نجح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في احداث خرق نوعي ادى الى انعقاد مجلس الوزراء يوم الاربعاء الماضي في حضور 18 نائبا، اي زيادة عن النصاب القانوني بوزيرين اثنين، على رغم الاعتراض الشديد لرئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل ونواب التيار، والحملات السياسية والاعلامية العنيفة التي شنت ضد الرئيس ميقاتي ووصلت الى حد تناوله في امور ومواضيع شخصية. وتميزت جلسة الاربعاء الماضي بمشاركة وزيرين غابا عن الجلسة الاولى للحكومة وكان وقعا على كتاب اعتراضي عن تلك الجلسة، هما وزير الاقتصاد والتجارة امين سلام ووزير السياحة وليد نصار، علما انهما من المحسوبين على فريق رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون والنائب باسيل، وشكل حضورهما مفاجأة للأوساط السياسية وان كان الرئيس ميقاتي كان على يقين بحضور الوزير سلام واحيط علما قبل الجلسة بقليل بحضور الوزير نصار. لقد برر الوزيران سلام ونصار مشاركتهما في الجلسة لقطع الطريق على اي اجتهاد او تحليلات في غير موقعها فاعتبر الاول ان حضوره الى السراي الكبير ينطلق من قناعته بضرورة معالجة شؤون الناس وحاجاتهم في هذه الظروف الصعبة، لافتا الى ان الظروف التي جعلته يغيب عن الجلسة السابقة تبدلت في الجلسة الثانية بعد انجاز جدول الاعمال وفق الاصول واخذ موافقة الوزراء على بنوده. اما الوزير نصار فأشار الى ان مشاركته ليست مسايرة لجهة او تحدٍ لأي جهة اخرى انما لإصراره على الادلاء رسميا بموقفه تجاه الجلسات وآلية صدور المراسيم"، " لذلك فان حضوري محصور فقط ببنود الكهرباء والسير بخطة الطوارئ ومناقشة الخطة مع مؤسسة كهرباء لبنان واعتذاري بعد الانتهاء من البنود المذكورة ومغادرة الجلسة على الفور". واصر نصار على اعتماد التوقيع على المراسيم وفق صيغة الـــ 24 وزيرا " لانه خلال الفراغ الرئاسي الصلاحية مناطة بمجلس الوزراء مجتمعا بالوكالة، والوكالة لا تجزأ وفقا للمادة 62 من الدستور".
واذا كان الرئيس ميقاتي نجح في تفكيك الالغام التي كادت ان تودي بالجلسة الحكومية فهو حرص في موازاة ذلك، على التأكيد ان مجلس الوزراء لا يجتمع من اجل المناكفات ولا لكي يزيد الشرخ في السياسة اللبنانية" بل يجتمع من اجل خدمة الوطن بكل ما للكلمة من معنى لاننا لسنا في صدد تأمين شيء لفريق ضد فريق آخر بل من اجل ان نكون جميعا مع بعضنا البعض".
