لم يمثل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أمام القاضية الفرنسية "أود بوريزي" في باريس يوم الثلاثاء الماضي كما كان مقرراً ، وذلك لاستجوابه حول شبهات تتعلق بالاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع ، بعدما فشلت كل محاولات إبلاغه ، الامر الذي دفع القضاء الفرنسي لاصدار مذكّرة توقيف دولية بحقه .
وفي التفاصيل، أصدرت القاضية الفرنسية المكلّفة التحقيق في أموال وممتلكات سلامة في أوروبا، "أود بوريزي"، مذكرة توقيف دولية بحقه، بعد تغيّبه عن جلسة استجوابه أمامها في باريس، على إثر فشل القضاء اللبناني في إبلاغ سلامة وفق الأصول بوجوب مثوله أمام القضاء في باريس، حيث كشفت مصادر مطّلعة أن مسار تبليغ سلامة، جرى وفقاً لأصول المحاكمات المدنية وذلك عبر شرطة بيروت، وتحديداً عبر فصيلة ميناء الحصن بعدما توجّهت دورية تابعة لهذه الفصيلة بتاريخ ٨ الجاري بقيادة الرائد سامر أبو شقرا الى مصرف لبنان، حيث تعذّر التبليغ لعدم وجود الحاكم في المركزي. وعادت الدورية في اليوم التالي، وتوجّهت الى المصرف، حيث تعذّر التبليغ لأن الحاكم لم يحضر بسبب وجود احتجاجات.
وبتاريخ ١٠ الجاري، تعذّر التبليغ أيضا لأن سلامة كان منشغلاً خارج المصرف.علماً أن الموفد القضائي من طلب التبليغ داخل مصرف لبنان، حيث يتخذ الحاكم محل اقامة وليس في منزله.
وما ان صدرت مذكرة التوقيف بحقه حتى اصدر سلامة بياناً جاء فيه :
1-" لقد صدر اليوم عن حضرة قاضية التحقيق الفرنسية السيدة" أود بوروزي" قرار يشكّل بإمتياز خرقاً لأبسط القوانين، كون حضرة القاضية لم تراعِ المهل القانونية المنصوص عليها في القانون الفرنسي بالرغم من تبلّغها وتيقّنها من ذلك، وبالتالي سأعمد إلى الطعن بهذا القرار الذي يشكّل مخالفة واضحة للقوانين.
2- في تجاهلها الصارخ للقانون، تجاهلت أيضاً حضرة القاضية نفسها تطبيق إتفاقية الأمم المتحدة لعام 2003 والإجراءات المعترف بها دولياً التي تستند إليها هي بالذات في إطار المساعدة القضائية الدولية. فهل يعقل أنّ قاضياً يطبق الإتفاقيات الدولية بإّجاه واحد؟
3- يقتضي التذكير، أن ّالتحقيق الفرنسي ضرب صفحاً عن مبدأ جوهري يتعلّق بسرية التحقيقات، كونه أصبح واضحاً من المقالات الصحفية، وخاصة المقالات الصحفية الصادرة مؤخراً، ومنها تلك التي نشرتها رويترز بتاريخ 21 – 4 – 2023، أنّ الوكالات الصحفية تحصل دون قيد على وثائق التحقيق السرّية كما تأخذ علماً مسبقاً بنوايا المحققين والقضاة.
4- أصبح واضحاً من جميع الأحداث التي رافقت التحقيقات الفرنسية أنها تعاكس مبدأ قرينة البراءة في تعاملها، وفي تطبيقها الإنتقائي للنصوص والقوانين. فبات جلياً أن حضرة القاضية الفرنسية السيدة أود بوروزي أخذت قرارها بناءً على أفكار مسبقة دون إعطاء أي قيمة للمستندات الواضحة المبرزة لها، وهذا ما يتضح أيضاً بتشنجها الذي وصل مؤخراً إلى حد عدم التقيد بالأصول المفروضة في القوانين الفرنسية وفي المعاهدات الدولية.
5- مثال آخر على ما سبق، تدخل حضرة القاضية الفرنسية السيدة أود بوروزي في عملية تعيين محامين فرنسيين عن الدولة اللبنانية، وهذا الأمر قد نشر في العديد من الصحف اللبنانية، الأمر الذي أدى إلى إرجاء جلسة الإستئناف المقدم مني في آخر لحظة.
