تفاصيل الخبر

الترويج عن انهيار سريع في الامن والاقتصاد للتهويل لانجاز الاستحقاق الرئاسي.... ام واقع حاصل؟

23/11/2022
الترويج عن انهيار سريع في الامن والاقتصاد للتهويل لانجاز الاستحقاق الرئاسي.... ام واقع حاصل؟

الرئيس نبيه  بري والنائب السابق وليد جنبلاط

 

من دون ان يكون هناك اي رابط بين الموقفين، الا ان ما صدر عن الرئيس  نبيه بري قبل ايام وتحديدا امام وفد نقابة الصحافة، بان لبنان قد لا يحتمل تداعيات الشغور الرئاسي ووطأته اكثر من اسابيع"، داعيا الى اعطاء الاولوية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبين ما قالته مساعدة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأوسط" بربارة ليف" امام نواب ومسؤولين اميركيين في حوار اداره السفير السابق" ديفيد هيل"، عن تفلت امني  واقتصادي قد يفقد القوى الامنية في بيروت قدرتها على السيطرة على الوضع.... بين هذين الموقفين قاسم مشترك شغل الاوساط السياسية والديبلوماسية على حد سواء هو اشاعة موجة من القلق و" التهويل" بامكان حصول فلتان اذا ما استمر الشغور الرئاسي على حاله، صحيح ان الرئيس بري سبق له ان صارح النواب علانية في الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس التي لم تسفر عن نتيجة ايجابية، الا ان الصحيح ايضا ان في بعض ما قاله يحمل في طياته معطيات ومؤشرات قد لا تكون هي نفسها وراء كلام المسؤولة الاميركية، الا ان تزامنهما التقى مع مناخات تهويلية بدأت منذ ما قبل حصول الشغور الرئاسي، ثم استمرت بعد ايام قليلة على حصوله، وسط تأكيدات المسؤولين من وزراء وقادة امنيين من ان الامن " ممسوك" ولن يسمح لاحد بالمساس به تحت  اي ظرف، والاكثر تشددا في هذا الاطار هو قائد الجيش العماد جوزف عون احد ابرز المرشحين لخلافة الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا.

 

وطرحت اوساط سياسية وديبلوماسية علامات استفهام حول الاسباب التي تدفع الى اشاعة اجواء من التحذير والتخويف في البلاد في وقت تبدو الحاجة فيها الى الهدوء والعقلانية، اكثر من اي وقت مضى ، ولا تزال هذه الاوساط تتخوف مما يمكن ان يكون وراء تعميم هذه المناخات السلبية، من اهداف غير بريئة تمس بالاستقرار في البلاد مع تزايد الاحتقان السياسي وبلوغه حدود قصوى، وتعاظم الفوضى الدستورية واستمرار تراجع الاوضاع النقدية والمالية والاقتصادية على نطاق واسع يرفع من منسوب الفقر والجوع لدى الفئات اللبنانية ما دون المتوسطة. وفي هذا السياق تقول مراجع معنية انه من الواضح ان الاجهزة العسكرية والامنية تتعاطى بكثير من التأني والحذر مع تحديات المرحلة الاتية. وحتى اليوم، يبدو الوضع الامني هو المجال الوحيد المضبوط مقابل الفشل والتفلت السياسي  والدستوري والمالي. ولكن، ثمة من يخشى ارتفاع مستوى الضغوط الامنية في المرحلة المقبلة. فعلى المستوى الداخلي، ليس سهلا ضبط الامن الاجتماعي عندما تتفاقم الازمة المالية والنقدية، ويصل الناس الى مستويات عيش اكثر ترديا، اي اذا وصل سعر صرف الدولار الى المستويات المرعبة التي يتم التداول بها اخيرا، ومعها تصاعدت اسعار السلع والخدمات في شكل جنوني. وخصوصا اذا عمدت السلطة الى تنفيذ " مخططها" بمضاعفة اسعار الخدمات والرسوم والضرائب، فيما تذوب الرواتب والاجور بالكامل. وفي هذه الحال، بديهي ان يصبح الامن الاجتماعي عرضة للاهتزاز. ولا يترقب المعنيون انطلاق موجة التوتر الاجتماعي من العاصمة، حيث الوضع اكثر تماسكا، بل من المدن والمناطق الاكثر فقرا واحتقانا اجتماعيا، والتي شهد بعضها العديد من الخضات الاجتماعية والامنية في السنوات الاخيرة. وثمة مخاوف من قيام بعض الجهات، ولاسيما الجماعات التخريبية المعروفة، باستغلال حالات الفقر والجوع لاستقطاب الناقمين وتجييشهم، بادراك منهم او من دون ادراك. وفي الايام الاخيرة، كشفت الاجهزة الامنية عن مزيد من الخلايا الارهابية الناشطة على الساحة.