وفيما ركز ميقاتي على " الاجواء الجيدة: التي سادت في مجلس الوزراء وعلى وحدة هذا المجلس وعلى التعاون بين الوزراء، رمى " الكلمة السحرية" التي انقذت الجلسة من الانفراط قصراً وسهلت انتهائها طوعاً، حين قال:" اي وزير يريد الانسحاب من الجلسة لأي سبب كان، كأننا جميعا انسحبنا منها". وكرر ميقاتي رفضه للاصطفافات والسجالات " خصوصا اذا كانت هذه السجالات طائفية او ما شابه. وبعدما تحدث عن القرارات المتعلقة بالكهرباء تحدث عن لجنة وزارية سوف تتابع النقاط التي طرحها وزير الطاقة والمياه وليد فياض الذي غاب عن الجلسة، وفي ضوء التقارير الدورية التي سترفع لاسيما حول موضوع الجباية، فان الاعتمادات الاضافية التي طلبها الوزير فياض ستمر، " اما اذا لاحظنا تقاعسا في هذا الامر فلسنا مستعدين لصرف اموال نعلـــم ان لا جدوى من دفعها". وكــــان الرئيس ميقاتي استهـــل الجلسة بكلمــة " وجدانية" كرر فيها ما كان يعلنه دائما من ان الحكومة الحالية من موقعها الدستوري وكحكومة تصريف اعمال، ليست في وارد الحلول مكان رئيس الجمهورية او اعتبار ان البلد يمكن ان يستمر من دون رئيس. ومن المعيب تصوير الامور بما يوحي وكأن الحكومة مسؤولة عن اطالة امد الفراغ الرئاسي والتأخير بانجاز هذا الاستحقاق الذي نعود ونكرر وجوب انجازه في اقصى سرعة ممكنة باعتباره مدخلا الزاميا لانتظام عمل المؤسسات الدستورية، ومدخلا ايضا لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات وفقا لقواعد الدستور". واضاف : " جلسة اليوم هي استجابة لواجب وطني وتحمل للمسؤولية الوطنية والدستورية والاخلاقية والقانونية لتلبية احتياجات الناس الملحة في الكهرباء ولاتخاذ خطوات استباقية واحترازية لحماية الامن الغذائي للبنانيين في رغيف الخبز من خلال تأمين الاعتمادات اللازمة للقمح والطحين وسواها من العناوين والاحتياجات المعيشية والصحية التي لا تحتمل التأجيل ولا الكيد والنكد السياسيين، وهي قبل اي شيء لا يجوز تغليفها بعناوين التوتير الطائفي والمذهبي لغايات سياسية ضيقة". ان هذه الجلسة والجلسة التي سبقتها واي اجراء حكومي في المستقبل سيكون انسجاما مع منطق الدستور وصونا للشراكة والميثاق وليست على الاطلاق تحديا او استفزازا لاي طرف. وانني من موقعي كرئيس للحكومة، وفي هذه اللحظة الراهنة والدقيقة التي يتخبط بها لبنان بالأزمات والتي تكاد تمثل خطرا وجوديا على لبنان لن انصت للأصوات المتحاملة التي تصدر من هنا وهنالك. مسؤوليتي كما سائر الزملاء الوزراء، وفقا لمنطق الدستور، هي ان نتلمس ونتحسس اوجاع واحتياجات اللبنانيين الذين سئموا المناكفات وخطابات التحريض لغايات شخصية امام الخطر الذي يتهدد لبنان. قمة الميثاقية والشراكة واحترام الدستور هي ان يتحمل الجميع المسؤولية الوطنية. من هنا دعوتنا الدائمة هي للإسراع نحو التلاقي والتوافق من اجل انتخاب رئيس للجمهورية قادر على جمع اللبنانيين قبل فوات الاوان".
نحو جلسات وزارية اضافية
ومع انتهاء الجلسة، وذهاب الوزراء كل الى مكتبه او منزله، بقيت اسئلة : ماذا بعد، وهل من جلسات اخرى لمجلس الوزراء وما ستكون عليه ردة فعل النائب باسيل وفريقه على انعقاد الجلسات التي يصفها باللادستورية واللاميثاقية، لاسيما وان مشاركة الوزيرين سلام ونصار اعطت انطباعا عن حصول " تفكك" داخل هذا الفريق الوزاري الذي امتنع لأسابيع خلت، عن المشاركة في اول جلسة عقدتها حكومة الرئيس ميقاتي وهي في مرحلة تصريف الاعمال. مصادر مطلعة قالت انه بالنسبة الى السؤال الاول، فان من الواضح ان ثمة جلسات اخرى يعتزم الرئيس ميقاتي الدعوة الى عقدها تحت عنوان المواضيع الملحة التي تحتاج الى قرارات من مجلس الوزراء، وهي كثيرة في اي حال لاسيما في الشأنين التربوي والاقتصادي، اضافة الى الواقع المالي. وسينطلق الرئيس ميقاتي من واقع نصاب جلسة الاربعاء الماضي ليراكم عليه في