تفاصيل الخبر

رفع سعر صرف الدولار الى 15 الف ليرة يعزز موارد الخزينة لكنه يرفع الضرائب والرسوم.... وقد يفلس مصارف!

05/10/2022
رفع سعر صرف الدولار الى 15 الف ليرة يعزز موارد الخزينة  لكنه يرفع الضرائب والرسوم.... وقد يفلس مصارف!

الوزير يوسف الخليل

 

في الوقت الذي كانت فيه البلاد منهمكة في تقييم مرحلة ما بعد اقرار موازنة العام 2022 التي صدق عليها مجلس النواب في الاسبوع الماضي، انشغلت الاوساط الرسمية والمصرفية عموما بالتصريح الذي ادلى به وزير المال يوسف الخليل ( الذي قد يستبدل بالنائب والوزير السابق ياسين جابر اذا ما سارت التسوية الحكومية كما هو مرتقب) والذي اعلن فيه تعديل سعر الصرف ليصبح 15 الف ليرة لبنانية مقابل كل دولار بدلا من 1507 ليرة المعتمد منذ ما يزيد عن 22 عاما، ما استدعى من وزارة المال الى اصدار بيان تصحيحي يلغي موعد تطبيق سعر الصرف الجديد المقرر في نهاية تشرين الاول ( ا كتوبر) الجاري الى اجل مرتبط باقرار خطة التعافي. وبفعل البلبلة التي احدثها تصريح الوزير الخليل والتصحيح اللاحق، اضطر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى الادلاء بحديث اوضح فيه ان رفع السعر من 1507 الى 15 الف ليرة يشمل حاليا رسم الدولار الجمركي على ان ينظر لاحقا في مسألة تعديل سعر الصرف. لكن في الواقع كلام الوزير خليل وتوضيحات الرئيس ميقاتي فعلت فعلها السلبي في الاوساط المالية والاقتصادية والشعبية على حد سواء، لكون تعديل سعر الصرف له مفاعيل الزامية على كل العقود في لبنان، التجارية وعقود العمل والسكن والديون وغيرها ولن يكون محصورا فقط بتطبيق الضريبة، الامر الذي سيزيد الضبابية على الحياة الاقتصادية في البلاد. وبصرف النظر ما اذا كان الوزير خليل تسرع في اعلان موقفه كما قال البعض، او هو كان صادقا في ما قاله وان كان الكلام قيل في توقيت خاطىء، الا ان ما هو واضح ان بيان وزارة المال استند الى المادتين 73 و 83 من قانون النقد والتسليف بهدف نقل قسم كبير من الخسائر التي تراكمت في ميزانية مصرف لبنان او تلك التي ستتراكم لاحقا بسبب شراء الدولار وبيعه من الجمهور مباشرة الى الخزينة، اي تمويل هذه الخسائر بالمال العام، كذلك تردد ان هذا التدبير يؤدي الى هدف آخر يقضي بالقاء مسؤولية كل الخسائر في ميزانية مصرف لبنان المتعلقة بالدفاع عن ثبات سعر الصرف بقيمة 1705 ليرات وسطيا طوال فترة السنوات الـــ 22 الماضية على الحكومات المتعاقبة خصوصا ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اعلن اكثر من مرة ان الحكومة هي التي ثبتت سعر الصرف وانه التزم قرار الحكومة في دعم هذا السعر، واليوم عادت الحكومة لترفع هذا السعر وعلى مصرف لبنان بالتالي ان يطبق قرار الحكومة.

 

رفع الضرائب والرسوم والقيمة المضافة

 

ويرى مصرفيون وخبراء اقتصاديين انه بمعزل عن الاهداف المعلنة او المستترة لهذا التدبير، فان هذا التعديل في سعر الصرف له قوة الزامية تمتد من غاية احتساب الضريبة في الموازنة الى الاقتصاد والمجتمع. وليس سرا انه خلال الاشهر الماضية، دارت نقاشات كثيرة متصلة بالدولار الجمركي على اساس انه يمثل موردا اساسيا للخزينة التي يفترض ان توفر اعتمادات اضافية لتغطية رواتب موظفي القطاع العام ولا يمكن تحقيق ذلك الا من خلال زيادة الرسم الجمركي الذي يقتطع على قيمة السلعة المستوردة بالعملة الاجنبية، علما ان سعر صرف الدولار بــــ 1507لم يعد منطقيا ما يستدعي تعديله، لكن الواقع، حسب المصرفيين والخبراء الاقتصاديين ان النقاش في سعر الدولار الجمركي لن يبقى محصورا بالعمليات الجمركية بل سوف يشمل كل الضرائب، وعلى سبيل المثال سيتم تعديل سعر الدولار الذي تستوفى على اساسه ضريبة القيمة المضافة تلقائيا بسبب الدولار الجمركي لان قسما كبيرا منها يقتطع مع الرسوم الجمركية عند استيراد السلع، لكن بالنسبة الى ضرائب اخرى ورسوم أخرى، مثل الطابع المالي، وضريبة الأملاك المبنية، والضرائب على العقود وتسجيلها في وزارة المال وسواها، فإنها كلها ستعتمد على أساس سعر صرف للدولار يبلغ 15 ألف ليرة. بهذا المعنى، سيتم رفع قيمة الضرائب والرسوم بالاستناد إلى معيار واحد هو سعر الصرف، من دون أي اعتبار للوظائف الاقتصادية التي تؤدّيها هذه الضرائب في المجتمع. سيتم رفع قيمة التخمين العقاري، وقيمة التعاملات التجارية، وقيمة حقوق الملكية... كل ما هو متعاقد عليه بالدولار بين أطراف خاصة، سيخضع لسعر الصرف الجديد. لكن ماذا لو أن هناك اتفاقات حصلت وفق أسعار صرف متعدّدة كتلك الموجودة حالياً؟ أليس هناك عقود على سعر صرف الشيكات المصرفية؟ أليس هناك عقود مذكور فيها سعر الصرف المعتمد؟ أليس هناك عقود بالدولار النقدي؟ لذا، إن أي خلل في تنظيم العملية الانتقالية بشكل دقيق وفعال وشامل قد يكون مصدراً لإثارة مشاكل واضطرابات في ظل غياب القضاء عن الفصل في هذه الأمور، علماً بأن القضاء نفسه الذي لم يحدّد لغاية الآن موقفه من التعامل مع العقود وسعر الصرف، سيكون أمام طبقة جديدة من التعقيد إذا أراد الفصل في الدعاوى.

