بقلم علي الحسيني
في ظل الأزمة الإقتصادية والمعيشيّة الخانقة التي تلفّ لبنان كلّه، وفي ظل الكباش السياسي الحاصل على خلفيّة إختيار رئيس للجمهورية وما يتخلّله من تلاعب بمصير الحكومة غير القادرة على تصريف أعمالها، يطوف على سطح الأحداث بين الفترة والأخرى خطر إنفلات الأمن بكل أنواعه وسط تراجع دور الدولة في الحياة المعيشية والسياسية. واللافت أن هذا الخطر يترافق مع تحذيرات خارجية تصل بشكل دائم إلى مسؤولين سياسيين وأمنيين تُحذرهم من مخاطر الفراغ الحاصل في لبنان لجهة إستغلاله من قبل جماعات تتربّص بإستقرار البلد من أجل وضعه مُجدداً في دائرة الإستهداف سواء عبر الجماعات الإرهابية، أو من خلال مُحطّط إسرائيلي تنكشف بعض تفاصيله عبر عملاء يُكشف عنهم بشكل مُستمر.
الإنعكاسات الخطيرة من الحرب الأهلية إلى "الطيّونة"
لم يكن ينقص لبنان إلّا الفراغ الرئاسي بعد الفراغ الحكومي، لكي يكتمل النقل بالزعرور خصوصاً لجهة الوضع الأمني وما يُمكن أن يُلحقه هذا الفراغ أمنيّاً بعد الإنعكاسات الإقتصادية والإجتماعية التي وصلت إليها البلاد، بفعل الممارسات السياسية الخاطئة التي تقودها السلطة المُمثلة بزعماء سياسيين وأحزاب كانت لهم اليد الطولى في إشعال شرارات الحروب في لبنان بدءاً من الحرب الأهلية عام 1975، وصولاً إلى مواجهات "الطيّونة" المُسلّحة والتي شكّلت بدورها، مُنعطفاً خطيراً يُمكن أن يُبنى عليها ما هو مُتوقّع من خضّات أمنيّة قد تحصل كنتيجة متوقعة لهذا الفراغ الكبير المُتعدّد والمُتشعّب.
بعد دخول حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مرحلة تصريف الأعمال وبعد إنسداد أي أُفق لولادة حكومة جديدة نتيجة الخلافات السياسية بين أقطاب الحكم، راح الحديث يكثر حول الإنعكاسات التي سيتركه هذا الفراغ على الوضع الأمني بشكل عام في وقت يعيش فيه اللبنايون أصعب مرحلة إقتصادية شهدها لبنان في تاريخه، وقد تضاعف هذا التخوّف الأمني بعد الفراغ الرئاسي أيضاً نتيجة غياب التوافق حول شخصيّة تملأ الفراغ الذي فرض نفسه في الواحد والثلاثين من الشهر الماضي، بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
وممّا زاد في الأمور تعقيداً، البدء في النظريّات الأمنية والتحليلات السياسية التي راح يطرحها رؤساء ومسؤولو الأحزاب كٌلّ من وجهة نظره مدفوعة بإتهامات مٌتبادلة تُشير إلى سعي كل طرف لضرب الإستقرار الأمني، ضمن "لُعبة" فرض الشروط، وأيضاً في ظل ورود تقارير داخليّة وخارجيّة، تُحذّر من فوضى أمنية قد تسبق أي إتفاق يُعيد الحياة السياسية إلى لبنان من خلال ملء الفراغين الرئاسي والحكومي.
المشكلة في العقلية!
في السيّاق، توضح مصادر معنيّة بالوضع الأمني في لبنان أن المُشكلة الأساس هي بالعقليّة الحزبيّة والمليشياوية التي تتحكّم بالوضع بشكل عام، سواء السياسي منه أو الإقتصادي أو الأمني. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فإن "حزب الله" هو الأكثر بين جميع الأفرقاء اللبنانيين، القادر على ضرب كُلّ ما يتعلّق بأنواع الإستقرار نظراً لامتلاكه كافّة الأدوات التي تخوّله ذلك، سواء المال أو السلاح بالإضافة إلى المؤسّسات الرديفة عن الدولة من طبابية وثقافية واجتماعية وعسكرية واقتصادية. ولعلّ الاخطر بحسب المصادر ، يكمن في قدرة "الحزب" على إشعال الوضع الأمني سواء داخلياً أو على الجبهة الجنوبية مع إسرائيل أو حتّى تعكير الأمن العام من خلال تدخلاته الخارجية."
أمّا من جهة "حزب الله"، فقد تنفي مصادر مُقرّبة منه وجود أي عقلية داخل الحزب من أصغر مُقاتل إلى رأس الهرم، تسعى إلى تخريب الوضع الأمني أو ضرب الإستقرار في لبنان باعتبار أن تحصين الأمن في لبنان يحمي "المقاومة" ويخدمها بطريقة أو بأُخرى، بالإضافة إلى أن الجميع يعلم أن التوجّه العام لدى "الحزب"، هو الحضّ على مواجهة إسرائيل لا التحوّل إلى الداخل اللبناني كما يفعل حزب "القوّات اللبنانية" وبعض الجهات المنضوية معه سواء جماعية او فرديّة، فجميعنا يُدرك التدريبات والتسلّح الذان يقوم بهما حزب "القوّات" سواء في "معراب" أوفي مراكز في الجرود وذلك باعتراف رئيسه سمير جعجع من خلال وصفه أحداث "الطيّونة" بـ"ميني" 7 أيّار(مايو).
تحذيرات متبادلة بين لبنان والخارج
في سياق التخوّف من حدث أمني، تؤكد مصادر رفيعة المستوى أن جهازاً أمنيّاً لبنانيّاً، كان تلقّى منذ فترة وجيزة من مُخابرات خارجية تحذيرات من وجود مُحاولات لمجموعات تنتمي لتنظيمات أصولية في العراق بالعمل على تنفيذ عمل أمني في لبنان عبر مجموعة أشخاص يعملون بشكل مُنفرد في شمال لبنان قد يقومون بإستهداف مراكز ونقاط تابعة لقوى أمنية وتنفيذ إعتداءات في مناطق مسيحية.
وبحسب المعلومات فإن التحذير مبني على مُعطيات من داخل الأراضي العراقية تقوم على وجود تواصل بين المجموعات الإرهابية في العراق ومجموعات لبنانية يتم التواصل بينهم عبر مواقع على الإنترنت من خلال إستخدامهم "شيفرات" تحريض من خلال استخدام عبارات وأقوال بعضها مُتخذ من "القرآن" وبعضها يعود لأحاديث تعود لزمن الغزوات الإسلامية، وأضافت المعلومات أن تنسيقاً يجري بين جهازين لبنانييّن لاستباق أي حدث إرهابي وذلك من خلال تحديد هوية بعض الأشخاص والأسماء التي تُشكّل تهديداً للسلم الأهلي وعن طريق التدقيق بهويّات الموافدين إلى لبنان عن طريق المطار أو المعابر السورية.
وبالعودة إلى المصادر الأمنية، فإن الوضع الأمني العام في لبنان بالنسبة إليها، بالغ الخطورة وهناك حالة لا مُبالاة يعيشها المسؤولون اللبنانيون، كاشفة عن تلقّي مرجعية أمنية في لبنان، تحذيرات دولية مُتعددة بضرورة إتخاذ أقصى الحذر خلال تنقلاتها باعتبارها قد دخلت في دائرة الإستهدافات التي يُمكن أن تحصل كنتيجة حتميّة للفراغ السياسي.