تفاصيل الخبر

زيارة الوفد القضائي الاوروبي تثير اشكالات قانونية وسيادية واتجاه الى حصر التعاون ضمن القوانين اللبنانية....

04/01/2023
زيارة الوفد القضائي الاوروبي تثير اشكالات قانونية وسيادية واتجاه الى حصر التعاون ضمن القوانين اللبنانية....

حاكم مصرف  لبنان رياض سلامة

 

مع بداية العام الجديد، سوف تبرز قضية خلافية جديدة محورها هذه المرة القضاء في لبنان الذذي تبلغ عن وصول قضاة اوروبيين من فرنسا والمانيا ولوكسمبورغ خلال الايام القليلة المقبلة للتحقيق مع مصرفيين ومسؤولين في المصرف المركزي يأتي في طليعتهم حاكمه رياض سلامه في قضايا تتصل بتبييض اموال وتحويلات ملتبسة الى الخارج ودفع رشاوى. وبين اعضاء الوفد القضائي قضاة تحقيق ومدعين عامين لاجراء استجوابات، ومع هؤلاء لوائح باسماء اشخاص قيل ان عددهم يناهز الــــ 25 شخصا. اما المشكلة التي يتوقع ان يثيرها وصول هذا الوفد، فهيا تتطرح تساؤلات عن السيادة الوطنية المتمثلة بالقضاء اللبناني بشخص المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، لاسيما وان القوانين اللبنانية تجيز للقضاء اللبناني بالتحقيق في مثل هذه الجرائم والعمليات المصرفية والتحويلات ومدى ارتباطها بعمليات فساد. ولعل هذا الواقع هو الذي اثار استياء الاوساط القضائية خصوصا لجهة الاسلوب الذي اعتمد في مخاطبة السلطات اللبنانية ما اثار الشكوك حول طبيعة التعاطي المستجد مع لبنان لاسيما بعدما تبين ان المراجع القضائية في الدول الاوروبية المذكورة اكتفت بتبليغ القضاء اللبناني مواعيد قدوم وفودها الى بيروت لاجراء التحقيقات مع هؤلاء الاشخاص من دون ان تطلب المساعدة من القضاء اللبناني او التعاون معه وهو ما يشكل عمليا التفافا على صلاحيات القضاء المحلي. واللافت ان هذا التطور جاء في ظل  تجميد ملف التحقيق مع الحاكم سلامة وعدم ادعاء النيابة العامة عليه، لكن مراجع قانونية ترى ان ما سوف يحصل في الاتي من الايام مع وصول الوفد الى بيروت يشكل سابقة ومخالفة صريحة للقانون اللبناني لا تتوافق مع الانظمة المرعية الاجراء وانتهاكا للسيادة اللبنانية. وتضيف المراجع نفسها، أن «إجراء أي تحقيق على الأراضي اللبنانية هو من اختصاص القضاء اللبناني دون سواه، والقانون لا يسمح لسلطة أجنبية بأن تحقق بأي ملف عالق في لبنان، إلا بموجب استنابة قضائية، يعود للقضاة اللبنانيين حصراً حق تنفيذها والاستجواب فيها بحضور قضاة من الدولة صاحبة الاستنابة». وسألت: «إذا أرادت هذه الدولة استجواب سلامة ورفاقه في الملفات العالقة لديها، لماذا لم يجر استدعاؤه إلى أوروبا؟ وهل يعني ذلك ممارسة وصاية على القضاء اللبناني؟".

 

في المقابل، تقول المراجع القضائية انه رغم الاعتراض اللبناني على هذا الأسلوب، إلا أن عدم تسهيل مهمة الوفود الأوروبية سيرتب على لبنان نتائج سلبية، خصوصاً أن لبنان يتطلع في هذه المرحلة إلى دعم أوروبا والمجتمع الدولي لتخطي أزماته السياسية والمالية والاقتصادية، ورجحت المصادر أن «يؤسس ذلك لدخول مباشر على التحقيق اللبناني في ملفات البنك المركزي والمصارف التجارية». وتخوفت في الوقت نفسه أن «تنسحب هذه السابقة على ملفات أخرى، مثل قضية انفجار مرفأ بيروت أو حادثة مقتل الجندي الآيرلندي، بما يفقد لبنان سيادته القضائية». وذكرت المصادر بأن «اتفاقية مكافحة الفساد التي وقع عليها لبنان، تنص على التزام الدولة بتنفيذ الطلبات الأجنبية إذا كانت متوافقة مع القانون اللبناني". لذلك وقع هذا التطور المفاجئ وضع لبنان أمام خيارات صعبة للغاية، خصوصاً أن التدابير القضائية الأوروبية لا يمكن حلها عبر تسويات سياسية كالتي تحصل في لبنان، وبرأي الأوساط نفسها أن «الإصرار على هذا المنحى سيخلق أزمة جديدة بين لبنان والدول المذكورة»، لافتة إلى «غياب الآلية التي ترعى طريقة استدعاء المطلوب استجوابهم، ومكان حصول الاستجوابات وما إذا كانت داخل قصر العدل في بيروت أم خارجه، وهل سيتخذ القضاة الأجانب إجراءات بحق المستجوبين أو بعضهم ومن ينفذها؟». وشددت على أن «الطريق الصحيح الذي يجب سلوكه، يكمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية يكون لبنان جزءاً منها، على أن تشكل باتفاق مسبق مع الحكومة اللبنانية مع تحديد مهامها ودورها مسبقاً».

