مع نهاية شهر آذار ( مارس) الجاري، يبدأ العد العكسي لاستحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية التي يفترض ان تحصل قبل نهاية شهر ايار ( مايو) المقبل موعد انتهاء ولاية المجالس البلدية في كل لبنان والتي مددت العام الماضي سنة واحدة بموجب قانون اقره مجلس النواب السابق في جلسة عقدت في 30 آذار ( مارس) 2022 وذلك بسبب تلازمها آنذاك مع الانتخابات النيابية التي اجريت في 15 ايار ( مايو) من العام نفسه. فهل ستجري الانتخابات البلدية بموعدها وماذا عن تعذر الاجراء وتنامي الحديث عن تمديد لولاية المجالس البلدية في اول جلسة لمجلس النواب بعد اكتمال النصاب.... اذا اكتمل. لن يكون من السهل الجزم في هذا الموضوع لانه، وقبل شهرين من موعد اجرائها، لا شيء يوحي بان البلاد مقبلة على انتخابات يفترض ان تجري على 4 مراحل، اي طوال شهر ايار ( مايو) المقبل، لانها تختلف عن الانتخابات النيابية التي تجري في يوم واحد. فحماسة المواطنين لم تظهر بعد بشكل قوي، ولا المنتديات والاماكن الشعبية تشهد مهرجانات واحتفالات وندوات ترويجية لهذا المرشح او ذاك. البرودة هي سيدة الموقف وكأن كلمة السر حول تأجيل الانتخابات جالت بــ " خفر" على الجهات المعنية بالتأجيل وفي مقدمها مجلس النواب، فضلا عن ان التحالفات لم تظهر بعد. صحيح ان الانتخابات البلدية والاختيارية اصعب من النيابية لوجستيا وامنيا واداريا بسبب تعداد الاقلام الاقتراع، لكن الصحيح ايضا ان ادعاء المسؤولين على مختلف مستوياتهم عن " استعداد الحكومة" لاجراء الانتخاب فيه من المبالغة وربما المكابرة لاسباب عدة منها عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة، فضلا عن ان الظروف ليست مهيأة لهكذا استحقاق مع استمرار الشغور الرئاسي، وفي ظل حكومة تصريف اعمال، ومجلس نيابي غير قادر على الاجتماع، ومؤسسات ادارية تنهار الواحدة تلو الاخرى...
من يتحمل مسؤولية طلب التأجيل؟
يقول مصدر رفيع ان مسألة تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية سنة اضافية هي الواردة حكما لاسباب عدة، لكن المشكلة تكمن بان لا احد يريد ان يتحمل مسؤولية التأجيل الثاني، بعد تأجيل اول حصل العام 2022، لاسيما وان عملية التأجيل لا بد ان تمر في مجلس النواب حيث السلطة الاشتراعية المخولة اقرار مثل هذا القانون. لكن الكتل النيابية لم تقل كلمتها، ويبدو ان كل فريق ينتظر الاخر، والوقت يمر من دون الوصول الى خواتيم سعيدة، والانكى ان كل من رفع صوته مطالبا باجراء الانتخابات على اساس انها " واجب وطني"، هو الذي يعمل في السر على التشجيع لتأجيلها، فالناس لم تخرج بعد من تأثير نتائج الانتخابات النيابية والتوزيع الذي حصل للكتل على مستوى الوطن، اضافة الى طريقة تعاطي مواقع التواصل الاجتماعي، كلها عوامل تبقي الملف البلدي والاختياري في حالة انتظار. لكن الملفت في هذا السياق، ما نقلته مصادر اعلامية، ولم تنفه دوائر رئاسة الحكومة، من ان ميقاتي ابلغ عددا من نواب كتلة نيابية كبيرة، ان كل القوى السياسية، بما فيها احزاب وتيارات كبيرة " تمنت" عليه تأجيل اجراء الانتخابات بحجة ان ظروف البلد السياسية والمالية وعدم الجهوزية الادارية واللوجستية الكافية لا تسمح باجرائها! قد يكون كلام الرئيس ميقاتي صحيحا لعدم جهوزية الدولة وكذلك الظروف السياسية، فلماذا التأخير اذن عن الاعلان عن تأجيل الانتخابات بدلا من ابقاء البلاد في حالة قلق دائم حول مصير هذا الاستحقاق، لاسيما وان العقبة اللوجتسية في هذا الاستحقاق تتمثل في تأمين الإعتمادات المالية، لا سيّما وأنَّ موازنة العام 2022 خالية من أي مبلغ للإنتخابات، ولا يوجد موازنة للعام الحالي 2023، وبالتالي فإنَّ الحكومة مضطرّة للذهاب إلى المجلس النيابي لإقرار قانون لتأمين الإعتمادات المالية، وهذا الأمر غير متوفر بسبب معارضة كتل وقوى سياسية ونيابية متعدّدة التشريع قبل إنتخاب رئيس للجمهورية.