تفاصيل الخبر

موازنة 2022 تتأرجح بين اعادة الى مجلس النواب ورفض عون توقيعها لتصدر بعد المهلة الدستورية!

12/10/2022
موازنة 2022 تتأرجح بين اعادة الى مجلس النواب ورفض عون توقيعها لتصدر بعد المهلة الدستورية!

مجلس النواب خلال مناقشة الموازنة

  

يتجه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى عدم توقيع على قانون الموازنة للعام 2022 الذي اقره مجلس النواب في نهاية الشهر الماضي من دون ان يكون في باله ان يرد القانون لان الوقت لم يعد يسمح باعادة درسه من جديد مع اقتراب نهاية ولاية رئيس الجمهورية في 31 تشرين الاول ( اكتوبر) الجاري، وبالتالي سيؤدي عدم توقيع الرئيس على القانون على جعله نافذا حكما بعد مرور شهر على اقراره اي في 26 تشرين الاول( اكتوبر) الجاري. وتبذل مساع مع الرئيس عون من اجل توقيعه، لكنه لا يبدو مقتنعا بوضع امضائه على القانون كي لا يسجل سابقة انه وافق على موازنة فيها الكثير من الثغرات التي افرزت اعتراضات نيابية وشعبية تركزت خصوصا على عدم واقعية ارقامها من جهة، وعدم ضمان الوصول الى موارد كالتي رجح وزير المال يوسف الخليل تحقيقها وبنى عليها العجز المسجل فيها ، على رغم ان الدولار الجمركي سيرتفع ابتداء من الاول من تشرين الثاني ( نوفمبر) من 1507 ليرات لبنانية الى 15 الف ليرة لبنانية، وهو الامر الذي لاقى ايضا اعتراضا لدى الكثيرين. ويقول مطلعون على موقف رئيس الجمهورية ان عدم توقيعه على قانون الموازنة- في حال كان هذا هو الخيار – لن يقدم ولن يؤخر لاسيما وان القانون سوف يصدر بعد انتهاء المهلة الدستورية ويصبح نافذا حكما، اضافة الى انه لم يبق من سنة 2022 سوى شهري تشرين الثاني ( نوفمبر) وكانون الاول( ديسمبر) لان الصرف مستمر منذ مطلع  السنة على اساس القاعدة الاثني عشرية. الا ان ثمة من يرى بان صدور الموازنة وجعلها نافذة يفسح في المجال امام الصرف في العام 2023 على اساس ارقام موازنة 2022 وكذلك جباية الرسوم والضرائب، خصوصا ان موازنة 2023 التي تعمل الحكومة على اعداد مشروعها حاليا قد لا تبصر النور في حال حصل شغور رئاسي بعد انتهاء عهد الرئيس عون وتعذر بالتالي تشكيل حكومة جديدة لغياب الرئيس العتيد وتعذر انعقاد مجلس الوزراء، اذا ما استمرت حكومة تصريف الاعمال في ادارة شؤون الدولة وصلاحيات الرئيس وكالة.

 

وفي هذا السياق، تقول مصادر قانونية ان فرضية عدم اقرار مشروع قانون موازنة 2023 يمكن تجاوزها لان الحكومة القائمة، سواء كانت كاملة الاوصاف او لم تكن، قادرة على تقديم مشروع موازنة الى مجلس النواب الذي يحتفظ لنفسه- حسب نظرية الرئيس نبيه بري- بالتشريع ولو في ظل الشغور الرئاسي او في حالة تصريف الاعمال لانه سبق لحكومة الرئيس ميقاتي في عهد الرئيس ميشال سليمان والتي كانت تصرف الاعمال، ان التأمت في جلسة لمجلس الوزراء واقرت فتح اعتمادات اضافية في مشروع موازنة تلك السنة ( 2011) وصوّت عليه مجلس النواب وصار نافذا. وبالتالي فان لا خوف من تعذر الوصول الى اقرار مشروع موازنة 2023 في حال الشغور الرئاسي لان الحكومة القائمة، مهما كان توصيفها يمكن نشر القانون بعد اقراره في مجلس النواب لانها تمارس بذلك احدى صلاحيات رئيس الجمهورية التي تكون قد انتقلت اليها بحكم الدستور طوال فترة الشغور الرئاسي، علما ان مجلس النواب " سيد نفسه" وقادر بالتالي على التشريع بصرف النظر عن وجود رئيس للجمهورية ام لا، علما ان غياب الرئيس يفقد المركز الاول في الدولة حق رد القوانين وطلب اعادة النظر فيها، كما تسقط ايضا امكانية الطعن باي قانون يقره مجلس النواب امام المجلس الدستوري. وتضيف المصادر ان نظرية Raison d’état  التي تترجم سياسيا بعبارة " مصلحة البلاد العليا" يمكن اعتمادها في مثل هذه الحالات لان البلاد لا يمكن ان تبقى من دون موازنة عامة من جهة، وان المشترع اوجد بدائل ومخارج للحالات المماثلة. علما ان مثل هذه الحالات سوف تنشىء جدلا دستوريا بدأت تلوح ملامحه في الافق منذ اليوم، مع تعدد المقاربات الدستورية في هذا الصدد في ظل اجتهادات كثيرة تصدر يوما بعد يوم في وسائل الاعلام. وتوقعت مصادر نيابية ان يتأخر صدور الموازنة بشكل نهائي بعدما اعيد نص القانون الى مجلس النواب الاسبوع الماضي لوجود اخطاء بالارقام الواردة فيه، فضلا عن اضافة مواد تبين انها لم تقر في الجلسة النيابية التي درست الموازنة وصوت عليها النواب. وقد اثار نواب كتلة " التيار الوطني الحر" ما وصفوه " بالتجاوزات" التي حصلت بعيد اقرار الموازنة في مجلس النواب، علما ان هذه المسألة تقود الى مواجهة جديدة بين المجلس ونواب " التيار" ورئيسه جبران باسيل.

