تفاصيل الخبر

تدهور قياسي لليرة وسط عجز المصرف المركزي وانخفاض في تحويلات المغتربين خلال 2022

01/02/2023
تدهور قياسي لليرة وسط عجز المصرف المركزي  وانخفاض في تحويلات المغتربين خلال 2022

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة

 

اذا كان الشعب اللبناني اعتاد على ارتفاع سعر الدولار الاميركي وتدهور العملة الوطنية اللبنانية، الا ان ما حصل الاسبوع الماضي فاق كل تصور نتيجة ما حصل على صعيد ارتفاع سعر الدولار حتى قارب من 64 الف ليرة لبنانية في رقم غير مسبوق منذ ان بدأت الازمة الاقتصادية والمالية في لبنان منذ العام 2019. وتبعا لذلك ارتفعت اسعار السلع بشكل جنوني حتى وصل سعر صفيحة البنزين مثلا الى اكثر من مليون ليرة لبنانية، وارتفعت ايضا اسعار المحروقات الاخرى تباعا ومعها الاسعار في السوبرماركت ليتصاعد المشهد المعيشي الكارثي مع تحطم الارقام القياسية في سعر صرف الدولار. وفيما وقفت السلطة مكتوفة الايدي عن المعالجة فعلا، بدا ان التطورات المتلاحقة في الاسواق النقدية جعلت الاجراءات الوقائية التي كان يعتمدها المصرف المركزي لضبط الفوضى النقدية المتصاعدة، مقتصرة مفاعيلها على التخفيف جزئيا من سرعة التدهور الدراماتيكي للعملة الوطنية ما دامت المخاطر السيادية والعامة تنحو في اتجاه تعميق حال " عدم اليقين" التي تزداد حدة بفعل الاضطرابات التي استجدت على الصعيد القضائي. ولعل ما يثير القلق هو ان معالم المرحلة النقدية المقبلة بعد اعتماد السعر الرسمي المعدل لليرة عند مستوى 15 الف ليرة للدولار – بدءا من الشهر الجاري، غير محددة، خصوصا ان السعر نفسه معتمد حاليا في تقدير الرسوم الجمركية المستوفاة على المستوردات. وما يزيد " الاضطراب" ان لا شيء محددا بعد في ما خص مسار منصة " صيرفة" لجهة رفع سقفها من 38 الف ليرة للدولار الى رقم اعلى بعد ادخال تعديلات جوهرية عليها لجهة جعلها مقيدة بشرط تمكين الافراد حصريا من اجراء عمليات الصرف وبحصة شهرية تقارب مئة مليون ليرة فقط.

ويقول احد الخبراء المصرفيين انه من المتوقع ان يصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سلسلة تعاميم تحدد مسارات الانتقال الى السعر الرسمي الجديد لاسيما لجهة معالجة محفظة القروض السكنية المحررة بالدولار بعدما تكفل استمرار الصعود القياسي للدولار بقضم معظم ما تبقى من قيم الودائع المحررة بالليرة وباستهلاك كامل الفوارق المضافة على حصص السحوبات الشهرية المتاحة للمودعين من حساباتهم بالدولار والتي تم خفض حدودها القصوى من تصريف 3 الاف الى 1600 دولار شهريا. ويضيف ان السحوبات الشهرية من الحسابات الدولارية تشهد اقتطاعات تتعدى حاليا  70 في المئة من القيمة الاساسية، وحصول المودع على الحد الاقصى المتاح، اي نحو 24 مليون ليرة شهريا، سيحقق نظريا تقليص المبلغ المسحوب من وديعته من 3 الاف دولار الى 1600 دولار، وستقل القيمة الفعلية للحصة من 440 دولارا نقدا وفق السعر الساري حاليا في الاسواق الموازية مما يعني اقتطاع نحو 73 في المئة من المبلغ. ويرى الخبير الاقتصادي انه ومع صعود الحصيلة التراكمية الفعلية لمؤشرات الغلاء بما يتعدّى ألفين في المائة منذ بداية الأزمات قبل ثلاث سنوات ونيف، سجّل لبنان ثاني أعلى نسبة تضخّم اسميّة في أسعار الغذاء حول العالم، وفقاً لبيانات البنك الدولي، محققاً ارتفاعاً بلغ 171 في المئة كنسبة تغيّر سنويّة في العام الماضي، ومسبوقاً فقط من زيمبابوي التي سجلت 376 في المائة، ومتبوعاً من فنزويلا التي سجلت نسبة 158 في المئة. وفي هذا الاطار يقول نقيب مستوردي السلع الغذائية هاني بحصلي «أننا نشهد حلقة جديدة من التدهور ونحن في فترة انهيار والأسعار سترتفع بقدر ارتفاع سعر الصرف»، مؤكداً أن الاستيراد ليس فيه أي مشكلة، «ما دمنا نستطيع تأمين الدولارات، إنما المشكلة التي نعانيها هي إمكانية الوصول إلى الغذاء، وقدرة المواطن على تأمين المواد الغذائية». ليستنتج أنّ أي «حلّ لن يكون وارداً إن لم نضع البلد على المسار الصحيح، والبداية تكون بانتخاب رئيس للجمهورية، وأي كلام غير ذلك هو مضيعة للوقت واستهتار بحياة المواطنين». وكان البنك الدولي الذي رصد تقلص الناتج المحلي على مدار 3 سنوات إلى نحو 21 مليار دولار من مستوى يقارب 55 مليار دولار قبل انفجار الأزمات، قد عمد، في أحدث تقاريره، إلى حذف التوقّعات الاقتصادية الخاصة بلبنان لما بعد عام 2022 نتيجة تعاظم درجة عدم اليقين، مبيناً أن الشعب اللبناني يواجه مصاعب في تأمين المأكولات، وبأنّ النظرة المستقبليّة للبلاد لا تزال ضبابيّة. مع التنويه بأنّ الاقتصاد اللبناني قد تضرّر بشدّة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة وتباطؤ وتيرة النموّ الاقتصادي العالمي، مما ينعكس سلباً على قطاعي السفر والسياحة.