وهناك من يرى أنّ الحل الأفضل للحكومة في هذه الحالة، أن تبحث عن تمويل خارجي من المنظّمات والمؤسسات الدولية، وعندها تكتفي بالإجتماع وإصدار مراسيم قبول الهبات الخارجية لتأمين مصاريف الإنتخابات التي قدّرتها وزارة الداخلية بنحو 9 ملايين دولار تقريباً. وهذا طبعاً في حال شارك القضاة المنتدبون من وزارة العدل للجان القيد، حيث تمّت تسمية العدد المطلوب، وفق ما أبلغت ممثّلة وزارة العدل لجنة الداخلية والدفاع النيابية في اجتماعها الأخير، وقالت إنّه يتمّ تعيين بدلاء للذين يرفضون المشاركة فور تبلّغ الوزارة بذلك. أما بالنسبة للأساتذة والموظّفين الذين سيشرفون على العملية الإنتخابية، فلا يُمكن التكهّن بمواقفهم طالما لم تحدّد المواعيد بعد، وكذلك لم تتّضح صورة المبالغ التي ستُخصّص لهؤلاء وحتى للقضاة كبدلات، وبالتالي من المبكر معرفة ما إذا كان هذا العامل سيُساهم في تأمين سير العملية الإنتخابية أم تعطيلها. وتبعاً للمادة 14 من قانون البلديات «تدعى الهيئات الإنتخابية البلدية بقرار من وزير الداخلية والبلديات خلال الشهرين السابقين لنهاية ولاية المجالس البلدية، ويُذكر في القرار المهلة بين تاريخ نشره وإجتماع الهيئة الإنتخابية 30 يوماً على الأقل. ما تقدّم يعني أنّ المهل بدأت تضيق أمام وزير الداخلية لإصدار مراسيم دعوة الهيئات الناخبة ويُفترض أن لا تتجاوز أوائل نيسان المقبل. كذلك، هناك عقبة قانونية قد تزيد الأمور صعوبة وتعقيداً، وتتمثّل في أنَّ الإنتخابات البلدية تعتمد نفس أصول إنتخاب أعضاء المجلس النيابي، أي يفترض أن تحصل وفق القانون النسبي وفقاً للمادتين 11 و16 من قانون البلديات الصادر في عام 1977، ويستحيل تطبيقه الآن. لكنّ رئيس لجنة الداخلية والدفاع النيابية النائب جهاد الصمد كان اعلن أنّ هذا الأمر تمّت معالجته، وتمّ إستثناء البلديات من هذا النص في قانون الإنتخابات النيابية التي جرت في العام 2018 ، ولا مشكلة في هذا الموضوع، والإنتخابات ستجرى على القانون الأكثري وليس النسبي، وهذا ما تمّت مراجعته من قبل اللجنة في جلستها ما قبل الأخيرة، وفق الصمد.
دخول " جنة" تصريف الاعمال
والى ان يمتلك مجلس النواب او الحكومة الجرأة في اعلان الموقف الحاسم، سلبا ام ايجابا، فان عدم الوصول الى قرار حاسم قبل 30 ايار ( مايو) المقبل، اي عدم اجراء الانتخابات، او اقرار قانون لتمديد ولايتها، سيعني انه مع حلول الاول من حزيران ( يونيو) المقبل، فان البلديات ستكون امام حل من اثنين: اما افراغ في هذه المواقع من شاغليها وبالتالي تعتبر البلديات منحلة وتحت سلطة القائمقام او المحافظين، واما ان يستمر الامر من خلال تصريف الاعمال بالمعنى الضيق عملا بمبدأ استمرارية المرفق العام. ويرجح الخبير القانوني المحامي سعيد مالك الخيار الثاني الذي يعمل به من خلال تعميم يصدر عن وزير الداخلية والبلديات ويوجه الى المجالس البلدية والاختيارية للاستمرار في عملها ضمن اطار تصريف الاعمال في الحد الادنى والمفهوم الضيق له الى حين اجراء الانتخابات. ولان " "نعمة" تصريف الاعمال، غدت " نقمة" على الحكومة منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، لاسيما وان المصطلحات مطاطة ولا تعريف واضحا لها، ما يمكن ان يؤدي الى اشكالات في المدن والقرى، يرى الخبير مالك ان اعطاء صلاحيات للبلديات بعد تاريخ انتهاء الولاية يناقض مبدأ دستوريا اساسيا وهو " صلاحية الوكالة المعطاة من الشعب" الى هؤلاء اذ لا يمكن تجاوز تلك المدة الزمنية المعطاة وهذا ما هو صريح وواضح في القرار الصادر عن المجلس الدستوري الرقم 1\97 حين ذهب الى اعتبار ان للوكالة مجال زمني لا يمكن تخطيه على الاطلاق. ولكن اليوم امام واقع الفراغ وما يمكن ان ينتج عنه من آثار، فقد يكون " اهون الشرين" الذهاب الى تصريف الاعمال بالمعنى الضيق ضمن اطار المسؤولية، بمعنى انه في حال ارتكب اي مختار او اي رئيس بلدية او مجلس بلدي او عضو بلدي او اختياري مخالفة ما يكون تحت ملاحقة ادارية او عدلية، او جزائية او مدنية، وبالتالي لا يجب ان يكون هؤلاء بمنأى عن المسائلة والمحاسبة.
اذن، خيار التأجيل يتقدم، لكن من سيبادر الى طرحه؟ يقول مصدر حكومي ان الحكومة ليست في وارد طلب التأجيل لئلا يقال ان السلطة التنفيذية عطلت استحقاقا دستوريا باهمية انتخاب مجالس بلدية واختيارية جديدة في البلدات والقرى اللبنانية على رغم اعلان وزراء فيها- ومنهم الوزير المعني اي وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي- ان الجهوزية باتت محققة اداريا ولوجستيا، والبحث جار لجهوزية مالية يتم صرفها على الانتخابات. كذلك فان الكتل النيابية تتريث حتى الساعة في المبـــــادرة الى طلب التأجيل لمدة سنــــة اوسنتين، لان ذلك يؤثر على " شعبية" اعضاء الكتل النيابية الذين- كما يقول المثل العامي " يريدون منه وتفو عليه". فهل من يجرؤ؟!