لم يكن مفاجئا التمديد للمجالس البلدية والاختيارية سنة كحد اقصى على رغم كل المواقف التي اعلنها وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي عن " استعداد" وزارته لانجاز هذا الاستحقاق الذي كان يفترض ان يتم في ايار( مايو) 2022 ، لكن الاولوية اعطت اولا للانتخابات النيابية وارجأ المجلس النيابي يومها الاستحقاق البلدي والاختياري سنة كاملة. ويوم الثلاثاء الماضي تكرر المشهد نفسه تحت عنوان " تمديد تقني"، وهو عنوان وفرّ ربط نزاع مع الحكومة للقيام بمسؤولياتها في اي وقت وفق مصادر نيابية حاولت تبرير هذه الخطوة التي لقيت اعتراضا لدى كتل نيابية وصلت الى حد الطعن بقانون التمديد امام المجلس الدستوري ضمن المهلة التي يحددها القانون لذلك. اما النواب الذين شاركوا في جلسة التمديد فقد دخلوا قاعة المجلس وهم على يقين بانهم لن يخرجوا الا ومعهم قانون التمديد وبالفعل تحقق ذلك خلال جلسة تعتبر الاقصر في تاريخ المجلس النيابي من حيث التشريع، واقرّ " على ضهر البيعة" اقتراح قانون آخر عدّل قانون الشراء العام لجهة تسهيل اخضاع البلديات للقانون. 73 نائبا شهدوا على التمديد للمجالس البلدية والاختيارية في جلسة شهدت ايضا سجالات بين عدد من النواب من جهة، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي من جهة اخرى كادت ان تنسف الجلسة، لكن " المايسترو"، اي رئيس المجلس نبيه بري، ترك ان يأخذ السجال مداه كي " لا تطير" الجلسة وتدخل عند الضرورة طارحا التصويت" وكفى المؤمنون شر القتال"... فاستجاب النواب" مثل الشطّار" كما هو متوقع ومدروس بعيدا عن الاستفزازات التي طاولت نواب " التيار الوطني الحر" حينا، والرئيس ميقاتي احيانا.
وبصرف النظر عما ستكون عليه ردود الفعل العملية، اي الطعن بالقانون او عدم الطعن به، فان التمديد للمجالس البلدية والاختيارية سيكون مادة للنقاش سرعان ما تخبو في انتظار بروز موضوع آخر يثير ردود فعل وسجالات، لاسيما وان الاستحقاق الرئاسي دخل على ما يبدو " الثلاجة" مع عدم وجود اي مؤشرات توحي بامكانية الوصول الى اتفاق على انتخاب الرئيس العتيد، ذلك ان الحوار الداخلي بين الافرقاء المعنيين بالاستحقاق الرئاسي، مقطوع، وتحرك الخارج، لم يؤد بعد الى حسم الخيار الرئاسي الافضل وسط حديث عن ان الحراك الفرنسي لم يصل الى خواتيمه بعد، وان واشنطن لم تقل كلمتها بعد، فيما الموقف السعودي، المعلن على الاقل، لا يزال على حاله. اما دور قطر فهو يتأرجح بين التحرك من جديد او التريث في انتظار ظروف افضل، فيما دور مصر لا يزال يقتصر على سماع الاراء ونقلها من دون اي محصلة يمكن ان تساهم ولو بشكل محدود في انجاز الاستحقاق. وكان من الغريب ان يلتئم المجلس النيابي باكثرية 73 نائبا لتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية، ولا يلتئم للاستحقاق الابرز اي انتخاب رئيس الجمهورية بسبب استمرار التجاذبات على اكثر من جبهة سياسية. لكن انعقاد الجلسة افرز جملة معطيات لعل ابرزها الاتي:
-اولا: انها الجلسة الاولى بعد خمسة اشهر و 20 يوما من الفراغ الرئاسي التي يتم فيها التشريع، في وقت كانت الجلسات السابعة لانتخاب رئيس للجمهورية من دون جدوى. وهذا يعني، في غياب " كتلة الجمهوريــــة القويـــة" ( القــــوات اللبنانية) و"كتلــــة الكتائب" و" التغييريين" الذين قاطعوا الجلسة، ان " كتلة لبنان القوي" هي التي امنت النصاب لانعقاد الجلسة وسط هذا الغياب النيابي الذي شمل ايضا نوابا مستقلين. وبديهي ان يعرض هذه المشاركة رئيس الكتلة النائب جبران باسيل للمساءلة لاسيما وانه برر غيابه مع نوابه في السابق بعدم جواز التشريع لان المجلس هو هيئة ناخبة لانجاز الاستحقاق الرئاسي، علما ان قانون التمديد يحتاج كما كل القوانين الى توقيع رئيس الجمهورية الذي لم ينتخب بعد. صحيح ان باسيل برر حضوره مع نواب كتلته لتعذر اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية لعدم توافر المال اللازم من قبل الحكومة فضلا عن عدم جهوزية وزارة الداخلية والوزارات المعنية الاخرى، اي العدل( قضاة رؤساء لجان القيد) والتربية( تأمين معلمين لتكوين اقلام الاقتراع) والادارة العامة بسبب اضراب الموظفين. وبالتالي فان عدم اجراء الانتخابات وعدم التمديد، سيحدث فراغا على مستوى العمل البلدي الذي يمكن ملؤه من خلال تولي المحافظ او القائمقام ادارة البلديات، في حين يتعذر ذلك بالنسبة الى المخاتير الذين يقومون باعمال اساسية في البلدات والقرى اللبنانية.
هل يعود التواصل بين " التيار" وحزب الله؟
ثانيا: ظهر ان ثمة امكانية تواصل بين نواب " الثنائي الشيعي" و" التيار الوطني الحر" وضمنا نواب " اللقاء الديموقراطي" الذين التقوا على تأمين النصاب، وبالتالي في استطاعتهم في اي لحظة توفير النصاب لجلسة تشريعية تحت عنوان " تشريع الضرورة"، فيما هم غير قادرين وحدهم على تأمين النصاب لجلسة انتخاب الرئيس العتيد التي تحتاج الى 86 نائبا، اي غالبية الثلثين ما يعني ان ثمة استحالة لعقد اي جلسة انتخابية في ظل استمرار الانقسام داخل الكتل النيابية الكبرى التي يحول خلالها دون الوصول الى 86 نائبا، وسيكون اتفاقها، الكلي او الجزئي، سببا لانجاز الاستحقاق الرئاسي، واستطرادا فان لا امكانية لعقد اي جلسة انتخابية اذا لم يحصل الحد الادنى من التوافق الذي يؤمن حضور 86 نائبا.
ثالثا: كرست جلسة التمديد للبلديات والهيئات الاختيارية، الانقسام المسيحي الذي كان قيل في الاسابيع الماضية ان ثمة تقاربا قد يحصل بين " القوات" و" التيار الوطني الحر"، لكن انعقاد الجلسة وتموضع الفريقين المسيحيين في مواقع متناقضة اظهرا ان لا صحة لكل ما قيل عن تواصل بعيدا عن الاضواء بين معراب وميرنا الشالوحي للاتفاق على مرشح رئاسي لان " التيار" و" القوات" اعلنا صراحة معارضتهما لترشيح زعيم " المردة" سليمان فرنجية، ولعل السجال الذي حصل بين رئيس " القوات" سمير جعجع والنائب باسيل ( من دون ان يسمي رئيس القوات) بين ان طبخة التوافق على بديل لفرنجية لم تنضج بعد. واستطرادا فان ما حصل من سجال اسقط " الهدنة المؤقتة" بين " التيار" و" القوات".