تراجع في تحويلات المغتربين

وفيما يرتفع سعر صرف الليرة نحو ارقام قياسية وتتصاعد نسبة الغلاء بشكل مقلق ومخيف في آن، اشارت الارقام الصادرة عن مصرف لبنان إلى أن تحويلات المغتربين إلى لبنان بلغت 3.18 مليار دولار أميركي في النصف الأول من العام 2022، ما يشكل انخفاضًا بنسبة 1.6% من 6.63 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2021. بلغت تحويلات المغتربين إلى لبنان 1.57 مليار دولار في الفصل الأول، و 1.6 مليار دولار في الفصل الثاني من العام 2022.  كما انخفضت تحويلات المغتربين بنسبة 2.5% في الفصل الأول من العام 2022 من الفترة نفسها من العام 2021و تراجعت بنسبة 0.6% في الفصل الثاني العام 2022 من الفترة نفسها من العام 2021. وتشمل هذه الأرقام تحويلات العاملين، بالإضافة الى تعويضات الموظفين، وفقًا لتعريف البنك الدولي للتحويلات. إشارة إلى أن أرقام مصرف لبنان هي البيانات الرسمية الوحيدة لتحويلات المغتربين من وإلى لبنان. إضافة إلى ذلك، سجلت تحويلات المغتربين إلى لبنان في الأشهر الستة الأولى من العام 2022 المستوى الثالث الأدنى لها منذ الأشهر الستة الأولى من العام 2008. وبلغ معدّل التحويلات 3.1 مليار دولار للأشهر الستة الأولى من كلّ عام في الفترة الممتدة بين عام 2002 و2021، بالمقارنة بلغ معدّل التحويلات 2.3 مليار دولار للأشهر الستة الأولى من كلّ عام في الفترة الممتدة بين عام 2002 و2007 و 3.5 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من كلّ عام في الفترة الممتدة بين عام 2008 و2021. وقد وردت هذه النتائج في التقرير الاقتصادي الأسبوعي لمجموعة بنك بيبلوس  LEBANON THIS WEEK . وفي موازاة ذلك، بلغت تحويلات المغتربين الخارجة من لبنان 855.3 مليون دولار أميركي في النصف الأول من العام 2022، ما يشكل انخفاضًا بنسبة 14.4% من 998.7 مليون دولار أميركي في الفترة نفسها من العام 2021. وبلغت تحويلات المغتربين الخارجة من لبنان 424 مليون دولار أميركي في الفصل الأول، و 431.3 مليون دولار في الفصل الثاني من العام 2022. وانخفضت تحويلات المغتربين الخارجة من لبنان بنسبة 16% في الفصل الأول من العام 2022 من الفترة نفسها من العام 2021، وتراجعت بنسبة 12.7%  في الفصل الثاني من الفترة نفسها من العام السابق.

كذلك سجّلت هذه التحويلات في النصف الأول من العام 2022 المستوى الأدنى لها منذ أن بدأ مصرف لبنان بنشر بيانات التحويلات في النصف الأول من العام 2002، وقد وصلت إلى المستوى الأعلى لها بقيمة 2.5 مليار دولار في النصف الأول من العام 2013. وبلغ معدل هذه التحويلات 1.9 مليار دولار للأشهر الستة الأولى من كلّ عام في الفترة الممتدة بين عامي 2002 و2021، بالمقارنة بلغ معدل 1.6 مليار دولار للأشهر الستة الأولى من كلّ عام في الفترة الممتدة بين بين عامي 2002 و2007 ومعدل 2.1 مليار دولار في الفترة نفسها في الفترة الممتدة بين بين عامي 2008 و2021. على هذا النحو، بلغ صافي تحويلات المغتربين إلى لبنان 2.3 مليار دولار أميركي في النصف الأول من العام 2022، ما يشكّل ارتفاعًا بنسبة 4.2% من 2.2 مليار دولار في النصف الأول من العام 2021. وسجل صافي تحويلات المغتربين إلى لبنان في في النصف الأول من العام 2022 المستوى الأعلى له منذ العام 2002. وبلغ معدل هذه التحويلات 1.25 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى خلال الفترة الممتدة بين عامي 2002 و2021، مقارنة بمعدل بقيمة 741.7 مليون دولار في الفترة نفسها في الفترة الممتدة بين عامي 2002 و2007 إلى معدل بقيمة 1.46مليار دولار للأشهر الستة الأولى في الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2021.