الجلسات المقبلة بعدما ضَمِنَ مشاركة الوزير سلام وربما الوزير نصار، ما يجعل تأمين النصاب ليس حكرا على وزير الصناعة جورج بوشيكيان كما كان الحال في الجلسة الاولى، ولعل ما سوف يزيد حماسة الرئيس ميقاتي على الدعوة لجلسات اخرى، هو الموقف الذي اعلنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من ان انعقاد جلسات مجلس الوزراء في ظل تصريف الاعمال في حالة الضرورة، هو دستوري وقانوني ولم يأخذ بوجهة نظر حليفه النائب باسيل بان الجلسات غير قانونية وغير دستورية وان قال ان كل طرف سياسي حر في الاعلان عن وجهة نظره. وهذا يعني استطرادا ان اعداد جدول الاعمال الذي هو من صلاحية رئيس الحكومة " ويطلع" عليه رئيس الجمهورية، سيحتاج الى موافقة حزب الله من خلال وزيريه، اسوة بالوزراء الباقين، وهذا ما فعله ميقاتي في جدول جلسة الاربعاء الذي ارسله الى الوزراء " للاطلاع" قبل اكثر من 48 ساعة من موعد الجلسة وكان توافق ضمني مع حزب الله وحركة " امل" وعدد من الوزراء على حصر الجلسة بالبنود المتعلقة بوزارة الطاقة في ما خص الكهرباء فقط، وهذا التوافق الضمني هو الذي جعل الجلسة تمر على خير من دون اي اشكال وانهاها ميقاتي فور انجاز بنود الكهرباء وفق السيناريو الذي كان اعد سلفا، لانه لو مضى ميقاتي في مناقشة البنود الاخرى التي كان وضعها على جدول الاعمال، رغم اهميتها ودقتها والحاجة اليها، لكان سيؤدي ذلك الى انسحاب وزيري حزب الله والوزير نصار، ما يعني سقوط النصاب وتفرق الوزراء" على زعل" مع رئيسهم! وعليه تؤكد المصادر نفسها انه يجب انتظار جلسات اخرى خلال الشهر الحالي بعناوين مسائل ملحة مماثلة لوضع الكهرباء.
الهوة تتسع بين باسيل وحزب الله
اما السؤال الثاني حول ردة فعل النائب باسيل وفريقه، فهو في الواقع الاهم والاكثر دقة، وهو ينقسم الى شقين، الاول ردة الفعل حيال رئيس الحكومة، والشق الثاني ردة الفعل حيال حزب الله الحليف الذي باتت الهوة تزداد اتساعا بينهما. بالنسبة الى الشق الاول تقول المصادر بان حملة باسيل وفريقه على الرئيس ميقاتي سوف تزداد ويرتفع منسوبها تباعا وسوف ينتقل من الكلام الى الفعل، بمعنى ان الاعتراض لن يبقى في البيانات والتصريحات و" الجيش الالكتروني"، بل قد ينتقل الى الشارع في تظاهرات متفرقة تحت عناوين مطلبية وخدماتية، اضافة الى خطوات تصعيدية اضافية لن تكون بينها مراجعة مجلس شورى الدولة كما حصل في الجلسة السابقة لان قرارات جلسة الاربعاء الماضي اقتصرت على مسائل الكهرباء، الامر الذي لا يتحمل باسيل وفريقه الاعتراض عليه لانه يمس مصالح الناس مباشرة من خلال تأمين التيار الكهربائي ولو لاربع ساعات او اقل. ويعرف الرئيس ميقاتي ان باسيل سيواصل " حملاته" عليه شخصيا وليس على الحكومة التي فيها وزراء يمثلونه مع الرئيس عون، لذلك ستركز السهام على رئيس الحكومة من دون الوزراء وفق برنامج ممنهج وضعت خطوطه العريضة قبل مدة وسوف تحلّ ساعة الصفر خلال الايام القليلة المقبلة. اما في الشق المتعلق بحزب الله، فان المصادر المطلعة تتحدث عن ارتفاع منسوب الانزعاج لدى باسيل وفريقه من مواقف الحزب في ما خص مقاربة الموضوع الحكومي وجلسات مجلس الوزراء بالتزامن مع الاشارات غير الودية التي سجلت خلال الاسابيع الماضية وابقت الابواب موصدة امام عودة التواصل بين حزب الله و" التيار الوطني الحر" ما وضع على المحك مصير " تفاهم مار مخايل" الموقع من الحزبين في شباط ( فبراير) من العام 2006، لاسيما وان باسيل مقتنع بان ميقاتي ما كان ليدعو الى جلسات مجلس الوزراء من دون التشاور المسبق مع الرئيس نبيه بري الذي يتواصل مع حزب الله ويتحرك " الخليلان" لاستكمال الصورة، ما يجعل " الثنائي الشيعي" شريكا فعليا في تحديد معايير وضع جدول الاعمال وتقييم مواصفات البنود ومطابقتها على " حصر البنود بالملح والضروري الذي يعني حاجات اللبنانيين".