رابعا: طرحت مشاركة باسيل ونواب كتلته في جلسة التمديد، امكانية عودة التقارب، ولو في حده الادنى، بين " التيار" وحزب الله، خصوصا ان الحزب كان مع حركة " امل" من دعاة تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية والتمديد للمجالس والهيئات الاختيارية القائمة واتى تأمين نواب " لبنان القوي" للنصاب والميثاقية المسيحية للجلسة، وكأنها استجابــــة لرغبة " الثنائي الشيعي" الذي تفادى منذ البداية تسهيل اجراء الانتخابات البلدية حفاظا على وحدة " امل" وحزب الله، خصوصا في القرى والبلدات الجنوبية والبقاعية التي شهدت في الانتخابات البلدية الماضية في العام 2016 مناوشات وخلافات ضمن العائلة الواحدة، لم يخل بعضها من الحدة والمواجهات المسلحة. وفي هذا السياق، سوف يستثمر العاملون على خط عودة التواصل بين " التيار" و" الحزب"، مشاركة باسيل ونوابه في جلسة التمديد للبلديات، من اجل ادارة محركات التقارب من جديد بين حارة حريك وميرنا الشالوحي لاسيما وان العلاقات بين قيادات الحزبين لم تنقطع وتسجل اشارات بعضها ايجابي منها وقف الحملات الاعلامية بين الطرفين، وانقطاع " حروب" ما يعرف بــ " الجيش الالكتروني" لكل من الحزبين. وثمة من يتحدث عن دور يلعبه الرئيس ميشال عون لانقاذ ما تبقى من علاقة بين " التيار" و" الحزب" وهو عمل على " ضبط" انفعالات مناصري " التيار" ومنع الناشطين من اطلاق اي كلام يسيء الى العلاقة مع حزب الله، وهو شخصيا امتنع عن الادلاء باي تعليق حول هذه المسألة بالذات.
خامسا: ولّدت مشاركة " كتلة التنمية والتحرير" وكتلة " الوفاء للمقاومة" وكتلة " لبنان القوي" و كتلة " اللقاء الديمقراطي" وكتلة " الوطني المستقل" وكتلة " الاعتدال" وبعض النواب المستقلين، تجمعا نيابيا يمكن التأسيس عليه لادارة شؤون مجلس النواب في حال استمر الشغور الرئاسي، بــ " اشراف" الرئيس بري الذي نجح مرة اخرى في تأمين انعقاد جلسة تحت عنوان " تشريع الضرورة" كاسرا بذلك الطوق على " محاصرته" من قبل الكتل المسيحية التي " نفد" منها " التيار الوطني الحر" لحسابات تتعلق بالاستحقاق البلدي لانه كما هو معروف، لم يكن " التيار" متحمسا لاجراء هذه الانتخابات بسبب تداعيات الاستحقاق النيابي في ايار ( مايو) 2022 وانعكاسه على الشارع المسيحي، وكذلك لان " القوات" كانت " طاحشة" في اتجاه اجراء الاستحقاق في محاولة لاستثمار ما تعتقده " ضعفا" لدى " التيار" فتحصد "القوات" اذ ذاك بلديات القرى والبلدات المسيحية" واستطرادا الاتحادات البلدية فتتحكم بالشارع المسيحي، نيابيا وبلديا واختياريا.
في اي حال، قانون التمديد الذي سارع الرئيس بري الى توقيعه بعد الجلسة مباشرة وحذا حذوه الرئيس ميقاتي ليصبح نافذا فور نشره في الجريدة الرسمية، قابل للطعن امام المجلس الدستوري اذا ما التزم نواب " القوات" او غيرهم بما اعلنوه قبل الجلسة وبعدها، والاجتهادات الدستورية كثيرة بين من يقول بعدم دستورية القانون ومن يقول العكس.... لكن تبقى الكلة للمجلس الدستوري ولن يكون ذلك قبل شهر ايار( مايو ) المقبل.