6- أخيراً وليس آخراً، في حين أن التحقيق في فرنسا الذي تسببته الشكاوى الممنهجة المقدمة من قبل خصومي يسير بوتيرة متسارعة، فإنّ الدعوى التي تقدمت بها أمام القضاء الفرنسي بشأن ملف كريستل كريديت (والذي هو ملف لا أساس له)، ظلّ راكداً ولم يحرك ساكناً لثلاث سنوات بالرغم من بذلنا العناية الواجبة.
وختم سلامة بالقول: “هذه هي العدالة المبنية على الكيل بمكيالين التي تطبق علي!”.
وكان سلامة، وبعيد الاستماع إليه من الوفد الأوروبي في 16 آذار(مارس) الماضي، قد قال: "لقد لمست ولأكثر من سنتين، سوء نية وتعطشاً للادّعاء عليّ... وأكدت خلال الجلسة على الأدلة والوثائق التي كنت قد تقدّمت بها إلى القضاء في لبنان والخارج مع شرح دقيق لها. ويتبيّن من هذه الوثائق والكشوفات أن المبالغ الدائنة المدونة في حساب المقاصة المفتوح لدى مصرف لبنان والذي حُوِّلَت منه عمولات إلى "فوري" ، كانت قد سُدّدت من أطراف أخرى ولم يدخل الى هذا الحساب أي مال من مصرف لبنان ولم يكن هذا الحساب مكشوفاً في أي لحظة".
وأضاف : "كما يتبيّن من هذه الكشوفات أن حسابي الشخصي في مصرف لبنان غير مرتبط بالحسابات التي تودع فيها الأموال العائدة إلى المصرف ولم تحوّل إلى حسابي أموال من مصرف لبنان، وأن التحاويل إلى الخارج الخاصة بي، ومهما بلغت مصدرها حسابي الشخصي".
ومع صدور مذكرة التوقيف الدولية بحق سلامة، يجري عادةً تعميمها على نشرة الإنتربول الدولي، ومنها مكتب الإنتربول الدولي في بيروت ليبلغها إلى القضاء اللبناني الذي سبق أن عايش حالات مماثلة مع صدور مذكرات توقيف بحق أشخاص من رعاياه. وهنا يعود للقضاء اللبناني كما اشارت مصادر قضائية تقرير كيفية التعامل مع هذه المذكرة الصادرة في ملف شبيه لملفه العالق أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا، إذ لم يصدر أي إجراء في هذا الملف حتى الساعة، في وقت بات يصعب على سلامة مغادرة الأراضي اللبنانية تبعاً للمذكرة الدولية عند تعميمها على الإنتربول الدولي.
ويفترض ان يتسلم لبنان رسمياً مذكرة التوقيف الصادرة بحق سلامة، وانذاك سيطلب القضاءاللبناني من القضاء الفرنسي تسليمه الملفّ والأدلة التي استندت إليها القاضية" بوريزي"، فإذا تبين أن الأدلة تستحق المتابعة عندها يتولى لبنان إجراءات الملاحقة باعتبار أن القانون اللبناني لا يجيز تسليم مواطن لبناني لأي دولة أخرى .
وفي هذا السياق أوضح وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، أنه لا توجد مذكرة انتربول بحق سلامة، بل هناك مذكرة من قاضية فرنسية، لذلك على الدولة الفرنسية أن تقدم طلب للأنتربول، ومن ثم الأخير يطلب من لبنان الذي بدوره يدرسها، مشيراً إلى أن كل هذه الاجراءات لم تحدث لحد الأن، وبالتالي لا يمكننا أن نلاحق سلامة .
وحول موضوع حجز أملاك سلامة، ذكر مولوي، أن هذا الموضوع مدني تتعاطى فيه فرنسا، وقرار الحجز الأملاك يعود لها .
وفي جانب متصل ومع اقتراب موعد انتهاء ولاية سلامة في تموز (يوليو ) المقبل ، تبرز مشكلة كبيرة اذا استمر الفراغ الرئاسي ، حيث لا يود احد ان تقوم حكومة تصريف الاعمال بتعيين البديل عنه لان هذا الامر محصور برئيس الجمورية حسب العرف ، ولا يمكن أيضا التمديد لسلامة على اعتبار ان غالبية القوى السياسية تطالب بإقالته ومحاسبته ، ليبقى الخيار المتاح هو اعادة نظر رئيس المجلس النيابي نبيه بري بقراره عدم تسلم نائب الحاكم الأول وسيمم منصوري صلاحياته تبعا للضرورات القصوى او ان يتسلم النائب الثاني بشير يقظان هذه الصلاحيات عبر فتوى دستورية ، في حال اصر بري على موقفه.