وترى المصادر نفسها ان انعقاد جلسة الاربعاء والمشاركة فيها من وزيرين محسوبين على فريق عون- باسيل وبــ " مباركة" حزب الله، ادى الى تهديد الشراكة بين " الحزب" و" التيار" وصولا ربما الى الافتراق لان انعقاد الجلسة " حشر" النائب باسيل لانه وجد نفسه وحيدا في مواجهة الرئيس ميقاتي والفريق الداعم له، خصوصا ان خصومه في الشارع المسيحي يرفضون مجاراته في تصعيده السياسي. لذلك فان علاقة باسيل بــ حزب الله بعد انعقاد الجلسة ستكون امام مفترق طريق يطغى عليه المزيد من التأزم في ضوء انقطاع التواصل بين الحليفين باستثناء الاتصال الذي اجراه باسيل بمسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، وبقي محصورا باطمئنانه على صحة السيد نصر الله بعد اضطراره الى تأجيل اطلالته على جمهوره ومحازبيه لاسباب صحية. ولم يتطرق الى الشأن السياسي، وبقي محصورا بالاطمئنان على صحة السيد من دون الاتفاق على موعد لمعاودة التواصل الذي انقطع فور انفضاض لقاء باسيل مع امين عام الحزب الذي لم يكن مريحا وكان متعبا للغاية على خلفية الاختلاف في مقاربتهما لانتخاب رئيس للجمهورية.
وتحدثت المصادر نفسها ان باسيل دخل في مهادنة مع " الثنائي الشيعي" سبقت اجراء الانتخابات النيابية رغبة منه في زيادة حصته النيابية بتأمين فوز عدد من النواب على لوائحه، لكنه يأخذ على الحزب عدم وقوفه إلى جانبه في مكافحة الفساد وإخلاله بالشراكة، سواء بدعمه ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، مع أنه لا يحظى بالحيثية المسيحية التي يتمتع بها رئيس أكبر كتلة نيابية، أو بمشاركته في جلسة مجلس الوزراء، بدلاً من أن يأخذ بوجهة نظر حليفه الذي يغيب عنها بدلاً من التضامن معه، بذريعة أنها تفتقر إلى الميثاقية في ظل الشغور الرئاسي، وهذا ما يتيح لميقاتي وضع يده على الصلاحيات المناطة برئيس الجمهورية. وترى مصادر مطلعة ان تعويم ورقة التفاهم بات مستحيلاً ولا يمكن ترميمه إلا إذا توافقا على حصر تعاونهما على القطعة لافتقارهما إلى السقف السياسي الذي كان يؤمّنه تفاهمهما الذي أُفرغ من محتواه السياسي بعد أن أسهم في انتخاب عون رئيساً للجمهورية. لذلك، لم تعد الحرب الدائرة بين الحليفين، وإن اقتصر اشتعالها على جانب واحد والمقصود به " التيار الوطني" ، موضع اهتمام محلي فحسب، وإنما تجاوزته إلى الخارج بمواكبة يومية من معظم السفراء في لبنان للمسار العام الذي بلغته حتى الساعة للتأكد من مدى جدية باسيل بالتمايز عن حليفه ورفضه التسليم بشروطه من ناحية، وما إذا كان القالب السياسي الناظم لتحالفهما قد انكسر وأصبحت ورقة التفاهم من الماضي، رغم أن الحزب يترك لباسيل "دفنه" بصورة رسمية، خصوصا ان السيد نصر الله قال في اطلالته الاعلامية ان الحزب لن يسحب يده من " التيار" الا اذا " التيار " سحب يده!
في أي حال، تداعيات جلسة الاربعاء ستكون قريبة واول الغيث ارتفاع منسوب القطيعة بين " التيار الوطني الحر" و حزب الله....