مرة جديدة يوضع المجلس الدستوري، رئيسا واعضاء امام امتحان صعب في مواجهة مجلس النواب الذي مدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية سنة لتعذر اجراء الانتخابات في الظرف الراهن لاسباب المعلن منها انها اسباب لوجستية وتعذر تأمين الاعتمادات المالية التي ستصرف على هذه الانتخابات، وغير المعلن منها وجود ارادة لدى " الثنائي الشيعي" والحزب التقدمي الاشتراكي " والتيار الوطني الحر" و"المردة" بعدم اجراء هذا الانتخابات في الوقت الراهن والتذرع بالشغور الرئاسي من جهة وبالشق المالي من جهة ثانية، في مقابل ارادة اخرى عمادها حزب " القوات اللبنانية" وحزب الكتائب ونواب التغيير وعدد من النواب المستقلين تدعو الى اجراء هذا الاستفتاء لمعركة توجهات المواطنين وخياراتهم. من هنا ولدت سلسلة طعون قدمها نواب من هذا الاحزاب والمستقلين و" التغييريين" امام المجلس الدستوري الذي سارع الى تعليق العمل بقانون التمديد في وقت عين رئيسه القاضي طنوس مشلب مقررا من اعضاء المجلس لاعداد التقرير الذي ستبنى المناقشات عليه تمهيدا لاتخاذ القرار. وهكذا اصبح القانون الذي يحمل الرقم 310/2023 الصادر في 19 نيسان ( ابريل) الماضي معلقا بكل مفاعيله لتبدأ المواجهة بين السلطة التشريعية والمجلس الدستوري وسط حملات اعلامية وسياسية تدعو المجلس الى عدم القبول بالقانون واعتباره غير دستوري وبالتالي اسقاطه تحت شعار عدم افراغ الحياة الديمقراطية ونسف كل عمل انتخابي من شأنه ان يعبر عن ارادة اللبنانيين الذين يعيشون راهنا ظروف صعبة على مختلف المستويات.
والعودة بالذاكرة الى وقائع سابقة، تبين انها ليست المرة الاولى التي تحصل فيها هذه المواجهة بين مجلس النواب والمجلس الدستوري على خلفية التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، علما ان التمديد حصل مرات عدة قبل انشاء المجلس الدستوري بموجب اتفاق الطائف والدستور. ذلك انه من العام 1967 وحتى العام 1998 اقر مجلس النواب 21 قانونا للتمديد. وفي تاريخ 22/4/1997، أي قبل حوالى الشهرين من انتهاء ولاية البلديات والمخاتير، طلبت الحكومة آنذاك إلى المجلس النيابي إقرار مشروع قانون معجّل بتمديد ولاية هذه المجالس واللجان حتى تاريخ اقصاه 30/4/1998. وبتاريخ 9/7/1998، انعقد المجلس النيابي وأقرّ التمديد حتى مهلة أقصاها 30/4/1999. غير أنّ المجلس الدستوري قد أبطل القانون، مُعلّلاً أسبابه أنّ «التمديد لم يُبرّر بأي ظروف استثنائية تبرّره بدليل قيام الدولة باجراء انتخابات نيابية سنة 1992 وسنة 1996 وانتخابات فرعية في سنة 1994 وسنة 1997. فيكون هذا التمديد قد عطّل مبدأ دستوريّاً هو مبدأ دورية الإنتخاب، وحرم الناخب من ممارسة حق الإقتراع خلافاً للمادة 7 من الدستور وحال دون حقّ الجماعات المحليّة في إدارة شؤونها الذاتية بحريّة تطبيقاً للمفهوم الديموقراطي الذي نصّت عليه مقدمة الدستور. ويعتقد المتابعون لهذا الملف ان ثمة احتمالات كبيرة بان يبني المجلس الدستوري على هذه السابقة لاتخاذ قراره بابطال التمديد لاسيما وان ثمة من يعتبر ان لا اسباب موجبة للتمديد ولا ظروف استثنائية او قاهرة تمنع اجراء الانتخابات، خصوصا انه في المادة التاسعة من القانون عبارة ان البلديات الحالية او الجديدة مهمتها مستحيلة فليس لديها الاموال " لتسكير جورة" او " فتح مجرور" لان مثل هذه الحجة لا يمكن القبول بها من حيث المنطق