موازنة الارقام المبالغ فيها

تجدر الاشارة الى ان ملاحظات عدة وضعتها جهات مالية متخصصة على قانون الموازنة منها ان الموازنة تضمّنت هذه الموازنة تسديد فوائد الدين العام بقيمة 3570 مليار ليرة فقط، إلّا أنّ هذا المبلغ لا يشمل استحقاقات سندات الخزينة بالعملة الأجنبية (يوروبوندز) والفوائد المترتبة عليها والمقدرة لغاية اليوم بنحو 13.4 مليار دولار، أي ما يساوي 95% من الناتج المحلي الإجمالي، إذ ما زالت وزارة المال تحتسب استحقاقات هذه السندات باعتبارها متأخّرات لم يتم إدخالها في حساب الدين العام بذريعة أن هذا الدين عرضة للاقتطاع حين تجري إعادة هيكلة الدين العام، وبالتالي ليس واضحاً ما هي المبالغ التي ستترتب على الخزينة. لقد اختارت الدولة أن تتجاهل وجود دين مستحق بالعملة الأجنبية بشكل كامل. حتى إنها لم تتكلّف عناء اتخاذ مؤونات احتياطية لمواجهة قسم من هذا الدين. فلم توضع أي سيناريوهات عن الحدّ الأدنى المتوجّب على لبنان دفعه للدائنين، ولا سيما الدائنين الأجانب، وبالتالي تضمين هذه المبالغ في الموازنة لإظهار حجم الدين الفعلي ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي. فمثل هذه السيناريوهات ليست ضرورية فقط لمراقبة الدين العام وعجز الخزينة، إنما هي حيوية لتطبيق القاعدة التي يفرضها صندوق النقد الدولي على المقترضين بأن يكون الدين العام مستداماً. والمؤشّر على ذلك هو نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي التي يجب أن تكون أقلّ من 100% ضمن فترة متوسطة المدى. ولا يجب أن نغفل أن مصرف لبنان طلب من المصارف احتساب خسائر متوقعة على توظيفاتهم في سندات اليوروبوندز بنسبة 45% من قيمتها. وهناك دراسة أجراها البنك الدولي في تقريره الأخير بعنوان "بونز المالية العامة في لبنان" تحدّد السيناريو الأسوأ والسيناريو الأفضل للبنان بعد معاينة عمليات الهيركات على السندات منذ عام 1978 لغاية 2020، إذ تبيّن أن أقلّ نسبة هيركات كانت 7% في الأورغواي العام 2003، وأعلى نسبة هي 75% في الأرجنتين العام 2005، علماً أن في اليونان بلغت 65% في 2012. بخلاصة الدراسة تبيّن أن السيناريو الجيد للبنان هو اقتطاع 50%، والسيناريو الأسوأ هو اقتطاع 25%.. وبالتالي فان التسليم بان سندات اليوروبوندز قابلة للاقتطاع من دون اي خطوات استدراكية، امر فيه الكثير من الاهمال والتقصير، سواء من وزارة المال او الحكومة او من مجلس النواب. والملفت انه في الساعات الاخيرة من جلسة مجلس النواب تم الاتفاق على زيادة الايرادات بقيمة تزيد عن 6 الاف مليار ليرة

 

