الاطلالة الاعلامية الاخيرة لرئيس " القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع والتي تحدث فيها من موقع الواثق ان المملكة العربية السعودية ليست في وارد دعم رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية للموقع الرئاسي الاول، وان فرنسا تراجعت عن دعم فرنجية، وان الاتفاق السعودي- الايراني لن تكون له اي مفاعيل على الساحة السياسية اللبنانية.... كل هذه المواقف خلطت الاوراق السياسية في ساحة الاستحقاق الرئاسي وطرحت علامات استفهام كبيرة حول دقة ما قاله جعجع، خصوصا انه لم يصدر عن الجانب السعودي اي تعليق ينفي او يؤكد ما اشار اليه رئيس " القوات" من مواقف نسبها للجانب السعودي. وفيما كررت مصادر " القوات" بان كلام جعجع يعكس حقيقة الموقف السعودي من التطورات المرتبطة بالانتخابات الرئاسية وان كل ما يقال عكس ذلك لا اساس له من الصحة وانه وليد حركة ترويج وتسويق يقف وراءهــــا فريــق " الممانعة" الذي يدعم ترشيح فرنجية، بدا ان التريث السعودي في تحديد الموقف من الانتخابات له ما يبرره لان الرياض تدرس بدقة كما تقول مصادر مطلعة على الموقف السعودي، ما يصدر عن الاطراف اللبنانيين من مواقف، ولاسيما من المرشح سليمان فرنجية الذي كرر في مقابلته مع محطة " الجديد" ما كان قاله امام مستشار الرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون "السفير "باتريك دوريل "الممسك بالملف اللبناني في قصر الايليزيه، لا بل ان فرنجية توسع على الشاشة في شرح مواقفه وان بدا في بعض ما قاله، من خارج السياق العام للاستحقــــاق الرئاسي مـــــا استوجب توضيحات في اليوم التالي عبر مصادر قريبة من زعيم " المردة" منعا لاي التباس.
لقد كشف جعجع في اطلالته المتلفزة مع " محطة الجديد " ايضا عن معارضة " نهائية" لعدم انتخاب فرنجية للموقع الرئاسي الاول مهما بلغت الاغراءات الفرنسية او " المونة" السعودية عليه في ما اذا قررت الرياض المضي في " التسوية" السياسية التي يكثر الحديث عنها في الاوساط السياسية والاعلامية، لا بل ذهب بعيدا الى حد التعبير عن قدرته على تعطيل النصاب وعدم حضور نواب كتلة " الجمهورية القوية" الجلسة الانتخابية، رافضا ان يكون " راكبا" في قطار " التسوية" ولو كان في " الدرجة الاولى" من القطار. وقد حاولت المصادر القريبة من جعجع تسويق اسباب هذا الموقف الذي لا رجوع عنه، كما قال جعجع، بالاشارة الى ان ابرز هذه الاسباب الصداقة التي تربط فرنجية بالرئيس السوري بشار الاسد ما يجعل خيارات فرنجية " ايرانية وسورية" معا، وبالتالي فان جعجع الذي واجه دوما النظام السوري قبل دخوله السجن وبعد خروجه منه بالعفو العام الذي صوت عليه مجلس النواب في العام 2005، لا يمكنه السير بخيار المحور السوري- الايراني الرئاسي وهو الذي رفض دائما الاصيل فكيف يرضى بالوكيل. وكذلك تضيف المصادر نفسها- لن يتحمل جعجع تبعات انتخاب رئيس من فريق " 8 آذار" لئلا يتكرر ما حصل معه بعد انتخاب الرئيس العماد ميشال عون على اثر " تفاهم معراب" فضلا عن ان جعجع لن يستطيع الوقوف امام مزايدات " التيار الوطني الحر" في ما يتعلق بخيارات الاكثرية المسيحية الرافضة لخيار فرنجية خصوصا بعد المواقف العالية النبرة للنائب باسيل التي كررها يوم الاحد الماضي في جزين، ومواقف رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل. كذلك يعتبر جعجع انه في ما لو ايد فرنجية او امّن النصاب لانتخابه من دون التصويت له، سوف يناقض نفسه في الموقف الاستراتيجي الذي يتخذه لجهة رفض سلاح حزب الله وبالتالي انتخاب مرشحه لرئاسة الجمهورية. ذلك ان مواجهة سلاح " الحزب" تشكل احد القضايا التي يعلنها حزب " القوات اللبنانية" من خلال مطالبته بحصر السلاح في يد الدولة، وبالتالي فان جعجع يعتبر ان انتخاب فرنجية سوف يمنح المزيد من الغطاء الشرعي والدستوري للسلاح غير الشرعي من خلال دعم المقاومة، كما فعل الرئيس عون خلال فترة ولايته. وثمة اعتبار آخر يرتبط بان وصول فرنجية الى قصر بعبدا لن يكون ممكنا اذا لم يدعم باسيل هذا الوصول، وبالتالي فان موقف جعجع بتسهيل انتخاب فرنجية سيبدو وكأنه " استتباع" لموقف باسيل، وانه يسير خلف باسيل في موقفه.