 

ما هي طبيعة زيارة الوفد القضائي الحقيقية؟

من الواضح في زيارة الوفد القضائي الاوروبي وجود اعتبارات واسباب دفعت الى هذه الخطوة، علما ان القضاء اللبناني دأب دائما على تسلم طلبات مساعدة من دول أجنبية تسبق الحضور الى لبنان وفقا للأصول المرعية لتحمل موافقة السلطات اللبنانية المسبقة، على ان تتمثل هذه المساعدة بحضور القاضي اللبناني المختص الواضع يده على الملف موضوع طلب المساعدة في حال وجودها، ويتولى طرح الأسئلة على المطلوب الإستماع الى إفادته في حضور الفريق الأجنبي من دون ان يحق له طرح أسئلة مباشرة عليه، كون هذه الأصول المتبعة تدخل في مفهوم السيادة الوطنية للدولة وسيادة القضاء اللبناني المتمثل بالنائب العام التمييزي الذي يوافق على طلب المساعدة من عدمها. وهو ما دأبت النيابة العامة التمييزية على اعتماده في تعاقب رؤسائها، ومنهم النائب العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي الذي طرح سؤالا عن طبيعة حضور الوفد القضائي الأوروبي الى لبنان، مدرجا هذه الزيارة تحت احتمالين. الأول إما لطلب الحصول على معلومات في ملف قيد التحقيق لديهم. والإحتمال الثاني ان تتصل بوجود سبب لإجراء تحقيق قضائي. وفي الحالتين يقول:"لا يمكن للوفد الأوروبي القيام بذلك إلا بإذن مسبق من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات. وحتى إن ارادوا القيام بهذا التحقيق فإن الأمر يحتاج الى طلب إذن منه. والأمر نفسه ينطبق على طلب حضورهم تحقيقا يجري في لبنان ليتمكنوا من طرح أسئلتهم بواسطة القاضي القيّم على هذا التحقيق. وهو الإجتهاد الذي يعتمده القضاء اللبناني منذ عقود". ويضيف: "لقد عايشت حالات مماثلة كثيرة خلال ولايتي نائبا عاما تمييزيا، وحصل غير مرة أن رفضت طلبا من الخارج لإجراء تحقيق في لبنان. ووافقت أحيانا أخرى على طلبات من دول أجنبية لحضور تحقيق فحسب يتولاه قاض لبناني. وكان الرفض أو القبول بحسب الحالة المطروحة والتي يعملون عليها". ويصف القاضي ماضي طبيعة الطلب الخارجي بأنه نوع من التعاون الدولي في الشأن القضائي إنما يحتاج الى إذن قضائي لبناني مسبق في الحالتين المذكورتين. ويحول حجب الإذن دون قيام الوفد القضائي الأوروبي بأي من الحالتين الكامنتين وراء قدومه الى لبنان، ليشير الى أن إعطاء الإذن أو حجبه وقفٌ على النائب العام التمييزي فحسب، فهو إن أتاح يمكن للقضاة الأجانب طرح أسئلتهم بطريقة غير مباشرة عبر قاض لبناني يقوم بالتحقيق في جلسة تعقد بناء على طلبهم، كون الصلاحية والسلطة معقودة للقاضي اللبناني. من الطبيعي ان يقابل القضاة الأجانب القادمون القاضي عويدات ويعرضون طلباتهم، بحسب القاضي ماضي، ليبنى على الشيء، حيث يعود للنائب العام التمييزي القرار بالقبول او الرفض. وفي حال القبول ستُعتمد الأصول المتبعة في القضاء اللبناني. والخطوة الأولى في كل ذلك ان يكون القضاء اللبناني فتح تحقيقا في الموضوع الذي من أجله سيحضر الوفد الأجنبي الى لبنان. ويجزم النائب العام التمييزي السابق ان القاضي اللبناني هو من يقرر التوقيف من عدمه. والقرار اولا وآخرا يعود له وليس للقاضي الأجنبي في حال طلب ذلك، إنتظاما مع مسألة السيادة الوطنية. واستطرادا كليا يفصل في أن الدولة اللبنانية لا تسلم رعاياها الى دولة أجنبية ملاحقين فيها، إنما تحاكمهم في كل الأحوال على أراضيها طبقا للقانون اللبناني. وهو حال كل الدول وليس في لبنان فحسب. فالفرنسي مثلا تحاكمه فرنسا على اراضيها.

حيال هذه الاشكالية التي اثارها وصول الوفد القضائي الاوروبي المتوقع في 9 كانون الثاني ( يناير) الجاري من دون اي تنسيق مسبق مع السلطات اللبنانية، ثمة من يرى ان وجود رجال شرطة في عداد الوفد يشكل تجاوزا لمبدأ التعاون القضائي المتاح بين الدول، ويدخل في اطار العمل الامني الذي لا يمكن ان تمارسه على الاراضي اللبنانية جهات امنية غير لبنانية، فضلا عن ان طلب الوفد من السلطات اللبنانية ابلاغ نحو 30 شخصية بمواعيد استجوابها من دون تحديد المواضيع الواردة في الاستجواب، لا يعكس رغبة في التنسيق مع القضاء اللبناني، الامر الذي يطرح امكانية عدم حصول الوفد القضائي الاوروبي على التعاون المطلوب الا وفق ما تنص عليه القوانين في لبنان. وشكا مرجع قضائي بارز من ممارسة الاوروبيين ضغوطا لالزام القضاء اللبناني على تنفيذ " الاوامر" التي ارسلت من الخارج ما يشكل ايضا مخالفة لابسط القوانين اللبنانية المرعية الاجراء. فهل وراء الاكمة ما وراءها في زيارة الوفد القضائي الاوروبي؟