وتقول مصادر وزارة المال ان التطبيق سيكون في نهاية تشرين الأول ( ا\كتوبر)  كما هو مقرّر. وتضيف إن كل العقود بالعملة الأجنبية ستخضع لهذا التعديل على جانب احتساب الضريبة، بما فيها ضريبة الدخل، وضريبة الأرباح، وضريبة التوزيع، ورسم الطابع المالي وسائر الضرائب والرسوم،  "إنما بالنسبة إلى تطبيق الأمر على المؤسسات المالية، أي المصارف فإن هذا الأمر يقع على عاتق مصرف لبنان الذي سيصدر تعاميم تنظّم الأمر. كل ما يتعلق بعقود القروض والودائع وسواها، سيتم تنظيمه في مصرف لبنان، ولا سيما أن مصرف لبنان يتشاور مع وزير المال، بالاستناد إلى المادة 75 من قانون النقد والتسليف، لإصدار سعر الصرف وتحديده بقيمة 15 ألف ليرة". وبحسب المصادر، فإنّ آلية التنظيم ليست واضحةً، وإن كان هناك بعض الخطوات المتوقعة مثل رفع سعر الدولار المصرفي إلى 15 ألف ليرة، ورفع سعر تسديد القروض... إنما كل ما يتعلق بإعداد ميزانيات المصارف، وأثر ذلك على رساميلها وأموالها الخاصة سيحدّده مصرف لبنان".

 

ايجابيات على تحسين الموارد وسلبيات على المصارف

في اي حال قرار الوزير الخليل لم يكن مفاجئا ولا كان " بنت ساعته" لانه كان يحضر منذ ان باشر مجلس النواب درس مشروع موازنة 2022 التي يقول نواب انها " حبلى بافخاخ وتهريبات"، وستكون له انعكاسات سلبية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالجملة وليس بالمفرق ذلك ان واقع الامر لن يقتصر على الفوضى والفراغ بل سيذهب الى ابعد نحو المحظور، بما ان رفع سعر الصرف لن يقتصر على ايجابيات منها تحسين الايرادات، ولا سيما على صعيد الضريبة على القيمة المُضافة والرسوم العقارية ورسوم الانتقال، والاقتراب من توحيد سعر الصرف، التزاماً مع مطالب صندوق النقد الدولي، وإنما ستكون له مفاعيله على مختلف انواع القروض ولا سيما السكنية منها، ( رغم ان بيان وزارة المال أشار اليها وإنما من دون تفصيل)، فيما لن يقف سداً في وجه استمرار تدهور العملة الوطنية، بما يؤذن بمستوى جديد من جحيم الغلاء والتضخم في ظل غياب اي شبكات حماية او أمن اجتماعي للفئات المهمشة والفقيرة! والسؤال الاهم اليوم، لا يقف عند حدود القرار بذاته، وباتت اسبابــــه وخلفياته مفهومة، وإنما عند توقيته. فالــــعمل بـــه لن يبدأ قبـــل تشرين الثاني ( نوفمبر)  المقبل، اي بعد انتهاء الولاية الرئاسية. وهو بذلك يكشف البلاد على المخاطر المحدقة به اذا لم تتغير صورة الوضع نحو أفق أفضل، لجهة استحقاقي الرئاسة والحكومة وحتى الترسيم. وإلا، فإن البلاد مقبلة على مرحلة من الغموض القاتم دفعت بالمسؤولين الى تأمين احتياطاتهم المالية للسنة المقبلة.

اما الأسوأ فيذهب نحو القطاع المصرفي الذي يعلن عملياً ورسمياً اعتباراً من تشرين الثاني ( نوفمبر) المقبل مفلساً! ذلك ان ميزانياته مقومة على دولار 1507 ودولار الـ١٥ الفاً سيعني ان رؤوس الأموال طارت وطارت معها رسمياً الودائع!!