متغيرات اقليمية بدايتها من اسرائيل

ولعل ما يزيد المخاوف حدة هو حصول تغيّر في المناخات الدولية والاقليمية وعودة مظاهر التوتر بعد فوز "بنيامين نتنياهو "واحزاب اليمين المتطرف في اسرائيل، والحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية الاميركية واحتمال انعكاس ذلك سلبا على مجمل ملفات الشرق الاوسط ومسارات التصعيد  بين طهران وكل من اسرائيل والسعودية وتأثيرها على ساحات الاشتباك الساخنة من اليمن الى العراق وصولا الى سوريا ولبنان. وفي اعتقاد مصادر متابعة ان من خلال هذه المتغيرات يخشى كثيرون ان يعود لبنان ساحة مواجهة بذلت محاولات عدة لتعطيلها خلال المفاوضات التي دارت حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية قبيل انتهاء عهد الرئيس عون. وقد ساهم نجاح مفاوضات الترسيم في حصول تهدئة على الخط الجنوبي لن يكون من السهل على" نتنياهو "وفريق المتطرفين في احزاب اليمين" خربطتها" لان ذلك لا يصب في مصلحة اسرائيل والقيادة الجديدة لاسيما وان الضمانة الاميركية لهذه المسألة الحساسة قائمة ومستمرة مع الادارة الاميركية بقيادة الرئيس "جو بايدن". وترى هذه المصادر  ان ما يدفع الى القلق هو الخوف من تراجع منسوب الاهتمام الدولي بلبنان خصوصا اذا استمر بلا رئيس لاشهر اضافية ما يعني استشراء الفوضى الى حدود لا يمكن تقديرها. في المقابل تقول مصادر ديبلوماسية ان لبنان سيشعر من خلال الممارسة ان القوى الدولية والاقليمية كافة ما زالت تعتبر الاستقرار اللبناني حاجة خاصة للاستقرار الاقليمي، وان الحفاظ على الحد الادنى من السلطة وهيكل الدولة  ضرورة لتجنب المزيد من الفوضى في دول اخرى في المنطقة.

 

في اي حال، ثمة من يعتبر في " مخاوف" الرئيس بري رغبة في حث المعنيين الى اسقاط اللامبالاة التي يقاربون من خلالها ملف الاستحقاق الرئاسي والاسراع الى التجاوب مع مساعيه في انجاز هذا الملف وفق " طبخة" يعدها بالتنسيق مع حزب الله من جهة، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي  وليد جنبلاط من جهة ثانية، بحيث يمكن الوصول الى مخرج معين للمعضلة الرئاسية. اما بالنسبة الى كلام المسؤولة الاميركية فهو يندرج   في سياق صراع الارادات الدائر منذ زمن بين واشنطن و" حزب الله" على الساحة اللبنانية، وامتدادا الى ساحات اقليمية اخرى. فالادارة الاميركية بكلامها هذا انما تمسك الحزب في خاصرته الرخوة او اليد التي توجعه بل وترعبه من خلال الكلام عن عودة الفوضى والفلتان فهي ( الادارة) تريد ان توصل للحزب رسالة فحواها ان تسهيلكم لعملية الترسيم البحري على بلاغتها ليست كافية لتنالوا " الصفح والعفو" واستطرادا كي تحلموا باخذ جوائز ترضية من خلال الرهان على امكان الاتيان برئيس تباركونه وفق ما روج له البعض في بيروت غداة نجاح عملية الترسيم التي مرت كما هو معلوم بمخاضات صعبة جدا. وبناء على ذلك، ثمة من يقرن هذا الاستنتاج باستنتاج رديف، وهو ان الحسابات العميقة والمعقدة للادارة في واشنطن تمنعها من ان تعطي لايران  وحلفائها في الاقليم ما يريحهم ويبديهم رابحين في بيروت وبغداد في آن واحد، اذ ان واشنطن تتصرف على اساس ان لكل بيدر من البيادر حسابه الخاص.