ووسائل الاقناع. وهكذا سيجد المجلس الدستوري نفسه مضطرا الى البت بالطعون سلبا او ايجابا قبل نهاية شهر ايار ( مايو) الجاري موعد انتهاء ولاية المجالس البلدية والاختيارية، فاذا قبل الطعون والغى القانون تصبح الحكومة في وضع حرج لانها مضطرة للدعوة الى اجراء الانتخابات خلال فترة زمنية قصيرة قد تكون في شهر ايلول ( سبتمبر) المقبل. وفي حال رفض الطعون او عدم صدور قرار عن المجلس الدستوري، كما حصل في مرات عدة كان آخرها لدى درس الطعون في قانون الانتخابات النيابية في نيسان ( ابريل) 2022، فان القانون سيكون نافذا والتمديد يصبح " امرا واقعا". وفي هذا السياق، تتخوف مصادر ترفض التمديد، من ان يعطل المجلس الدستوري نفسه ولا يتوصل الاعضاء فيه الى قرار لاعتبارات سياسية نظرا لكون عدد من اعضاء المجلس عينوا من قبل مرجعيات سياسية لها تأثيرها وقادرة على ان تطلب من هؤلاء الاعضاء الامتناع عن الحضور او عدم اصدار القرار، وهذه فرضية مطروحة بقوة قياسا الى سوابق مماثلة حصلت في الماضي القريب. من هنا يأتي اصرار رئيس المجلس القاضي طنوس مشلب على ان المجلس الدستوري سيقوم بواجبه كاملا مجددا الثقة بزملائه الاعضاء وموضوعيتهم وعدم خضوعهم لاي " ضغوط" من اي جهة اتت!
وفي انتظار تصاعد الدخان الابيض، او الاسود، من المجلس الدستوري، فان التطور الابرز كان في القرار الذي اتخذه المجلس بتعليق مفعول القانون المطعون به الذي اعتبر البعض انه يؤشر الى توجه ما قد يصل الى القبول بالطعن واسقاط القانون او ربما لتفادي نتائج ومفاعيل قانونية معينة، علما ان تعليق مفعول القانون هو من صلب صلاحيات المجلس الدستوري، وهذا يعني ان القانون المطعون به معلق وغير نافذ ما يرتب ايضا مفاعيل اخرى ابرزها انه من الناحية الاجرائية فان قرار التعليق يعني أن قرار وزير الداخلية والبلديات بشأن دعوة الهيئات الناخبة عاد إلى السريان لأنّ قانون التمديد هو من علّق مفعول هذا القرار، وبالتالي تعود الأمور إلى ما قبل صدور قانون التمديد». وإذا صدر قرار بقبول الطعن، فهذا يعني أنّ الحكومة ستكون ملزمة بإجراء الإنتخابات كما حصل عندما طُعن بالقانون عام 1997 وقُبل الطعن وأجريت الإنتخابات البلدية والإختيارية عام 1998، ولا شك أنّ هناك فترة فراغ ستحصل ما بين صدور قرار قبول الطعن وإجراء الإنتخابات، إلا إذا بادر مجلس النواب وأقرّ قانوناً يُغطي هذه الفترة ويُعالج الفراغ بتمديد تقني لفترة محدودة تحضيراً للإنتخابات.
ويُراهن الطاعنون على الشفافية التي أبرزها رئيس المجلس الدستوري في التعامل مع الطعون النيابية، وعدم السماح للتدخّلات والضغوط السياسية بالتأثير على المجلس، ولكنّ الأمر يبقى رهن تأمين الأكثرية المطلوبة للتصويت ورهن تأمين النصاب المطلوب لإتخاذ القرار، وإلا فإنّ إنقضاء المهلة المعطاة للمجلس الدستوري من دون صدور القرار يجعل قانون التمديد نافذاً .
وللتذكير، فإنّ هناك تشابهاً وتطابقاً بين طعن العام 1997 والطعن الحالي لجهة استناد المجلس الدستوري بقبوله للطعن وإبطال قانون التمديد، إلى عبارة «ضمن مهلة أقصاها» لإجراء الإنتخابات من قبل الحكومة، حيث إعتبر المجلس الدستوري حينها أن تحديد تاريخ إجراء الإنتخابات يحتاج إلى قانون وليس من إختصاص السلطة الإدارية، ونفس النص ورد في قانون التمديد الحالي، حيث ترك للحكومة قرار إجراء الإنتخابات في مهلة أقصاها 31 أيار ( مايو) 2024.