انزعاج فرنسي وصمت سعودي
في المقابل، ترى مصادر سياسية في حملة جعجع على حزب الله وحديثه عن " صفقة مصالح" ببينه وبين فرنسا بدأت في مرفأ بيروت وامتدت الى مرفأ طرابلس وغيرهما من المرافق العامة، ردة فعل على " الاحتضان" الفرنسي لدعم ترشيح فرنجية من جهة، ولارتفاع حظوظه في المعركة الرئاسية من جهة اخرى، فضلا عن الانعكاسات الايجابية للانفتاح السعودي- الايراني الذي انكر جعجع اي ايجابيات له وحاول اضعاف موقف ايران بعد الاتفاق مع السعودية واعتبرها " منهزمة" و" خائبة"، في حين ان طهران باتت تملك اوراقا اقليمية ذات فعالية عالية. وسجلت هذه المصادر " تغييب" جعجع للدور الروسي في عملية الدفع بالاتفاق السعودي- الايراني خصوصا في سوريا ولبنان حيث يتمتع هذا الدور بنفوذ مقبول يمكن ان يشكل ضمانا ما في انجاز هذا الاتفاق. كما سجلت تعاطي جعجع مع الرئيس السوري بشار الاسد بشكل غير جدي في الوقت الذي تعمل الدول العربية وفي مقدمتها السعودية على تعزيز العلاقات الثنائية مع سوريا، ولعل وصفه للرئيس الاسد بانه " جثة هامدة" فيه الكثير من القراءة غير الواقعية والموضوعية لدور الرئيس السوري في المرحلة الراهنة. ولاحظت المصادر نفسها بعض التناقض في كلام جعجع عندما " تحدى" الرئيس نبيه بري ليدعو الى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، ثم عاد وهدد بالمقاطعة اذا ما توافرت لفرنجية فرصة الفوز بالرئاسة، وبالغ ايضا في الافصاح عن قدرته على تعطيل النصاب من دون الحاجة الى اصوات نواب " التيار الوطني الحر"، علما انه في لغة الارقام فان تأييد باسيل ونوابه لفرنجية يؤمن نصاب الـــ 86 لجلسة الانتخاب. ويرى قريبون من فرنجية ان جعجع ذهب الى اقصى درجات السلبية في محاربة زعيم " المردة" محاولا تصويره على انه " امتداد" لعهد الرئيس ميشال عون وانه " دمية " في يد " الثنائي الشيعي" متجاهلا امورا عدة اهمها ان فرنجية لم ينتخب عون وانما هو من دعمه وانتخبه، وبالتالي لا يتحمل فرنجية نتائج عهد عون. اضف الى ان فرنجية يمتلك بطبعه وشخصه خاصية في مقاربة الامور تختلف عن عون وهي ليست خافية على احد، ومنها رغبته التي يكررها دائما بترك " بصمة سياسية" في الرئاسة اذا تولاها لا ينساها اللبنانيون. كما انه يتمتع بهامش واسع في الاداء كما فعل مع جعجع العام 1994 عندما صوت الى جانب النائب المرحوم مخايل الضاهر ضد حل حزب " القوات اللبنانية" في عو الوجود السوري الداعم للفريق الذي ادخل جعجع الى السجن. كما ان حمايته لــ " المؤسسة اللبنانية للارسال" و" اذاعة لبنان الحر" ومجلة " المسيرة" اضافة الى عدد من