وتساءلت الجهات المالية نفسها عن الذي يحصل لو تمت اضافة المتأخرات المترتبة على الدولة في العام 2022، الى إلى الموازنة، أي ما قيمته 4 مليارات دولار؟ ماذا لو اعتبرنا أن نصف هذا المبلغ فقط سيترتب على الخزينة؟ أو ثلثه؟ وماذا أيضاً لو أضفنا كل المتأخرات منذ 2020 لغاية اليوم، أي ما قيمته 13.4 مليار دولار؟ كيف سيكون شكل الموازنة عندئذ؟
في الواقع، المسألة الأولى التي يفترض حسمها قبل كل ذلك، هو أي سعر صرف سيعتمد لتسديد هذه المتأخرات. فهي أموال مستحقة للخارج على لبنان، وبالتالي ستُسدّد بالعملة الأجنبية حصراً. والخيارات المتاحة هنا أن تسدّد هذه الأموال من سيولة مصرف لبنان ولن يحتسبها أقلّ من 15 ألف ليرة إذا تبنّت الحكومة تعديل سعر الصرف إلى هذا المستوى، أو لن يوافق مصرف لبنان على احتسابها أقلّ من سعر صيرفة البالغ 29800 ليرة. بهذا المعنى، فإن احتساب ثلث المتأخّرات لعام 2022 وحده، أي ما يوازي 1.33 مليار دولار، ستبلغ وفق سعر صرف 15 ألف ليرة، نحو 20 ألف مليار ليرة، ما يعني أن نفقات الموازنة ستزداد من 40873 مليار ليرة إلى نحو 61 ألف مليار ليرة، والعجز سيفوق 30 ألف مليار ليرة. رغم ذلك، ثمة ما يوجب احتساب ثلث كل المتأخرات باعتبار أن لبنان تمكن من انتزاع اتفاق مع الدائنين على اقتطاع 70% من الديون، فهذا يعني أن قيمة ما سيترتّب على لبنان سيبلغ 4 مليارات دولار، أي 29% من الناتج المحلي الإجمالي، وما يفوق 5 أضعاف إيرادات الموازنة. وستزداد قيمة النفقات إلى 100 ألف مليار ليرة إذا احتسبت هذه الديون على سعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة، ومعها سيرتفع العجز إلى 71 ألف مليار ليرة.

 

عائدات الاتصالات لسد العجز

تجدر الاشارة الى انه وفق أرقام موازنة 2022، سيغذّي قطاع الاتصالات خزينة الدولة بـ3200 مليار ليرة. تقرّر إدراج هذا المبلغ ضمن الإيرادات في ربع الساعة الأخير أثناء مناقشة مشروع الموازنة في مجلس النواب. وبحسب تفسير وزير الاتصالات جوني قرم، فقد جرى اقتطاع 40 مليون دولار من النفقات الاستثمارية التي كانت مرصودة للقطاع، وأدرجت كإيرادات سيتم تحويلها إلى الخزينة خلال الأشهر المتبقية من السنة. أي أنه جرى تعديل الأولويات لتصبح الأهمية لرفد الخزينة بالتحويلات المالية بدلاً من الاستثمار في الشبكة وتحسين جودة الاتصالات والحفاظ على قيمة القطاع. وكالعادة جرى التعامل مع قطاع الاتصالات باعتباره مصدراً للإيرادات. هذا القطاع كان على شفير السقوط قبل بضعة أشهر بسبب ارتفاع الأكلاف التشغيلية أضعاف الكلفة، إلا أنه في الجلسة الأخيرة للحكومة قبل تحوّلها إلى تصريف الأعمال، أقرّ من خارج جدول الأعمال بناء على اقتراح الوزير قرم، زيادة أسعار الاتصالات 5 أضعاف في شركتي الخليوي وضعفين ونصف في هيئة "أوجيرو". هكذا ازداد تقدير الإيرادات لتبلغ نحو 11 ألف مليار ليرة. يتوزّع هذا المبلغ بين كلفة تشغيلية تقدّر بنحو 255 مليون دولار، ومصاريف استثمارية بنحو 40 مليون دولار.  والمعروف ان المصاريف الاستثمارية في هذا القطاع ليست أمراً عابراً، بل هي ضرورية لأنها لا تحسّن أداء الشبكة فحسب، بل تحافظ أيضاً على قيمة القطاع وعلى مستوى تطوّره التكنولوجي. لكن قرم، وبالاستناد إلى معايير سياسية، قرّر أن يسحب هذه الـ40 مليون دولار التي جرى تمويلها من الإيرادات، أي من فواتير المشتركين وزيادة الأسعار الأخيرة، ويقدّمها هديّة للقوى السياسية الراغبة في نفخ إيرادات الموازنة وتقليص عجزها. وقرم لا يكتفي بذلك، بل يشير إلى أنه لو "طبّقت التعرفة الجديدة منذ بداية العام لكان القطاع أرفد الخزينة بـ6375 ملياراً"، أي ما نسبته 58.2% من مجمل إيرادات القطاع بفارق أقل من 1% عن عام 2018 يوم شكّلت واردات الخزينة من الاتصالات 57.5% من مجمل الإيرادات.