء الدفاع في هذه الدعوى عندما رفض قيدها في سجلات الدعوى لانه غير مختص للنظر في هذا الملف. وأعيد تقديم طلب التنحي امام محكمة الإستئناف كون القرار الاول لا يكتسب قوة مقضية بحسب مقدميه من جهة الدفاع، باعتبار ان الفصل في عرض النائب العام التنحي، المطلوب رده بالتنحي،قد استند الى اسباب ومعطيات مختلفة عن تلك المدرجة في الطلب المقدم إليه والمتضمن الفصل باختصاصه النوعي، او استطرادا التوسع بالتحقيق الأمر الذي كان متعذرا عليه بالنظر الى الرأي المسبق المعبّر عنه من القاضي ابو حيدر تنحيه. وانتهى قرار القاضي ايليا الى رد القاضي ابو حيدر سندا الى الفقرة السادسة من المادة 120 في قانون اصول المحاكمات المدنية، مخالفا بذلك رأي القرار الاول الآيل الى رفض تنحي النائب العام الإستئنافي في بيروت. وانطلاقا من قرار القاضي ايليا سينتقل ملف الحاكم وآخرين الى المرحلة الثانية من التحقيق ما سيؤخر طلب المساعدة بموجب الإستنابة الألمانية في شأن الحاكم وآخرين بالإستناد الى إتفاق مكافحة الفساد عام 2003. ونقطة الإرتكاز المحورية في هذا الملف بيان إن كانت العمولات المقبوضة من شركة "فوري" ناتجة من اموال عامة او اموال خاصة. تجدر الاشارة الى ان القاضي عويدات تمنى تأخير موعد تعيين قاض للنظر بالملف اللبناني للحاكم سلامة" كي لا يفسره الوفد الاوروبي على انه محاولة لعرقلة اجراءاته"، باعتبار ان احالة ملف سلامة على قاضي التحقيق في بيروت قد يستدعي تأخير انجاز الاستنابات القضائية الاوروبية.