التعاونيات القواتية كانت في ظل مخاصمة شديدة لعدد من المسؤولين السوريين الذين هددوه في حينه، فكيف لجعجع ان يتجاهل كل هذه المعطيات. وهنا لا بد من التذكير ووفق القراءات حول امتلاك فرنجية هوامش واسعة في العمل السياسي والتي في امكانها ان تثير خصومة بينه وبين حلفائه، فان موافقته على اعتماد قانون الستين الانتخابي، ابان توليه وزارة الداخلية عام 2004 وتقديمه هدية للبطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير تسببت بهجمة غير مسبوقة من حلفائه عليه لانه اعتبر انه لا بد من تعويض المسيحيين ما فاتهم من مكتسبات خلال فترة الوصاية السورية. ولا ينكر المطلعون ما تركه " تهكم" جعجع على الرئيس الفرنسي ماكرون من انزعاج فرنسي عبرت عنه السفيرة في بيروت آن غرييو، لاسيما عندما دعا ماكرون الى ان يرشح فرنجية في فرنسا بعد انتهاء ولايته بعد اربع سنوات!
في اي حال، كلام جعجع عن وجود " صفقة" بين باريس وحزب الله لم يمر مرور الكرام لدى قيادة " الحزب" الذي اعتبره احد القياديين في " الحزب" بانه خارج المألوف في التعاطي السياسي، نافيا وجود اي صفقة خصوصا ان باريس دعمت فرنجية في العام 2016، وهي كررت دعمه قبل ان يعلن " الثنائي الشيعي" عن تأييده. وتساءل القيادي اين المشكلة اذا تقاطع موقف " الحزب" مع موقف فرنسا التي طالما وقفت الى جانب المسيحيين منذ نشأة دولة لبنان الكبير، ويضيف ان فرنسا تؤيّد انتخاب رئيس تيار المردة لأنها تجد في وصوله الى رئاسة الجمهورية مصلحة للبنان وليس لـحزب الله وحركة" أمل"، وكل نظريات المؤامرة التي تُساق في هذا الإطار ليست لها صِلة بالواقع، وانطلاقاً من هذا الاقتناع بِجَدوى خيار فرنجية تتحاوَر باريس مع السعوديين والاميركيين، وفرنسا هي الدولة الوحيدة التي تُبدي حالياً كل هذا المقدار من الاهتمام بلبنان والحرص على مساعدته.وينفي القيادي ان يكون بري قد تبلّغ من الفرنسيين أي قرار بالعدول عن دعم فرنجية، مشيراً الى انّ هناك تواصلاً مُنتظماً بين عين التينة وباريس بعيداً من الاضواء والضوضاء، والمكالمات الهاتفية تكون بوتيرة شِبه أسبوعية أحياناً، تِبعاً لما تستوجبه المستجدات. ويؤكد القيادي ان واشنطن لا تعارض انتخاب فرنجية، أما التفسير القائل إنّ المواصفات السعودية لا تنطبق عليه فليس صحيحاً. ويعتبر القيادي الواسع الاطلاع انّ منح الشرعية المسيحية لانتخاب فرنجية لا يتطلّب حُكماً ان تُصوّت له كتلتا التيار والقوات او إحداهما، مشيراً الى انّ المطلوب حصراً هو تأمين نصاب الـ 86 صوتاً من أجل ضمان الميثاقية المسيحية لانتخاب فرنجية ولو فاز فقط بـ 65 صوتاً.